التجربة المغربية في الصحافة الاستقصائية والتحول الديمقراطي: نمط العلاقة وديناميتها (1990- 2024)

تبحث الدراسة إشكالية العلاقة بين الصحافة الاستقصائية وتبنِّي الخيار الديمقراطي في الحالة المغربية من خلال رصد البيئة القانونية والمؤسساتية والسياسية والمهنية التي ميَّزت ظهور وانتشار وتراجع الصحافة الاستقصائية بالمغرب. وتتقصَّى أيضًا تأثير الانفتاح السياسي والحقوقي، الذي شهده المغرب منذ تسعينات القرن الماضي، في العلاقة بين المتغيرين ودينامية تفاعلهما. وتهدف الدراسة إلى معرفة حدود العلاقة بين فاعلية هذا النوع من الصحافة، وتحسُّن المناخ السياسي والاقتصادي ونجاح مسلسل الانتقال والترسيخ الديمقراطي.
تحتاج الصحافة الاستقصائية في المغرب إلى إطار مؤسساتي مهني قوي للدفاع عن مصالح الصحافة والصحفيين (الجزيرة)

مقدمة

تُعَد الصحافة مرآة المجتمع التي تعكس سيرورةَ تحولاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وتُنْبِئ عن مضمون الاختيار الديمقراطي للدولة ومساراته وأفقه. لذلك يُنْظَر إلى الصحافة الاستقصائية -باعتبار دورها الرقابي على المؤسسات والفاعلين في النظام السياسي ومسؤوليتها في كشف الانتهاكات والخروقات- وسيلةً لقياس (ترمومتر) منسوب الديمقراطية في الدولة، وضميرًا لهذا المجتمع يُنَبِّه على النقائص والاختلالات. وقد شكَّل هذا الجنس من الصحافة نقطة تحول كبيرة في المغرب، وخاصة في تسعينات القرن الماضي؛ إذ ارتبط انتشار الصحافة الاستقصائية وتَعَدُّد منابرها بلحظة انفتاح سياسي وحقوقي عاشه المغرب، وبدا فيه الحديث في المشهد السياسي عن انتقال نحو الديمقراطية.

تتتبَّع الدراسة الديناميات التي تحكم العلاقة بين الصحافة الاستقصائية والبِنَى المؤسساتية وتطوراتها في الحالة المغربية، وانعكاس ذلك على مسلسل دَمَقْرَطَة الدولة والمجتمع. وتُشكِّل فترة ما بعد تسعينات القرن العشرين الإطار الزمني للدراسة من أجل رصد البيئة القانونية والمؤسساتية والسياسية والمهنية، التي ميَّزت ظهور وانتشار وتراجع الصحافة الاستقصائية بالمغرب، وعلاقة ذلك بما شهده المغرب من انفتاح سياسي وحقوقي منذ هذه الفترة. لكن تهتم الدراسة أيضًا بتاريخ العلاقة بين الفاعلين في النظام السياسي ووسائل الإعلام في مراحل مختلفة من التاريخ المعاصر، وأطر التعامل مع حقل الإعلام ومؤسساته، وهو ما سيُحدِّد منظورهم للصحافة وهوامش اشتغالها والأجناس ذات الأولوية في اهتماماتهم، ودور الصحافة الاستقصائية. ويتمثَّل هدف الدراسة في رصد حدود العلاقة بين فاعلية هذا النوع من الصحافة، وتحسُّن المناخ السياسي والاقتصادي ونجاح مسلسل الانتقال والترسيخ الديمقراطي.  

وتبحث إشكاليةُ الدراسة سؤالَ العلاقة بين ظهور هذا الجنس الصحافي وتزايد جاذبيته، وصدقية الدولة في تبنِّي خيار ديمقراطي حقيقي مع تحمُّل ما يترتب عنه من تبعات في جميع المجالات، وضمنها المجال الإعلامي الذي ينبغي أن يكون حقلًا لعمل سلطة مستقلة رابعة وموازية للسلط الثلاث. وتحظى بنظام قانوني مُتَقدِّم، ونظام اقتصادي مُحَفِّز، وتُوَفَّر لها أساسيات الاشتغال، ويتمتَّع فيها الصحفيون بالحرية اللازمة للعمل، ومن ذلك حماية سرية المصادر، والحق في الوصول إلى المعلومات، وإلزام كل أشخاص القانون العام بالتجاوب مع الصحافة في كل ما يرتبط بالشأن العام.

ولمعالجة هذه الإشكالية، يعتمد الباحث منهج دراسة الحالة، باعتباره أحد أساليب البحث النوعي، الذي يُمكِّن من دقة الرصد والوصف والتحليل، ويُساعد على استخلاص نتائج أدق لفهم أمثل لما يعتري الحالة المغربية من اختلالات تُعيق انتشارًا سلسًا للصحافة الاستقصائية التي تُعَدُّ جنس الأجناس الصحافية، والمقياس (الترمومتر) الحقيقي لقياس منسوب حرية الصحافة ومدى توفر الدولة على سلطة رابعة تقوم بأدوارها كاملة.   

وتركز الدراسة، من الناحية النظرية، على رصد نموذج العلاقة بين النظام الإعلامي والنظام السياسي من خلال تتبُّع سيرورة العلاقة بين الصحافة الاستقصائية وبنية النظام السياسي في الحالة المغربية، والبحث في تاريخ العلاقات الإعلامية والسياسية من حيث التنظيم والبيئة التشريعية، فضلًا عن مستوى الطابع المهني ودور السلطة والمؤسسات النقابية في تنظيم الإعلام. وهنا، تَبرُز مقاربات ونماذج كثيرة لتفسير العلاقة بين النظام الإعلامي والنظام السياسي بدءًا بالدراسة التي أعدَّها الأكاديمي، فريد سيبرت (Fred Siebert)، وزملاؤه(1) حول "النظريات الأربع للصحافة"، ثم دراسة الأكاديميين، دانيال هالين (Daniel Hallin)  وباولو مانشيني (Paolo Mancini)، حول "مقارنة أنظمة وسائل الإعلام: ثلاثة نماذج للإعلام والسياسة"(2)، ودراسة الباحث وليام روو  (William Rugh) بشأن "وسائل الإعلام الجماهيرية العربية: الصحف، والإذاعة، والتليفزيون في السياسة العربية"(3).

ولا تخفى الأهمية العلمية والعملية لهذا النوع من الدراسات؛ لأن نتائجها ستعكس حدود: أولًا: التطور، وثانيًا: التراجع، وثالثًا: الجمود، في الانتقال الديمقراطي؛ إذ تمثِّل حرية الصحافة، والصحافة الاستقصائية خصوصًا، مؤشرًا مهمًّا لقياس هذه الثلاثية (التطور والتراجع والجمود)، وهي التي عرفت طفرة نوعية في فترة معينة ثم ما لبثت أن انطفأت جذوتها.

وقبل الانتقال إلى تحليل إشكالية الدراسة وأبعادها المختلفة، سيقتصر الباحث في سياق تحديد مفاهيم الدراسة على مفهوم الصحافة الاستقصائية لما قد يُثيره من التباس وتداخل مع مصطلحات أخرى مشابهة، أو لما قد يكتنف المفهوم من تباين بين دراسة وأخرى، أو باحث وآخر، أو سياق وآخر. وسيُحدِّد المفهوم الأنسب الذي تعتمده الدراسة ويرافق سيرورة محاورها البحثية، لاسيما أن هذا الجنس هو من أحدث الأشكال الصحفية التي ظهرت؛ لأن وظائف الصحافة تتطور بتطور المجتمعات، وتتطور معها القوالب التحريرية كذلك.

تختلف المراجع والدلائل الصحفية في تعريف الصحافة الاستقصائية، ولكنها تتفق على عناصر رئيسة ترتكز عليها صحافة الاستقصاء(4):

أولًا: الكشف الجديد عن قضية أو مشكلة واحــدة ومــحــددة بحقائق جديدة. لذا فإن التحقيق الاستقصائي يجب أن يكون بِكرًا وأصيلًا بالنسبة للجمهور، مُتَجَاوِزًا مجرد التَّحقُّق من المعلومات، "إلى أدلة دامغة ومباشرة وواضحة لا لبس فيها".    

ثانيًا: أن يكون هدفُ الكشفِ خدمةَ المصلحة العامة، "وغالبًا ما تكون مختلفةً عن (المصلحة الوطنية): فالحكومات تستخدم المصطلح الأخير لتبرير أفعالها غير القانونية، أو غير الأخلاقية، لِتَثْنِي الصحفيين عن الإبلاغ عن مشكلة أكبر". فالمصلحة العامة -في الصحافة- هي كشف معلومات بشأن قضايا مهمة لقطاع واسع من الجمهور بهدف حماية حياته وسلامته وصحته وماله، وكافة حقوقه، وتحقيق العدالة وسيادة القانون. ويُشترط في هذه المعلومات أن تكون غير منحازة، ويستطيع الجمهور أن يستند إليها في اتخاذ قراراته.

ثالثًا: أن يكون الكشف الجديد (التحقيق الاستقصائي) نتيجة بحث منهجي معمق، وتوثيق دقيق استوفى المعايير المهنية والأخلاقية.

رابعًا: أن يكون الصحفي، أو فريقه، هو صاحب الفضل في الكشف، وإنجاز التحقيق. ويقوم الصحفي بدور الباحث والمُدقِّق، والمحلِّل والمُخَطِّط للتحقيق والمُتَتَبِّع لمساراته. ويُعَدُّ جزءًا أصيلًا في عملية الكتابة والتحرير، واتخاذ القرارات التحريرية الصعبة. 

من خلال استقراء التعاريف المتعددة يخلص الباحث إلى أن الصحافة الاستقصائية جنس صحافي يرتكز على البحث المعمق والتحرِّي والتَّثَبُّت في قضية حساسة ومثيرة للاهتمام ترتبط بمصلحة عامة استنادًا إلى مصادر متعددة ومتنوعة لكشف الحقائق وتقديمها بسبق أو انفراد صحافي للمتلقي. وقد يضطر الصحفي في بعض الأحيان إلى استخدام أساليب مماثلة لتلك التي يستخدمها المحققون في الكشف عن الانتهاكات والخروقات. ويُمثِّل هذا النوع أيضًا جنس الأجناس الصحافية؛ إذ يتضمن كل الأجناس تقريبًا بدءًا من الخبر ومرورًا بالحوار والاستطلاع وانتهاء بالريبورتاج والبورتريه. وتـزداد حاجـة الـرأي العـام أكـثر فأكثـر إلى الصحافـة الاسـتقصائية؛ لأنهـا تُعَد -بحسـب تصنيـف عدد من الدراسـات- بمنزلة حـارس للديمقراطيـة وقيـم النزاهـة وحقـوق الإنسـان. فهـي، مـن خـلال عملهـا، تُدافـع، بشـكل قـد يبـدو غـير مبـاشر، عـن المصلحـة العامـة عـبر تتبـُّع الخيـوط المتشـابكة والمعقـدة للقضايـا التـي تُثير شُـبهات في نظــر الــرأي العــام، ومن ثم تكشــف عــن ممارســات الفســاد، وتُحــدِّد الأشــخاص المفـتـرض أنهــم معنيــون بتلـك الممارسـات، وتُسـِهم في تمكيـن السـلطات الموكـول إليهـا إنفـاذ القانـون مـن الكشـف عـن الممارسـات الفاسـدة، والمتابعـة والعقـاب إذا ثَبتَـت صحـة المعطيـات المنشـورة. وهـو مـا يُعطـي عملهـا نوعًـا مـن الأثـر الردعـي لأفعـال للفسـاد(5).

1. بيئة الصحافة الاستقصائية بعد الاستقلال: بيئة مضادة

يُعَد النص القانوني جامدًا، وسيبقى فهمه قاصرًا بدون إدراك سياق إقراره؛ لأنه يعكس ميزان القوى في المجتمع ويُعَد محصِّلة لصراع المصالح. وتنطبق هذه القاعدة بشكل كلي على التحولات التي عرفتها الترسانة القانونية المُؤَطِّرَة للحقل الإعلامي في المغرب.

وكان أهم ما ميَّز مغرب ما بعد الاستقلال هو ارتفاع حدة الصراع على السلطة؛ إذ يُعَد المغرب من الدول القليلة جدًّا التي لم تتولَّ فيها الحركةُ الوطنية الحكمَ بعد الاستقلال خلافًا لنظيراتها في دول عربية، مثل جبهة التحرير الوطني في الجزائر، أو الحبيب بورقيبة في تونس. لقد اشتعل الصراع على الحكم مبكرًا قبل حسمه بطريقة غير توافقية من خلال أول دستور(6) عرفته المملكة، والذي قاطعته أو رفضته بعض أحزاب الحركة الوطنية(7). واستنجدت الملكية بأحزاب أخرى لتدبير الحكومات المتعاقبة(8)، بينما اختارت، أو فُرِض، على أحزاب الحركة الوطنية صَفُّ المعارضة. وهذا الأمر انعكس بشكل كبير على حقل الصحافة في المغرب.  

