قمة الدوحة العربية الإسلامية: نجاح ينتظر أن يكتمل

تعرضت العاصمة القطرية الثلاثاء التاسع من سبتمبر/أيلول 2025 لعدوان عسكري إسرائيلي استهدف الفريق المفاوض لحركة حماس أثناء اجتماعه لمناقشة مقترح أميركي بشأن الحرب على غزة. لم تنجح العملية في تحقيق هدفها ولكنها خلفت ضحايا فلسطينيين وقطريين، وألقت بضلالها على المسار التفاوضي وعلى أمن الدولة الوسيطة والأمن الخليجي والعربي عموما.
(الجزيرة)

مقدمة

صُدم العالم يوم الثلاثاء، 9 سبتمبر/أيلول الجاري 2025، بانفجارات وقعت في العاصمة القطرية الهادئة، بمقر سكني يقطنه بعض أعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وذلك أثناء وجود فريق الحركة التفاوضي لمناقشة ورقة أميركية مقترحة من الرئيس ترامب، لأجل التوصل إلى تسوية بشأن الحرب على غزة.

لم يمض وقت طويل حتى تبين للقاصي والداني سبب الانفجارات، والتي بدأ المواطنون القطريون والمقيمون في قطر سريعًا بتداول أخبارها وصورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وافتراض حدوث تلك الانفجارات في محطة وقود بالمنطقة التي يقع فيها المقر السكني، وربطها بسخونة الطقس في الدوحة.

لكن، خلال أقل من نصف ساعة، بدأ اسم حماس بالتداول في أخبار وسائل التواصل، واحتمالية حدوث انفجار بالمقر السكني، وربط ذلك بالعدو الإسرائيلي، حتى تنوعت التكهنات حول طبيعة الانفجارات: إن كانت قنابل موقوتة، أم صواريخ بعيدة المدى، أو هجومًا بالمسيرات. وهكذا صارت الدوحة سريعًا مركز اهتمام كثير من دول العالم ووسائل إعلامها، بعد أن اتضحت الصورة تقريبًا خلال أقل من ساعتين، مفادها أن هجومًا بصواريخ دقيقة قام بها الطيران الإسرائيلي على مقر سكنى بعض أعضاء حماس، والمفترض أن اجتماع فريق التفاوض قائم فيه أثناء الحدث!

حدث ما حدث، وتفاعل من تفاعل، واتضحت الصورة تمامًا بعد أن خرج نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، متباهيًا بالعملية، وأنها نتيجة تباحثه مع رئيس أركان جيشه، معلنًا ابتهاجه بتصفية أعضاء فريق التفاوض، الذين زعم أنهم زعماء إرهاب! لكن تتطور الأحداث بعد قليل من الوقت، حين بدأت تتسرب أخبار تفيد بنجاة الفريق التفاوضي، وأن الخسائر البشرية وقعت في عدد من ساكني المقر من مرافقين وإداريين، وعدد من الفريق الأمني القطري المكلف بالحماية؛ ما جعل الرئيس الأميركي يصرِّح سريعًا بعدم معرفته بالحدث، ووصفه بأنه عمل فردي من طرف الجانب الإسرائيلي دون تنسيق مسبق معه!

تناقضات الرئيس ترامب

تبين سريعًا أيضًا، عبر تسريبات أكدتها وسائل إعلام أميركية، أن العملية لم تكن لتحدث لولا ضوء أميركي أخضر، وأن الرئيس ترامب قد تم إبلاغه بالعملية قبل البدء بها بساعة، وهي مدة كافية لإبلاغ الدوحة للقيام بالإجراءات المناسبة للحيلولة دون وقوع خسائر بشرية على أقل تقدير، لو أن الرئيس ترامب كان صادقًا في رغبته التوصل إلى تسوية مناسبة للحرب على غزة، دون أن يعرِّض أمن واستقرار البلد الوسيط في هذه المفاوضات للخطر.

