
استهدفت غارة إسرائيلية على مقر لمكتب حماس في العاصمة القطرية، الدوحة، بعد ظهر الثلاثاء، 9 سبتمبر/أيلول 2025، قيادةَ الحركة السياسية. أسفرت الهجمة الإسرائيلية عن استشهاد نجل خليل الحية، مسؤول حماس في قطاع غزة ورئيس وفدها المفاوض، واستشهاد مدير مكتب الحية، وثلاثة مرافقين آخرين. كما أدَّت إلى استشهاد عنصر من لخويا، الأمن الداخلي القطري، الذي يبدو أنه كان يقوم بواجبه الأمني في المكان عندما وقعت الهجمة. ولكن الضربة الإسرائيلية أخفقت في تحقيق هدفها الأساسي، أي تصفية قيادة حماس المسؤولة عن التفاوض.
انتقلت قيادة حماس السياسية من دمشق إلى الدوحة بعد شهور من اندلاع الثورة السورية في 2011، نتيجة لتدهور علاقتها بالنظام السوري السابق. وكما أن قطر نسقت مع الإدارة الأميركية قبل أن تستقبل مقرًّا سياسيًّا لحركة طالبان الأفغانية قبل سنوات من انتصار طالبان وسيطرتها على كابل، كذلك كان الأمر بخصوص وجود قيادة حماس، الذي لم يعترض عليه لا الأميركيون ولا الإسرائيليون. الحقيقة، أن وجود حماس في قطر وفر على الدوام قناة جديرة بالثقة للتفاوض بين حماس وإسرائيل طوال السنوات الماضية، كما بَيْنَ مسؤولين غربيين، أوروبيين أو أميركيين، وحماس، حول مختلف جوانب المسألة الفلسطينية.
وكان ماجد الأنصاري، الناطق باسم الخارجية القطرية، قد أشار في تصريح له، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قال بأن قيادة حماس يتنقلون بين العواصم، لكن لم يقل: إنه بطلب قطري، ولكن إدارة بايدن طالبت قطر بالعودة إلى استضافة مكتب حماس السياسي. بمعنى، أن وجود قياديين سياسيين لحماس في الدوحة كان شأنًا معلنًا ومعروفًا على المستوى الدولي، وأن هذا الوجود قد خدم بالفعل مسار التفاوض في أكثر من جولة صراع في العقد ونصف العقد الماضيين.
أكثر من ذلك، أن قطر، التي لا تعد في حالة حرب مع إسرائيل، تقوم، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، بدور رئيس في الوساطة بين الحكومة الإسرائيلية وقيادة حماس بخصوص الحرب المستمرة في قطاع غزة طوال عامين. استقبلت قطر العديد من وفود التفاوض الإسرائيلية، ووفرت لهذه الوفود التسهيلات اللازمة للإقامة وسبل اتصال غير مباشر مع المفاوضين الفلسطينيين. كما بذل المسؤولون القطريون جهودًا هائلة لمحاولة التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في قطاع غزة ويكفل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
لهذا كله، أثارت الهجمة الإسرائيلية سخطًا هائلًا للقيادة القطرية. ولم يكن غريبًا أن يظهر رئيس الحكومة القطرية ووزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في ساعة متأخرة من مساء يوم الهجوم، غاضبًا أمام الصحافيين في مقر الخارجية القطرية. وصف الشيخ محمد الهجوم بالغادر، وقال: إن قرار الهجوم لا يصدر إلا عن رئيس حكومة إسرائيلي لم يعد يكترث بأية معايير قانونية دولية أو بتقاليد العلاقات بين الدول، وتساءل عما إن كانت طموحات رئيس الحكومة الإسرائيلية في تغيير الشرق الأوسط قد اتسعت الآن لتستهدف الخليج كذلك.
تتمتع قطر بعلاقات واسعة النطاق على المستويات العربية والإسلامية، نظرًا للأدوار الإيجابية التي اطلعت بها طوال أكثر من عقدين في مساندة قضايا الشعوب، ودعم الدول في لحظات الحاجة، أو المساهمة في حل النزاعات. وتحتفظ قطر بعلاقات وثيقة مع دول الاتحاد الأوروبي، مع روسيا والصين، مع الولايات المتحدة، ومع حلف الناتو. وهذا ما أكسب ردَّ الفعل على الانتهاك الإسرائيلي المفاجيء وغير المبرر لسيادة قطر طابعًا رسميًّا وشعبيًّا، وأبعادًا عربية وإسلامية ودولية.
