
مقدمة
شهدت العقود الأخيرة تحولًا جذريًّا في طبيعة الصراعات العسكرية؛ حيث برزت الطائرات المسيرة (Drones) عنصرًا مؤثرًا في تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي. لم تعد هذه التقنيات مجرد أدوات تكميلية، بل أصبحت معدات عسكرية قياسية؛ مما أدى إلى إنشاء شبكة عالمية معقدة تضم وحدات عسكرية متخصصة، وقواعد تشغيل، ومواقع اختبار مخصصة لتطويرها ونشرها. يعكس هذا الانتشار الواسع الأهمية المتزايدة لهذه التكنولوجيا في الإستراتيجيات الدفاعية والهجومية للدول.
تتجلى هذه الأهمية بشكل واضح في ساحات القتال المعاصرة في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى بؤر التوتر الجيوسياسي الأخرى، فقد أصبحت الأجواء مكتظة بشكل متزايد بأنواع مختلفة من المسيرات، تتفاوت في أحجامها وقدراتها التقنية وتعقيداتها. تتراوح استخدامات هذه الطائرات من جمع المعلومات الاستخبارية الدقيقة، وتنفيذ الضربات الجوية الموجهة، وتحديد مواقع المدفعية بدقة عالية، وصولًا إلى مهام الحرب الإلكترونية المعقدة التي تهدف إلى تعطيل أنظمة العدو. هذا التنوع في المهام يؤكد على الدور المحوري الذي تلعبه كمساهم رئيسي في التغير المستمر لخصائص الحرب الحديثة.
تاريخيًّا، كان استخدام الطائرات المسيرة الهجومية مقتصرًا إلى حدٍّ كبير على الدول الغربية المتقدمة. إلا أن ديناميكيات العولمة واقتصاد السوق الحرة المتسارعة قد بشَّرت بعصر جديد أصبح فيه الوصول إلى هذه التكنولوجيا متاحًا لعدد لا يُحصى من الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية.
في هذا السياق، برزت إفريقيا بشكل متزايد مسرحًا مهمًّا لنشر هذه التكنولوجيا؛ مما يستدعي دراسة معمقة لهذه الظاهرة من منظور أمني وإستراتيجي وجيوسياسي لفهم آثارها وتداعياتها على موازين القوى في النزاعات المسلحة وعلى الأمن محليًّا وإقليميًّا.
تزايد المقتنيات الإفريقية من المسيرات
تكشف البيانات منذ عام 1980 حتى 2024 أن ما مجموعه 31 دولة إفريقية قد اشترت مسيَّرات بإجمالي تراكمي قدره 1534 وحدة. وبتحليل اتجاهات المشتريات، شهد عام 2020 أعلى ذروة، حيث تم الحصول على 237 طائرة، يليه عامَا 2022 و2021(1). كما أنه تم إبرام ما لا يقل عن 15 اتفاقية استحواذ ثنائية (تتضمن كل اتفاقية أكثر من اثنتي عشرة طائرة) كل عام منذ عام 2020. إن انتشار المسيرات في إفريقيا مدفوع بمجموعة من العوامل، بما فيها المخاوف الأمنية المتزايدة، وزيادة الوعي بالمزايا الإستراتيجية التي توفرها هذه الطائرات(2)، بما في ذلك التكاليف المنخفضة، والتوافر المتزايد، والرغبة في تعزيز قدرات المراقبة، والقدرة على إبراز القوة ضد الخصوم(3). السوق الإفريقية للمسيرات تعكس هذا الاهتمام المتزايد: قُدرت قيمته بـ 65.5 مليون دولار أميركي في 2023 ومن المتوقع أن يصل إلى 107.1 ملايين دولار بحلول 2030، بنمو سنوي قدره 7.3%. أما عدد الوحدات فبلغ 293 مركبة في 2023 وقد يتجاوز 663 مركبة بنهاية العقد، بنمو يصل إلى 12.4%(4).
تشمل المسيرات التي تم الحصول عليها كل شيء بدءًا من الطائرات الصغيرة المحمولة التي يقل وزنها عن كلغ وتُستخدم بشكل أساسي لجمع المعلومات الاستخباراتية إلى الطائرات عالية التحمل من طراز (HALE) التي يمكن أن تظل عاليًا لمدة 24 ساعة، وتحلق لأكثر من 300 كيلومتر في الساعة، وتسقط أكثر من 900 كلغ من الذخائر الموجهة بدقة(5).
من حيث المشتريات الوطنية، برزت مصر مشتريًا رئيسيًّا؛ حيث استحوذت على 267 طائرة، تمثل 17.41٪ من إجمالي الوحدات، يتبعها المغرب ونيجيريا وإثيوبيا ثم الجزائر مشترين مهمين. على العكس من ذلك، اشترت دول مثل تشاد عددًا ضئيلًا من الوحدات(6). غالبًا ما يرتبط هذا التفاوت بالموقع الإستراتيجي للدولة والتحديات الأمنية السائدة وحجم ميزانيتها الدفاعية. على سبيل المثال، تعد دول شمال إفريقيا، بما في ذلك مصر والمغرب والجزائر، قوية عسكريًّا وتشغِّل كميات أكبر من المسيرات بسبب نفقاتها الدفاعية الكبيرة وقربها من مناطق النزاع. وتعتمد نيجيريا، المنخرطة في مكافحة التمرد على مدى عقد من الزمان، بشكل كبير على المسيرات للتعويض عن الثغرات في قدراتها العسكرية(7). وبالمثل، تحولت إثيوبيا، التي لديها صراعات جارية في مناطق مثل تيغراي والصومال، إلى المسيرات لتعزيز قدرتها العسكرية المحدودة(8).
على الصعيد الإقليمي، تتصدر شمال إفريقيا الترتيب، حيث تمثل 818 وحدة (53.32٪ من الإجمالي). تليها غرب إفريقيا بـ 338 وحدة، وشرق إفريقيا بـ218 وحدة، وجنوب إفريقيا بـ160 وحدة. يتأثر هذا التوزيع الإقليمي إلى حدٍّ كبير بانتشار الاضطرابات والتحديات الأمنية. تنتمي الغالبية العظمى من المسيرات التي يتم شراؤها في غرب إفريقيا إلى نيجيريا، التي تواجه العديد من التهديدات الأمنية وتمتلك مساحة كبيرة تتطلب مراقبة مكثفة. في شرق إفريقيا، تشغل دول مثل إثيوبيا وكينيا جزءًا كبيرًا من المسيرات التي تم شراؤها، ويرجع ذلك أساسًا إلى صراعاتها المستمرة مع جماعات مثل حركة الشباب ومتمردي تيغراي(9).
من ناحية أخرى، يكشف تصنيف المسيرات عن تفضيلات مميزة في السوق الإفريقية. وفقًا لتصنيف الناتو، تهيمن الطائرات المسيرة من الفئة الثانية (الأنظمة التكتيكية متوسطة الحجم) على المشتريات، مع 604 وحدات، تمثل ما يقرب من 40٪ من جميع عمليات الاستحواذ. تتبعها المسيرات من الفئة الأولى (micro, mini, and small) والفئة الثالثة ذات (التحمل الطويل على الارتفاعات المتوسطة/التحمل الطويل على الارتفاعات العالية) بـ 481 و449 وحدة على التوالي(10).
يشير هذا التوزيع إلى متطلبات تشغيلية متنوعة عبر مختلف المناطق والجهات. من حيث النوع، تُفضَّل بشكلٍ كبيرٍ المسيرات ذات الأجنحة الثابتة (VTOL)، والتي تشكل أكثر من 80٪ (1.254 وحدة) من جميع عمليات الاستحواذ. يرجع هذا التفضيل، إلى حدٍّ كبير، إلى قدراتها الفائقة على المدى والتحمل مقارنة بالمسيرات ذات الأجنحة الدوَّارة (144 وحدة rotary-wing) وذات الأجنحة الثابتة 136 وحدة(11).