لن ندخل عميقًا في بيان تناقضات ترامب، ذلك أن ما يهمنا هاهنا ليس الحدث نفسه، بقدر ما حدث بعد ذلك من أحداث وتطورات، لعل أبرزها القمة العربية الإسلامية الطارئة، التي عُقدت بالدوحة على مدار يومي 14-15 من سبتمبر/أيلول الجاري 2025.

الدبلوماسية القطرية

عُقِدت القمة العربية والإسلامية الطارئة يوم الاثنين، 15 من سبتمبر/أيلول 2025، حيث عبَّر الرؤساء والزعماء المشاركون فيها عن تضامنهم مع دولة قطر، وتنديدهم بالعدوان الإسرائيلي الغادر والسافر على سيادتها، واعتباره عدوانًا جبانًا غادرًا، كما جاء في كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأنه "يستحيل التعامل مع هذا القدر من الخبث والغدر. فثمة مبادئ أولية بسيطة في التعامل بين البشر يعجز حتى من توافرت لديه الحكمة والشجاعة اللازمتان للخوض فيما نخوض فيه، عن توقع أن هناك من لا يعيرها أي اهتمام، ولا تعني له شيئًا".

يمكن القول بأن الدوحة نجحت باقتدار في تحقيق الهدف من هذا التجمع العربي الإسلامي الكبير، الذي تم الإعداد له في وقت قياسي. فوجدت الدوحة نتيجة ذلك الجهد، تضامنًا عربيًّا إسلاميًّا، وتأكيدًا على أهمية دورها الذي تقوم به في أحداث غزة وغيرها من جهود عمليات إحلال السلام حول العالم. وفي الوقت نفسه، نجحت الدوحة في لفت انتباه العالم إلى ما يحدث في غزة من عدوان وحملة إبادة ممنهجة. فقد كانت كلمات معظم الزعماء والقادة، بالإضافة إلى أنها تضامنية مع قطر، واضحة المطالب والمغزى فيما يتعلق بالعدوان على غزة، والدعوة إلى إجراءات وخطوات جادة.

من تلك المطالب تفعيل المقاطعة التجارية والدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي. ومنها تفعيل آليات التعاون العسكري بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. ومنها رفض المخططات الإسرائيلية الهادفة لفرض واقع جديد بالمنطقة تحت لافتة تشكيل شرق أوسط جديد. ومنها الرفض القاطع لمحاولات تبرير العدوان الإسرائيلي على قطر أو غيرها تحت أية ذريعة.

نجاح غير مكتمل

قامت الدوحة بما تملك من إمكانات بالإعداد لهذا التجمع العربي الإسلامي الكبير، وتحقق لها هدف الحصول على تضامن واسع ضد العدوان الإسرائيلي الغادر. ونجحت في لفت انتباه العالم إلى ما يحدث في غزة. لكن مع ذلك يبقى العمل غير مكتمل الجوانب، ويحتاج إلى جهود أكبر وأعمق من دول عربية وإسلامية مؤثرة على الساحة الدولية.

لا يكفي التنديد بالعدوان حتى لو كان بأشد العبارات. ولا يكفي استنكار ما يقوم به النظام الصهيوني في فلسطين سواء في غزة أو الضفة أو القدس. ولا يكفي الرفض النظري لمخططاته القريبة والبعيدة، فأحداث الماضي والحاضر تثبت أنه نظام لا يأبه بنظام دولي أو قوانين دولية، ولا يرتدع بمثل هذه الإجراءات النظرية أو الشفاهية التي صدرت عن القمة العربية الإسلامية، وغيرها من قمم على مدار أكثر من خمسين عامًا. ما يردعه عن مواصلة طغيانه وعدوانه بالفعل هو ما يمكن أن تقوم به الجامعة العربية مع منظمة التعاون الإسلامي من إجراءات وخطوات عملية قابلة للتنفيذ الفوري، منها المقاطعة التجارية والدبلوماسية، كما دعا إليها أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا. ومنها إعادة تقييم جدوى بقاء القواعد العسكرية الأميركية المتناثرة في المنطقة العربية، التي إن لم تفد بلد الموقع في حمايتها من أي عدوان خارجي، فما الفائدة من بقائها إذن؟ ومنها القيام بإجراءات عملية على المستوى الدولي لعزل نظام الاحتلال الإسرائيلي سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، وغيرها من مجالات. ومنها إعادة تقييم معاهدات السلام الموقعة بين هذا النظام وبعض الدول العربية. ومنها الوقف الفوري لأي إجراءات تطبيعية تقوم على إعدادها بعض دول الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي مع هذا النظام.

