موضوع الأطروحة وسياقها العام
تنشغل هذه الأطروحة بدراسة العلاقة التفاعلية بين الإعلام الجديد، ولا سيما الشبكات الاجتماعية، وبين الهوية الثقافية المغربية في سياق التحولات العميقة التي فرضتها العولمة والثورة الرقمية. تنطلق الدراسة من مسلمة مفادها أن الإعلام أضحى فاعلًا مركزيًّا في إنتاج المعنى وإعادة تشكيل التمثلات والمرجعيات الهوياتية، سواء في اتجاه التمكين الثقافي أو في اتجاه التذويب والتنميط، ولم يعد مجرد ناقل للثقافة. وفي هذا الإطار، تتناول الأطروحة إشكالية توظيف الإمكانات التقنية والتفاعلية للإعلام الجديد في إبراز صور الهوية الثقافية المغربية، بما تنطوي عليه من تعدد روافدها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية، ضمن وحدة ثقافية وطنية جامعة.
أهمية الدراسة ودوافعها
تستمد الأطروحة أهميتها من راهنية موضوع الهوية في ظل تصاعد النزعات الكونية وهيمنة المنصات الرقمية العابرة للحدود، وما يرافق ذلك من تحديات تمس الخصوصيات الثقافية للشعوب. كما تكتسب قيمتها العلمية من تقاطعها مع مجالات معرفية متعددة تشمل دراسات الإعلام والاتصال، والإعلام الثقافي، والسوسيولوجيا الثقافية، وسوسيولوجيا الشباب، والأنثروبولوجيا الثقافية. أما دوافعها، فتتوزع بين دوافع موضوعية ترتبط بحدة النقاش العمومي والأكاديمي حول الهوية في العصر الرقمي، ودوافع ذاتية نابعة من المسار العلمي للباحث واهتمامه السابق بالتراث الثقافي غير المادي باعتباره مكونًا مركزيًّا للهوية الثقافية المغربية.
الإشكالية البحثية والسؤال المركزي
تتمحور الإشكالية الرئيسة للأطروحة حول سؤال مركزي مفاده: كيف يمكن استثمار إمكانات الإعلام الجديد، وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، في إبراز صور الهوية الثقافية المغربية وترسيخها لدى الشباب المغربي والمجتمع عامة، في ظل التنوع الثقافي الذي يميز المغرب؟
ويتفرع عن هذا السؤال عدد من التساؤلات الجزئية التي تهم طبيعة الإمكانات التي يتيحها الإعلام الجديد في بناء الهوية، وخصوصيات الهوية الثقافية المغربية، ومستوى وعي المستخدمين والمؤسسات الثقافية بأدوار الإعلام الرقمي، فضلًا عن العوائق البنيوية والمؤسساتية التي تحد من توظيف هذه الوسائط في خدمة الهوية.
فرضية الدراسة
تنطلق الأطروحة من فرضية مركزية مؤداها أن إمكانات الإعلام الجديد لا تُستثمر على النحو الأمثل، سواء من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية أو من قبل الفاعلين الأفراد والجماعات، في إبراز صور الهوية الثقافية المغربية وتثمين مكوناتها، وهو ما يؤدي إلى ضياع فرص حقيقية لترسيخ هذه الهوية محليًّا وإشعاعها وطنيًّا ودوليًّا.
المنهجية المعتمدة
اعتمدت الدراسة مقاربة كيفية بالأساس، انسجامًا مع طبيعة الموضوع وتعقيد أبعاده الرمزية والثقافية. واستندت إلى جملة من المناهج والتقنيات الكيفية، من بينها دراسة الحالة، وتحليل المضمون الكيفي، وتحليل الخطاب، مدعومة بأدوات جمع بيانات شملت الملاحظة، والمقابلات المعمقة، ومجموعات النقاش المركزة، إضافة إلى الفحص الوثائقي. وقد مكنت هذه المقاربة من التعمق في فهم تمثلات الفاعلين، وتحليل المضامين الرقمية، والكشف عن الدلالات الكامنة في الخطابات المتداولة داخل الفضاءات الرقمية.
أهم النتائج والخلاصات
توصلت الأطروحة إلى أن الإعلام الجديد يشكل مجالًا استراتيجيًّا ذا إمكانات كبيرة في تعزيز الهوية الثقافية المغربية، غير أن هذه الإمكانات تظل محدودة الأثر في ظل غياب رؤية تربط الثقافة بالإعلام، وضعف التنسيق بين الفاعلين المؤسساتيين، وهيمنة المضامين الترفيهية والاستهلاكية على حساب المحتوى الثقافي العميق. كما أبرزت النتائج وجود فجوة بين غنى الرصيد الثقافي المغربي وتنوعه، وبين تمثلاته الرقمية المتداولة، حيث غالبًا ما تُختزل الهوية في صور نمطية جزئية أو مناسباتية. وأظهرت الدراسة أن الشباب المغربي فاعل أساسي في إنتاج وتداول المحتوى الهوياتي، غير أن هذا الدور يظل في حاجة إلى التأطير والدعم والتكوين.
التوصيات العامة
خلصت الأطروحة إلى جملة من التوصيات، من أبرزها ضرورة بلورة استراتيجية وطنية للإعلام الثقافي الرقمي تدمج البعد الهوياتي في السياسات العمومية للاتصال، وتشجع إنتاج محتوى رقمي ثقافي مبتكر يعكس تنوع الهوية المغربية. كما دعت إلى تمكين المؤسسات الثقافية من آليات التواصل الرقمي الحديثة، ودعم المبادرات الشبابية في مجال الصناعة الثقافية الرقمية، وتعزيز التربية الإعلامية والثقافية بما يرسخ الوعي النقدي بالاستخدام المسؤول للإعلام الجديد، ويحول هذه الوسائط إلى رافعة للانتماء، والإبداع، والإشعاع الثقافي.
تنويه
• تعبّر الآراء الواردة في هذه الأطروحة عن وجهة نظر صاحبها، في إطار الاستقلال الأكاديمي للباحث، ضمن معايير النشر المعتمدة لدى مركز الجزيرة للدراسات.
• يمكن الاطلاع على النص الكامل للأطروحة بصيغة PDF عبر الرابط التالي: اضغط هنا
• يرحّب مركز الجزيرة للدراسات باستقبال رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه المتصلة بمجالات اهتمامه، قصد التعريف بها ونشرها على موقعه الإلكتروني، وذلك عبر المراسلة على البريد التالي: ajcs-publications@aljazeera.net
• يحتفظ الباحثون بكامل حقوقهم العلمية في إعادة نشر أعمالهم الأكاديمية أو تطويرها لاحقًا في صيغ أخرى، بما في ذلك إصدارها في كتاب.