عبر المساحات الشاسعة والمتنوعة من إفريقيا -حيث تندلع النزاعات في صحارٍ بعيدة وغابات كثيفة وأحياء حضرية- تواجه القوات المسلحة تحديات دائمة من جماعات متمردة، ونزاعات حدودية، وتوترات مدفوعة بالموارد. في هذا السياق، تبرز المسيرات أداةً عملية تعيد تشكيل أداء الجيوش الإفريقية. تمتد هذه الآلات من كشافات صغيرة يمكن رميها إلى منصات أكبر قادرة على حمل أسلحة أو إمدادات؛ مما يتيح للجنود توسيع نطاق تحركهم دون تعريض الأفراد لمخاطر غير ضرورية. ومع تزايد استثمارات الدول الإفريقية في تحديث دفاعاتها استجابة لمتطلبات الأمن المتصاعدة، توفر هذه الطائرات وسيلة لسد فجوات العتاد والقوى البشرية، مستفيدة من التطورات العالمية التي تكون مُعدَّلة لتناسب الاحتياجات المحلية. في عصر التنافس الإستراتيجي، تُعد المسيرات على وشك أن تلعب دورًا محوريًّا في تعزيز قدرات القوات المسلحة الإفريقية بهدف الحفاظ على التفوق التكتيكي والإستراتيجي. توفر هذه الأنظمة معرفة بالميدان، وقابلية قتل أعلى، وخيارات تكتيكية متنوعة لصالح تشكيلات الجيش ضمن عمليات متعددة المجالات. يتحكم المشغلون عن بُعد في مركبات تعمل بطريقة شبهَ ذاتية؛ ما يتيح اتخاذ قرارات فورية من مواقع أكثر أمانًا. وتظهر فاعليتها في جميع مراحل العمليات متعددة المجالات: من المرحلة الأولية حيث تجمع المعلومات، وصولًا إلى اختراق الخطوط، وتفكيك الهياكل القيادية، واستغلال الفرص، وإعادة التنافس لضمان الهيمنة طويلة الأمد(12).
خريطة انتشار المسيرات في إفريقيا
تفاعل معقد بين المحركات
إن الاعتماد المتزايد على المسيرات في القارة الإفريقية مدفوع بتفاعل معقد من العوامل، بدءًا من الاحتياجات الأمنية الملحَّة إلى التقدم التكنولوجي وأولويات التنمية المتطورة. تشكِّل هذه المحركات، إلى جانب الأدوار التي تلعبها الجهات الفاعلة الخارجية والمحلية، المشهد الحالي في جميع أنحاء القارة.
أولًا: المحركات الذاتية
يدعم العديد من المحركات الذاتية طلب الدول الإفريقية المتزايد على المسيرات:
المخاوف الأمنية: إن مكافحة الإرهاب والقرصنة والحاجة إلى تأمين الحدود أمور بالغة الأهمية. توفر المسيرات قدرات مراقبة جوية وجمع معلومات استخباراتية حاسمة، وتوفر أداة فعَّالة في عمليات مكافحة التمرد ومكافحة أشكال مختلفة من الأنشطة غير المشروعة(14). إن القدرة على مراقبة الحدود الشاسعة التي يسهل اختراقها في كثير من الأحيان، وتتبع تحركات المتمردين، وتوفير المعلومات الاستخباراتية في الوقت الفعلي جعلت المسيرات لا غنى عنها للعديد من الجيوش الإفريقية(15). هذا بالإضافة إلى تأثيرها الإستراتيجي حيث إنها تتيح ضربات دقيقة، مما يقلِّل من الخسائر على الأرض.
سهولة الوصول والاستخدام: جعل الابتكار المستمر في تكنولوجيا المسيرات هذه الأنظمة ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها واستخدامها بسهولة من قبل العديد من البلدان الإفريقية؛ مما مكَّن من دمجها في بنيتها الدفاعية والأمنية(16). تعني الوتيرة السريعة للتطور التكنولوجي أن المسيرات أصبحت متطورة بشكل متزايد؛ مما يوفر قدرات محسنة من حيث المدى والتحمل وسعة الحمولة والاستقلالية(17). كما أنها تتطلب تدريبًا أقل، وتتميز بالمرونة في التشغيل، حيث يمكن نشرها بسرعة في مناطق النزاع التي يتعذر الوصول إليها في كثير من الأحيان(18).
احتياجات التنمية: بالإضافة إلى التطبيقات العسكرية، يتم استخدام المسيرات بشكل متزايد للأغراض المدنية التي تسهم في التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية. وتشمل مراقبة البنية التحتية والزراعة الدقيقة وإدارة الكوارث(19).
بالتالي، فإن الاستخدام المتعدد للمسيرات يعني أن الاستثمار فيها يمكن أن يخدم الأهداف الأمنية والاقتصادية والتنموية على حدٍّ سواء؛ مما يحفز الدول على امتلاكها.
ثانيًا: قوى خارجية تقود دبلوماسية المسيرات
تلعب الجهات الخارجية دورًا مهمًّا في سوق المسيرات الإفريقية، في المقام الأول كموردين للتكنولوجيا والأنظمة. تعني الطبيعة المعولمة لصناعة الدفاع أن الدول الإفريقية غالبًا ما تشتري المسيَّرات من الشركات المصنِّعة الدولية. تسلط مجموعة البيانات الضوء على هيمنة بعض القوى:
أولًا: تظل الصين موردًا رئيسيًّا؛ حيث تمثل 26٪ (400 وحدة) من جميع المسيرات التي تشتريها الدول الإفريقية. جعلت أسعارها التنافسية واستعدادها لنقل التكنولوجيا شريكًا مفضلًا للعديد من الدول. كما تسهم إسرائيل، وهي مورِّد رئيسي آخر، بشكل كبير في هذه السوق؛ حيث تشتهر الشركات الإسرائيلية بتكنولوجيا المسيرات المتقدمة، لاسيما في أنظمة المراقبة والاستطلاع. في حين تتميز الولايات المتحدة أيضًا بشكل بارز كمورد، خاصة بالنسبة لأنظمة المسيرات الأكثر تقدمًا أو الطائرات المتخصصة(20).
ثانيًا: في السنوات الأخيرة، برزت تركيا مورِّدًا بارزًا، خاصة مع شعبية طرازات مثل Bayraktar TB2 وAkıncı models، التي شهدت اعتمادًا واسع النطاق في جميع أنحاء القارة(21). كقوة وسطى تعمل تركيا على توسيع نفوذها بشكل غير متماثل في إفريقيا من خلال تلبية الطلب المتزايد على المسيرات، فقد أصبحت أكبر مورِّد في إفريقيا، مع ما مجموعه 32 اتفاقية، تم إبرام 28 منها منذ عام 2021. نجحت تركيا في الاستجابة لرغبة البلدان في جميع أنحاء إفريقيا في الحصول على أسلحة حديثة وبأسعار معقولة خارج سلاسل التوريد للقوى التكنولوجية الكبرى. وبالمثل، وسَّعت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وإيران نفوذها في القارة(22).
لا يوفر هؤلاء الموردون الخارجيون المعدات فحسب، بل يقدمون أيضًا في كثير من الأحيان التدريب والصيانة والدعم اللوجستي؛ مما يمكنهم من التأثير على القدرات التشغيلية للجيوش الإفريقية. يسلط تدفق نماذج المسيرات المتنوعة من مصادر دولية مختلفة الضوء أيضًا على تنويع نماذج المسيرات المستخدمة في جميع أنحاء إفريقيا(23).
تشير "دبلوماسية المسيرات" إلى المبيعات من قبل القوى المصنِّعة مع القليل من الشروط المسبقة، على أمل تعزيز نفوذها الجيوسياسي. بالنسبة لإيران، على سبيل المثال، جعلت المشاكل الاقتصادية والعقوبات الدولية مؤخرًا مبيعاتها من المسيرات مصدرًا مهمًّا للحصول على الأموال والنفوذ. في الحرب في السودان، لعبت المسيرات الإيرانية دورًا رئيسيًّا في مكاسب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع على مدار عام 2024. إلى جانب العائدات، ساعد ذلك في خنق نفوذ المنافسين الآخرين بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تدعمان قوات الدعم السريع(24).