لم يكن صعبًا أن تتفق الدول الأعضاء في مجلس الأمن، 12 سبتمبر/أيلول، على إصدار بيان صحافي، كتب بلغة التضامن مع قطر، يدين الاعتداء عليها ويعيد التوكيد على أهمية دورها في الوساطة وحل النزاعات، على الرغم من أن الولايات المتحدة أصرَّت على ألا يشير البيان بصورة واضحة إلى مسؤولية إسرائيل عن العدوان. وفي جلسة مساء اليوم نفسه، شارك في مطالعات مجلس الأمن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، كما شارك وزير الخارجية الأردني، والمندوب الباكستاني، والمصري، والتركي. وبخلاف ممثلي الولايات المتحدة واليونان، أدان المندوبون جميعًا في حديثهم للمجلس العدوان الإسرائيلي بلغةٍ لا تحتمل التأويل.
كيف أمكن لإسرائيل تنفيذ مثل هذه الهجمة على هدف في قلب العاصمة القطرية، البعيدة بما لا يقل عن ألف وخمسمئة كيلومتر عن أقرب القواعد الجوية الإسرائيلية في أقصى جنوب دولة إسرائيل؟ كيف يمكن أن تُفهم الهجمة الإسرائيلية في سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة؟ وكيف يمكن أن تفهم في سياق المقاربة الإسرائيلية الإستراتيجية للمحيط الإقليمي، العربي والإسلامي؟ وأي أثر يمكن أن تتركه هذه الهجمة على السياق العام للصراع العربي-الإسرائيلي، وعلى علاقات قطر ودول الخليج مع المعسكر الغربي، ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص؟
العملية الإسرائيلية وهدفها
لم تنشر الحكومة الإسرائيلية رواية رسمية للإغارة على مكتب حماس السياسي في الدوحة، ولكن تفاصيل العملية جرى تناقلها في وسائل إعلامية مقربة من حكومة نتنياهو، أو من قيادة أركان الجيش الإسرائيلي. كما سربت مصادر إسرائيلية عسكرية لوسائل إعلام غربية تفاصيل أخرى حول العملية. والواضح أن الروايات المنشورة لم تخل من التضارب، وأن بعضها قُصد به التضليل، أو التخفيف من وطأة مسؤولية رئيس الحكومة الإسرائيلية عن العملية، سيما بعد أن فشلت الضربة في تحقيق هدفها الرئيس.
ما لا يوجد خلاف حوله أن عدة طائرات إسرائيلية شاركت في العملية، ربما وصل عددها إلى عشر طائرات، ولأن بعض هذه الطائرات كان مخصصًا للحراسة، وربما خُصِّصت واحدة لإعادة التزويد بالوقود، فالأرجح أن عددًا محدودًا منها شارك في قصف المبنى المستهدف في الدوحة. ترجِّح عدة تقارير في مصادر إعلامية غربية مرموقة أن المقاتلات الإسرائيلية حلقت فوق البحر الأحمر وأطلقت صواريخها على هدفها من موقع على محور واحد مع الدوحة فوق البحر، لكن لا توجد مصادر رسمية تؤكد هذه الرواية.
التساؤل الآخر الذي أثارته هذه العملية يتعلق بالفارق الزمني الذي فصل بين معرفة الإدارة الأميركية بالعملية، ووقوع الغارة الإسرائيلية على هدفها في الدوحة. ما صدر عن إدارة الرئيس ترامب في الساعات الأولى التالية على العدوان أن الإسرائيليين أبلغوا مصدرًا عسكريًّا أميركيًّا بالعملية بعد انطلاق الطائرات، وأن الرئيس الأميركي ما إن وصلته المعلومات المتصلة بالأمر حتى أصدر أمرًا لمبعوثه إلى الشرق الأوسط بإبلاغ القطريين وتحذيرهم. وكان الشيخ محمد بن عبد الرحمن قد أكد أن الدوحة استلمت الاتصال الأميركي بعد 10 دقائق من الضربة. في 15 سبتمبر/أيلول، ذكر مصدر إسرائيلي لم تُعرف هويته أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أبلغ الرئيس ترامب بالعملية قبل خمسين دقيقة من بدء القصف، بمعنى أن الفرصة كانت لم تزل متوافرة لإيقاف العملية لو أن الرئيس ترامب رغب في ذلك. ولكن مسؤولًا في إدارة الرئيس ترامب كذَّب التسريب الإسرائيلي وأعاد التوكيد على أن معرفة الرئيس ترامب بالعملية كانت متأخرة بالفعل. رفضت قطر التعليق على مثل هذه التقارير، وأكدت أنها على تواصل مع القيادة الأميركية.
