المقاربات المنهجية في الاستقصاء الصحافي وأثرها في تعزيز جودة التحقيقات الاستقصائية

تبحث الدراسة في المقاربات المنهجية في العمل الصحفي الاستقصائي وتقاطعاتها مع المناهج العلمية، وسُبُل توظيفها لتحسين جودة التحقيقات الاستقصائية، وتقديم رؤية شاملة للأساليب المنهجية التي تُسْتخدَم في هذا النوع من الصحافة، من خلال الإجابة على هذا السؤال الإشكالي المركَّب: ما المنهجية الأنسب في الصحافة الاستقصائية لتحقيق نتائج عالية الجودة؟ وما تأثيرها في تطوير الممارسة الصحافية؟ وتهدف الدراسة، من خلال نماذج وأمثلة تطبيقية، إلى توضيح كيفية توظيف المنهجية العلمية للوصول إلى أعلى درجات الدقة والعمق في جمع وتحليل المعلومات، وإبراز التأثير الذي تُحْدِثُه مناهج البحث العلمي في توجيه مسار التحقيق وإثراء نتائجه. وتركز الدراسة أيضًا على التحديات التي تواجه الصحفيين الاستقصائيين، وتسعى إلى تقديم تصور شامل لتجاوز هذه العقبات، بما يُعزِّز كفاءة العمل الصحفي الاستقصائي، وترسيخ معايير المصداقية والشفافية في التحقيقات.
التداخل الوثيق بين مناهج البحث العلمي ومبادئ العمل الاستقصائي يهدف إلى تحقيق موثوقية عالية في النتائج (وكالة الصحافة الفرنسية)

مقدمة

تقوم الصحافة بدور جوهري في بنية المجتمع المعاصر بوصفها ممارسة مُؤَسَّسِية تدعم مبادئ الشفافية والمساءلة، وتتولَّى وظيفة "السلطة المضادة" عبر ممارسة الرقابة على المؤسسات وكشف الحقائق للجمهور. وتُمثِّل الصحافة، من خلال هذا الدور الحاسم، حجر الزاوية في بناء الأنظمة الديمقراطية؛ إذ تُتيح للمواطنين الوصول إلى معلومات موثوقة حول ما يدور في مراكز صنع القرار؛ مما يُمكِّنهم من اتخاذ خيارات مبنية على دراية ووعي. كما يدعم هذا الطرح المبدأَ الذي يرى أن الصحافة المستقلة شرط أساسي لتحقيق غايات الديمقراطية في صون الحضارة واستمرار تقدُّمها. فالديمقراطية الحقيقية لا تتحقَّق إلا بمواطنين مطلعين على مجريات الأمور، ولا يمكن أن يوجد مثل هؤلاء المواطنين من دون وسائل إعلام نوعية(1)، ودون انتفاع أكبر عدد من المواطنين بوسائل الإعلام(2)، وذلك بجعل المواطن شريكًا فاعلًا في الحياة العامة.

ويحتلُّ التحقيق الاستقصائي مكانة مركزية في هذه الوظيفة الإعلامية؛ إذ يُعَد أصعب الأجناس الصحافية وأعلاها قيمة لما يتطلَّبه من جهد دقيق وعمل منهجي يُميط اللثام عن حقائق مُسْتَتِرة تتعمَّد أطراف معينة إخفاءها. ويرتبط نجاح التحقيق الاستقصائي بالتزامه الصارم باتِّباع مناهج علمية تقوم على البحث المتعمق والتقصي الميداني، بما يُمكِّن الصحفي من تقديم محتوى يستند إلى حقائق مُثْبَتَة. ويتطلَّب هذا النوع من الصحافة التزامًا صارمًا بالمناهج المعتمدة لإنجاز تحقيق رفيع المستوى من حيث الدقة والموضوعية؛ إذ يرتكز التحقيق الاستقصائي على البحث المعمق في المصادر، واستخراج المعلومات الخفية، والتَّحقُّق من صحة البيانات وتوثيقها، إضافة إلى بناء فرضيات سليمة تستند إلى أدلة قوية.

