دول مجلس التعاون الخليجي ومخاطر التوجهات الفردية في التحالفات العسكرية

هذا التعليق يناقش مخاطر التوجهات الفردية لدول مجلس التعاون الخليجي في التحالفات العسكرية، بالإضافة إلى محدودية فعالية الاتفاقيات الدفاعية العربية التاريخية التي ربما دفعت دول الخليج لتحالفات فردية. كما يبرز التعليق أهمية تعزيز التعاون الدفاعي المشترك بين الدول الخليجية والعربية لمواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، ويشدد على ضرورة تقليل الاعتماد على القوى الخارجية، وتعزيز القدرات العسكرية الذاتية لتحقيق الأمن والاستقلال العربي.
(رويترز)

لم يكن العدوان الإسرائيلي على الدوحة بقصد تصفية الفريق التفاوضي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، بالحدث الذي يمكن أن يمر مرور الكرام. فهو حدث استثنائي بالنسبة إلى القطريين ودول الخليج وبقية العرب والمسلمين، إضافة إلى دول وشعوب أخرى في العالم. فالجميع استنكر العدوان واعتبره غدرًا وانتهاكًا صارخًا لسيادة دولة مستقلة. لقد جرى العدوان على أرض الوسيط الذي يتعرض لضغوط شديدة في سبيل جمع الأطراف ذات العلاقة في أحداث غزة والتوصل إلى حل يُرضي الجميع ويضع حدًّا لحرب طاحنة أزهقت عشرات الآلاف من الأرواح ودمرت الممتلكات والمرافق الحيوية في غزة.

انعقدت قمة الدوحة العربية الإسلامية، في منتصف سبتمبر/أيلول 2025، ردًّا سريعًا على ذلك العدوان الغادر. ولكنها، وإن لم تسفر عن إجراءات عملية رادعة، إلا أن المكتسبات السياسية التي حققتها لدولة قطر كانت جيدة. من جهة أخرى، أسهمت هذه القمة في تصحيح النظرة العالمية لدولة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها كيانًا عنصريًّا استيطانيًّا، لا يبالي بالمجتمع الدولي ولا يأبه للقوانين والمواثيق التي تحكم العلاقات بين الدول.

رغم تواضع المخرجات المباشرة للقمة على مستوى القرارات والتوصيات، إلا أن ما جرى بعدها من تطورات يمكن التفاؤل به واعتباره لبنة تؤسس لعمل مستقبلي نوعي، خاصة إذا جرى توجيهه لخدمة المصلحة الخليجية العليا بشكل مستقل عن الرؤية الأميركية والغربية بشكل عام. وسنحاول فيما يلي بيان أهمية تلك التطورات وكيف يمكن البناء عليها.

ما قبل قمة الدوحة وما بعدها

يُعد توقيع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، اتفاقًا للدفاع الإستراتيجي المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية بالعاصمة، الرياض، واحدة من الخطوات التي لفتت الأنظار، يوم 17 سبتمبر/أيلول الجاري. وقد أفاد البيان المشترك بأن الاتفاق يهدف إلى "تعزيز التعاون الدفاعي وتطوير القدرات المشتركة، بما في ذلك الردع ضد أي اعتداء، وأن أي هجوم على أحد البلدين سيُعتبر اعتداءً على كليهما".

أعاد هذا الحدث إلى الواجهة خبر اجتماع دوري كان هو الثالث عشر للجنة التعاون الدفاعي المشتركة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند، والذي عُقد في العاصمة الهندية، نيودلهي، في 31 يوليو/تموز الماضي، بحضور راجيش كومار سينغ، سكرتير وزارة الدفاع الهندية، والفريق الركن إبراهيم ناصر العلوي، وكيل وزارة الدفاع الإماراتية. وقد بحث الاجتماع سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الدفاعية، وأكد حرص دولة الإمارات على توثيق الشراكة الإستراتيجية مع الهند. فالبلدان تجمعهما علاقات راسخة ومصالح مشتركة واتفاقات ثنائية لتعزيز التعاون الدفاعي في مجالات التدريب المشترك، والأمن البحري، والتعاون الصناعي الدفاعي، بالإضافة إلى تبادل الخبرات بين القوات المسلحة في البلدين.

ضمن سياق الحديث عن الاتفاقيات العسكرية الثنائية بين دول مجلس التعاون وقوى أخرى من خارج المنطقة، تجدر الإشارة إلى اتفاقية عسكرية بين دولة قطر وجمهورية تركيا، كان قد تم التوقيع عليها في السابع من يونيو/حزيران 2017، وصادق عليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في التاسع من الشهر ذاته. تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وتشكيل آلية من أجل تعزيز التعاون في مجالات التدريب العسكري، والصناعة الدفاعية، والمناورات العسكرية المشتركة، وتمركز القوات المتبادل بين الجانبين.