والواضح أن من الصعب التيقن من الحقيقة خلف هذا التضارب، بدون نشر رسمي، إسرائيلي أو أميركي، لتفاصيل الاتصالات الزمنية بين الطرفين.
فأي هدف أرادت حكومة نتنياهو تحقيقه من هذه العملية، التي ما كان لها أن تُنجَز بدون انتهاك سافر للقانون الدولي، للأنظمة الحاكمة للعلاقات بين الدول، وانتهاك سيادة دولة تقوم بدور الوسيط في نزاع دموي وبالغ التعقيد، تعد إسرائيل طرفه الرئيس؟
خلال الساعات القليلة التالية على وقوع الهجوم أكدت مصادر مقربة من حكومة نتنياهو لوسائل إعلام إسرائيلية، ولقناة إخبارية عربية، نبأ وقوع العملية، وأنها استهدفت مقرًّا لحماس في الدوحة، وأنها نجحت في تصفية أربعة من قادة حماس الكبار. بمعنى، أن الهدف من العملية لم يكن اغتيال وفد حماس المفاوض وحسب، بل التخلص من مكتب حماس السياسي، أو معظم أعضاء المكتب على الأقل.
في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يبدو نتنياهو، صاحب القرار الأول في استمرار الحرب، أقرب إلى المأزق منه إلى تحقيق النصر النهائي، أو النصر المطلق، كما كرر في تصريحاته هدفه من استمرار الحرب. لم يستطع نتنياهو حتى الآن إيقاع هزيمة مقنعة بقوات حماس في غزة؛ وعلى الرغم من إصراره على تدمير ما تبقى من مدينة غزة واحتلالها، فإن قادة جيشه يؤكدون أن السيطرة على غزة لن تفضي إلى حسم الحرب ضد حماس. وبعد ما يقارب العامين على الحرب التي باتت أقرب إلى الإبادة الجماعية منها إلى المواجهة العسكرية، لم تنجح آلة الحرب في تحرير المحتجزين الإسرائيليين في غزة، ولا يتوقع لها أن تنجح في ذلك، حتى لو استمرت الحرب عدة شهور أخرى.
من خلال تصفية قيادة حماس السياسية، يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية تحقيق هدف مكثف وواضح الدلالة في سياق الحرب. كما قدَّم نتنياهو النجاح في اغتيال معظم قيادات الصف الأول لحزب الله باعتباره تجسيدًا لهزيمة الحزب وكسر إرادته، يحاول عبر تصفية مكتب حماس السياسي التقدم للرأي العام الإسرائيلي بلحظة انتصار قاطعة وحاسمة.
ولكن هناك سياق آخر لهذه العملية، يتصل بتصور القيادة الإسرائيلية لعلاقتها بجوارها العربي والإسلامي.
تحول إستراتيجي في علاقة إسرائيل بمحيطها
خرجت صحيفة هآرتس الإسرائيلية المعارضة للائتلاف الحاكم في تل أبيب، في صباح اليوم التالي على العملية، بمقالة تلفت الانتباه إلى أن العدوان على قطر يشير إلى تحول إستراتيجي في علاقات إسرائيل بالإقليم. وليس ثمة شك في أن هذه قراءة صحيحة تمامًا فيما يتعلق برصد التحول الإستراتيجي الإسرائيلي. ولكن غير الصحيح هو تصور ربط هذا التحول بالعملية في الدوحة، أو أن هذه العملية هي أول مؤشرات التحول. الحقيقة أن هذا التحول بدأ منذ ما يقارب العام، ومنذ أخذ رئيس الحكومة الإسرائيلية في إطلاق تصريحاته حول العمل على تغيير الشرق الأوسط برمته، ومن ثم تغيير البيئة الأمنية الإستراتيجية المحيطة بدولة إسرائيل.
إيران، بالرغم من علاقاتها التقليدية بحزب الله وحماس، لم تكن طرفًا مباشرًا في الحرب على غزة. ولكن الحكومة الإسرائيلية قررت أن الحرب على غزة توفر فرصة سانحة ومناخًا مواتيًا لتوجيه ضربة إستراتيجية للمشروع النووي الإيراني؛ الأمر الذي أُنجز بالفعل بمشاركة الولايات المتحدة. وليس من المستبعد أن تحاول إسرائيل توجيه ضربات أخرى لإيران، إن ظهر أن الهجمات الإسرائيلية-الأميركية لم تنجح في تقويض المقدرات النووية الإيرانية.