في هذا السياق، يُشكِّل وضع الفرضية وصياغتها في العمل الصحفي الاستقصائي تحديًا خاصًّا، باعتبارها أداة ذهنية وتنظيمية أساسية تُمكِّن الصحفي من توجيه مسار التحقيق، وتحديد الأسئلة الرئيسة التي يسعى إلى الإجابة عليها. ولذلك، يعتمد نجاح التحقيق على مدى تَمَكُّن الصحفي من صياغة فرضية مدروسة وقابلة للاختبار، وهو ما يستلزم فهمًا عميقًا للمناهج والأساليب الملائمة لطبيعة التحقيق وأهدافه.

تحاول هذه الدراسة البحث في تقاطعات المناهج العلمية مع الصحافة الاستقصائية، والنظر في سُبُل توظيفها لتحسين جودة العمل الصحافي الاستقصائي. فمن خلال استعراض المناهج المختلفة، التي يعتمد عليها الصحافيون الاستقصائيون، تسعى الدراسة إلى تقديم رؤية شاملة للأساليب المنهجية المستخدمة في هذا الحقل، وبيان كيفية توظيفها للوصول إلى أعلى درجات الدقة والعمق في جمع وتحليل المعلومات، وتوضيح الاختلافات التي تُحْدِثُها هذه المناهج في توجيه مسار التحقيق وإثراء نتائجه.كما تروم الدراسة استكشاف التحديات التي تواجه عمل الصحفيين الاستقصائيين، وتقديم تصور شامل لتجاوز هذه العقبات، بما يضمن تعزيز كفاءة العمل الصحافي وترسيخ معايير المصداقية والشفافية في التحقيقات.

1. اعتبارات منهجية ونظرية

إشكالية الدراسة

تبحث الدراسة أُسُسَ العمل الصحفي الاستقصائي ودور المنهجية العلمية في تحقيق الجودة الشاملة، من خلال هذا السؤال الإشكالي المركَّب: ما المنهجية الأنسب في الصحافة الاستقصائية لتحقيق نتائج عالية الجودة؟ وما تأثيرها على تطوير الممارسة الصحافية؟

وينبثق من هذا السؤال الإشكالي عدد من القضايا المهنية والأخلاقية التي يمكن تحديدها في هذا الحقل الاستفهامي:

- كيف يمكن للصحفي الاستقصائي الموازنة بين الدقة في جمع وتحليل البيانات والالتزام بالمبادئ الأخلاقية والمهنية؟

- ما تأثير تبنِّي مناهج متنوعة على مصداقية وتأثير التحقيقات الاستقصائية؟

- ما أفضل السبل لصياغة فرضية قوية للتحقيق الاستقصائي؟

أهداف الدراسة

ثمة أهداف عديدة تُبرِز أهمية البحث في خصوصية العمل الصحفي الاستقصائي ودور المنهجية العلمية في تحقيق نتائج عالية الجودة، ويمكن تلخيصها في:

- تقديم تحليل لأهم المناهج المستخدمة في الصحافة الاستقصائية، ودراسة العلاقة بين جودة العمل الاستقصائي والمنهجية المتبعة في صياغة الفرضية وجمع وتحليل المعلومات.

- تحديد التحديات التي يواجهها الصحفيون في تطبيق مناهج الاستقصاء وكيفية التغلب عليها.

- اقتراح توصيات لتحسين ممارسات الصحافة الاستقصائية، بما يُعزِّز دورها في ترسيخ الشفافية والمساءلة.