أما الميزة الثانية لمغرب ما بعد الاستقلال فتتمثَّل في تسريعه لإصدار مدونة للحريات العامة(9)، سنة 1958، قبل إصدار الدستور، وهي المدونة التي كان من بين قوانينها: قانون الصحافة(10)، الذي عُدَّ حينها قانونًا تقدميًّا بسبب طابعه الليبرالي واستلهام جلِّ مواده من قانون الإعلام الفرنسي(11) لسنة 1944. وقد كان لهذا الصراع تأثير في حقل الصحافة وهوامش اشتغالها، والأجناس ذات الأولوية في اهتماماتها.  

انعكاسات الصراع السياسي على حقل الصحافة

لا يمكن النظر في تطور الصحافة المغربية بمعزل عن تطور الصراع على السلطة؛ لأن التلاؤم بين الزمنين، السياسي والإعلامي، كان سمة السنوات الأولى للاستقلال. لقد كان يُتَعامل مع الصحافة خلال هذه الحقبة باعتبارها مجالًا للصراع، أو واجهةً للنضال، أو سلاحًا حاسمًا في يد من يمتلكه أو يتحكَّم فيه.

ومن خصوصيات مغرب ما بعد الاستقلال تأخُّر صدور الدستور. لقد حصل المغرب على استقلاله سنة 1956، بينما لم يتم إقرار الدستور إلا سنة 1962، ولم يدخل حيز التنفيذ حتى سنة 1963 بعد إجراء أول انتخابات تشريعية(12) وتنصيب أول برلمان(13). لكن سريان وتطبيق هذا الدستور لم يدم إلا سنتين؛ إذ تمَّ تعطيله بعد إقرار حالة الاستثناء سنة 1965 التي استمرت حوالي خمس سنوات(14). لماذا هذا التأخر في إقرار الدستور؟ ولماذا هذا التعطيل له بعد سنتين فقط؟ وما أثر ذلك على حرية الصحافة في المغرب؟ خاصة أن خطاب الملك الحسن الثاني أكد أن هذه الحالة لن تؤثر في السير العادي للحريات الفردية والعامة حين قال: "لقد وضعنا طابعنا هذا اليوم على المرسوم الذي يُعلن حالة الاستثناء، على أن نتَّخذ -وإلى حين عودة المؤسسات البرلمانية إلى سيرها الطبيعي- جميع التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لتسيير شؤون البلاد... إن حالة الاستثناء لن يترتَّب عليها المساس بالحريات الفردية التي ضمنها الدستور. وسيظل المجال فسيحًا لنشاط الأحزاب والمنظمات النقابية لمواصلة عملها المشروع، دون أي انتهاك للقانون الذي يجب أن يُحترم سلطته"(15).

يرجع هذا التأخر في إقرار الدستور إلى حالة الصراع بين القصر والحركة الوطنية حول نظام الحكم، ومَنْ يحكم، ودور أحزاب الحركة الوطنية في هذا النظام الذي سيعرفه المغرب بعد الاستقلال.

لقد صدرت القوانين المرتبطة بالحريات العامة، وضمنها قانون الصحافة، بواسطة ظهائر ملكية بسبب غياب برلمان حينها يتولَّى السلطة التشريعية، ولذلك كان الملك هو السلطة التشريعية(16). وتميَّز قانون الصحافة(17) باعتماده نظامًا تصريحيًّا وليس ترخيصيًّا، وهو فلسفة متقدمة في التشريع في مجال تأمين الحقوق وتوفير ضمانات ممارستها مقارنة مع قوانين الصحافة في دول عربية كثيرة حينها، وخاصة إذا علمنا أن جهة الإصدار هي الملك/السلطان. لماذا تمَّ الإقدام على هذه الخطوة؟ هل هو الاقتناع بحرية الصحافة؟ هل هو الإيمان بأهمية التعددية في الصحافة؟ هل هي الرغبة في إضعاف الحركة الوطنية التي كانت تُريد تقزيم دور القصر، وترى أنها الأجدر بالحكم لمساهمتها في مقاومة المستعمر؟  

كان السعي لتغيير ميزان القوى بين القصر والحركة الوطنية حينها يستدعي من الملك سنَّ قانون ليبرالي منفتح ومتحرر يُؤسِّس للتعددية، ولذلك تمَّ إعمال مبدأ حرية تأسيس الجمعيات بمختلف أنواعها وكذا الصحف، وهو ما تمَّ التأكيد عليه في أول دستور للمغرب، عام 1962، حين نصَّ على رفض نظام الحزب الواحد(18)، وعلى حرية الرأي والتعبير بكل أشكاله(19).

كان الارتكاز على مبدأ الحرية في التأسيس، واعتماد نظام التصريح عند الإيداع، وكذا الإيداع لدى القضاء وليس الإدارة، مكاسب وتقدُّمًا وتطورًا ينسجم مع منطق أن "الحرية هي الأصل"، ويتلاءم أيضًا مع مقتضيات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ولكن عدم التدقيق في الصياغة القانونية للفصول، والطبيعة المخزنية للسلطة وأجهزتها، واندراج الصحافة في صراع أكبر حول الحكم، تُعَد عوامل أفرغت هذا المبدأ من محتواه وحوَّلته إلى نظام ترخيصي وقيَّدت مبدأ الحرية؛ إذ أصبح خاضعًا لمزاج السلطة، وخصوصيات كل مرحلة ومنطقة، وحسب موقف كل راغب في ممارسة الحرية من السلطة وموقف السلطة منه.

وأسهم في ذلك التعاملُ الظرفي مع هذا المجال، أي الحريات والحقوق، بمنطق الحملات وحسب كل ظرفية وسياق. فهناك فترة انفتاح/تسامح تُخْرِج فيها الدولة/السلطة النصوص التي تتماشى مع هذه المرحلة، وهناك فترة تشدُّد/انغلاق تُخْرِج فيها الدولة/السلطة النصوص التي تتلاءم مع هذه الفترة. ويُمثِّل ذلك "مزاجية" في التعامل مع القانون. وأحيانًا تمتزج الطريقتان معًا في فترة واحدة وتتساكنان؛ إذ يستفيد البعض من التساهل، ويكون مصير البعض الآخر التشدد، وهو ما يضرب أهم خصائص القاعدة القانونية، أي العمومية والتجريد(20).

لقد عرف المغرب خلال العقد الأول من الاستقلال تأسيس صحف عدة، ونشطت في هذا الباب أساسًا الصحف الحزبية، مثل صحيفة "العلم"(21)، و"لاناسيون أفريكان" (la Nation africaine)(22)، و"التحرير"(23) التي تمَّ إيقافها وصدرت محلَّها صحيفة "المحرر" التي تعرَّضت للإيقاف كذلك، وصدرت بعدها صحيفة "الاتحاد الاشتراكي"(24) وبعد ذلك "بيان اليوم" و"البيان" (Albayane)(25)، وهذه أمثلة فقط.

بالمقابل، ونقيض الروح الليبرالية التي ميَّزت السلطة في الإعلام الورقي/المكتوب، سلكت السلطة الحاكمة مسلكًا منغلقًا في المجال السمعي البصري، فاحتكرت الإذاعة والتلفزة، ولم تفسح في المجال نهائيًّا لتأسيس محطات إذاعية وقنوات تليفزيونية خاصة، لإدراكها أن الصوت والصورة لهما تأثير ووقع قويان على فئات واسعة من الشعب، التي ليس لها إمكانية لقراءة الصحافة الورقية، وكذلك لاقتناعها بأن رهان الصحافة المكتوبة خاسر؛ لأن الفئة المتعلمة، وهي قليلة من حيث العدد ومحصورة في المدن غالبًا، تميل أكثر نحو المعارضة. يقول عالم الاجتماع، جون واتربوري (John Waterbury)، وهو الذي درس بعمق كبير مغرب ما بعد الاستقلال: إن القصر يملك وسائل متنوعة للاتصال بالرأي العام ونشر دعايته ابتداء من جهاز الإذاعة والتليفزيون الذي يوجد تحت الرقابة الكاملة للدولة. ولكن ما هو أكثر غرابة أن تكون المؤسسات الصحفية الأكثر تأييدًا للملك تتجلى في مجموعة من الصحف ووكالة خاصة للصحافة. لقد وجدت باستمرار صحيفة يومية رسمية باللغة العربية، ولكن نادرًا ما تجاوز توزيعها ما بين 3 آلاف و5 آلاف نسخة، واستمرت في الظهور ابتداء من سنة 1956 تحت عناوين مختلفة، من "العهد الجديد"، و"الفجر"، و"آخر ساعة" إلى "الأنباء" من دون أن تُحقِّق نجاحًا(26).

شكَّل حقل الصحافة منذ السنوات الأولى للاستقلال مجالًا خصبًا للصراع السياسي بين القصر، الذي أنشأ صحفه ومقاولاته الصحفية، مثال مجموعة "ماروك سوار" (Maroc Soir)(27)، وأحزاب الحركة الوطنية التي طوَّرت صحافة حزبية كانت أكثر مقروئية وجاذبية. ولذلك يمكن القول: إن هذه المرحلة شهدت إقحام الصحافة في مجال صراع سياسي أوسع بين القصر والمعارضة، ولم يكن الصحفيون سوى أداة للصراع مملوكة لهذين الطرفين. وكان لافتًا للنظر أن الخط التحريري لتلك الصحف يغلب عليه التماهي والتناغم مع الخط السياسي للحزب؛ إذ كانت المنابر الصحافية منشورات حزبية أكثر منها منابر إخبارية محايدة، وكانت مسؤولية النشر والتحرير يتولَّاها زعماء سياسيون، أو مثقفو الحزب، ونادرًا ما كان يتولَّاها صحفيون مهنيون.

لم يكن الشغل الشاغل لطرفي الصراع الانتصار لصحافة مهنية واحترام أخلاقياتها بقدر ما كان هاجس هذين الطرفين هو ربح مساحات في الصراع السياسي حول الحكم. لذلك كانت السمة الغالبة على صحافة تلك المرحلة هي صحافة الرأي والافتتاحيات النارية المليئة بالرسائل السياسية، ولم يكن الهَمُّ هو صحافة الخبر وغير ذلك من الأجناس الأخرى، وضمنها الصحافة الاستقصائية. ويمكن القول: إن هذه "الإعاقة" رافقت الصحافة المغربية في مختلف مراحلها؛ إذ إن تطور ممارستها المهنية لم يُرافقه تراكم على مستوى البحث العلمي. فالمهنة أَرْسَت تقاليدها ورسمت حدود ممارساتها من دون أن تخضع هذه التقاليد للمساءلة العلمية أو التأطير الأكاديمي؛ لأنها اعتبرت الصحافة آلية من آليات الصراع وأداة من أدوات الإخضاع، ولم يُنْظَر إليها موضوعًا للبحث العلمي إلا متأخرًا(28).

كان هناك مجال آخر للصراع تميَّز بالاحتدام بين طرفي الصراع في الصحافة، أي السلطة وصحافة الأحزاب المعارضة، هو نقابة الصحافيين باعتبارها الجهاز التمثيلي للجسم الصحافي. لقد كان هذا المجال من أهم واجهات الصراع خلال البدايات الأولى لمغرب الاستقلال؛ حيث تأسست النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في يناير/كانون الثاني 1963، بوصفها جمعية مهنية مستقلة، ونصَّ قانونها الأساسي على أنها "تُدافع عن المصالح المعنوية والمادية والمهنية للصحافيين المنخرطين فيها، كما تُدافع عن حرية الصحافة والإعلام. وتهدف إلى الدفاع عن القضايا المعنوية والمادية والمهنية الخاصة بالإعلام الوطني. ولها صلاحية تَمْثِيل المنخرطين لدى الحكومة والسلطات الإدارية في كل المساعي التي تستدعي القيام بها"(29).

ما يؤكد تبعية القرار الصحفي للإرادة الحزبية هو أن قرار تأسيس هذه النقابة كان سياسيًّا وليس مهنيًّا، ويَبْرُز هذا في شهادة عبد الرحمن اليوسفي في مذكراته: "في نهاية يناير/كانون الثاني 1963، رأت الحركة الوطنية ضرورة تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي خاضت نضالات للدفاع عن الصحفيين والصحافة وترسيخ المبادئ والقيم الحقيقية التي تستند إليها السلطة الرابعة في حماية حرية التعبير والرأي المضاد. وهي النقابة التي كُنْتُ من مُؤَسِّسِيها وحرَّرتُ وثيقتها الأساسية"(30).