في سوريا، زادت إسرائيل من وتيرة ضرباتها مباشرة بعد إطاحة نظام الأسد. كانت إسرائيل أخذت في الإغارة على أهداف محددة في سوريا طوال السنوات العشر السابقة على سقوط الأسد، ولكن من الضروري تبين الاختلاف النوعي بين الاعتداءات على سوريا خلال حكم نظام الأسد، والاعتداءات في الأشهر التسعة التالية على سقوط النظام. في الحالة الأولى، استهدفت إسرائيل مواقع أسلحة ومعدات إيرانية قد تصد الهجمات الإسرائيلية، إضافة إلى مواقع محدودة لمنظومة الدفاع الجوي السوري المتهالكة. في الحالة الثانية، تقوم إسرائيل بعمليات تدمير منهجي لمقدرات الجيش السوري، وتقول بوضوح إنها لن تسمح للدولة السورية ببناء قواتها المسلحة من جديد، وإنها تريد أن يظل الجنوب السوري كله منطقة عازلة.
إضافة إلى ذلك، توغلت إسرائيل في الجانب السوري من خط 1974 لفصل القوات، وقامت بالفعل باحتلال الجزء الذي لم يزل تحت سيطرة دمشق من منطقة الجولان، بعمق عدة كيلومترات شرقًا، ووصولًا إلى جبل الشيخ شمالًا. كما فتحت إسرائيل قنوات اتصال مع جناح الدروز الانفصاليين في السويداء، ومع القيادات الكردية في الشمال الشرقي، لتشجيع الطرفين على رفض الانضواء في الدولة السورية الجديدة، وإفشال محاولات دمشق في استعادة وحدة البلاد.
أرسلت إسرائيل رسائل تهديد واضحة للعراق، واستهدفت مواقع عراقية تتبع فصائل مسلحة موالية لإيران مرة واحدة على الأقل؛ في الوقت الذي تقوم واشنطن بالضغط على بغداد لحل قوات الحشد الشعبي الشيعي، الحليفة لإيران، أو دمجها كلية في الجيش العراقي. وفي لبنان، ترفض إسرائيل الالتزام بالانسحاب من الشريط الجنوبي الذي احتلته خلال الحرب الأخيرة على حزب الله، التي أخذت طابع الحرب على لبنان كله. أما في العلاقة مع مصر، فقد انتقلت المطالب الإسرائيلية بفتح المعبر المصري-الفلسطيني والسماح بعمليات التهجير تحت غطاء اللجوء إلى الخارج من القطاع إلى مستوى التهديد، وإلى ابتزاز القاهرة بإيقاف صفقة إمداد مصر بالغاز الإسرائيلي.
خلف ذلك كله، لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية لتركيا، الصادرة عن شخصيات غير رسمية، مقربة من الائتلاف الحاكم، طوال الشهور القليلة الماضية. كما يجري تداول تهديدات مشابهة، وإن أقل حدة، لباكستان وما يمكن أن تمثله من خطر على إسرائيل إن اختارت الوقوف إلى جانب إيران، أو تقديم الدعم للدول العربية المستهدفة من إسرائيل.
عملية العدوان على قطر، لذلك كله، لابد أن تُرَى كحلقة جديدة في هذا السياق. وهذا أشار إليه أمير قطر، تميم بن حمد، في كلمته أمام القمة العربية-الإسلامية بالدوحة، 16 سبتمبر/أيلول، عندما قال: إن هناك من يتوهم تحويل المجال العربي إلى منطقة نفوذ إسرائيلية.
قامت السياسة الإقليمية الإسرائيلية، في الحقبة السابقة على السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على أساس التعامل الاستباقي، ما أمكن، مع مصادر التهديد الآنية، المحدودة، في الجوار المباشر، سيما في المحيط الشامي، وفي العراق ومصر. ولكن ما يبدو أن حكومة نتنياهو تبادر منذ ما يقارب العام إلى محاولة فرض الإرادة الإسرائيلية على الجوار الإقليمي بمجمله، من إسلام أباد إلى القاهرة، ومن البحر الأسود إلى خليج عدن، سواء للتعامل مع كافة أنواع المقاومة المحتملة، أو إلى دفع دول الإقليم إلى اتباع سياسات متوافقة مع المصالح الإسرائيلية.