وتنبع أهمية الدراسة أيضًا من الحاجة الملحَّة لتطوير ممارسات الصحافة الاستقصائية، في ظل التحولات المتسارعة في المشهد الإعلامي والتطورات التكنولوجية المتقدمة، وذلك من خلال تقديم رؤية منهجية تُسهِم في رفع مستويات الدقة والمصداقية في التحقيقات الاستقصائية، مما يُعزِّز دورها أداة رقابية فعَّالة في المجتمع.

الإستراتيجية المنهجية

تعتمد الدراسة إستراتيجية منهجية مركَّبة تجمع بين مقاربات متعددة للإحاطة بالأبعاد المتنوعة للمشكلة البحثية، وتشمل:

- المنهج الوصفي الذي يُبيِّن مرتكزات المفاهيم والمصطلحات الأساسية، وتقديم صورة شاملة لأهمية هذا النوع من الصحافة، وخصائصه وأساليبه المختلفة.

- المنهج التحليلي: يُسْتخدَم هذا المنهج في دراسة وتحليل فعالية المناهج المتنوعة المتبعة في التحقيقات الاستقصائية، ويُتيح فحص تأثير كل منهج على جودة النتائج ودقة المعلومات المستخلصة.

- المنهج المقارن: تعتمد الدراسة هذا المنهج لمقارنة الفروق بين أساليب الاستقصاء الصحفي والبحث العلمي، سواء من حيث تقنيات جمع المعلومات أو طرق تحليلها، ومدى تأثير كل أسلوب على مصداقية النتائج وفعاليتها. وتسمح هذه المقارنة بتحديد الأساليب الأكثر فعَّالية في الوصول إلى نتائج دقيقة وشاملة، وبيان مدى انعكاسها على تطوير الممارسة الاستقصائية.

تُساعد هذه المناهج الثلاثة الباحث في تقديم رؤية متكاملة حول كيفية تحسين الممارسات الاستقصائية ورفع كفاءتها، بما يُسهِم في إثراء الصحافة الاستقصائية وتطوير أدواتها لمواكبة التغيرات في المشهد الإعلامي، وتلبية توقعات الجمهور المتزايدة نحو الشفافية والمساءلة.

مدخل نظري

مفهوم الصحافة الاستقصائية

تعتبر الصحافة الاستقصائية أحد أرقى الأجناس الصحافية(3)؛ إذ تعتمد على البحث المتعمق والتقصي المنهجي في جمع المعلومات وتحليلها بهدف كشف حقائق خفية أو جوانب غير معروفة في قضايا تهم الرأي العام. وغالبًا ما تُسلِّط الضوء على موضوعات ذات حساسية تتعلق بالفساد، والممارسات غير الأخلاقية، والجرائم، وانتهاكات حقوق الإنسان، وغيرها من القضايا التي قد تُهدِّد استقرار المجتمع(4).

وتختلف الصحافة الاستقصائية عن الأشكال الصحافية الأخرى باعتمادها على مواد جُمِعَت أو اسْتُقِيَت بمبادرة ذاتية للصحافي، وتُسمَّى أحيانًا بـ"صحافة المشروع الذاتي"(5). فهي لا تعتمد على المعلومات المتاحة من المصادر المفتوحة، أو تلك التي وفرها آخرون، بل تسعى إلى جمع ردود فعل وتحليلات متنوعة حول القضية محلَّ التقصي؛ مما يُعزِّز من شمولية التغطية وعمقها. 

هذا النهج يجعل الصحافة الاستقصائية مجالًا معقدًا؛ إذ تتطلب تحليلًا معمقًا ودقيقًا للبيانات والمعلومات، وغالبًا ما تستلزم تعاونًا وثيقًا بين الصحافيين وخبراء في مجالات متعددة، مثل: القانون، والاقتصاد، والعلوم السياسية، للوصول إلى تحقيقات تتسم بالدقة والمصداقية. وتتميز الصحافة الاستقصائية بأسلوبها المنهجي الذي يعتمد على الأدلة، والوثائق، وتعدُّد المصادر؛ إذ لا يكمن هدفها الرئيس في إيصال المعلومات فقط، بل في توجيه انتباه الجمهور نحو قضايا قد تؤثر بشكل مباشر على المجتمع، مع تقديم مقترحات لحلول وإحداث تغييرات إيجابية. كما تتطلَّب الصحافة الاستقصائية مهارات متخصصة في جمع الأدلة وتحليلها، فضلًا عن التزام الصحفيين بأعلى المعايير الأخلاقية والممارسات الفضلى واحترام خصوصية الأفراد أثناء إعداد الأعمال الاستقصائية.