التعاون الدفاعي العربي

تدفعنا التحركات الخليجية نحو تحالفات عسكرية مع قوى خارج المنطقة للتساؤل عن الأسباب التي تجعل دول الخليج العربية تتوجه شرقًا وغربًا لتوقيع اتفاقيات دفاعية ثنائية بدلًا من صناعة منظومة دفاعية عربية مشتركة أو تفعيل الاتفاقيات السابقة لحفظ الأمن القومي العربي.

بعض الأسباب تكمن في أن الاتفاقيات الدفاعية العربية منذ أول معاهدة وُقِّعت قبل أكثر من سبعة عقود، لم تثبت نجاعتها ولم تقدر على مواجهة التحديات التي مرَّت بها الدول العربية التي وقَّعت على تلك المعاهدة. والحديث هنا عن معاهدة التعاون العربي المشترك التي وقَّعت عليها سبع دول عربية، هي: مصر والأردن وسوريا والعراق والسعودية ولبنان واليمن، في 13 أبريل/نيسان 1950. فقد نصَّت المادة الثانية منها بشكل واضح وصريح على أن "الدول المتعاقدة تعتبر كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعًا. ولذلك فإنها، عملًا بحق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما".

الأحداث الجسام التي مرَّت على المنطقة العربية أثبتت أن معاهدة الدفاع العربي المشترك لم تكن سوى حبر على ورق. فالعدوان الإسرائيلي على مصر والأردن وسوريا، في يونيو/حزيران 1967، مثال أول، تلاه غزو العراق للكويت، في أغسطس/آب 1990. وكان الغزو الأميركي للعراق، في مارس/آذار 2003، مثالًا ثالثًا رسَّخ هذه الحقيقة. وبين هذه الأمثلة الثلاثة أحداث أخرى كثيرة تعرضت فيها دول عربية لاعتداءات ولم يتم تفعيل بند من بنود تلك المعاهدة؛ ما جعلها فاقدة للجدوى وغير ذات مصداقية، ما جعل دول الخليج تتجه إلى حلول أخرى.

في خضم هذه الأحداث، وفي سياق حرب جديدة اندلعت على أطراف الخليج بين العراق وإيران وامتدت لثماني سنوات، ظهرت منظومة التعاون الدفاعي الخليجي، بدعم أميركي، وبهدف تعزيز أمن المنطقة. فقد أقرَّت قمة دول مجلس التعاون في دورتها الثالثة بالعاصمة البحرينية، المنامة، في نوفمبر/تشرين الثاني 1982، توصية وزراء الدفاع بتأسيس قوة دفاع مشتركة تسمى "قوات درع الجزيرة" لم تُختبر عمليًّا. وبعد نحو عشرين عامًا، أُعلِن عن تطوير فكرة القوة المشتركة على شكل اتفاقية دفاع مشترك لدول مجلس التعاون الخليجي في البحرين أيضًا، في ديسمبر/كانون الأول 2000، لتكون اتفاقية دفاعية عسكرية مشتركة.

ولم يتم اختبار تلك القوة أو الاتفاقية فعليًّا إلا في مارس/آذار 2011، حين استعانت مملكة البحرين بقوات درع الجزيرة لتأمين المنشآت الإستراتيجية في البلاد أثناء الحركة الاحتجاجية التي نظمتها قوى المعارضة البحرينية. وبالفعل، أسفر ذلك التدخل عن السيطرة على الأوضاع الداخلية في البحرين، أما عدا ذلك، فلا أثر لتلك القوات أو لاتفاقية الدفاع المشترك. لذلك، اندفعت الدول الخليجية للبحث عن حلول فردية خارج إطار المنظومة الجامعة، لاسيما بعد أحداث الربيع العربي، وتزايد التهديدات الداخلية والخارجية للمنطقة.

دوافع الاتفاقيات الثنائية

أول الدوافع للبحث عن حلول فردية، اختلاف رؤى ومصالح الدول الأعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي. وهذا الدافع يشمل أيضًا بقية دول منظومة الجامعة العربية. فاختلاف الرؤى والمصالح بين الدول سبب أساسي في تعطيل العمل المشترك وإفقاد الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها الجدوى العملية. لذلك، ظلت المنظومتان، الخليجية والعربية، في حالة هشاشة، وبقي تأثيرهما على الساحة الإقليمية والدولية محدودًا في أغلب المجالات.  