من ناحية أخرى، لطالما كان للصين بصمة عسكرية في جميع أنحاء القارة؛ حيث تعود مبيعات طائرة Wing Loong إلى دول مثل نيجيريا ومصر إلى عام 2011. ومثل الدول الأخرى التي تبيع المسيرات، فقد استخدمتها لتوسيع نفوذها ومواجهة نفوذ منافسيها والوصول إلى الموارد؛ حيث كانت هذه الطائرة بمنزلة أداة لمواجهة النفوذ الأميركي في إفريقيا. ومع ذلك، فإن الجهود التركية هي المثال الأكثر وضوحًا على "دبلوماسية المسيرات". كما هي الحال في إثيوبيا، التي ساعدتها مبيعات المسيرات على توسيع قوتها الناعمة بين العديد من العملاء الأفارقة وأن تصبح أهم لاعب في القارة في الوقت الحالي؛ حيث تمتلك 15 دولة إفريقية على الأقل مسيرات تركية أو أعربت عن اهتمامها بشرائها. بحلول عام 2022، بعد عامين من استخدام أول مسيرة في إثيوبيا، نشرت تركيا ملحقين عسكريين في 19 دولة إفريقية وأنشأت 37 مكتبًا عسكريًّا في جميع أنحاء القارة. كما وقَّعت مجموعة متنوعة من الاتفاقيات العسكرية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك مع إثيوبيا والصومال، اللتان قطعتا العلاقات الثنائية العام الماضي بسبب توقيع الأولى على اتفاق بحري مثير للجدل مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وتم حل هذا النزاع من خلال وساطة الرئيس أردوغان. مع هذا التأثير الجديد، من المرجح أن يتم التعاقد مع الشركات التركية لتطوير البنية التحتية البحرية؛ مما يؤدي على الأرجح إلى وجود شبه دائم في الممر التجاري لسنوات قادمة. من جهة أخرى، بدأ اقتناء المسيرات في الظهور في العلاقات بين دول الساحل وتركيا بعد موجة من الانقلابات العسكرية بين عامي 2022 و2023. بالنسبة للأنظمة العسكرية فإن توطيد السلطة ثم التعامل مع التهديد الذي تشكله الحركات الإرهابية بما في ذلك تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وبوكو حرام، يخلق طلبًا ملحًّا على أسلحة تَعِد بعمل عسكري سريع وحاسم؛ حيث برزت طائرة Bayraktar TB2، والتي أطاحت -جنبًا إلى جنبِ شقيقها الأكبر Akinci- بـ Wing Loong الصينية في السنوات الأخيرة. لقد ظهرت TB2 بشكل ملحوظ في عام 2019 في ليبيا، وهي أول مسرح إفريقي لحرب المسيرات، بين حكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة وخصمها الشرقي، المارشال حفتر، المجهز بأسلحة صينية زودته بها الإمارات العربية المتحدة. منذ ذلك الحين ارتفعت الطلبات ونمت قوائم الانتظار. وفي حين أن تفاصيل العقود تظل سرية، يقدر الخبراء أن "نظامًا" من ثلاث طائرات بدون طيار يكلف حوالي 6 ملايين دولار، أي أقل بكثير من عشرات الملايين التي تكلفها طائرة مقاتلة أو مروحية مقاتلة. هذا يعوِّض أداءها المتوسط إلى حدٍّ ما؛ حيث يقتصر مداها على 150 كيلومترًا(25).
بالتالي، لقد أصبحت المسيرات الآن جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية التركية، التي تتمثل إستراتيجيتها في تصدير منتجاتها العسكرية إلى جميع أنحاء العالم. ترجع البصمة المتزايدة للمسيرات التركية في إفريقيا جزئيًّا إلى حقيقة أنها على عكس الغرب وحتى روسيا والصين، فإن أنقرة خالية من إجراءات الرقابة والمفاوضات والاتفاقيات السياسية المرهقة على صادراتها من المعدات العسكرية، بحيث تدخل فقط ضمن اتفاقيات تجارية كما هي الحال مع تشاد، حيث حلَّت أربع مسيرات تركية محل الطائرات المقاتلة الفرنسية في القواعد الأمامية التي احتلتها إلى أن أنهت نجامينا اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا في نهاية عام 2024. وعلى النقيض من العلاقات الفرنسية-التشادية، "لا توجد اتفاقية تعاون عسكري (بين نجامينا وأنقرة) بل اتفاقية تجارية تسمح لها بالحصول على معدات عسكرية"(26). مثال آخر، في المغرب، أنشأت شركة "بيكار" الشركة المصنعة لـ TB2 منشأة لصيانة الطائرات المسيرة التي باعتها إلى الرباط، التي استخدمتها في السابق في هجمات ضد قوات جبهة البوليساريو(27).
إن النفوذ الجيوسياسي والعائدات التي تكتسبها دول تصنيع وتوزيع المسيرات في جميع أنحاء إفريقيا ستضمن استمرار دول مثل تركيا والصين وإيران والإمارات العربية المتحدة في الانخراط أكثر في المستقبل في دبلوماسية المسيرات.
ثالثًا: ازدهار صناعة المسيرات المحلية
تسعى البلدان الإفريقية إلى إضفاء الطابع المحلي على قدرات إنتاج المسيرات، لاسيما مع انتشار الصغيرة الحجم منها المصنوعة تجاريًّا والتي يتم تعديلها ودمجها في العمليات التكتيكية؛ حيث تنتج الشركات حاليًّا مسيرات عسكرية في تسع دول إفريقية، هي: الجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب ونيجيريا وجنوب إفريقيا والسودان وتونس؛ حيث توفر ما يقرب من 12 في المئة من إجمالي السوق في إفريقيا. تعد دولة جنوب إفريقيا أكبر منتج في القارة؛ حيث تصنِّع أنظمة عسكرية بدون طيار منذ سبعينات القرن الماضي(28).
بينما يهيمن الموردون الخارجيون على السوق، هناك اتجاه متزايد ومهم نحو تطوير الصناعات المحلية مدفوع بالرغبة في تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب، وتعزيز الاعتماد على الذات، وخلق فرص اقتصادية محلية، لاسيما مع وجود إمكانات كبيرة للتوسع في المستقبل(29).
تخطو الشركات الإفريقية خطوات ملحوظة في ذلك، تحدد مجموعة البيانات 35 نموذجًا محليًّا للمسيرات قيد التشغيل أو بعد مرحلة النموذج الأولي، تم تطويرها بواسطة 13 شركة في 7 دول إفريقية تتصدرها جنوب إفريقيا، حيث تعد Denel أبرز شركة تصنيع، تمثل 57 وحدة. ومن بين المطورين المحليين المهمين الآخرين معهد القوات الجوية للتكنولوجيا (AFIT) في نيجيريا، ومجلس البحث العلمي والصناعي (CSIR) في جنوب إفريقيا، وCRTI وStar Aviation في الجزائر(30)، وAerodrive Engineering Services في المغرب(31). كما تنتج مصر وكينيا والسودان بعض المسيرات، كما تتعاون إثيوبيا ونيجيريا أيضًا في مسيرات إفريقية الصنع(32)، كما أجرى المغرب، في أواخر العام 2024، أول رحلة ناجحة لأول طائرة عسكرية بدون طيار مغربية الصنع بالكامل تحمل اسم Atlas Istar(33).
على المستوى القاري تتصدر جنوب إفريقيا الإنتاج بـ94 وحدة (12 طرازًا)، تليها شمال إفريقيا بـ51 وحدة (14 طرازًا)، وغرب إفريقيا بـ20 وحدة، وشرق إفريقيا بـ15 وحدة. يعكس هذا التوزيع الإقليمي مستويات متفاوتة من القدرة التكنولوجية والاستثمار في القواعد الصناعية الدفاعية(34).