وتحكم تعريف الصحافة الاستقصائية مجموعة من المحددات المرتبطة بالأدوار المتوقعة منها، وخبرات الممارسين لهذا النوع من الصحافة، وجوهر العملية الاستقصائية ومتطلباتها؛ مما يؤدي إلى اختلاف التعريفات في بعض الجوانب، وإن كانت تتكامل في السعي نحو تحقيق الهدف الرئيسي للصحافة الاستقصائية، والمتمثل في الكشف عن معلومات ذات أهمية قد تمَّ إخفاؤها(6)؛ مما يُسهِم في مساعدة المجتمع على فهم القضايا المؤثرة عليه وتحفيزه نحو الإصلاح والتغيير.

ووفقًا لتعريف شبكة الصحافة الاستقصائية العالمية، فإن الصحافة الاستقصائية "عمل صحافي عميق ومبتكر، يُوظِّف أساليب بحث منهجية، وغالبًا ما يفضح أسرارًا. وتشمل توظيفًا مكثفًا للسجلات العامة والبيانات، وتُركز على العدالة الاجتماعية والمساءلة"(7).

من ناحية أخرى، ترى منظمة "المادة 19" الدولية لحقوق الإنسان أن الصحافة الاستقصائية "لا تقتصر فقط على كشف حالات الفساد والإجرام، بل تتضمن أيضًا القصص التي تشرح كيفية عمل الأنظمة وفشلها، أو بناء قصص معقدة توضح التحديات الهيكلية"(8). فيما يُقدِّم دليل معهد الجزيرة للإعلام تعريفًا مختصرًا يصف فيه الصحافة الاستقصائية بـ"صحافة الكشف عن القضايا والمشكلات الجديدة والمحددة، بعد البحث المعمق والتوثيق الدقيق"(9). أما شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج)، فترى أن هذا النوع من الصحافة "يستند إلى توثيق المعلومات وكشف الحقائق، بطريقة منهجية وموضوعية، بهدف إحداث تغيير يخدم المصلحة العامة"(10).

إذن، تسعى الصحافة الاستقصائية، وبشكل عام، إلى تحقيق الشفافية، من خلال جهد صحفي مستقل يُبْذَل لجمع الأدلة والمعلومات من مصادر متعددة وتحليلها بدقة، والوصول إلى نتائج تُسهِم في توجيه انتباه الجمهور نحو قضايا حيوية تستحق التحقيق والنقاش العام، وتهدف إلى تحفيز التغيير الإيجابي خدمة للصالح العام.