تمكَّنت النقابة الوطنية للصحافة المغربية من تشكيل إطار جبهوي بين مديري الصحف المغربية ضد الصحافة الفرنسية الاستعمارية التي كانت تصدر بالمغرب، وتُسمَّى "صحافة ماس"، وهي مجموعة صحفية (groupe Mas) نسبة إلى صاحبها بيير ماس (Pierre Mas). اهتمت النقابة، إضافة إلى الأوضاع المادية للصحافيين، بمشاكل النشر والتوزيع، وتحسين شروط إصدار الصحف، والدفاع عن حرية التعبير ومقاومة سيف الرقابة الذي كان مصلتًا على رأس الصحافة المغربية. لقد شكَّلت النقابة واجهة للصراع حول حرية الصحافة وتولَّى قيادتها منذ التأسيس شخصيات حزبية معارضة، مثل عبد الكريم غلاب عن صحافة حزب الاستقلال، ومحمد اليازغي عن صحافة الاتحاد الاشتراكي. وبعد ذلك وقعت تحولات في هذه النقابة؛ إذ توسَّعت صفة العضوية فيها، ولم تَعُد مقتصرة على مديري الصحف، بل شملت جميع محرري الصحف عقب تعديل الفصل الخامس من القانون الأساسي للنقابة، والذي أصبح منذ عام1980   ينصُّ لأول مرة على فتح باب العضوية لكل صحفي مسجل في صحيفة للعضوية بالنقابة. وقد فتح ذلك البابَ لتولِّي رئاسة النقابة من طرف صحفيين، ولكن بقيت الرئاسة منحصرة في صحفيين يعملون في صحف حزبية، مثل محمد العربي المساري ويونس مجاهد وعبد الله البقالي.

لم يكن من السهل التمييز بين الصفة السياسية والمهنية لمسؤولي الصحف الحزبية، وكان من الصعب تبعًا لذلك تصنيف المحاكمات التي يتعرَّضون لها، باعتبارها محاكمات لسياسيين معارضين أم لصحفيين كما هي حال عبد الرحمن اليوسفي الذي اعتُقل، في ديسمبر/كانون الأول 1959، مع محمد الفقيه البصري، مدير "التحرير"، بتهمة التحريض على العنف والنيل من الأمن الوطني للدولة والأمن العام ثم أُفْرِج عنه.

إذن، بدا خلال العقد الأول بعد الاستقلال أن قانون 1958 قَيْدٌ أمام السلطة وعائق لها، مما جعلها تُخْضِعُه مبكرًا لتعديلات كثيرة، ثم تحرَّرت السلطة من التمادي في التعديلات بعد إعلان حالة الاستثناء التي أطلقت يدها على حقل الصحافة وغيره من مجالات الحريات العامة والخاصة الأخرى؛ لأن الدستور كان يسمح بذلك (الفصل 35) إلى أن حلَّت لحظة الحسم الثانية التي نقلت الصراع حول حرية الصحافة إلى مجال آخر أوسع.

تميَّز التعديل الأساسي الذي خضعت له قوانين الحريات العامة(31)، وضمنها قانون الصحافة، بالتراجع؛ إذ تمَّ التضييق أكثر على الطابع التصريحي للنظام القانوني. وأُنْهِيَت حالة الاستثناء بعد مراجعتين دستوريتين (1970 و1972) وتوافق ناقص مع أحزاب الكتلة الوطنية بعد فشل محاولتين انقلابيتين عسكريتين. وبالمقابل، تقوَّت المعارضة أكثر وتمرَّست أكثر ميدانيًّا، وصارت لها قدرة على التأثير من خلال العمل الحقوقي والنقابي والجمعوي والجامعي. وشكَّلت الصحافة حاملًا ووعاء لترويج هذه الدينامية والمواقف. ولذلك، يُلاحظ الباحث في هذه المرحلة أن طرفي الصراع، القصر وأحزاب المعارضة، اتَّجها إلى الاستثمار في الإعلام الذي أصبح محور صراع بشكل أكثر حدة مما سبق.

ولخدمة هذا الهدف، حاول كل طرف من الطرفين تعزيز حضوره في باقي مجالات العمل الصحافي، أو ما يُسمِّيه الباحث سلسلة إنتاج المحتوى الصحفي، مثل مجال التوزيع؛ إذ ظلت السلطة هي المالكة لـ"الشركة الشريفة للتوزيع والصحافة"، التي تُعرَف اختصارًا بـ"سوشبريس" (Sochepress)، وهو ما مكَّنها من التَّحكُّم في شبكة توزيع وانتشار الصحف حسب إرادتها. كما تم الاهتمام بمؤسسة النقابة الوطنية للصحافة المغربية، باعتبارها مؤسسة منظمة للصحفيين.

لقد كان لافتًا للنظر أن مجال توزيع الصحف حساس للغاية، ويتحكَّم بشكل مُوَجَّه في توزيع الصحف. كان المغرب يتوفر على شركة واحدة لتوزيع الصحف هي "الشركة الشريفة للتوزيع والصحافة" التي تأسست سنة 1924، والموروثة عن الحقبة الاستعمارية، وكانت تُعَد فرعًا لرائد توزيع الصحافة الفرنسية "بريستاليس" (Presstalis). 

انتبهت صحف الأحزاب المعارضة إلى هذا التحكَّم فأقدمت على تأسيس شركة أخرى للتوزيع، سنة 1977، حملت اسم "سابريس" (Sapress)(32) لإنهاء الاحتكار الحكومي لتوزيع الصحف والإرث الاستعماري الذي كانت تُجسِّده "سوشبريس". أُنْشِئَت الشركة الجديدة بمبادرة من ثلاث صحف لأحزاب معارضة، هي: "العلم" و"المحرر" و"البيان". وستصبح "سابريس" الشركة الأولى في المغرب بعد مدة قصيرة، وسيُساعد هذا الاختيار على الترويج أكثر لصحافة المعارضة التي صارت أكثر مقروئية وانتشارًا.

التأرجح بين صحافة الرأي والموقف والدعاية

لقد تأثرت الصحافة المغربية بنظيرتها العربية؛ لأنها نشأت وسط بيئة أدبية عكس نظيرتها الغربية التي اهتمت منذ البداية بالمجال الإخباري، وفاقم مشاكلَ الصحافة المغربية خضوعُها للاعتبارات الحزبية، وهو ما جعلها تركز أكثر على القضايا السياسية عوض القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي لم تنتشر الصحف المتخصصة فيها حتى تسعينات القرن الماضي مع صدور صحيفة "لافي إيكو" (La vie éco)(33)، وصحيفة "ليكونوميست" (L’Économiste)(34) التي أسَّستها مجموعة "إيكو ميديا" (Eco-Médias)(35).

ركزت الصحافة الحزبية، خلال العقود الثلاثة لما بعد الاستقلال، على الطابع النضالي عوض تعزيز الشق المهني، واهتمت بتوسيع جزئي لمجال الحرية عبر المطالبة بتعديلات على قانون الصحافة، ولكن باقتصار على ما يهمُّ تأسيس الصحف، ولم تُطالب بتحرير الاتصال السمعي البصري؛ إذ بقيت الدولة تحتكر الإذاعة والتلفزة(36). ولم تُميِّز بين الصحافة باعتبارها مهنة، والنشر باعتباره حقًّا يتجاوز المهني ليرتبط بمجال ممارسة الأشخاص لحرياتهم وحقوقهم(37)، ولم تُعْطِ الأولوية لتطبيق قانون الصحافة وحده على جرائم الصحافة والنشر من خلال المطالبة بتعديلات على القانون الجنائي الذي بقي يُطبَّق في الكثير من المتابعات الصحافية(38).

لم تهتم الأحزاب السياسية بدَسْتَرَة حرية الصحافة(39)، ولم تُناضِل من أجل تشريع يتضمن الحق في حماية الصحفي لمصادره(40)، وحقه في المعلومة(41)، وحق الصحافة في تنظيم ذاتي للمهنة(42)، ولم تُعط الأولوية لإصدار ميثاق يُنظِّم أخلاقيات مهنة الصحافة. وحتى تعديل قانون الصحافة ظل جامدًا طيلة عقدين من الزمن(43) رغم أن السياقات السياسية كانت مناسبة، وخاصة بعد عام 1977 الذي شهد انتخابات تشريعية وبلدية وبداية انفراج سياسي. ولوحظ أن بداية التسعينات شهدت تنظيم المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال، بين 29 و31 مارس/آذار 1993، بعنوان "الفضاء الإعلامي: رهانات المستقبل"، وتزامنت هذه المناظرة الأولى والأخيرة مع دَمْجٍ لوزارتي الداخلية والإعلام اللتين تولاهما الوزير الأشهر في تاريخ المغرب، إدريس البصري، كما أنه لم يكن من مخرجاتها تعديل قانون الصحافة ليتزامن مع التحولات التي عرفها المغرب حينها، وأقصى ما تمَّ هو إصدار النظام الأساسي للصحفيين المهنيين(44).

قد تكون هذه الأحزاب طالبت ببعض من تلك المطالب، ولكنها لم تُحقِّق بشأنها مكاسب تُساعد في تطوير مهنة الصحافة وتوسيع الأجناس الصحافية التي تتعامل معها، وخاصة جنس الصحافة الاستقصائية بسبب ما تتطلبه من بيئة سليمة توفر للصحافي ضمانات مساعدة.

ويُلاحظ الباحث أن تغليب البعد النضالي على المهني جعل الصحافة الحزبية تتعامل مع القارئ باعتباره مناضلًا وعضوًا حزبيًّا منضبطًا ووفيًّا للصحيفة الناطقة بلسان الحزب عوض أن تتعامل معه باعتباره متلقيًا يُفترض أن تستجيب لاحتياجاته في الإخبار والتوعية والترفيه، لاسيما أن أمامه بدائل متعددة. ولعل هذا ما جعلها صحافة لا تنفتح على أجناس متعددة بسبب كلفتها وحاجة من يتصدى لها إلى منسوب عال من التكوين والحرفية، وخاصة في ظل قلَّة مؤسسات التكوين في المغرب وعدم إجبارية المُؤَهِّل العلمي العالي للولوج لمهنة الصحافة(45).

2. بيئة الصحافة الاستقصائية بعد الانفتاح السياسي: بيئة مساعدة

كان للتحولات التي شهدها العالم بعد سقوط جدار برلين في بداية تسعينات القرن الماضي أثر على المغرب الذي عرف انفتاحًا سياسيًّا وحقوقيًّا، وهو ما انعكس على حقل الصحافة بميلاد العديد من المنابر الصحافية غير الحزبية، والتي أحدثت تغييرات جوهرية في الحقل الصحافي بما في ذلك الانتقال من صحافة الرأي إلى صحافة الخبر والاستقصاء. ولا يمكن النظر إلى هذه الفترة بمنظور خطي ثابت، ومن الصعب تعميم خلاصة واحدة عنها؛ إذ شهدت لحظات مدٍّ وجزرٍ وجمود. ولكن ما يُثير الاهتمام هنا بالأساس -ويخدم هدف هذه الدراسة- هو الحضور القوي للصحافة على جدول العمل الوطني، والنظر إليها مؤشرًا لقياس التحول نحو الديمقراطية، وكذلك حضور الإعلاميين بصفتهم فاعلين مدافعين عن حرية الصحافة بعد أن كان هذا مطلبًا للفاعلين السياسيين أساسًا، وأيضًا مدافعين عن إنجاح التحول الديمقراطي باعتباره ضمانة أساسية لديمومة حرية الصحافة، وبصفتهم مهنيين يعملون على توسيع المقاربات المهنية، والانفتاح على أجناس لم تحظ بالاهتمام في وسائل الإعلام المغربية، وضمنها الصحافة الاستقصائية.

تحولات سياسية وحقوقية في خدمة بناء صحافة مهنية

لقد كان المغرب سبَّاقًا، على مستوى العالم العربي، إلى إقرار مجموعة من الخطوات "الشجاعة" سياسيًّا وحقوقيًّا واقتصاديًّا منذ بداية عام 1990، سواء من خلال مراجعات دستورية (1992 و1996)، أو من خلال إصلاحات انتخابية قادت إلى "التناوب التوافقي"، عام 1998، بعد فشل تجربة عام 1993، أو من خلال ملاءمة الكثير من القوانين مع الاتفاقيات الدولية بعد الإقرار الدستوري بأن المغرب يتشبث "بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليًّا"، أو من خلال فتح ملف "سنوات الرصاص" وتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وغير ذلك من المجالات التي شهدت تقدُّمًا ملحوظًا مقارنة مع السابق.

كان للصحافة دور كبير في حَفْزِ هذه التحولات ومراقبتها، بل يمكن القول: إن هذا الانفتاح أسهم في ميلاد "صحافة جديدة" مختلفة عن نوعي الصحافة اللذين سادا مغرب ما بعد الاستقلال. ويقصد بهما الباحث "صحافة السلطة"، و"الصحافة الحزبية"، التي سادت مع ما ترتَّب عن ذلك من افتقاد لمعايير مهنية ضرورية، ومن ذلك ضرورة الموازنة بين كل الأجناس الصحافية. فقد كانت الصحافة الحزبية والرسمية صحافة رأي ودعاية بالأساس تركز على تصريف المواقف السياسية للأحزاب والسلطة، وتتعامل مع الخبر بطريقة انتقائية وتوجيهية، ولم تكن تستحضر جنس الاستقصاء الصحافي إلا لمامًا.