يعد صعود قدرات تصنيع المسيرات المحلية تطورًا حاسمًا، لأنه لا يعزز الاكتفاء الذاتي للدول الإفريقية فحسب، بل يخلق أيضًا فرصًا للابتكار والنمو الاقتصادي داخل القارة. من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، حيث من المرجح أن تستثمر البلدان الإفريقية أكثر في بناء قدراتها الخاصة في تصنيع المسيرات.
إلى أي حدٍّ يؤدي إدخال المسيرات لتغيير موازين القوى؟
أدى الاندماج المتزايد للمسيرات في العمليات العسكرية في جميع أنحاء إفريقيا إلى تغيير ديناميكيات النزاعات بشكل ملحوظ؛ مما أثَّر على توازن القوى بين الفصائل المتحاربة وأدخل طبقات جديدة من التعقيد للأمن الإقليمي. أصبحت القدرات التي توفرها المسيرات، بدءًا من الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المعززة (ISR) إلى القدرة على إجراء الضربات الدقيقة، غالبًا ما تقلب الموازين لصالح القوات التي تستفيد بشكل فعال من هذه التكنولوجيا.
كانت أول ضربة مؤكدة بطائرة مسيرة في إفريقيا، في 23 يونيو/حزيران 2011، عندما هاجمت مسيرة أميركية قافلة تُقِلُّ اثنين من كبار قادة حركة الشباب بالقرب من ميناء كيسمايو في الصومال. منذ ذلك الوقت، وقعت ما لا يقل عن 900 غارة في 15 دولة إفريقية. وقد زاد عدد ضربات المسيرات وعدد القتلى الناتجين عنها كل عام تقريبًا. على الرغم من أن الضربات أصبحت شائعة بشكل متزايد، إلا أن استخدامها في العمليات الهجومية يتركز حتى الآن في السودان وإثيوبيا وبوركينا فاسو ومالي وليبيا والصومال والمغرب، والتي تمثل أكثر من 93 في المئة من الضربات المسجلة(35).
التوسع في استخدام ضربات المسيرات في إفريقيا في الفترة 2022-2024
لقد أثار الارتفاع الملحوظ في استخدام المسيرات المقاتلة متوسطة الارتفاع وطويلة المدى (MALE) في السنوات الأخيرة مثل "Bayraktar TB2" التركية و"Wing Loong" الصينية و"Mohajer-6" الإيرانية تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التكنولوجيا قادرة على تغيير ميزان القوى بين الدول والجماعات المسلحة، خاصة في سياقات كانت فيها الدول تفتقر تاريخيًّا إلى قوة جوية فعَّالة(37)؛ حيث توفر المسيرات ميزة كبيرة غير متماثلة، لاسيما للجهات الفاعلة الحكومية أو الجماعات غير الحكومية ذات الموارد الجيدة. وقد أثبتت قدرتها على إجراء المراقبة المستمرة وتحديد الأهداف بدقة أكبر وتوجيه ضربات دقيقة مع تقليل المخاطر على حياة البشر، بالإضافة لإعادة تشكيل إستراتيجيات ساحة المعركة.
يمكن لهذه الميزة التكنولوجية أن تعزز بشكل كبير الفعالية التشغيلية للقوات؛ مما يسمح لها باكتساب معرفة فائقة، وإجراء عمليات مستهدفة، وإضعاف قدرات العدو بشكل أكثر كفاءة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي نشر المسيرات المسلحة إلى تمكين القوات من التغلب على العيوب العددية أو تعويض أوجه القصور في القوة الجوية التقليدية، وبالتالي إحداث تغيير في ميزان القوى التقليدي. يمكن فهم تأثير المسيرات على ديناميكيات الصراعات المسلحة في إفريقيا بشكل أدق من خلال النظر عن كثب لحالات محددة:
1. إثيوبيا (إقليم تيغراي)
يقدم الصراع في منطقة تيغراي مثالًا صارخًا على كيف يمكن للمسيرات أن تزيد من القدرات العسكرية المحدودة وتؤثر على نتائج الصراع. في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، لجأت إثيوبيا إلى المسيرات لتعزيز دفاعها. لقد شكَّلت أداة تحول إستراتيجي حاسم في مسار الصراع مع حركة تحرير تيغراي، فعندما وصلت قوات تيغراي إلى مشارف العاصمة، أديس أبابا، (على بُعد 200 كيلومتر فقط)، أصبحت المسيرات الخط الدفاعي الأخير الذي أنقذ الحكومة من السقوط. تم نشر أساطيل المسيرات الإيرانية والتركية والصينية والإماراتية الصنع في هجوم مضاد ضد الجبهة، التي لم يكن لديها ترسانة مسيرات أو دفاعات جوية كبيرة، وقد مكَّنت هذه الأنظمة، بحلول عام 2022، الحكومة من تحويل الهزيمة المحققة إلى تقدم عسكري انتهى بتطويق ميكيلي، عاصمة الإقليم؛ مما أدى إلى وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض ونزع سلاح الجبهة(38).
لم تكن المسيرات مجرد سلاح جديد في المعركة، بل بديلًا فعالًا للطائرات الحربية التقليدية، سمح بتنفيذ ضربات دقيقة دون تعريض القوات البرية لخسائر بشرية كبيرة. كما أثَّر استخدامها سلبيًّا على معنويات مقاتلي الجبهة، الذين عجزوا عن مجابهتها لافتقارهم إلى دفاعات جوية فعَّالة. لقد غيَّرت المسيرات قواعد اللعبة عسكريًّا في تيغراي. مع ذلك، رغم النجاحات الميدانية التي حققتها، لم تستطع هذه المسيرات أن تحقق نصرًا حاسمًا، بل كانت من بين الأسباب التي أدت إلى تطويل الصراع وتعقيده، حتى دَفْع الطرفين أخيرًا إلى توقيع اتفاقية بريتوريا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
2. الحرب السودانية
تُعد الحرب السودانية (2023–2025) أول صراع إفريقي كبير تُستخدم فيه المسيرات على نطاق واسع من جانب جميع الأطراف، وتُظهر كيف غيرت هذه التكنولوجيا ديناميكيات القتال والنفوذ الإقليمي. في حين أن القوات المسلحة السودانية اعتمدت على طائرات Bayraktar TB-2 التركية وطائرات Mohajer-6 الإيرانية، فإن قوات الدعم السريع استخدمت في البداية طائرات تجارية صغيرة معدلة لأغراض الاستطلاع، ثم انتقلت إلى طائرات انتحارية مسيرة من طراز Shahed-136 تم تهريبها عبر ليبيا.
في بداية 2025، شنَّت القوات المسلحة السودانية سلسلة غارات جوية على خطوط إمداد قوات الدعم السريع في الخرطوم وولاية الجزيرة؛ ما أسهم في طرد المتمردين من العاصمة واستعادة مواقع إستراتيجية. في مارس/آذار 2025، ردَّت قوات الدعم السريع بأول هجوم لها بمسيرة انتحارية على ميناء بورتسودان؛ ما أدى إلى تدمير مستودعات وقود وتعطيل الكهرباء لأيام ومقتل 17 مدنيًّا ونزوح أكثر من 550 أسرة، كما تم تعليق رحلات الأمم المتحدة لأربعة أيام؛ ما عرقل وصول المساعدات الإنسانية. وفي الوقت الذي منحت فيه المسيرات القوات المسلحة السودانية تفوقًا جويًّا نسبيًّا سمح لها بإعادة ترتيب جبهاتها، إلا أنها لم تحسم الحرب، بينما أثبتت هجمات قوات الدعم السريع على بورتسودان قدرة المتمردين على الوصول إلى أهداف بعيدة، وضرب الشريان اللوجيستي الوحيد للحكومة(39).