التمايز بين الصحافة الاستقصائية والتقليدية

رغم أن أهداف الصحافة الاستقصائية لا تختلف من حيث المبدأ عن أهداف الصحافة العامة في سعيها إلى تقديم المعلومات الضرورية للمواطنين لمساعدتهم في اتخاذ أفضل القرارات المتعلقة بحياتهم ومجموعاتهم ومجتمعاتهم وحكوماتهم(11)، ولا تختلف أيضًا أساليبها كثيرًا عن أساليب الصحافة التقليدية(12)، إلا أن الصحافة الاستقصائية تتميز عن الصحافة التقليدية في عدة جوانب رئيسية تتعلق بالأهداف، والأساليب، وطرق جمع المعلومات. فالصحافة التقليدية، أو التغطية الإخبارية العادية، تهتم غالبًا بنقل الأخبار والمعلومات بشكل مباشر وسريع؛ إذ تنقل الحقائق كما هي دون الدخول في التفاصيل، وذلك أشبه برؤية الجبل كما يظهر على السطح. في المقابل، تهدف الصحافة الاستقصائية، أو التغطية الإخبارية العميقة، إلى الكشف عن الحقائق الخفية، وتسليط الضوء على القضايا المعقدة التي تتطلَّب تحقيقًا معمقًا، وذلك لتعزيز الشفافية والمساءلة. فهي لا تكتفي بما يظهر على السطح، بل تركز على ما يختبئ تحت "الجبل"؛ مما يُكْسِبُها طابعًا استقصائيًّا يتطلب مهارات تحليلية وبحثية متقدمة.

وإذا كانت الصحافة التقليدية تعتمد غالبًا على مصادر رسمية أو مفتوحة، مثل التصريحات والبيانات الصحافية؛ مما يُتيح لها نقل المعلومات بسرعة وبدقة محدودة، فإن الصحافة الاستقصائية تلجأ إلى أساليب بحثية أكثر عمقًا، تشمل التنقيب في السجلات العامة، ومقابلة مصادر غير معلنة، وجمع أدلة داعمة؛ مما يسمح بالكشف عن تفاصيل دقيقة وإجراء تحقيقات شاملة تذهب إلى أبعد من المعلومات المتاحة للجمهور العام.

أما المواد الإعلامية في الصحافة التقليدية فتُنْجَز غالبًا بسرعة لتلبية متطلبات النشر اللحظي أو اليومي أو الدوري؛ إذ يكون التركيز على نقل الأخبار في أسرع وقت. بينما تحتاج الصحافة الاستقصائية إلى وقت وجهد أكبر؛ إذ قد يستمر التحقيق لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، نظرًا لضرورة جمع الأدلة، والتَّحقُّق منها، وتحليلها بشكل شامل، لضمان تقديم محتوى موثوق ويكشف أبعادًا غير واضحة للعامة.

وتُتيح المقارنة بين الصحافة التقليدية والاستقصائية الوقوفَ عند الفروق في الأسلوب؛ إذ يتميز أسلوب الصحافة التقليدية بالعرض المباشر والموضوعي دون التعمق الكبير في التفاصيل؛ مما يُسهِّل استيعاب الأخبار بسرعة. أما الصحافة الاستقصائية فتَتَّبِع منهجية معقدة تشمل وضع فرضيات، واختبارها، واستخدام مصادر متنوعة، وصولًا إلى نتائج دقيقة وشاملة. ويُعطي هذا الأسلوب الصحافة الاستقصائية بُعدًا تحليليًّا معمقًا؛ إذ يسعى الصحفي إلى تحقيق كشف متكامل للمعلومات المحجوبة أو الملتبسة.

ويمتد الاختلاف بين المجالين إلى التأثير في الجمهور، فالصحافة التقليدية تهدف إلى إطلاع الجمهور على الأخبار بشكل فوري، وتقديم الأحداث كما هي دون الخوض في تعقيداتها؛ مما يجعلها وسيلة سريعة للمتابعة. في المقابل، تسعى الصحافة الاستقصائية لإحداث تأثير أكبر من خلال تقديم رؤى معمقة حول القضايا المطروحة؛ مما يُحفِّز النقاش العام، ويُشجِّع على التفكير النقدي، ويحثُّ على الإصلاح والتغيير الاجتماعي، لتكون قوة دافعة نحو الشفافية والمساءلة.

جدول (1): أوجه الاختلاف بين الصحافة الاستقصائية والتقليدية

المجال

الصحافة التقليدية

الصحافة الاستقصائية

الأهداف

- نقل الأخبار والمعلومات كما هي دون الدخول في التفاصيل.