شهدت تسعينات القرن الماضي ميلاد "الصحافة المستقلة"(46)، أو بتعبير أدق "الصحافة غير الحزبية"، في جو انفتاح سياسي وحقوقي، ولكن في ظل نظام قانوني يعود إلى سنوات الرصاص(47)، والأهم أن هذه الصحافة نشأت مُنَافِسَةً للصحافة الرسمية والحزبية، وبنموذج اقتصادي أقرب إلى "المقاولة التجارية"(48)، وحريصة أكثر على احترام المهنية وتنويع الأجناس الصحافية، والتركيز على جنس الاستقصاء/التحقيق، وهو ما جعلها تحظى بمتابعة أكبر وذات تأثير أوسع.

أسهم وصول المعارضة السياسية، مُمَثَّلَة في أحزاب الكتلة الديمقراطية، إلى الحكومة في تغيير بالمشهد الإعلامي؛ إذ أصبح من كان يُدافع عن حرية الصحافة جزءًا من منظومة الحكم ومُنَفِّذًا للقانون الذي يُبيح للحكومة حجز وإيقاف الصحف. ولذلك بدأ التمايز وسط الجسم الصحافي بين السياسيين والصحفيين المهنيين داخل منظومات أحزاب الحكومة. أحدث هذا المتغير تحولًا في الجهة التي تتبنَّى مطالب الصحفيين، ونشأ نوع جديد من الصحافة ولم يكن روادها إلا صحفيين سابقين في الصحافة الحزبية التي تحوَّلت خطوط تحريرها لتصبح داعمة للتوجه الرسمي للدولة.

أصبح، بمقتضى هذا التحوُّل، مطلبُ تعديلِ قانون الصحافة وتحسينِ أجواء ممارسة مهنة الصحافة، مطلبًا للمهنيين، صحفيين وناشرين، ولم يَعُد موضوع الأحزاب التي صارت جزءًا من منظومة التضييق على حرية الصحافة.

تحوَّل موضوع الصراع؛ إذ وقع نوع من التمايز بين المطالب السياسية العامة والمطالب المرتبطة بشكل مباشر بحقل الصحافة (تعديل قانون 1973، إلغاء العقوبات السالبة للحرية، التنظيم الذاتي، نظام جديد للدعم...). وحدث كذلك تحوُّل كبير في أطراف الصراع؛ إذ أصبح لأول مرة الطرف الأساسي في الصراع يتمثَّل في الصحفيين والناشرين في جبهة واحدة ضد السلطة بطرفيها، القصر والحكومة، مع العلم أن وزراء كُثُرًا للإعلام كانوا من أقطاب الصحافة الحزبية المعارضة السابقة (المساري، الأشعري، نبيل بنعبد الله، خالد الناصري...).

وقعت مجموعة من الانسحابات الجماعية من بعض المنابر الحزبية، وتمَّ تأسيس صحافة موازية لها صارت أحيانًا جزءًا من المعارضة كما هي الحال مع صحيفة "الأحداث المغربية" التي كان مُؤَسِّسُوها من صحيفة "الاتحاد الاشتراكي"(49). ومن التحولات الأساسية في طرفي الصراع أن "النقابة الوطنية للصحافة المغربية" أصبحت مؤسسة خاصة بالصحفيين فقط وليس مديري النشر. وتمَّ تنظيم مديري النشر، خلال هذه المرحلة، في "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف" التي تأسَّست سنة 2002، وأصبحت لسان الناشرين "الباطرونا" ونصَّت في قانونها الأساسي على أن هدفها هو "الدفاع عن حرية الصحافة، وحرية تداول الأخبار، وحرية التعبير والرأي، وحق المواطن في الإعلام والمعرفة، والنهوض بمهنة الصحافة، واحترام أخلاقيات وقواعد المهنة وأعرافها، والدفاع عن المصالح المادية والمعنوية والمهنية للمؤسسات العاملة في القطاع الإعلامي، والعمل على عصرنة القطاع وتطويره ليكون في مستوى التحديات، وتمكين القطاع الإعلامي من ضمانات الرقي به خدمة للقارئ"(50).

وتناوب على رئاسة الفيدرالية أكثر من رئيس بدءًا بعبد المنعم دِلَمي (2002-2008)(51)، ثم خليل الهاشمي الإدريسي (2008-2011)(52)، ثم نور الدين مفتاح (2011-2018)(53)، ثم بهية العمراني (2018-2020)(54)، ثم نور الدين مفتاح من 2020 حتى 2023، ثم محتات الرقاص حتى الآن.

أصبحت الصحافة المستقلة الأكثر مقروئية، وكذلك الأكثر جرأة في تغطية ومعالجة موضوعات شكَّلت محرمات (تابوهات) حتى أصبح الحديث أن المعارضة الحقيقية للنظام تتمثَّل في الصحافة المستقلة وليس الأحزاب. وكان من مخرجات هذا الصراع:

- موجة تضييق على الصحافة المستقلة: منع، إيقاف، حصار، محاكمات، منع من الاستفادة من الإشهار...

- إنشاء مجموعة جديدة من الصحف المستقلة الموالية للسلطة.

- تغييرات على رأس نقابة الصحافيين؛ إذ تولَّى المسؤولية لأول مرة صحفي بعد أن كانت الرئاسة حكرًا على ناشر.

- تمَّ التمييز بين مؤسسة تُنظِّم عمل الناشرين، وأخرى تُنظِّم الصحفيين. وتميَّزت هذه المرحلة تقريبًا بتطابق وجهات نظر ومطالب المؤسستين بشأن قانون الصحافة والتعديلات التي يحتاجها ليتناسب مع المرحلة التي يعيشها المغرب.

- بدأ يدخل على الخط لأول مرة تأثير المنظمات الدولية التي تهتم بحرية الصحافة، مثل "مراسلون بلا حدود"، وقد لوحظ أن ترتيب المغرب كان يعرف بعض التحسن مقارنة مع المرحلة الموالية.

شكل (1): ترتيب المغرب في حرية الصحافة منذ تحرير الاتصال السمعي البصري بحسب مؤشر "مراسلون بلا حدود" (2002- 2023)

Image removed.

- تمَّ تعديل قانون 1973 في أكتوبر/تشرين الأول 2002؛ إذ صدر قانون 77.00 الذي استغرق النقاش حوله في البرلمان ثلاث سنوات. واعتُبِر هذا القانون خطوة متقدمة حينها ولو أنه لم يُلْغِ العقوبات السالبة للحرية. ولذلك لم يَتَقَبَّله الجسم الصحفي بقبول حسن، وظل دون الطموح والمطالب التي يُطالبون بها.

- شرعت الدولة/السلطات من جهتها في تحرير تدريجي للقطاع السمعي البصري. لكن يُلاحظ أن جزءًا من التحرير بدأ بشكل ملتبس وغامض من حيث مشروعيته القانونية (القناة الثانية (2M) في 1989، وراديو "سوا" (SAWA) الذي يُعد امتدادًا لـ"صوت أمريكا" ويبُث برامجه منذ أغسطس/آب 2003 قبل أن تُمنح التراخيص للإذاعات والتليفزيونات الخاصة).

ظل التوتر بين السلطة والإعلام يتصاعد، والإطار التشريعي المنظم للصحافة والنشر يضيق ذرعًا بالممارسة المهنية التي تُوَسِّع هامش الحرية، وانعكس ذلك على المقاولات الصحافية التي ظلت تُعاني ضائقة مالية وعدم استقرار ميزانياتي، وتأثر بكل ذلك تصنيف المغرب في حرية الصحافة.

وبقي النقاش حول تعديل قانون الصحافة والنشر لسنة 2002 يُراوح مكانه رغم المحاولات المتكررة والنقاشات الدائمة بين فرقاء الحوار، ولم يتزحزح الوضع حتى بعد الربيع العربي، سنة 2011، وما أحدثه من مراجعة دستورية ضمَّت مجموعة من المستجدات بخصوص حرية الصحافة والتنظيم الذاتي وحماية سرية المصادر والحق في المعلومة. وهو ما استلزم تعديل قانون الصحافة والنشر الذي صدر هذه المرة في شكل مدونة للصحافة والنشر ضمت ثلاثة قوانين، وتمَّ تسويقها حينها خطوةً ثوريةً في اتجاه إقرار حرية الصحافة وضمانات ممارستها؛ إذ حُذِفَت العقوبات السالبة للحرية، وشُرِعَ في التنظيم الذاتي من خلال المجلس الوطني للصحافة الذي اعْتُمِدَ فيه الانتخاب لاختيار أعضائه.

كان المنتظر أن ترقى المدونة الجديدة بالجودة المهنية، وتُوسِّعَ حرية الصحافة، وتضبط أكثر أخلاقياتها، ولكن الملاحظ أن العلاقات البَيْنِيَّة بين المهنيين توترت أكثر، والجسم الصحافي ضَعُف أكثر بصراعات بينية، وهذا ما ميَّز هذه المرحلة عن سابقاتها؛ إذ أصبح الصراع حول الصحافة بين مكونات الجسم الصحافي وليس خارجه. هناك صراعات بينية وسط الناشرين (الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين من جهة، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف من جهة، والفيدرالية المغربية للإعلام(55) من جهة ثالثة)، وهناك صراع بين الصحفيين (النقابة الوطنية من جهة، والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل).

من جهة أخرى، أصبحت المطالب مرتبطة أساسًا بالطابع الاجتماعي للصحفيين عوض الانشغال بحرية الصحافة وضماناتها واستقلالية المنابر الصحافية، وأصبحت الحروب ضد الصحافة تُدار بالوكالة عن السلطة، بل أصبح مألوفًا أن تتولَّى المؤسسات، التي يُفترض فيها الدفاع عن الصحافة، المنافحةَ عن السلطة ضد منظمات دولية ووطنية مهتمة بحرية الصحافة(56). وأصبحت السلطة المتحكم الأساس في الصحافة من خلال الدعم وتغطيتها للأجور بعد جائحة كورونا.

إن أهم مؤشر على انتقال الصراع إلى مكونات الجسم الصحافي هو حالة الانقسام التي عاشها هذا الجسم حول تجديد أو تمديد مهام المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته ومدى مشروعية ودستورية القانون رقم 15.23 بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر.   

تزايد الإقبال على جنس التحقيق لربح القارئ

انطلقت هذه التجربة في تسعينات القرن الماضي بعد الإفراج عن مجموعة من المعتقلين السياسيين(57) الذين خاضوا تجربة تأسيس منابر إعلامية ذات خط تحريري مناهض للسلطة ومتشبث بكسر بعض "التابوهات" السياسية(58). ويمكن عدُّ هذه الصحف امتدادًا للصحافة "الحزبية"؛ إذ أُنْشِئَت من قِبَل مناضلين رأوا في الإعلام واجهة نضالية، ومتطوعين لم يكونوا ينظرون للإعلام بمهنية واحترافية بشكل أساسي بقدر ما كان يهمهم البعد النضالي. لذلك مثَّلوا النسخة المتطورة للصحافة الحزبية بشكل أكثر راديكالية، مع منسوب تَحَرُّر أكثر شكَّل أرضية خصبة لانتشار التحقيقات الصحافية.

وكان أول منبر إعلامي كسر هذه التابوهات هو صحيفة "المواطن"(59) التي انطلقت في عددها الأول بنشر معطيات عن معتقلي "تازمامارت"(60)، ثم أجرت حوارًا مع الزعيم النقابي، نوبير الأموي، تحدَّث فيه عن ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم(61). وشكَّلت الرسالة المُسَرَّبة(62) من معتقل "تازمامارت" من طرف نانسي الطويل، زوجة الملازم، مبارك الطويل(63)، حدثًا كبيرًا، وكان لذلك وقع كبير على المغرب برمته(64).

وبالموازاة، انطلقت تجارب صحافية مهنية مستقلة مع صحافة ناطقة باللغة الفرنسية، وخاصة تجربة أسبوعية "الحياة الاقتصادية"، وقد كان للتركيز على اللغة الفرنسية علاقة بالمورد المالي؛ لأن الإشهار ينصرف أساسًا للصحافة الناطقة بالفرنسية. وكان للتخصص الاقتصادي والمالي دور مهم في نجاح هذه التجربة بسبب تزامنها مع موجة التطهير التي قادها وزير الداخلية، إدريس البصري، ضد رجال أعمال مغاربة، سنة 1995(65). وواكبت هذه الصحيفة الحملة بتحقيقات ونقل الرأي الآخر؛ مما جعلها تُشكِّل نموذجًا تحريريًّا لمجلات وصحف لاحقة. ولذلك لم يكن مستغربًا صدور العديد من الصحف المستقلة باللغة الفرنسية التي وسَّعت مجال المهنية، ونوَّعت أجناس التناول الإعلامي، وأعطت الأولوية للصحافة الاستقصائية، وفي مقدمة هذه الصحف "لوجورنال" (Le journal)، و"دومان" (demain)، و"لانوفيل تريبيون" (La nouvelle Tribune)، و"ماروك إيبدو" (Maroc Hebdo)، و"تيل كيل" (Tel quel)، و"لانديبوندن" (L’independant)، و"إيكونومي أونتروبريز" (Economie Entreprises)، و"لاغازيت" (La gazette)، و"لوروبورتير" (Le reporter).