بالتالي، فإن المسيرات لم تكن مجرد أداة تكتيكية في الصراع بل أصبحت عاملًا محوريًّا يعيد رسم خريطة القوة، رغم استمرار الحرب وتوابعها الإنسانية، دون أن يقترب أي من الأطراف من تحقيق نصر حاسم.
3. الصراع في مالي
في مالي، تمتلك القوات المسلحة تفوقًا جويًّا واضحًا بفضل طائرات "Bayraktar TB2" و"Akıncı" التركية، لكن تأثيرها محدود جغرافيًّا وتكتيكيًّا. فقد رُكزت معظم الضربات في شمال البلاد، خصوصًا في كيدال ضد الحركات الانفصالية، بينما ظل تأثيرها ضعيفًا في وسط البلاد بسبب الكثافة السكانية والغطاء النباتي. النتيجة: رغم تضاعف عدد الضربات، لم تُسجل سوى إصابة واحدة لقيادي بارز، مع معدل عالٍ من الضحايا المدنيين؛ الأمر الذي عزَّز التجنيد لدى الجماعات المتمردة(40).
لذلك، أبرمت الحكومة الانتقالية عقودًا مع شركات روسية وأوكرانية لتشغيل مسيرات استطلاع مسلحة، بهدف تعقب الجماعات الجهادية في شمال ووسط البلاد. لكن هذه الطائرات، بسبب قلَّة عددها وضعف البنية التحتية للتحليل الاستخباري، غالبًا ما تُستخدم في ضربات انتقائية تُوقع ضحايا مدنيين دون إضعاف البنية التنظيمية للجماعات المسلحة. بالتالي، بدلًا من كسر شوكة التمرد، أصبحت الضربات الجوية عاملًا إضافيًّا في استياء السكان المحليين وتعقيد الوساطات القبلية(41).
4. تشاد
في تشاد، كان التهديد الرئيسي يأتي عبر هجمات خاطفة من ليبيا باتجاه العاصمة، وقد اعتمد النظام تاريخيًّا على الطيران الفرنسي لصدها. مع الحصول على طائرات "Anka-S" و"Aksungur" التركية، في 2023، ومع إنهاء الوجود الفرنسي، تحولت الطائرات المسيرة ركيزة ردع أساسية. النتيجة أن تشاد استخدمت مسيراتها لضرب معاقل المتمردين في ليبيا؛ ما أدى إلى تفريقهم وتقليل تهديدهم المباشر، بالتالي فإن الطائرات المسيرة أثبتت فاعليتها في هذا الصراع أداة ردع في بيئة جغرافية مكشوفة(42).
5. نيجيريا
شهدت حملة نيجيريا لمكافحة التمرد التي استمرت عقدًا من الزمن ضد بوكو حرام والجماعات المتطرفة الأخرى اعتمادًا كبيرًا على المسيرات؛ فقد لعبت دورًا أساسيًّا في سد الفجوات الحرجة في قدرات الجيش، لاسيما في المراقبة والاستطلاع عبر المساحة الشاسعة من نيجيريا. وقد سمح استخدامها بتتبع تحركات المتمردين بشكل أكثر فاعلية، وتحديد المخابئ، وتنفيذ الضربات المستهدفة؛ مما أسهم في الجهود المبذولة لإضعاف القدرة العملياتية لهذه الجماعات(43).
6. المغرب (الصحراء الغربية)
أدى استخدام المسيرات إلى تحول مهم في الاشتباكات العسكرية بين المغرب وجبهة البوليساريو؛ حيث عززت المسيرات في السنوات الأخيرة تفوق المغرب تكتيكيًّا في الميدان. فبحسب وسائل الإعلام، وفر أسطول المسيرات المسلحة الذي يضم طائرات تركية وصينية وإسرائيلية للمغرب قدرات كبيرة للمراقبة الجوية؛ مما سمح له بمراقبة التحركات والأنشطة على طول حدوده الجنوبية، كما مكَّنته من توجيه ضربات متكررة ضد أهداف محددة، أدت لاغتيال حوالي أربع قيادات بارزة ومجموعة من المقاتلين التابعين للجبهة، كان آخرها قتل قائد ما يسمى بالمنطقة العسكرية السادسة، في غارة دقيقة بمسيرة نفَّذتها القوات المسلحة المغربية بالقرب من منطقة المحبس، بالقرب من الجدار العازل؛ حيث تم استهداف القائد بينما كان في عربة عسكرية كانت تستعد لدخول المنطقة العازلة؛ مما أسفر عن مقتل جميع ركابها(44).
لقد مكَّن إدخال المسيرات المغربية إلى ساحة المعركة من تقليل الأضرار الجانبية وزاد من فاعلية العمليات العسكرية المغربية. فقد اعتمدت جبهة البوليساريو تاريخيًّا على تكتيكات حرب العصابات والحرب غير المتكافئة بسبب صغر حجمها العسكري. لكن إدخال المسيرات مكَّن المغرب من تقويض هذه الإستراتيجيات من خلال منحه ميزة تكنولوجية؛ مما جعل من الصعب على البوليساريو التحرك في المنطقة دون أن يتم اكتشافها. كما أن مجرد وجود المسيرات أصبح له تأثير نفسي كبير على قوات البوليساريو؛ حيث مكَّن الخوف من الاستهداف من تقويض الأنشطة والتحركات، كما أثَّر على معنويات مقاتلي الجبهة على طول الحدود حيث يوجد أطراف النزاع.
بناءً على كل ما سبق، يمكن استنتاج أن المسيرات يمكن أن تكون حاسمة في النزاعات فقط تحت ظروف محددة ومحدودة، وهي(45):
التماثل في الوصول إلى التكنولوجيا
هل يملك أحد أطراف الصراع وصولًا حصريًّا إلى المسيرات أو أنظمة اعتراضها؟ في معظم الحالات، تتمتع الدول بإمكانية الوصول إلى هذه الأنظمة من خلال داعمين خارجيين مثل تركيا أو الإمارات أو إيران، بينما تفتقر الجماعات المسلحة إلى هذه القدرات؛ ما يخلق تفوقًا جويًّا غير متوازن. مثال: الحرب في إثيوبيا (2020–2022). استخدمت القوات الإثيوبية طائرات مسيرة تركية وإماراتية وإيرانية لصد هجوم قوات تيغراي التي اقتربت من العاصمة، أديس أبابا. وقد لعبت الطائرات المسيرة دورًا حاسمًا في تغيير مسار المعركة، لأن تيغراي لم تكن تمتلك دفاعات جوية فعالة أو طائرات مسيرة مماثلة.
نوع الحرب: نظامية أم حرب عصابات؟
هل يخوض الطرفان حربًا نظامية مع جبهات واضحة، أم حرب عصابات تعتمد على الكَرِّ والفَرِّ؟ فالمسيرات تكون فعالة ضد القوات التي تعمل في العراء وتتحرك في تشكيلات منتظمة، لكنها أقل فاعلية ضد الجماعات التي تعتمد على التخفي والتشتت. مثال: في شمال مالي، تخوض الجماعات الجهادية مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" حرب عصابات في مناطق صحراوية وعرة. ورغم استخدام الجيش المالي طائرات مسيرة تركية، فإن هذه الطائرات لم تحقق نصرًا حاسمًا، لأن الجماعات المسلحة تتحرك في مناطق يصعب رصدها، وتندمج مع السكان المحليين.
جغرافية الميدان
هل التضاريس مفتوحة مثل السهول الصحراوية، أم مغطاة مثل الجبال والغابات؟ المسيرات تكون أكثر فاعلية في المناطق المفتوحة حيث يمكن رصد الأهداف من الجو، بينما تقل فاعليتها في المناطق الوعرة أو الحضرية. مثال: في الصراع في تشاد؛ حيث استخدمت الحكومة مسيرات ضد المتمردين في مناطق صحراوية مفتوحة، ساعدت في رصد تحركات المتمردين وتوجيه الضربات بدقة، لأن المتمردين لم يكونوا قادرين على الاختباء بسهولة في تلك البيئة الجغرافية.