- الكشف عن الحقائق الخفية وتسليط الضوء على القضايا المعقدة.

المصادر

- الاعتماد غالبًا على المصادر الرسمية أو المفتوحة.

- التنقيب في السجلات العامة ومقابلة مصادر غير معلنة وجمع أدلة داعمة.

الوقت والجهد

- نقل الأخبار في أسرع وقت لتلبية متطلبات النشر اللحظي أو اليومي أو الدوري.

- استغراق أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات في جمع الأدلة والتَّحقُّق منها وتحليلها بشكل شامل.

الأسلوب والمنهجية

- العرض المباشر والموضوعي دون التعمق الكبير في التفاصيل.

- وضع فرضيات واختبارها، واستخدام مصادر متنوعة وصولًا إلى نتائج دقيقة وشاملة باتِّباع بعد تحليلي معمق.

التأثير على الجمهور

- إطلاع الجمهور على الأخبار بشكل فوري، وتقديم الأحداث كما هي دون الخوض في تعقيداتها.

- إحداث تأثير أكبر من خلال تقديم رؤى معمقة حول القضايا المطروحة، وتحفيز النقاش العام والتشجيع على التفكير النقدي.

2. تقاطعات المناهج العلمية مع الصحافة الاستقصائية

الصحافة الاستقصائية وتوظيف المنهج العلمي

يُشْتَقُّ مصطلح "المنهج" من الكلمة الفرنسية (Méthode) ذات الأصول اللاتينية، والتي تعود جذورها إلى كلمة يونانية تُشير إلى "الطريق" أو "النهج" المُؤَدِّي إلى غاية معينة. ولم يكتسب هذا المفهوم دلالته الاصطلاحية المعروفة، بوصفه مجموعة من القواعد المنظمة للوصول إلى الحقيقة العلمية، إلا مع بدايات عصر النهضة الأوروبية، حينما أولى المنطقيون مفهوم "المنهج" عناية خاصة باعتباره أحد مكونات علم المنطق. وقد فسح هذا الاهتمام المجال لمزيد من التفسيرات حتى استقر المصطلح على دلالته المعاصرة، وهو الطريق المُؤَدِّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، عبر مجموعة من القواعد التي تضبط حركة الفكر وتُوجهه نحو نتائج محددة(13).

ويُعرَّف المنهج العلمي بفنِّ ترتيب الأفكار على نحو منطقي مترابط، سواء بهدف اكتشاف حقيقة جديدة أو لإثبات حقيقة معروفة للآخرين(14)؛ إذ تُنَسَّق الخطوات البحثية وتُحدَّد أدواتها بدقة لتُسهِم في الوصول إلى المعرفة المطلوبة.

وفي مجال الصحافة الاستقصائية، يُعَد المنهج العلمي مسارًا مُنَظَّمًا ومستمرًّا يرمي إلى تلمس الحقيقة وإماطة اللثام عنها، وهو ما يربط آليات الاستقصاء الصحافي بالمبادئ العقلانية التي تقوم عليها المناهج العلمية. فالاستقصاء يهدف إلى تَتَبُّع المعلومات والتَّحقُّق منها، ثم تقديمها إلى الجمهور بمستوى عال من الموضوعية والمصداقية، وهو ما يُعرَف في الوسط الصحفي بـ"نقل الحقائق" إلى الجمهور.

رغم ذلك، لا يوجد إطار منهجي واحد ثابت في العمل الاستقصائي يمكنه التصدي لكل الظواهر؛ إذ تتنوَّع المناهج الاستقصائية بتنوُّع القضايا والحقائق وطبيعة إخفائها أو تحريفها؛ ما يستدعي الاستعانة بأدوات وأساليب متعددة تنتمي إلى مناهج علمية شتى. وقد أشار بيل كوفاتش (Bill Kovach) وتوم روزنستيل (Tom Rosenstiel)، في مُؤلَّفِهما: "عناصر الصحافة"، إلى أن الصحافة الاستقصائية تحتاج إلى مرونة منهجية تُمكِّن الصحفيين من توظيف الأدوات العلمية المناسبة وفقًا لطبيعة الحقائق المطروحة وأهداف الكشف عنها(15).