لم تغب الصحف المستقلة الناطقة بالعربية عن هذا المشهد، وشهدت بداية التسعينات نشأة بعض الصحف، مثل "مغرب اليوم" عام 1996، لمالكها رجل الأعمال، عبد الهادي العلمي. وبعد ذلك بعامين استقال من تحمُّل رئاسة تحريرها نور الدين مفتاح، وانضم إلى جانب فريق تحريره لمجموعة "ميديا ​​تروست" (Media Trust) ليشاركوا مع الصحفي عبد الرحيم تافنوت(66)، الذي كان يشتغل محررًا بمجلة "لوجورنال إيبدومادير" (Le Journal hebdomadaire)، في إطلاق "الصحيفة" وهي النسخة العربية لـ"لوجورنال".

عرفت فترة تسعينات القرن الماضي موجة "لَبْرَلَة" و"تحديث" و"انفتاح" في مجالات عدة تشريعية واقتصادية، ولم تُسْتَثْنَ الصحافة من هذه الموجة، ولذلك فقد جسَّد المشهد الإعلامي والقائمون عليه من المهنيين تشبثًا بهذه الليبرالية من منظور أطروحات النظرية الليبرالية كما أصَّلها سيبرت وبيترسون وشرام. وقد تجسد هذا التمسك بهذه النظرية في التشبث بنظام التصريح/الإخطار والاستقلالية عن السلطة وحماية المصادر والحق في الولوج إلى المعلومة والتعددية المفتوحة ورفض الرقابة القَبْلية والعقوبات السالبة للحرية.

توالت، بالموازاة مع هذه المرحلة، الإصدارات الصحفية حتى وصلت أرقامًا غير مسبوقة، وكلها صحف غير حزبية، مثل "المستقل"، و"كازابلانكا"، و"الصحيفة"، و"الأيام"، و"الجريدة الأخرى"، و"الأسبوعية الجديدة"، و"البيضاوي" التي أصبحت تحمل اسم "الوطن الآن"، و"الحياة"، و"نيشان"، و"دومان".

أغلب هذه الصحف كانت أسبوعية، وساعدها ذلك في الاهتمام بأجناس أخرى غير الخبر؛ لأن دورية الإصدار المتباعدة لم تكن عاملًا مساعدًا للاهتمام بالخبر الذي بقي الاشتغال فيه شبه تخصص لصحف يومية نشأت على هامش صحافة الأحزاب. ولم تغب الصحافة الاستقصائية عن الإعلام السمعي البصري؛ إذ تمت جدولة برامج هذا الجنس على "القناة الثانية" من خلال برنامج "تحقيق" و"زاوية كبرى" (Grand Angle)، وبرنامج "45 دقيقة" على القناة الأولى. ومما ساعد على انتشار هذه الصحافة الإقبال الشعبي(67) عليها مقارنة مع غيرها من الصحف اليومية الحزبية، وخير مثال صحيفة "الأحداث المغربية"(68)، و"المساء"، و"الصباح"، و"أخبار اليوم"، وهو ما عَكَسَ حالة عدم رضى القرَّاء عن منتج الصحافة الحزبية والحاجة إلى محتوى مهني مختلف.

في ظل هذا السياق السياسي والاقتصادي والمجتمعي المنفتح نشأت مقاولات إعلامية استطاعت بصم الصحافة المغربية بأداء غير مسبوق في مجال الاستقصاء وكسر مجموعة من "التابوهات"، سواء ما تعلق بسنوات الرصاص، أو العلاقة الملتبسة بين السلطة والثروة، واحتكار المقاولات الملكية للكثير من القطاعات، أو الاهتمام بشؤون المؤسسة الأمنية والعسكرية، أو "التابوهات" الدينية والحقوقية.

كانت صفحات الصحافة المستقلة مفتوحة أمام آراء لم تكن تجد مساحة لها في الإعلام الرسمي والحزبي، مثل المعارضين من خارج النسق الرسمي من خلال حوارات كسرت المألوف في الحقل الإعلامي، بل إن بعض هذه الصحف أجرت حوارات مع شخصيات كان من المستحيل محاورتها في المراحل السابقة، مثل حوار "لوجورنال" مع الأمين العام لجبهة البوليساريو، محمد عبد العزيز، وبنيامين نتنياهو، وأبراهام السرفاتي، وشيوخ السلفية الجهادية، وحوار "الأسبوعية الجديدة" مع نادية ياسين (ابنة مؤسس جماعة العدل والإحسان، عبد السلام ياسين) وتفضيلها للنظام الجمهوري على الملكي(69)؛ مما عرَّضها للمتابعة القانونية(70) التي لا تزال تؤجل حتى اليوم(71). كما شكَّلت مادة خصبة لتحقيقات اهتمت بموضوعات غير مسبوقة، فقد تطرقت أسبوعية "لوجورنال" لمواضيع مثل الصحراء من زاوية نقدية في أكثر من مناسبة(72)، وعلاقة المغرب بالموساد ويهود المغرب: التاريخ، الهوية، النزوح(73)، والمخزن الجديد(74)، والتحذير من خطر النموذج التونسي: "البنعلية" (نسبة إلى الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي)، الذي يتهدد المغرب(75). وحقَّقت في رواية اكتشاف البترول في منطقة "تالسينت"(76)، وقضية عبدة الشيطان(77)، والحقائق الأربع للصحافة(78)، وانتخابات 27 سبتمبر/أيلول 2002 وكشفت ما واكبها من تدخل ناعم للتحكُّم في نتائجها(79). ونفس الأمر ينطبق على نسختها العربية "الصحيفة" التي تحوَّلت بعد التوقيف إلى "الصحيفة الأسبوعية".

تأسَّست هذه الأسبوعية، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1997 -بعد أيام من الانتخابات التشريعية التي جرت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1997 وأفرزت حكومة التناوب التوافقي التي كان وزيرها الأول عبد الرحمن اليوسفي(80)- من طرف أبو بكر الجامعي(81) وعلي عمار، المتخصصين في المالية والبنوك(82). وكان لهذا أثر كبير في جودة المنتج الصحافي المرتبط بالمادة الاقتصادية. وقد كان لتجربة "لافي إيكو" دور مهم في إنشاء "لوجورنال"؛ لأن معظم الصحفيين والتقنيين أتوا منها، وكان أبو بكر الجامعي كاتب عمود بها(83). تأثر الخط التحريري لهذه الجريدة بتجربة إلباييس (El País) الإسبانية التي تأسَّست زمن فرانكو وكان لها دور كبير في التحول الديمقراطي بإسبانيا(84)، وكان لها أيضًا سبق كبير في تناول مواضيع كثيرة من خلال جنسي الحوار والتحقيق بمقاربة نقدية(85)؛ مما جعلها عرضة لمضايقات كثيرة بدأت مع التضييق على مواردها المالية من الإشهار وتعرُّضها لمحاكمات وحملة تشويه وتحريض(86)، وحجز بعض الأعداد وانتهت بالإيقاف(87) قبل أن تستأنف الصدور باسم جديد(88) "لوجورنال إيبدومادير". ولكنها ظلت تتعرَّض للمضايقات والغرامات(89) حتى توقفت عن الإصدار.  

يُحسب لهذه الأسبوعية أنها استطاعت أن تُعطي مكانة دولية للصحافة المغربية؛ إذ تمكَّنت من التعاون مع "لوموند ديبلوماتيك" (Le Monde diplomatique)، وكانت تنشر ضمن ملحقها النسخة العربية من هذه المجلة. كما استطاعت أن تُبْرِم شراكة مع صحيفة "لوموند" (Le Monde) بالإصدار المشترك لتحقيق حول مصير جثة المهدي بنبركة، المعارض السياسي لحكم الحسن الثاني، وقد استغرق الإعداد له شهورًا(90). 

أسبوعية أخرى كان لها دور لا يقلُّ أهمية عن "لوجورنال" في سبر أغوار الصحافة الاستقصائية، وهي أسبوعية "تيل كيل"(91)، ورديفتها بالعربية "نيشان"(92)، التي طرقت العديد من المواضيع التي كانت خطوطًا حمراء، مثل ملف التعذيب في مخافر الشرطة، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والمقاولات الملكية. ويُحسب لمجلة "تيل كيل" أنها كانت أول مجلة في العالم نشرت تفاصيل مخطط الحكم الذاتي الذي تقدَّم به المغرب لحلِّ نزاع الصحراء(93).

اقتحمت هذه الصحف كذلك قضايا الجيش؛ إذ تطرقت أسبوعية "الوطن الآن" لهذه المؤسسة في أحد ملفاتها(94) بعنوان: "التقارير السرية التي حركت حالة الاستنفار بالمغرب"، واستندت فيه إلى مذكرة صادرة عن أجهزة الاستخبارات؛ مما عرَّضها لمتابعة قضائية، في 26 يوليو/تموز 2007، وفق القانون الجنائي وليس قانون الصحافة والنشر(95). كما أُحِيل ثمانية ضباط من الجيش الملكي إلى القضاء العسكري بتهمة ارتكاب جريمة تسريب مستندات سرية تتناول الدفاع الوطني. 

في ظل هذه الدينامية، بدأت الخطوات الأولى لـمَأْسَسَة هذا النوع من الصحافة وتجميع جهود المهتمين به، فتأسَّست في نهاية عام 2008 "الجمعية المغربية لصحافة التحقيق" (AMJI)، ولكن السلطات رفضت تسليم المؤسسين وصل الإيداع، ولم يتسلموه حتى شهر أغسطس/آب 2012 مع أن الوصل يتضمن التوقيع بتاريخ 22 فبراير/شباط 2011. وبعد ذلك، بدأت متاعب هذه الجمعية مع السلطات حتى لم يَعُد لها أثر في الواقع رغم عدم حلِّها قانونيًّا(96). ومن ضمن شهادات الرئيسة الأولى للجمعية، مرية مكريم(97)، ما أوردته في سياق حديثها عن إحدى جلسات الاستماع إليها من طرف المحققين: "تذكرت في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ما قاله لي رجل سلطة، وأنا أضع منذ سنوات ملف الجمعية للحصول على الوصل المؤقت بقلب ولاية الرباط: كيف يُعْقَل أن تطلبوا تصريحًا واعترافًا بجمعية مهمتها التحقيق؟ سألته: ما المانع؟ فردَّ بالحرف: التحقيق مهمة الشرطة..!"(98).

تطورت الصحافة الاستقصائية حتى أصبحت بعض الصحف المغربية جزءًا من ائتلافات دولية اشتغلت على تحقيقات صحافية ذات صيت عالمي، ومثال ذلك موقع "لوديسك" (Le Desk) الذي كان جزءًا من تحقيق قاده "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" (ICIJ) مع عشرات المنابر الدولية وعُرِفَ بـ"وثائق بنما". واشتغل التحقيق على الوثائق المسربة من مكتب المحاماة "موساك فونسيكا" في بنما، والتي بلغ عددها 11.5 مليون وثيقة أظهرت تورط عدد كبير من الشخصيات في أعمال غير قانونية، مثل التهرب الضريبي وتبييض أموال عبر شركات عابرة للحدود. واهتم هذا الموقع بما يتعلق بالمغرب، وكشف التحقيق قيام محمد منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك(99) بمعاملات تجارية سرية في عدد من المشاريع. 

لم تسلم هذه الصحف من المضايقات؛ لأن القانون الذي يُنظِّم الصحافة حينها كان يتضمن العقوبات السالبة للحرية، ولا يحكمه منطق في مبلغ الغرامات المالية(100) ويسمح بالحجز الإداري للصحف. ولم يُساعد النظام الاقتصادي على صمود هذه الصحف؛ لأن سوق الإشهار ظلت تتحكَّم فيها السلطة من خلال المؤسسات العمومية التي كانت أكبر مستشهر، والمقاولات الخاصة الكبرى التي في ملكية مقربين من السلطة، وحتى نظام الدعم(101) لم يكن يخضع لمعايير موضوعية. ولذلك كان المفقود الكبير هو نموذج اقتصادي للمقاولة الصحافية قادر على الصمود في وجه متغيرات السوق وتضييق السلطة بإغلاق بوابة الإشهار والدعم. ولأن السياق حاكم، والضمانات المؤسساتية والقانونية والمالية مهمة، فقد شهدت هذه الصحافة انتكاسات كثيرة قادت إلى تراجع بعضها وإغلاق مؤسسات أخرى على وقع إفلاس أو محاكمات أو غرامات(102). وهو ما مكَّن للنظرية السلطوية كما عبَّر عنها سيبرت وبيترسون وشرام؛ إذ تصبح الصحافة أداة في يد السلطة تستعملها للدعاية والدعم والتوجيه وتجسيد الولاء للسلطة الحاكمة.

انتقلت الصحافة اليوم إلى مرحلة صارت معها أخلاقيات المهنة مطروحة ضمن الأولويات على كل الأجناس الصحفية، وهو ما يضع جميع الفاعلين أمام محكِّ نظرية المسؤولية الاجتماعية التي تستلزم الموازنة بين حرية الصحافة والمسؤولية الاجتماعية والانضباط لمواثيق أخلاقيات المهنة التي أصبحت تُنتهك بسبب ضعف التكوين الصحفي، ونقائص الميثاق المؤطر لأخلاقيات المهنة الذي رغم إلزاميته يُلاحظ تقاعس في تنفيذ مقتضياته؛ إذ يرى جزء من المهنيين أن صياغته كانت بطريقة غير تشاركية. 