بالتالي، فإن تأثير المسيرات في معظم الصراعات الإفريقية المسلحة يبقى تكتيكيًّا ومحدودًا، ولا يمكن الاعتماد عليها كحل حاسم. بل إن الاستخدام المفرط لها قد يؤدي إلى التصعيد وإنتاج المزيد من العنف. فنادرًا ما يوجد مزيج من الظروف التي يمكن للمسيرات القتالية في ظلها تغيير ميزان القوة العسكرية بشكل كبير. يمكن للمسيرات القتالية، مثل تلك التي تنتجها تركيا وإيران والصين وغيرها، أن تساعد الحكومات على إبعاد المتمردين، ولكن فقط إذا كان هؤلاء يفتقرون إلى الوصول إلى هذه الطائرات والإجراءات المضادة الخاصة بها، وإذا كانت التضاريس مفتوحة نسبيًّا، وإذا قاتل المتمردون أيضًا كقوة نظامية. عندما يكون المتمردون قادرين على التفرق والاختباء، يمكن للمسيرات منع التقدم نحو مدينة رئيسية، لكنها لا تستطيع منع الجماعات المسلحة من السيطرة على السكان الذين هم مختبئون بينهم. لذلك، يجب دائمًا النظر إلى تأثير المسيرات القتالية من خلال القدرات الإستراتيجية والخصائص الأوسع للأطراف المتحاربة.
في حين أن الوصول المتماثل إلى المسيرات المتطورة أو تكنولوجيا الاعتراض لا يزال هو الاستثناء. تشير الحروب في ليبيا والسودان إلى أنها قد تصبح أكثر شيوعًا مع تدخل مجموعة متزايدة من الدول الأجنبية في الصراع. عندما تجد حركات التمرد التي لا يمكنها الوصول إلى تقنيات المسيرات نفسها تقاتل الحكومات الحالية، فإنها تلجأ عمومًا إلى حرب العصابات؛ مما يقلِّل من فاعلية المسيرات ويجعل استخدامها يؤدي إلى نتائج عكسية.
مخاطر أمنية كبيرة
يحمل توسع انتشار المسيرات في النزاعات الإفريقية تداعيات أمنية محلية وإقليمية كبيرة، أبرزها:
التأثير على الاستقرار والأمن الإقليمي: يمكن للمسيرات أن تسهم في زعزعة الاستقرار من خلال تصعيد النزاعات، خاصة إذا أدى استخدامها إلى زيادة الخسائر في صفوف المدنيين أو يُنظر إليها على أنها انتهاك للسيادة. كما أن السهولة التي يمكن بها الحصول على بعض المسيرات وتشغيلها من قبل جهات غير حكومية تشكل أيضًا تهديدًا كبيرًا؛ مما قد يؤدي إلى تمكين الجماعات المتمردة وتفاقم الصراعات القائمة. من ناحية أخرى، بالنسبة للدول، يمكن للمسيرات أن تعزز قدرتها على الحفاظ على الأمن الداخلي والاستجابة للتهديدات العابرة للحدود؛ مما قد يسهم في الاستقرار الإقليمي إذا تم استخدامها بشكل مسؤول وضمن الأطر القانونية الدولية.
احتمالات التصعيد والخسائر في صفوف المدنيين: على الرغم من أن قدرات الضربات الدقيقة للمسيرات المسلحة تهدف إلى تقليل الأضرار الجانبية، لا تزال تنطوي على خطر وقوع إصابات في صفوف المدنيين، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان أو عندما تكون المعلومات الاستخباراتية معيبة. في إفريقيا وقعت حوالي 484 غارة بطائرات مسيرة أسفرت عن سقوط ما يقارب 1.176 ضحية في 13 دولة إفريقية في عام 2024، ويمثل السودان (264) ودول الساحل (145) مجتمعين 84 في المئة من هذا المجموع(46). علاوة على ذلك، يمكن لمثل هذه الحوادث أن تغذي الاستياء والتطرف وتزيد من زعزعة استقرار المناطق المتضررة. كما أن زيادة الفتك والاستقلالية لبعض أنظمة المسيرات تثير مخاوف أخلاقية بشأن المساءلة واحتمال التصعيد غير المقصود.
أمن الحدود وإدارة المجال الجوي
يمثل الاستخدام الواسع النطاق للمسيرات، بما في ذلك النماذج الأصغر المتوافرة تجاريًّا، تحديات كبيرة لأمن الحدود وإدارة المجال الجوي. يتطلب تحديد وتحييد المسيرات غير المصرح بها، سواء كانت تستخدم في أنشطة غير مشروعة أو من قبل الجهات الفاعلة المعادية، قدرات متطورة لمكافحتها والتي يفتقر إليها العديد من الدول الإفريقية حاليًّا. هذا يخلق نقاط ضعف ويعقِّد الجهود المبذولة للسيطرة على المجال الجوي الوطني(48).
إجمالًا، في حين توفِّر المسيَّرات للدول الإفريقية أدوات قوية لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة، فإن استخدامها المتزايد يطرح أيضًا مخاطر جديدة ويؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف القائمة. وفي الوقت الذي لا يمكننا فيه إنكار تأثيرها على ديناميكيات النزاعات، إلا أن الأمر ما زال يستلزم دراسة متأنية لآثارها الإستراتيجية والأخلاقية والقانونية على الاستقرار الإقليمي والأمن البشري.
المسيرات أداةً جيوسياسية
في إفريقيا، لم تعد المسيرات مجرد سلاح؛ بل إنها تحولت لأداة جيوسياسية متعددة الأبعاد تعيد رسم التحالفات، تحدث تبعية تكنولوجية من نوع جديد، وترسي نوعًا جديدًا من القواعد الجيوستراتيجية التي تُتيح لقوى متعددة التنافس على النفوذ والموارد دون حاجة إلى انخراط مباشر:
أولًا: لقد أصبحت المسيرات أداة إستراتيجية تتيح لقوى خارجية (تركيا، الصين، إسرائيل، إيران، الإمارات، روسيا) إعادة رسم نفوذها في القارة دون إنشاء قواعد كبيرة أو تعريض جنودها للخطر؛ حيث أصبحت تُستخدم كـ "هدايا أمنية" مُسَيَّسة مقترنة بتوقيع اتفاقيات ثنائية في الدفاع والنفط والبنية التحتية أو الاعتراف بالسيادة على مناطق نزاع وغيرها.
لقد أصبحت الحرب بالوكالة واضحة في ديناميكيات العديد من النزاعات: في السودان مثلًا حصلت كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على ترسانات مسيرات قوية تم تزويدها خارجيًّا لاسيما منها التركية والإيرانية والإماراتية والروسية، لكن يتم إبطال أي ميزة حاسمة قد توفرها هذه المسيرات بسبب ديناميكيات الحرب بالوكالة؛ حيث أدى الدور المتنامي للجهات الفاعلة الخارجية إلى زيادة الموارد الإضافية لتتناسب مع الابتكار التكنولوجي الذي قد تنشره الجهات الفاعلة الأخرى المتنافسة عبر المسيرات مما يحول دون تحقيق نصر حاسم. كانت هذه هي الحال في ليبيا، التي كانت مسرحًا بارزًا للمسيرات في العالم بين عامي 2016 و2020. على الرغم من أن المسيرات التي تم توفيرها لحكومة الوفاق كانت حاسمة في وقف هجوم كتائب اللواء المتقاعد خليفة حفتر الليبي، إلا أن حكومة الوفاق لم تكن تمتلك قوة قتالية كافية لاستعادة شرق البلاد كتائب اللواء المتقاعد. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى وجود ترسانة المسيرات الخاصة بالجيش الوطني الليبي والدعم من روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. على الرغم من انتهاء معركة طرابلس في عام 2020، إلا أن ليبيا لا تزال غارقة في عدم الاستقرار والتشرذم السياسي(49).