إن فقدان ثقة الدول الأعضاء في المنظومتين بالاتفاقيات الدفاعية المشتركة، وإن لم يجر التصريح به، يُعدُّ سببًا ثانيًا يدفع كل دولة للبحث عن حليف خارجي تتفق معه بخصوص المسائل الدفاعية بشكل خاص. ولكن، برغم المصالح الثنائية التي يمكن تحقيقها من خلال هذه الاتفاقيات والتحالفات، فإن تأثيراتها على الأمن الخليجي والعربي، بشكل عام، يمكن أن تكون سلبية. فإذا عاد التوتر بين الهند وباكستان، على سبيل المثال، أو تجددت المواجهة العسكرية بينهما، فإن اتفاقيات الدفاع المشترك معهما ستضع الحلفاء الخليجيين في مأزق. كما أن توقيع اتفاقيات ثنائية عادة ما ينطوي على قابلية رضوخ الأطراف الضعيفة لابتزاز القوى الكبيرة.

إن تفرد كل دولة في قراراتها الإستراتيجية بتحالفات لا تنسجم مع الإستراتيجيات الخليجية أو العربية المشتركة، سواء على الصعيد الأمني أو العسكري أو الاقتصادي، يجعل من الصعب في المستقبل تجسيد أي اتفاقية جماعية على أرض الواقع.

الحلفاء وتضارب المصالح

لا شك أن لباكستان أو تركيا أو الهند أو روسيا أو الولايات المتحدة أو الصين، أو أي قوة عسكرية أخرى، مصالح إستراتيجية قد لا تكون بالضرورة متوافقة دومًا مع مصالح الدول الخليجية الباحثة عن تحالفات واتفاقيات دفاعية بشكل منفرد. بمعنى أن الاتفاقيات الدفاعية لا تضمن بشكل تام أمن وسلامة كل دولة خليجية، وإنما تكون فاعليتها في نطاق معين ومحدود. فالمهم ألا يتضرر الحليف أثناء النزاعات أو الاعتداءات، ولا يضطر للدخول في نزاعات أكبر مع قوى أخرى بمقتضى تلك الاتفاقيات. فقوى مثل باكستان وتركيا مثلًا، لا يزال معظم أنظمة تسليحها وفق الأنظمة الأميركية، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة عريقة ومتينة، وبالتالي يُستبعد أن يحدث تصادم أو تضارب بين تلك القوى والولايات المتحدة في سبيل الحفاظ على الاتفاقيات الدفاعية مع دول الخليج. وقس على ذلك بقية الاتفاقيات المبرمة مع القوى الأخرى.

بناء على ذلك، يمكن القول: إن الاتفاقيات الثنائية بين دول الخليج وقوى خارج المنظومة العربية، تعود غالبًا بالنفع المادي على تلك القوى بالدرجة الأولى، وهي -لا شك- تضع مصالحها الإستراتيجية وعلاقاتها الدولية مع القوى المؤثرة على قائمة أولوياتها. ثم تأتي بعد ذلك علاقاتها مع الحلفاء الباحثين عن الأمن والأمان من كل اعتداء؛ ما يعني ضرورة قيام المنظومة الخليجية والعربية بإعادة النظر في أمنها الإقليمي والقومي في اتجاه تعزيز التعاون المشترك، وتوحيد الرؤى والأهداف ضمن إستراتيجية أمن قومي عربي واحدة يتفق فيها كل الدول الأعضاء على تسمية العدو المشترك. بعد ذلك، يمكن توحيد الجهود والخطط لردع ذلك العدو، ويمكن أيضًا توحيد أنظمة التسليح المختلفة، الدفاعية منها والهجومية، مع توحيد أنظمة التدريب وآليات التعاون المشترك.

تزداد التهديدات التي تحيط بالمنطقة العربية كل حين، ولابد أن يكون ذلك دافعًا لتعزيز متطلبات الأمن العربي المشترك والاستقلال عن الأنظمة العسكرية الشرقية والغربية. في الوقت ذاته، ينبغي أن تتجه الاستثمارات والجهود نحو صناعة عسكرية متنوعة ذات أنظمة عربية خالصة، لا يتحكم في تقنياتها ولا ذخائرها أو قطع غيارها أحد من خارج المنظومة العربية. بالتوازي، يجري تخفيف الاعتماد على الأنظمة الأميركية والروسية والصينية وغيرها، بشكل متدرج ومدروس، وفق خطط زمنية واضحة، وصولًا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. بالتأكيد، ليست المسألة سهلة، لكنها ليست مستحيلة، فالتهديدات الوجودية أكبر وأخطر من أن يختلف العرب أكثر مما اختلفوا.

ABOUT THE AUTHOR