خاتمة

يشهد واقع الصحافة اليوم في المغرب، على كل هذه الأصعدة، أن السياق الديمقراطي شرط وجوب لنشأة وتطور الصحافة الاستقصائية، سواء الورقية أو الإلكترونية أو السمعية أو البصرية، وأن القيود القانونية والمالية والقضائية المفروضة على هذه الصحافة كان لها دور مهم في فتح الباب على مصراعيه أمام وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة "يوتيوب"، لِسَدِّ هذا الفراغ دون مراعاة، في كثير من الأحيان، للضوابط المهنية والأخلاقية للاستقصاء. وهذه أبعاد وآثار أخرى لجو الانغلاق السياسي والتشدد القانوني وما يمكن أن يسفر عنه من انفلات مهني، خاصة إِنْ هي أرادت التصدي لأهم وأخطر جنس صحافي.    

وتخلص الدراسة إلى أن الصحافة الاستقصائية مولود/منتج طبيعي للديمقراطية، ولذلك فهي سلطة رابعة ووجودها يتوقف على حجم وجود وقوة السلط الثلاث الأخرى؛ لأنها تسير بشكل مواز لها. كما أن وجودها يتوقف على درجة تقبُّل المجتمعات لها، وهذا يتطلَّب وجود قوى مجتمعية متوازنة تضمن لهذا النوع من الصحافة القيام بدوره الرقابي على المجتمع كذلك. فهذه الصحافة في النهاية لا تقوم إلا بنشر ما يريد أصحابه أن يبقى طي الكتمان، ولذلك فإنها في حاجة إلى احتضان مجتمعي حتى يتسنَّى لها تقوية وتعزيز وجودها.

قد تُولَد هذه الصحافة في بيئة سلطوية لبعض الوقت، ولكن لا يمكنها أن تنمو في بيئة غير ديمقراطية، أو تنجح في سياق ديكتاتوري أو سلطوي؛ لأنها ستُمارَس في بيئة مناقضة بدون مقومات ومستلزمات وجودها، ولأن الرئة التي تتنفس بها هي:

- تشريع ديمقراطي يُعزِّز استقلالية الصحافة؛ إذ يمكن لصحافة تابعة أو مُتَحَكَّم فيها أن تنجح في إيفاء الاستقصاء حقه.

- إطار مؤسساتي مهني قوي للدفاع عن مصالح الصحافة والصحفيين، والطريق الأسلم لذلك هو اعتماد التنظيم الذاتي والديمقراطي والمستقل للصحافة.

- الاهتمام بمجال التكوين الصحفي والإكثار من مؤسسات التكوين مع ضمان جودة المحتوى وتحيينه باستمرار لمواكبة التحولات المتسارعة ورفع مستوى الصحفيين. ويزداد الإلحاح على هذا المطلب في ظل انتشار الأخبار الزائفة وتوسع دائرة تأثيرها التضليلي مما يستلزم تزويد الصحفيين بضوابط علمية وموضوعية وحيادية واستحضار المعايير الأخلاقية والقانونية.

- نموذج اقتصادي للمقاولة الإعلامية يجعلها مستقلة عن التبعية المالية للدولة ودعمها وكذلك لأصحاب المقاولات. ويزداد الوضع سوءًا حين ترتبط السلطة بالثروة، ويكون الاقتصاد محكومًا بمنطق القرب أو البعد من السلطة ورضاها.

- قانون يمنح الحق في المعلومة ويُحاسب كل أشخاص القانون العام الذين لا يتجاوبون مع هذا الحق.

- نظام قضائي متمرس وخبير بقضايا الصحافة ومخاطرها، ويستحضر التناسب اللازم بين الجريمة الصحافية والعقوبة، ويتفادى أحكام الإعدام في حق الصحافة، سواء بالمنع أو الحجب أو بالغرامات التعجيزية.

- تأهيل مجتمعي حتى يصبح المجتمع بكل مكوناته على وعي بأهمية الصحافة الاستقصائية في تنوير وتثقيف وتوعية الرأي العام بالحقائق من مختلف الزوايا.

- نظام دعم شفاف مبني على معايير موضوعية غير انتقامية ويضمن تكافؤ الفرص، وقد يتطلب في فترة انتقالية دعمًا تمييزيًّا للمقاولات الإعلامية الصغرى كنوع من التمييز الإيجابي حفاظًا على التعددية والتنوع. ولا ينبغي النظر إلى الدعم العمومي باعتباره مِنَّة من السلطة؛ لأن هذه الصحافة تُقدِّم خدمة عمومية مباشرة وغير مباشرة، مثل تنمية القراءة وتوعية المواطنين ونشر اللغة الرسمية للدولة وثقافتها، بل إنها جزء من القوة الناعمة لكل دولة.

نُشِرت هذه الدراسة في العدد السادس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) نقصد هنا كتاب "أربع نظريات للصحافة"، والذي أصدره عام 1956 فريد سيبرت (Fred Siebert)، وتيودور بيترسون(Theodore Peterson) ، وويلبر شرام.(Wilbur Schramm)  للمزيد من التفاصيل، انظر:

Fred Siebert et al., Four Theories of the Press: The Authoritarian, Libertarian, Social Responsibility, and Soviet Communist Concepts of What the Press Should Be and Do, (Chicago: University of Illinois Press, 1963).

(2) للمزيد من التفاصيل، انظر:

Daniel Hallin, Paolo Mancini, Comparing Media Systems: Three Models of Media and Politics, (Cambridge University Press, 2004).

(3) للمزيد من التفاصيل، انظر:

William Rugh, Arab Mass Media: Newspapers, Radio, and Television in Arab Politics, (London: Bloomsbury Academic, 2004).

(4) مصعب الشوابكة وآخرون، دليل الصحافة الاستقصائية، (الدوحة، معهد الجزيرة للإعلام، 2020)، ص 6-7.

(5) الهيئـة الوطنيـة للنزاهـة والوقايـة مـن الرشـوة ومحاربتهـا، "الصحافة الاستقصائية في المغرب: من أجل دور فاعل في مكافحة الفساد"، (الرباط، الهيئـة الوطنيـة للنزاهـة والوقايـة مـن الرشـوة ومحاربتهـا، 2022)، ص 25.

(6) نتحدث عن دستور 1962، أي بعد الاستقلال بست سنوات، الذي صدر بعد استفتاء أعلنت السلطة المنظمة له عن قبول شعبي له بفارق شاسع؛ إذ بلغ من صوَّت لفائدته 3.733.816 مقابل 113.199 صوَّتوا ضده، وهناك من قاطع التصويت. وبلغ عدد المسجلين 4.645955، بينما عدد المصوِّتين لم يكن سوى 3.919.737 دون احتساب غير المسجلين، وبلغ عدد البطاقات الملغاة 72.722. لمعرفة تفاصيل هذه الأرقام، انظر:

- الجريدة الرسمية، السنة 51، العدد 2616 مكرر، 19 ديسمبر/كانون الأول 1962، تقرير اللجنة الوطنية للإحصاء، ص 2999 -3000.

ولعل هذه كانت من جذور الصراع الذي طبع مغرب ما بعد الاستقلال وجعل انتقاله نحو الديمقراطية معاقًا ومؤجلًا. لمزيد من التفاصيل حول هذه الأحداث، انظر:

- مجموعة مؤلفين، الدساتير والانتقال الديمقراطي: قضايا وإشكالات في سياق الربيع العربي، ط 1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2023)، ص 319-356.

(7) من الأحزاب التي قاطعت الدستور: الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب الدستور الديمقراطي، والحزب الشيوعي.

(8) سُمِّيت إعلاميًّا أحزابًا إدارية، أي وُلِدَت من طرف إدارة الدولة وليس من رحم المجتمع.

(9) ضمَّت قوانين منظمة للصحافة والتجمعات والجمعيات.

(10) ظهير شريف رقم 1.58.378 بشأن قانون الصحافة بالمغرب: الجريدة الرسمية، السنة 47، العدد 2404 مكرر، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1958، ص 2856 وما بعدها.

(11) لمعرفة تفاصيل حول هذه النصوص، انظر:

Jean PérèsJérémie Fabre, "Petite histoire des ordonnances de 1944 sur la liberté de la presse et de leur destin," ACRIMED, Juin 26, 2017, "accessed October 13, 2024". https://shorturl.at/VVM2K.

(12) صدر هذا الدستور في 14 ديسمبر/كانون الأول 1962، ولكنه لم يدخل حيز التطبيق إلا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1963.

(13) ينص الفصل 110 من الدستور على: "إلى أن يتم تنصيب البرلمان يتخذ جلالة الملك التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لإقامة المؤسسات الدستورية ولتدبير شؤون الدولة". الجريدة الرسمية، العدد 2616 مكرر، مرجع سابق.

(14) أُعْلِن عن حالة الاستثناء في خطاب ملكي بتاريخ 7 يونيو/حزيران 1965، وتمَّ رفعها في 31 يوليو/تموز 1970.

(15) خطب محمد الخامس والحسن الثاني، انبعاث أمة: الحسن الثاني ملك المغرب، (الرباط، المطبعة الملكية، 1976)، ج 10، ص 195.

(16) لفهم أكثر لهذه التقنية في التشريع التي يتميز بها المغرب، ويتولاها الملك من خلال ظهائر تُسمَّى "ظهير شريف"، وتُخوِّل الملك صلاحيات واسعة باعتباره سلطة تشريعية وتنظيمية، يمكن الرجوع إلى:

- Paul Decroux, "Le souverain du Maroc, législateur," Revue de l'Occident musulman et de la Méditerranée, Vol. 3, No. 1, (1967): 31-63.

(17) لنلاحظ أن التسمية اقتصرت فقط على الصحافة ولم تتضمن النشر، وهو ما تمَّ استدراكه بعد تعديل 2002؛ إذ أصبح هذا القانون يحمل اسم "قانون الصحافة والنشر"، ويُرمز إليه برقم 77.00. انظر: الجريدة الرسمية، السنة 92، العدد 5075، 20 يناير/كانون الثاني 2003، ص 220.

(18) نصَّ الفصل الثالث من الدستور على: "الأحزاب السياسية تُساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، ونظام الحزب الوحيد ممنوع بالمغرب"، الجريدة الرسمية، العدد 2616 مكرر، مرجع سابق.

(19) نصَّ الفصل التاسع من الدستور على: "يضمن الدستور لجميع المواطنين: حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة؛ حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع؛ حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم. ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون". الجريدة الرسمية، العدد 2616 مكرر، مرجع سابق.

(20) عمر احرشان، قانون الصحافة والاتصال بالمغرب: دراسة تحليلية وتوثيقية، (الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 2020)، ص 13-14.

(21) صحيفة العلم يومية مغربية تأسست في 11 سبتمبر/أيلول 1944 من طرف مجموعة من رواد الحركة الوطنية، وأصبحت الصحيفة الرسمية الناطقة باسم حزب الاستقلال.

(22) "لاناسيون أفريكان" (la Nation africaine) صحيفة يومية ناطقة بالفرنسية تابعة لحزب الاستقلال تأسَّست في مايو/أيار 1962 حتى فبراير/شباط 1965 تاريخ إيقافها، وبعد شهرين أنشأ الحزب عوضها صحيفة أخرى بالفرنسية "لوبنيون" (L'Opinion).

(23) نشأت صحيفة "التحرير" منبرًا/لسانًا لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد انشقاقه عن حزب الاستقلال عام 1959. كان يُديرها الفقيه البصري ويرأس تحريرها عبد الرحمن اليوسفي. وبسبب مواقف الحزب المعارضة فقد كان الخط التحريري للصحيفة كذلك معارضًا، سواء للقصر أو لحزب الاستقلال؛ مما عرَّضها لمضايقات كثيرة انتهت بحظر إصدارها. سنلاحظ خلال هذه الفترة أن مسؤولية النشر والتحرير تولاها قادة سياسيون وليس صحافيين مهنيين؛ لأن ما ميَّز الصراع خلال هذه الحقبة هو أن واجهة الصراع بين الصحافة والسلطة تولتها أساسًا الصحافة الحزبية. لذلك سنلاحظ أن حرص كل حزب على استكمال بنائه التنظيمي (الشبيبة، الطلبة، النقابة، القطاع النسائي...) كان يُواكبه دائمًا ضرورة توفر الحزب على منبر إعلامي يُعد لسانه الرسمي.

(24) صحيفة "التحرير"، و"المحرر"، و"الاتحاد الاشتراكي" كانت تصدر بالعربية، وهناك منبر بالفرنسية هو "ليبراسيون" (Libération). وكانت هذه الصحف ناطقة باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم بعد ذلك باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

(25) "بيان اليوم"، و"البيان" (Albayane) صحيفتان بالعربية والفرنسية ناطقتان باسم حزب التقدم والاشتراكية. وسنلاحظ أن المعارضة كانت حريصة جدًّا على التوفر على صحافة ناطقة باسمها باللغتين العربية والفرنسية، واستثمرت في ذلك مجهودات كثيرة لمواجهة إعلام السلطة، وخاصة أن هذا الإعلام الرسمي كانت تتوفر له إمكانيات كثيرة.