ثانيًا: تُتيح المسيرات لدول إفريقية تنويع شركائها الأمنيين خارج الإطار الغربي التقليدي؛ ما يُضعف من الهيمنة الغربية. فعلى سبيل المثال: مالي تستبدل بالقوات الفرنسية طائرات مسيرة تركية و"فاغنر"؛ وتشاد تنهي وجود باريس بعد الحصول على Anka-S التركية.
ثالثًا: لقد تحولت مناطق النزاع في إفريقيا إلى حقل تجارب، فكل من ليبيا ومالي والسودان أصبحت "ساحات اختبار حية"؛ حيث تُجرِّب الدول المصنِّعة أجيالًا جديدة من المسيرات وتكتيكات القتال المُدمَج بالذكاء الاصطناعي، يُنتج هذا دورة تصدير-تغذية راجعة؛ حيث يتم نشر المسيرات في إفريقيا → تُختبر في معارك حقيقية → تخضع للتعديل → تُصدَّر مجددًا.
رابعًا: مخاطر التشرذم والتصعيد؛ حيث إن انتشار استخدام المسيرات في النزاعات بين الحكومة والجماعات الإرهابية أو الميليشيات، يُعقِّد مسارات التفاوض ويرفع كلفة الوساطة الدولية، ويسهم في إطالة أمد النزاعات وخلق دول فاشلة، وهذه الوضعية تخدم مصالح دول وجهات بعينها.
خامسًا: لقد أصبحت المسيرات رمزًا للسيادة والقوة في إفريقيا، لاسيما بالنسبة للأنظمة العسكرية وتلك الغارقة في الصراعات الداخلية. في حين أن المسيرات قد تقدم قيمة رمزية ومنفعة تكتيكية، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الإستراتيجيات الأمنية المتماسكة التي تركز على تحسين الحوكمة وإرساء دولة القانون والمؤسسات. ومع دخول الأطراف الأجنبية وتكيف المتمردين وتصاعد التوترات المدنية العسكرية، يخاطر انتشار المسيرات بأن يخلق تهديدات أمنية جديدة وأن يصبح غاية في حدِّ ذاته أكثر من كونه وسيلة يمكن من خلالها تحقيق مكاسب أمنية حقيقية، أو أن يتحول لمجرد أداة دعائية، تؤدي إلى تضخيم قدراتها المتصورة ونشر الخوف بين الناس من طرف الجهات المعادية.
إن انتشار المسيرات، في حين يوفر مزايا تكتيكية، إلا أنه أصبح يطرح مجموعة فريدة من التحديات الأمنية للدول الإفريقية. تتراوح هذه التحديات من التهديدات التكتيكية المباشرة التي يشكِّلها استخدام المسيرات المعادية إلى القضايا الأوسع نطاقًا المتعلقة بالرقابة التنظيمية والاعتبارات الأخلاقية واحتمال التصعيد غير المقصود واندلاع سباق تسلح.
لقد أصبحت المسيرات تستخدم بشكل متزايد من قبل الجماعات الإرهابية والمتمردين والميليشيات. هذا التزايد مدفوع بعدة عوامل، منها: التقدم التكنولوجي الذي جعلها أكثر سهولة في الاستخدام وقادرة على جمع ونقل البيانات، والانخفاض الكبير في تكلفتها، وسهولة الوصول إليها ونقل المعرفة من الشبكات الإرهابية العالمية، وقدرتها على تحريك ميزان القوة بين الجيوش النظامية والجماعات ذات الموارد المحدودة.
من الأمثلة الواقعية على ذلك: استخدام حركة الشباب في الصومال وكينيا للمسيرات للمراقبة والدعاية وتنسيق الهجمات، وتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية غرب إفريقيا) للدعاية والمراقبة التكتيكية، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي وبوركينا فاسو للمراقبة والهجمات باستخدام العبوات الناسفة البدائية...(50).
يمثل هذا التطور تحديًا كبيرًا للأمن الإقليمي؛ حيث تمكِّن المسيرات الجماعات الإرهابية من تنفيذ عمليات أكثر تعقيدًا وفتكًا. في المقابل، تُظهر التجارب في الساحل وشرق إفريقيا أن المسيرات لم تُنهِ التهديد الإرهابي. فقد دعمت الطائرات الأميركية والفرنسية عمليات "برخان" و"تاكوبا" بالاستطلاع والاستهداف الدقيق، لكنها لم تمنع توسع تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى أو حركة الشباب في الصومال. بالتالي، فالمسيرات تُرجئ الهجمات الكبرى، لكنها لا تُطفئ المحركات الحقيقية للتطرف(51).
لمواجهة هذا التهديد، أصبح من الضروري تعزيز قدرات مكافحة المسيرات، وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنظيم بيعها وتصديرها، وتعزيز التعاون الدولي، كما تتطلب استجابة شاملة ومتعددة الأوجه لضمان الأمن والاستقرار في القارة.
يفتقر العديد من الدول الإفريقية إلى الأطر التنظيمية الشاملة لتنظيم اقتناء المسيرات واستخدامها والإشراف عليها. يخلق هذا الفراغ التنظيمي فرصًا للأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك التهريب والتجسس والمراقبة غير المصرح بها(52).
كما أن غياب المبادئ التوجيهية القانونية الواضحة يعقِّد الجهود المبذولة لمعالجة قضايا المساءلة عندما تتورط المسيرات في حوادث تؤدي إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين أو انتهاكات لحقوق الإنسان. يعد تطوير أطر قانونية وأخلاقية قوية أمرًا بالغ الأهمية لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا والتخفيف من انتهاكاتها المحتملة(53).
مع تقدم تكنولوجيا المسيرات، تزداد الحاجة إلى قدرات فعَّالة لمكافحتها. تواجه الدول الإفريقية التحدي المتمثل في تطوير ونشر أنظمة متطورة لاكتشاف المسيرات المعادية وتتبعها وتحييدها. يتضمن ذلك الاستثمار في تقنيات مثل أجهزة التشويش والمخادع والأنظمة الحركية، بالإضافة إلى التدريب على استخدامها الفعال. يمكن أن تكون تكلفة وتعقيد الحصول على مثل هذه الأنظمة وصيانتها باهظة بالنسبة للعديد من الدول؛ مما يخلق فجوة أمنية كبيرة(54).
يثير استخدام المسيرات المسلحة أسئلة أخلاقية عميقة، لاسيما فيما يتعلق باستهداف الأفراد، واحتمال وقوع إصابات في صفوف المدنيين، والتأثير النفسي على مشغليها. كما تزيد الاستقلالية المتزايدة لبعض أنظمة المسيرات من تعقيد هذه المعضلات، لأنها تطمس خطوط المسؤولية والمساءلة. لذا يجب على الدول الإفريقية أن تتعامل مع هذه الاعتبارات الأخلاقية المعقدة أثناء دمجها للمسيرات في إستراتيجياتها الدفاعية؛ مما يضمن الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان.
يمكن أن يؤدي التوزيع غير المتكافئ لقدرات المسيرات بين الدول الإفريقية إلى تفاقم اختلالات القوى الإقليمية الحالية وتأجيج سباق التسلح. فقد يُنظر إلى الدول التي لديها قدرات متقدمة للمسيرات على أنها تهديد؛ مما يؤدي إلى انعدام الثقة واحتمال اندلاع التوترات. وعلى العكس من ذلك، قد تشعر الدول التي تفتقر إلى مثل هذه القدرات بأنها مضطرة للحصول عليها بأي ثمن؛ مما يسهم بشكل أكبر في عدم الاستقرار الإقليمي. بالتالي، تعد الأساليب التعاونية لتنظيم المسيرات والتعاون الأمني ضرورية لمنع سباق التسلح المزعزع للاستقرار(55).