تقييم العلاقات مع أميركا

من الإجراءات العملية المؤثرة، بناء تحالفات ومعاهدات عسكرية واقتصادية مع قوى أخرى صاعدة في هذا العالم، كالصين مثلًا، وعدم وضع كل البيض في السلة الأميركية، التي بدأت تظهر مؤشرات قوية في الأفق، تفيد بأن الولايات المتحدة مقبلة على فترة صعبة جعلت البعض يتنبأ بانكفائها على ذاتها بعد حين من الدهر لن يطول. فالاضطرابات الداخلية متصاعدة، والانقسام بين اليمين واليسار يزداد حدة وقد يؤدي إلى اندلاع موجات من العنف أو حرب أهلية. من شأن هذه التطورات أن تدفع منطقيًّا دول العالمين، العربي والإسلامي، إلى ضرورة مراجعة علاقاتها مع هذه القوة، والاستعداد المبكر لنتائج ما قد يجري عليها من سنن حياتية، تتعرض لها كل القوى والحضارات والأمم، في ظل تحولات تجري على أرضها، أهمها شعار "أميركا أولًا"، ما يعني تنصلها التدريجي من واجباتها تجاه العالم باعتبارها قوة عالمية مؤثرة، بعد أن أظهرت نفسها زعيمة للعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، أوائل تسعينات القرن الفائت. يضاف إلى ذلك، تكرار حوادث أظهرت ازدواجية المعايير في سياساتها الخارجية؛ الأمر الذي أدى -وما زال يؤدي- تدريجيًّا إلى فقدان مصداقيتها، وثقة حلفائها بها. يرافق ذلك ما نشهده من موجة متصاعدة مناهضة للصهيونية التي ظلت لعقود تؤثر بعمق في سياسات هذا البلد.

استثمار أوراق رابحة

كل ذلك يمكن اعتباره أوراقًا مطلوبًا استثمارها من قبل العالمين العربي والإسلامي. أولًا: للخروج التدريجي من تحت العباءة الأميركية. وثانيًا: استثمار العداء المتصاعد في المجتمع الأميركي للصهيونية ولسياسات الاحتلال الإسرائيلي. إن تعزيز هذا الاتجاه يسهم في انحسار الاحتلال الصهيوني التدريجي عن فلسطين المحتلة، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي الرئة التي يتنفس بها نظام الاحتلال الإسرائيلي، أو الشريان الرئيسي المغذي له، وسبب بقائه.

هذه التحولات، إلى جانب الأحداث الجارية في كثير من بقاع العالم، والتي لا ريب أن طوفان الأقصى كان عاملًا رئيسيًّا في حدوثها، هي فرص مطلوب استثمارها بشكل صحيح وفي وقتها المناسب. والقمة العربية الإسلامية الأخيرة بالدوحة أظهرت الأمة كيانًا يمكن أن يلعب دورًا رائدًا في العالم. ما تحتاج إليه هو أن تؤمن بقدراتها فتستثمرها وتفعِّل طاقاتها المختلفة وإمكاناتها المتنوعة، وتتخذ بناء على ذلك، خطوات عملية في ظل ما يجري من تحولات في هذا العالم، والذي يتسابق كل أحد في أن يكون له دوره في البناء والتشكيل لقرن قادم، أو ربما أكثر. يبني ويساعد في التشكيل، قبل أن يُبنى عليه ويتم تشكيله.

ABOUT THE AUTHOR