(26) جون واتربوري، أمير المؤمنين: الملكية والنخبة السياسية بالمغرب، ترجمة عبد الغني أبو العزم وعبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، ط 3، (الرباط، مؤسسة الغني للنشر، 2013)، ص 393.

(27) بعد الاستقلال، وخاصة في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1971، وفي إطار سياسة "المَغْرَبَة" تمت مصادرة "مجموعة ماس" الصحفية (groupe Mas) التي كانت تُعرف بـ"صحافة ماس" نسبة إلى صاحبها بيير ماس (Pierre Mas)، وأُنْشِئَت مجموعة "ماروك سوار"، وظل اسمها مقترنًا بمولاي أحمد العلوي، عم الملك الحسن الثاني، وكانت تُصْدِر أربع صحف واحدة بالعربية "الصحراء"، واثنين بالفرنسية "لوماتان" (Le Matin) و"ماروك سوار" (Maroc Soir) وواحدة بالإسبانية "لامانيانا" (La mañana).

(28) محمد البقالي، سؤال المهنية والأيديولوجيا في الصحافة: الحالة المغربية أنموذجًا، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، ص 48.

(29) النقابة الوطنية للصحافة المغربية، "القانون الأساسي"، snpm.ma، 18 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024)،  https://shorturl.at/LO7wv

(30) عبد الرحمن اليوسفي، أحاديث في ما جرى: شذرات من سيرتي كما رويتها لبودرقة، إعداد امبارك بودرقة، ط 1، (الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 2018)، ص 90.

(31) الجريدة الرسمية، السنة 62، العدد 3154، 11 أبريل/نيسان 1973، ص 1064 وما بعدها. وضمن النصوص المعدلة قانون الصحافة الذي صدر بموجب ظهير شريف 1.73.285.

(32) محمد عبد الرحمن برادة، الصحافة المكتوبة بالمغرب: التوزيع والانتشار، ط 1، (الدار البيضاء، مطبعة دار النشر المغربية، 2002)، ص 16.

(33) يلزم هنا التذكير أن هذه صحيفة قديمة تأسَّست عام 1957، وكانت متخصصة في القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية يملكها الفرنسي مارسيل هيرزوغ (Marcel Herzog)، وهي امتداد لصحيفة "لوبوتي كازابلانكيز" (Le petit Casablancais) التي تأسَّست عام 1921 وتغيَّر اسمها بعد ذلك إلى "لافي فرونسيز" (La Vie Française). وفي عام 1994، اشترى الصحيفة الفرنسي جون لويس سيرفان شرايبر (Jean-Louis Servan-Schreiber)، واستطاع تحويلها إلى صحيفة رائدة في المجال الاقتصادي؛ إذ تُعد من أوائل الصحف التي اهتمت بجنس التحقيق والاستقصاء في هذا المجال.

(34) تأسَّست في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1991. لمزيد من التفاصيل، انظر:

- Ahlam Nazih, "L'Économiste fête les libertés," L'Économiste, no 3924,‎ 7 décembre 2012.

(35) "إيكو ميديا" (Eco-Médias) مقاولة صحافية تُعَد من أولى المقاولات الصحافية "المستقلة" في المغرب التي استثمرت بقوة في مجال الإعلام، واستطاعت أن تُصدِر إلى جانب هذه الصحيفة بالفرنسية "ليكونوميست" (L’Économiste) صحيفة يومية بالعربية "الصباح". وأنشأت، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2006، محطة إذاعية باسم "أتلانتيك راديو" (Atlantic Radio)، ثم مطبعة عصرية للصحف اسمها "إيكوبرنت" (Ecoprint)، ومعهدًا لتكوين الصحفيين عام 2008 وهو "المدرسة العليا للصحافة والاتصال" (ESJC).

(36) لم يتم التحرير إلا في بداية الألفية الثالثة بمبادرة من الملك محمد السادس، ومن خلال مرسوم بقانون رقم 2.02.663، بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2002، ويقضي بوضع حدٍّ لاحتكار الدولة في مجال البث الإذاعي والتليفزيوني. الجريدة الرسمية، السنة 91، العدد 5038، 12 سبتمبر/أيلول 2002، ص 2615.

(37) لم يتم هذا الاستدراك حتى عام 2003؛ إذ صار القانون يحمل اسم قانون الصحافة والنشر.

(38) ظلت هذه من المعضلات الكبرى في المحاكمات التي يتعرَّض لها الصحافيون؛ إذ يبقى المجال شاسعًا لتطبيق القانون الجنائي ضد الصحفيين رغم أن الأمر يتعلق بجرائم نشر. لقد تعمَّد المشرِّع في القانون الجنائي عدم وضع هذا الفصل بين القانونين باستثناء ما نصَّ عليه الفصل 444 الذي أحال بشكل صريح كل قضايا القذف والسب إلى قانون الصحافة "القذف والسب العلني يعاقب عليهما وفقًا للظهير رقم 1.58.378 المؤرخ في 3 جمادى الأولى 1378 موافق 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1958 المعتبر بمثابة قانون الصحافة". انظر: ظـهير شـريف رقم 1.59.413 صـادر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1962 بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي بالجريدة الرسمية، العدد 2640 مكرر، 5 يونيو/حزيران 1963، ص 1253.

(39) لم يتم التنصيص على هذا المبدأ في الدستور إلا بعد مراجعة 2011؛ إذ نصَّ لأول مرة الفصل 28 على: "حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية". كما نصَّ على حريات أخرى في الفصل 25: "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة".

(40) لم يتم الإقرار القانوني بهذا الحق إلا في قانون الصحافة والنشر لعام 2016؛ إذ نصَّت المادة 5 على: "سرية مصادر الخبر مضمونة، ولا يمكن الكشف عنها إلا بمقرر قضائي وفي الحالات التالية: القضايا المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي؛ الحياة الخاصة للأفراد ما لم تكن لها علاقة مباشرة بالحياة العامة". انظر: ظهير شريف رقم 1.16.122 صادر في 10 أغسطس/آب 2016 بتنفيذ القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، الجريدة الرسمية، السنة 105، العدد 6491، 15 أغسطس/آب 2016، ص 5966-5987.

(41) لم يصدر هذا القانون إلا عام 2018. ويتعلق الأمر بالقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. انظر: الجريدة الرسمية، السنة 107، العدد 6655، 12 مارس/آذار 2018، ص 1438-1443.

(42) لم يتم إعمال هذا المبدأ إلا بعد صدور دستور 2011 الذي تضمن فصلًا (الفصل 28) نصَّ على: "تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به". ولم يصدر القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة إلا عام 2016. انظر: ظهير شريف رقم 1.16.24 صادر في 10 مارس/آذار 2016 بتنفيذ القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة. الجريدة الرسمية، العدد 6454، 7 أبريل/نيسان 2016، ص 2961-2969. وقد بُذِلَت قبل الربيع العربي محاولات من أجل تنظيم ذاتي جزئي عام 2002 من خلال تأسيس الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير.

(43) بين 1973 و2002.

(44) ظهير شريف رقم 1.95.9 صادر في 22 فبراير/شباط 1995 بتنفيذ القانون رقم 21.94 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين: الجريدة الرسمية، العدد 4318، 2 أغسطس/آب 1995، ص 2159-2161.

(45) لم يُشْتَرَط المؤهل الجامعي للولوج إلى مهنة الصحافة إلا في قانون 88.13 الذي صدر عام 2016.

(46) نقصد تجاوزًا بالميلاد إنشاء صحف كثيرة وإلا فقد ظل المغرب دائمًا يتوفر على صحف غير حزبية، ولكنها كانت قليلة العدد ومحدودة التأثير مقارنة مع الصحافة الحزبية، وفي مقدمة الصحف المستقلة التي عرفها مغرب ما بعد الاستقلال الصحف التي كان يُؤَسِّسها ويُديرها مصطفى العلوي الذي اشتهر بأسبوعية "الأسبوع الصحفي"، وأسس طيلة مساره حوالي 15 عنوانًا صحفيًّا، منها: "الكواليس"، و"الأسبوع"، و"الأسبوع الصحفي"، و"السياسي"، و"الأسبوع الصحفي".

(47) ظلت الصحافة محكومة بقانون 1973 حتى سنة 2002. والمقصود هنا الظهير رقم 1.73.285 بتاريخ 10 أبريل/نيسان 1973 الذي لم يُعَدَّل حتى أكتوبر/تشرين الأول 2002 بصدور قانون 77.00، مع العلم أن المغرب شهد المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال سنة 1993.

(48) مهدي بنسليمان، "الإعلام والسلطة: مقاربة مفاهيمية جديدة، مجلة "لوجورنال" نموذجًا"، سياسات عربية (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 38، مايو/أيار 2019)، ص 78.

(49) يتعلق الأمر هنا بمحمد البريني ومصطفى القرشاوي وعبد الكريم الأمراني وعبد الرفيع الجواهري وغيرهم.

(50) المادة 2 من القانون الأساسي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وثيقة غير منشورة.

(51) عبد المنعم دِلَمي من مؤسسي تجربة إعلامية مستقلة تُصْدِر صحيفتي "الصباح" و"ليكونوميست" (l’Economiste). ومن المفارقات كان أول من ترأس الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين التي تأسَّست في 19 يونيو/حزيران 2020 كمنافس للفيدرالية.

(52) هو مؤسس يومية "أجوردوي لوماروك" (Aujourd’hui Le Maroc) سنة 2000، وعُيِّن بعد ذلك في 2011 مديرًا لـ"وكالة المغرب العربي للأنباء" (وكالة أنباء رسمية).

(53) هو مدير تحرير أسبوعية "الأيام"، وقبل ذلك كان من مؤسسي أسبوعيتي "مغرب اليوم"، و"الصحيفة".

(54) مُؤَسِّسَة ومديرة لأسبوعية "لوروبورتير" (Le reporter)، وأصبحت كذلك رئيسة شرفية للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين.

(55) يترأسها كمال لحلو، مالك مجموعة إذاعات "إم إف إم" (MFM)، وصحف ورقية مثل "لاغزيت دي ماروك" (la gazette du Maroc) و"للافاطمة" (lalla fatima).

(56) يمكن في هذا الصدد رصد ظاهرة الاصطفاف الممنهج لبعض المؤسسات الصحافية ضد صحافيين بمناسبة محاكمتهم، وهو سلوك غير مسبوق؛ لأن ما هو مألوف هو تبنِّي قضاياهم أو على الأقل المطالبة بتمتيعهم بالحق في محاكمة عادلة. كما يمكن رصد تحول بعض المؤسسات المهنية إلى منصات لمواجهة تقارير منظمات، مثل "مراسلون بلا حدود".

(57) من بينهم محمد معروف وعبد القادر الشاوي اللذان أسَّسا مجلة "على الأقل"، وعبد الله زعزاع وعمر الزيدي اللذان أسَّسا صحيفة "المواطن".

(58) تجدر الإشارة إلى أن هذه لم تكن سابقة في إصدار مجلات من طرف مناضلي "أقصى اليسار"؛ فقد كانت تجارب سابقة، سنوات السبعينات، بإصدار مجلات ثقافية مثل "أنفاس" (Souffles) التي صدرت بين سنوات 1966 و1972 وكان مؤسسها هو عبد اللطيف اللعبي، ومجلة "لاماليف" (Lamalif) (التي هي اختصار لحرف: لا) التي صدرت بين سنوات 1966 و1988، وكانت زكية داوود هي من تتولى رئاسة تحريرها.

(59) صحيفة أسَّسها مناضلون من أقصى اليسار، وتولى إدارتها عمر الزيدي وصدر عددها الأول في 19 يونيو/حزيران 1991، وكانت تصدر بصفة نصف شهرية. وجاء في افتتاحيتها أن هدفها: "الانخراط في الحركية الرامية إلى بناء إطار النضال الديمقراطي"، و"تنطلق من حق المجتمع في الدفاع عن نفسه، وبناء أدواته المستقلة لبلورة مفهوم المواطنة في أبعادها الاجتماعية والحضارية المتفتحة على مكتسبات العصر التقدمية". تمَّ توقيفها وصدر مكانها صحيفة "حرية المواطن" التي لقيت مصير سابقتها، وصدرت محلَّها "المواطنة" وتولَّى إدارتها عبد الله زعزاع وكان أول أعدادها، في 15 يوليو/تموز 1992، في ظرفية سياسية متوترة تميزت بمحاكمة الزعيم النقابي الاتحادي، نوبير الأموي، والاستفتاء على مشروع دستور 1992، وتزايد المطالب النسائية بتعديل مدونة الأحوال الشخصية، كما صدرت صحيفة "التجمع" التي تولَّى إدارتها عبد الرحيم تفنوت، في 27 أغسطس/آب 1992، ومجلة "على الأقل" التي تولَّى إدارتها عبد القادر الشاوي.