خاتمة
إن الاستخدام المتزايد للمسيرات في النزاعات المسلحة الإفريقية لم يعد مجرد تطور تكتيكي، بل أصبح ظاهرة تسهم بشكل كبير في إعادة تشكيل خريطة وموازين القوى، وتُحدث تحولًا عميقًا في طبيعة الحرب والسلام في إفريقيا.
فما بدأ أداةَ استطلاعٍ بسيطة تحول اليوم إلى سلاح إستراتيجي أصبح يؤثر في نتائج المعارك، ويُعقِّد حسابات الردع، ويفرض تحديات جديدة على الدول الإفريقية في بناء سيادتها الأمنية.
لقد أظهرت حالات إثيوبيا والسودان ومالي وتشاد ونيجيريا والمغرب أن المسيرات، سواء كانت مستوردة من تركيا أو الصين أو إيران أو إسرائيل، أو محلية الصنع، لم تعد تُستخدم أداة دعم، بل عنصرًا فاصلًا في موازين القوى. لكن هذا التحول يطرح سؤالًا مركزيًّا: هل نحن أمام تطور عسكري عابر، أم أمام تغيير جذري في قواعد الاشتباك وفي طبيعة الصراعات المسلحة الإفريقية نفسها؟
إن الطفرة التي تشهدها المسيرات اليوم تعيد تشكيل ديناميكيات النزاعات المسلحة في إفريقيا بشكل غير مسبوق. إن ما أصبح يُقلق ليس فقط تعدد مستخدمي هذه التكنولوجيا -من الدول إلى الميليشيات- بل أيضًا غياب الإطار التنظيمي والأخلاقي لاستخدامها. فالمراقبة الجوية بدون تشريع واضح، والضربات العشوائية دون مساءلة، وتزايد القدرات دون ضمانات حقوقية، كلها مؤشرات على أن القارة تتجه نحو تسارع تسلحي غير منضبط، يُغذي دورات عنف جديدة محلية وإقليمية، ويُعقِّد فرص السلام والاستقرار.
لذلك، يجب على الجيوش المحترفة الموازنة بين المزايا التكتيكية للمسيرات وفهم حدودها ومخاطرها. كما يجب على الموردين التأكد من أن توفير المسيرات للحلفاء والشركاء يجب أن يُفهَم على أنه وسيلة لدعم الاستقرار الأمني وليس لتهديده، وهذا يعني أن الحصول عليها يجب أن يكون مقرونًا ومشروطًا بالالتزام بضوابط القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان.
إن مستقبل المسيرات في إفريقيا لن يُحدده من يملكها، بل من يضبطها. فالتكنولوجيا وحدها لا تصنع الأمن، بل السياسات والمؤسسات. والتحدي الأكبر اليوم هو في تحويل هذا الزخم التكنولوجي إلى فرصة لبناء دول أكثر حكمة، وجيوش أكثر مسؤولية، ومجتمعات أكثر أمنًا.
فإما أن تُسخِّر مختلف الأطراف هذه التكنولوجيا لخدمة السلام والأمن عبر الحوكمة والمسؤولية، أو تتحول إلى وقود جديد لحروب قد لا تنتهي.
(1) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” https://tinyurl.com/bdh23c6p (accessed Sep. 02, 2025).
(2)Ibid.
(3)N. Allen, “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Africa Center, Aug. 07, 2025. https://tinyurl.com/z46erv6p (accessed Sep. 02, 2025).
(4) Military Africa, “Expanding the role of UGVs on the modern African battlefield,” Military Africa, Aug. 10, 2025. https://tinyurl.com/mwfddh6p (accessed Sep. 01, 2025).
(5) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts”, Ibid.
(6) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(7)Ibidem.
(8)M. Tenev, “Deadly skies: Drone warfare in Ethiopia and the future of conflict in Africa,” ECFR, Feb. 28, 2025. https://tinyurl.com/ydmk8ctv (accessed Aug. 19, 2025).
(9) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(10) Ibidem.
(11) Ibidem.
(12) “Expanding the role of UGVs on the modern African battlefield,” Ibid.
(13) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts”, Ibid.
(14) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(15)G. Kurtz, W. Lacher, and D. Tull, “The Myth of the Gamechanger: Drones and Military Power in Africa,” MEGATRENDS AFRIKA, March, 2025. https://tinyurl.com/2e7w9c6x (accessed Sep. 02, 2025).
(16) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(17)S. Baul, “Africa Unmanned Ground Vehicle Market Size Analysis,” Nextmsc.com, Apr. 16, 2025. https://tinyurl.com/ymykcbha (accessed Sep. 02, 2025).
(18) Adrianoh, “La compétition des drones en Afrique: entre enjeux militaires et risques pour les civils,” Animation drone, Jul. 25, 2025. https://tinyurl.com/mpw3p67y (accessed Aug. 19, 2025 ).
(19) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(20)Ibidem.
(21) S. Bhattacharya, “Drone Statecraft: Turkey’s Expanding Security Footprint in Africa,” orfonline.org, Aug. 18, 2025. https://tinyurl.com/53pvhwvv (accessed Aug. 19, 2025 ).
(22) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Ibid.
(23) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(24) “Deadly skies: Drone warfare in Ethiopia and the future of conflict in Africa,”Ibid.
(25)Ibidem.
(26) France 24, “African armies turn to drones with devastating civilian impact,” France 24, Jul. 25, 2025. https://tinyurl.com/mu6bre36 (accessed Aug. 19, 2025 ).
(27) “Deadly skies: Drone warfare in Ethiopia and the future of conflict in Africa,”Ibid.
(28) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Ibid.
(29) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(30)Ibidem.
(31) D. Liam, “Morocco begins indigenous Aerodrive ATLAS UAV production,” Military Africa, Apr. 12, 2025. https://tinyurl.com/mt893dvf (accessed Sep. 05, 2025).
(32)ADF, “Ethiopia and Nigeria Collaborate on African-Made Drones,” Africa Defense Forum, Aug. 12, 2025. https://tinyurl.com/bdak9u4d (accessed Aug. 19, 2025 ).
(33) “Morocco begins indigenous Aerodrive ATLAS UAV production,” Ibid.
(34) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(35) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Ibid.
(36) Ibidem.
(37) “The Myth of the Gamechanger: Drones and Military Power in Africa,”Ibid.
(38) “Deadly skies: Drone warfare in Ethiopia and the future of conflict in Africa,”Ibid.
(39) Albadawi Rahmtall, “Drones in the Sudanese War,” Military Africa, Jun. 18, 2025. https://tinyurl.com/27n7dutm (accessed Aug. 19, 2025 ).
(40) “The Myth of the Gamechanger: Drones and Military Power in Africa,”Ibid.
(41)R. Parens, M. Plichta, and C. M. Faulkner, “Drones Aren’t the Solution to Africa’s Security Crises,” Modern War Institute -, Jul. 07, 2025. https://tinyurl.com/akk88uyj (accessed Aug. 19, 2025).
(42) “The Myth of the Gamechanger: Drones and Military Power in Africa,”Ibid.
(43) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(44)Hespress EN, “Moroccan drone strike kills senior Polisario commander near buffer zone,” HESPRESS English, May 15, 2025 https://tinyurl.com/mryx2wbv (accessed Sep. 02, 2025)
(45) “The Myth of the Gamechanger: Drones and Military Power in Africa,”Ibid.
(46) Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Ibid.
(47)Ibidem.
(48) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(49) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Ibid.
(50)Military Africa, “Africa’s insurgents and terrorists are adopting drones,” Military Africa, Feb. 22, 2025. https://tinyurl.com/4xk37ayc (accessed Aug. 31, 2025
(51) “Drones Aren’t the Solution to Africa’s Security Crises”, Ibid.
(52) “La compétition des drones en Afrique..”Ibid.
(53) “African armies turn to drones with devastating civilian impact,”Ibid.
(54) “COMPLETE AFRICAN DRONE PROCUREMENT DATA 1980-2024.” Ibid.
(55) “Military Drone Proliferation Marks Destabilizing Shift in Africa’s Armed Conflicts” Ibid.