ثمة معارضة إسرائيلية عالية الصوت لحكومة نتنياهو فيما يتعلق بالعديد من تكتيكات الحرب على غزة، أو بعض تفاصيلها العملياتية. ولكن الساحة السياسية الإسرائيلية لم تشهد صوتًا واضحًا معارضًا للسياسة الإسرائيلية تجاه إيران، أو سوريا، أو مصر، أو لبنان، أو للتهديدات المتكررة لتركيا وباكستان. وفي الساعات الأولى التالية على الاعتداء على قطر، عندما كان الظن أن العملية حققت أهدافها، لم يبرز صوت واحد معارض للعملية وما اكتنفها من انتهاك للقانون الدولي، أو تقويض لجهود الوساطة القطرية. ما يعنيه هذا أن التحول الإستراتيجي الذي تقوده حكومة نتنياهو في المقاربة الإسرائيلية للعلاقة مع الإقليم بات اتجاهًا صاعدًا في سياسة دولة إسرائيل ذاتها وليس للائتلاف الحاكم وحسب.
عواقب الهجوم
أعربت قطر عن رضاها عن انعقاد مجلس الأمن لبحث العدوان، وعن المواقف التي أعلنها معظم مندوبي الدول الأعضاء في المجلس. كما لابد أن قطر كانت راضية عن البيان الصحافي الذي أصدره المجلس حول العدوان، آخذة في الاعتبار طبيعة النظام الدولي الراهن والدفاع الأميركي المستميت عن السياسات الإسرائيلية.
كان الانعقاد السريع للقمة العربية الإسلامية بهذه السرعة وهذا الحجم، أمرًا إيجابيًّا بلا شك، وأظهر وزن قطر العربي-الإسلامي، وإدراك الرأي العام العربي-الإسلامي لفداحة العدوان ودلالاته. حضر إلى الدوحة عدد كبير من المسؤولين العرب والمسلمين الكبار؛ ولكن مراقبي الشأن الخليجي لاحظوا على وجه الخصوص غياب ملك البحرين، والرئيس الإماراتي، وسلطان عمان، وأمير الكويت، الذين أرسلوا نوابًا لهم. كافة من طلبوا الحديث في جلسة القمة الرئيسة تحدثوا بلغة إدانة وتنديد للعدوان لا تحتمل التأويل، وأعلنوا تضامنهم مع دولة قطر ودعم دورها النشط في الوساطة وحل النزاعات. ولكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان الوحيد، إلى جانب أمير قطر، الذي طالب بإجراءات عقابية لإسرائيل من مستوى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
وربما جاء بيان القمة ليعكس الحد الأدنى من إجماع المؤتمرين. ففي حين حمل البيان شجبًا للعدوان وتضامنًا صريحًا مع قطر، وطالب بإنهاء الحرب الوحشية على قطاع غزة، ورفض محاولات تهجير الفلسطينيين من بلادهم، وأيد الجهود الفرنسية-السعودية للاعتراف الدولي الواسع بالدولة الفلسطينية. أشار البيان لبعض الإجراءات العقابية لإسرائيل، أحدها، دعوة الدول الموقِّعة على اتفاقية روما للتقدم إلى محكمة الجنايات الدولية لتنفيذ إجراءات القبض على المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم في الحرب على غزة. ودعت القمة الدول الأعضاء إلى مراجعة شاملة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، بما في ذلك اتخاذ التدابير اللازمة لتعليق أو قطع أي تعاون يعزز من قدرة إسرائيل على مواصلة انتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني وسيادة الدول العربية والإسلامية، ودعوة الدول الإسلامية إلى التحقق من التزام إسرائيل بميثاق الأمم المتحدة والسعي إلى تعليق عضويتها الأممية.
خلف ذلك، ثمة بوادر تشير إلى أن العدوان على قطر سيفضي إلى متغيرات في طبيعة تموضع دول الخليج في الساحة الدولية، لن يجري الإعلان الصاخب عنها في مؤتمرات قمة أو غيرها. بدأت السعودية منذ سنوات في عقد اتفاقات عسكرية واتفاقات تصنيع عسكري مع تركيا والصين، وتحاول الدخول طرفًا في برنامج أوروبي-ياباني لصناعة طائرة مقاتلة من الجيل السادس. وليس خافيًا أن هدف السعودية من هذه الاتفاقات هو التنويع التدريجي للشراكات الأمنية، مع الاحتفاظ بعلاقات مميزة مع دول المعسكر الغربي.
لم تقم الولايات المتحدة بمسؤولياتها من قبل في حماية المنشآت السعودية من القصف الذي تعرضت له من الحوثيين في اليمن، أو من الفصائل العراقية الموالية لإيران؛ ولم تساعد في حماية الإمارات من قصف حوثي مماثل. أخفقت الولايات المتحدة أيضًا في ردع إسرائيل عن مهاجمة قطر، وفي التصدي لها. وهذا يقتضي تدابير إستراتيجية تردع أي طرف معاد من الهجوم مستقبلًا على الدوحة.