(60) رسالة من عائلات المعتقلين إلى وزير العدل (ص 4)، ورسالة من أحد المختطفين تحت عنوان "صرخة مختطف" (ص 5)، المواطن، العدد الأول، 19 يونيو/حزيران 1991.

(61) المواطن، العدد 5، 22 فبراير/شباط 1992. 

(62) الرسالة سرَّبتها ابنة أحد المعتقلين للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وشكَّلت موضوع تحقيق من طرف منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ونشرتها صحيفة "لوموند" كذلك. لمعرفة أكثر حول هذا المعتقل، انظر:

- Christine Daure-Serfaty, Tazmamart Une prison de la mort au Maroc, (Paris, Stock, 1992)

(63) "نانسي الطويل.. أميركية خاضت معركة لفضح معتقل تازمامارت السري بالمغرب"، أصوات مغاربية، 4 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 21 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://tinyurl.com/3cctm8fu.

(64) للاطلاع على كيفية إنكار الدولة المغربية لوجود معتقل تازمامارت، انظر:

عبد الصمد الزعلي، "عندما أرسل الحسن الثاني وفدًا إلى جنيف لإنكار وجود تازمامارت"، المساء، 20 يونيو/حزيران 2014، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://tinyurl.com/a5dvznzj.

(65) لمعرفة المزيد عن هذه الحملة، انظر: خالد الغالي، "حملة التطهير عنوان آخر للتفقير"، مجلة زمان، 20 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://tinyurl.com/34p7eaxv.

(66) يكاد يكون عبد الرحيم تفنوت من القلَّة الذين أطلقوا تجربة "المواطن"، وظل إعلاميًّا فيما تبقى من مساره، واشتغل بعد ذلك بالقناة الثانية.

(67) يبقى هذا أمرًا نسبيًّا؛ لأن سوق القراءة في المغرب ظلت ضعيفة دائمًا بمعدل مبيعات يومي يزيد عن 350 ألف نسخة، وهو رقم ضعيف مقارنة مع معدلات القراءة في دول مشابهة قبل أن ينهار هذا الرقم إلى مستويات دنيا غير مسبوقة. لمزيد من التفاصيل، انظر:

جمال المحافظ، "في زمن الدعم الحكومي للصحافة، المغرب: المعدل اليومي لمبيعات الصحف ينزل إلى أقل من 36 ألف نسخة"، إيلاف، 19 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2025)، https://tinyurl.com/bddecysf.

(68) صدرت، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1998، زمن حكومة اليوسفي، من طرف اتحاديين ينتمون لحزب الاتحاد الاشتراكي، وتولَّى إدارتها محمد البريني، المدير السابق للصحيفة الحزبية "الاتحاد لاشتراكي" بعد خلاف بينه وبين عبد الرحمن اليوسفي. شكَّلت هذه الصحيفة مثالًا حيًّا لحاجة القراء إلى صحيفة يومية غير حزبية، وكانت سببًا مباشرًا في تراجع مبيعات صحيفة "الاتحاد الاشتراكي". للاطلاع أكثر، انظر:

- Aziz Douai, "In Democracy’s Shadow: The ‘New’ Independent Press and the Limits of Media Reform in Morocco," Westminster Papers in Communication and Culture, Vol. 6, No. 1, (2017): 4-26.

(69) الأسبوعية الجديدة، العدد 6 يونيو/حزيران 2005.

(70) توبعت الصحيفة، ونادية ياسين، بموجب قانون الصحافة والنشر وفق الفصل 41 الذي يتضمن عقوبة سالبة للحرية "يعاقب بالحبس لمـدة تتراوح بين ثـلاث وخمس سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 10.000 و100.000 درهم كل من أخلَّ بالاحترام الواجب للملك أو أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفصل 38. وتُطبَّق نفس العقوبة إذا كان نشر إحدى الجرائد أو النشرات قد مسَّت بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بالوحدة الترابية. وإذا صدرت عقوبة عملًا بهذا الفصل، جاز توقيف الجريدة أو النشرة بموجب نفس المقرر القضائي لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ولا يمتد مفعول التوقيف إلى عقود الشغل المبرمة من طرف صاحب الاستغلال الذي يبقى متحمـلًا لجميع الالتزامات المتعاقد عليها أو الالتزامات القانونية الناجمة عن العقود. كما يمكن للمحكمة بموجب نفس المقرر القضائي أن تأمر بمنع الجريدة أو النشرة". الجريدة الرسمية، السنة 92، العدد 5075، 20 يناير/كانون الثاني 2003، ص 220.

(71) آخر تأجيل تمَّ في جلسة 29 أبريل/نيسان 2024؛ إذ أُجِّلَت الجلسة إلى 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

(72) Le journal hebdomadaire, No.108, 19-25 Octobre 2003 - Le journal hebdomadaire, No. 121, 19-25 Juillet 2003 - Le journal hebdomadaire, No. 131, 25-31 Octobre 2003.

(73) Le journal hebdomadaire, No. 16, 5-11 May 2001.

(74) Le journal hebdomadaire, No. 12, 7-13 Avril 2001.

(75) Le journal hebdomadaire, No. 145, 31 Janvier - 6 Février 2004.

(76) Le journal hebdomadaire, No. 20, 2-8 Juin 2001,

(77) Le journal hebdomadaire, No. 100, 22-28 Février 2003.

(78) Le journal hebdomadaire, No. 98, 8-14 Février 2003.

(79) Le journal hebdomadaire, No. 106, 5-11 Avril 2003.

(80) تولَّى الوزارة الأولى بين 4 فبراير/شباط 1998 و9 أكتوبر/تشرين الأول 2002.

(81) حصل على جائزة حرية الصحافة الدولية سنة 2003، انظر:

- "The Committee to Protect Journalists (CPJ) will honor four journalists–from Afghanistan, Russia, Morocco, and Cuba–with the 2003 International Press Freedom Awards in November," CPJ, September 25, 2003, "accessed on October 23, 2024." https://shorturl.at/VxQZr.

(82) Mehdi Kamal Benslimane, Presse indépendante et pouvoir: le Journal (1997-2010) promoteur du trône au Maroc: une psycho-socio-anthropologie historique du journalisme politique, (Thèse de Doctorat, Sciences de l’information et de la communication, Université Grenoble Alpes, 2015), 4.

(83) عماد ستيتو، حوار مع أبو بكر الجامعي، مجلة زمان، العدد 57، 2 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://shorturl.at/bdDQb.

(84) تستحق تجربة "إلبايس" (El País) أن تكون مادة لدراسة حول علاقة الإعلام بالتحول الديمقراطي. كانت المحاولات الأولى لتأسيس الصحيفة زمن الحرب الأهلية وحكم فرانكو في 1972، ووضعت ملف التأسيس في مايو/أيار 1973 ولم يصدر عددها الأول حتى 4 مايو/أيار 1976، أي بعد ستة أشهر من وفاة الجنرال فرانكو. مؤسس الصحيفة هو خوسيه أورتيغا سبوتورنو (José Ortega Spottorno)، وكان لها دور مهم في مواكبة التحول الديمقراطي. وتحولت إلى شبكة إعلامية رائدة عالميًّا، ويبلغ عدد قراء نسختها الورقية ما يفوق مليون قارئ يوميًّا. لمعرفة تفاصيل أكثر عن الصحيفة، انظر:

- Bernard Bessière, La culture espagnole: les mutations de l'après-franquisme (1975-1992), (Paris: L'Harmattan, 1992), 351.

(85) من حوار أبو بكر الجامعي مع عماد ستيتو قال: "اقترح القصر أن يدعمنا ماليًّا لكننا رفضنا"، مرجع سابق.

(86) في هذا الصدد تعرضت الصحيفة لحملة في 14 فبراير/شباط 2006 من خلال تساهل السلطات مع محتجين نظموا وقفة أمام مقر المؤسسة يتهمونها بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية التي تصور الرسول محمد ﷺ، والتي كانت قد نشرتها لأول مرة صحيفة دانماركية. وتمت تغطية الوقفة في قناة رسمية عمومية بشكل متحيز تضمن مقابلات مع المتظاهرين الغاضبين، وغُيِّب رأي الصحيفة أو حتى الإشارة إلى أنها لم تنشر هذه الرسوم. انظر: عمر احرشان، قانون الصحافة والاتصال بالمغرب: دراسة تحليلية وتوثيقية، مرجع سابق، ص 21.

(87) تعرَّضت للتوقيف، سنة 2000، رفقة جريدة "الصحيفة" و"دومان" (Demain) بموجب قرار إداري وفق ما كان ينص عليه الفصل 77 من قانون الصحافة والنشر حينها، الذي كان يُتيح للحكومة إيقاف الصحف. القانون المعدل لسنة 2016 سحب هذه الإمكانية، وأصبح التوقيف والحجز والحجب اختصاصًا حصريًّا للقضاء. 

(88) كان قانون الصحافة والنشر يُتيح إمكانية الحصول على تصاريح إصدار متعددة تبقى صالحة الاستعمال بدون تقادم، ولذلك كان الكثير من أصحاب الصحف يحصلون عليها بأسماء متشابهة ليضمنوا الاستمرار بعد التوقيف كما حصل مع "لوجورنال"، و"الصحيفة" التي صدرت بعد الإيقاف باسم "الصحيفة الجديدة" و"دومان" (Demain) التي صدرت باسم "دومان ماغزين" (Demain magazine). بعد التعديل القانوني لسنة 2016 لم تَعُد هذه الإمكانية قائمة؛ إذ نصَّت الفقرة الأخيرة للمادة 23 من قانون 88.13 على: "يصدر المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية داخل أجل أقصاه سنة تبتدئ من تاريخ تسلم شهادة الإيداع أو بعد صدور الحكم النهائي للمحكمة المختصة في حالة الاعتراض الوارد في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه وإلا اعتبر التصريح عديم الأثر".

(89) من أهم أعداد المجلة التي تطرقت للتضييق عدد تضمن عنوان غلافه سنة 2006 "الدولة المارقة" (État voyou/ Rogue State).

(90) Stephen Smith Et, Pour "Le Journal", Aboubaker Jamai Et Ali Amar, "La vérité sur l'assassinat en France de Mehdi Ben Barka," Le monde, June 30, 2001, "accessed October 23, 2024". https://tinyurl.com/yeymkunw.

Stephen Smith Et, Pour "Le Journal", Aboubaker Jamai Et Ali Amar, "L'affaire Ben Barka face à l'omerta des Etats," Le monde, October 27, 2001, "accessed October 23, 2024". https://tinyurl.com/53er8xuj. 

(91) تأسست "تيل كيل" (Tel quel)، في 2001، من طرف "تيل كيل ميديا" (TelQuel Média) وتحمَّل إدارة النشر فيها أحمد رضى بنشمسي.

(92) تأسست صحيفة "نيشان" من طرف نفس المجموعة، في 9 سبتمبر/أيلول 2006.

(93) تقدَّم المغرب رسميًّا بالمقترح في 11 أبريل/نيسان 2007، ونُشِرَت تفاصيل المخطط في عدد 14 أبريل/نيسان 2007، وفي الغلاف "انفراد عالمي". لمزيد من التفاصيل حول هذا العدد، انظر:

TelQuel, No. 269, 14-20 Avril 2007.

(94) الوطن الآن، العدد رقم 253، 14 يوليو/تموز 2007.

(95) للاطلاع على تفاصيل أكثر، انظر:

"محضر جلسات محاكمة عبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله"، RSF، 9 أغسطس/آب 2007، (تاريخ الدخول: 23أكتوبر/تشرين الأول 2024)، https://tinyurl.com/8brps8ef.

(96) اطلع الباحث على هذه التواريخ في وثائق ملف الجمعية مباشرة؛ لأنها غير منشورة.

(97) استقالت الصحفية مرية مكرم من مهمتها في 22 سبتمبر/أيلول 2014، وتولَّى الرئاسة محلَّها رشيد طارق فرفضت السلطات مرة أخرى تَسَلُّم ملف التجديد.

(98) مرية مكرم، "قصة التحقيق مع الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لصحافة التحقيق"، فبراير.كوم، 18 أغسطس/آب 2018 (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار2025)، https://tinyurl.com/mdte97np.

(99) Ali Amar, Christophe Guguen, "Panama Papers Mounir Majidi au cœur du volet consacré au Maroc," Le Desk, April 3, 2016, "accessed on October 23, 2024".  https://tinyurl.com/5n7w5u5k.

(100) تعرَّض الكثير من الصحف لغرامات مالية متشددة تفوق قدرتها المالية؛ مما جعلها تقع في صعوبات مالية أدَّت ببعضها إلى الإغلاق مثل "لوجورنال".

(101) صدر مرسوم رقم 2.18.136 حول دعم الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع.

(102) والأمثلة على ذلك كثيرة: "الصحيفة"، "لوجورنال"، "أخبار اليوم"، "دومان"، "نيشان"، "رسالة الفتوة"...