ومن أبرز المناهج العلمية التي يحتاج الصحفي الاستقصائي إلى استلهامها في تحقيقاته: المنهج الوصفي، الذي يقوم على جمع المعلومات والبيانات ووصفها بشكل شامل ودقيق(16)، ويتمُّ اللجوء إليه عند تَتَبُّع الوقائع الميدانية ورصدها كما توجد في الواقع، أو في تحليل الإحصاءات والأرقام لتكوين صورة عامة حول القضية المطروحة. وهناك أيضًا المنهج التاريخي الذي يتجلى عند التحقيق في قضايا ذات أبعاد زمنية ممتدة أو عند دراسة ماضي الإنسان باعتباره كائنًا اجتماعيًّا، مثل دراسة العوامل التي أدت إلى حدوث الغارات والحروب وغيرها(17). ويعتمد هذا المنهج على مراجعة الأرشيفات والسجلات القديمة ومقارنتها بشهادات حية أو وثائق حديثة؛ مما يُساعد في فهم السياقات والامتدادات التي أسهمت في تشكيل الواقع الراهن. أما المنهج الاستدلالي، فيظهر حين ينطلق الصحفي من فرضيات عامة بخصوص وجود مخالفة أو فساد، ثم يبحث في التفاصيل عن أدلة تُجسِّد تلك الفرضيات على أرض الواقع.  

في المقابل، يُعَد المنهج الاستقرائي مناسبًا للتحقيقات التي تنطلق من معطيات متفرقة؛ إذ يقوم الصحفي بتجميع الخيوط والمعلومات المتناثرة ليستخلص منها فرضية أو نتيجة أشمل. كما يَبرُز المنهج التحليلي في القضايا التي تستدعي تفكيك الظاهرة إلى عناصرها الدقيقة وفحص آليات تفاعلها، سواء من خلال تحليل الأرقام والبيانات أو دراسة بنية الشبكات المؤسسية والعلاقات القائمة بينها، وهو ما قد يتطلَّب توظيف تقنيات متقدمة في تحليل البيانات بهدف كشف هيكل القصة واستشراف مستقبلها(18).

ورغم هذا الارتباط الواضح بين الصحافة الاستقصائية والمنهج العلمي، تظل هناك اختلافات جوهرية تُميِّز عمل الصحفي الاستقصائي عن الباحث الأكاديمي في عدة خطوات وإجراءات(19)؛ إذ تفرض طبيعة الممارسة الصحافية في بعض الأحيان مرونة وسرية في التعامل مع المصادر لضمان حمايتها. كما يضطر الصحفي إلى تلخيص المحتوى ليُناسِب المساحات والزمن المحدود في وسائل الإعلام. وفي الوقت نفسه، تعتمد القصة الاستقصائية بشكل أكبر على العمل الميداني المباشر مقارنة بالبحث العلمي؛ حيث ينخرط الصحفي في جمع المعلومات من أرض الواقع والتفاعل مع الفاعلين، في حين تشترط منهجية البحث العلمي درجة عالية من الصرامة وتوثيقًا لكل الأدوات والأساليب؛ مما يُمكِّن الباحثين الآخرين من إعادة بناء الدراسة أو التحقق من النتائج.

إن تَعَدُّد المناهج وتَنوُّعَها يُلبِّي حاجة الصحافة الاستقصائية إلى مرونة أكبر في معالجة القضايا المتفاوتة من حيث السياق والأطراف والبيانات المتوافرة وطبيعة المعلومات التي تسعى إلى الكشف عنها. فالمشكلات السياسية قد تستفيد من دمج المنهج التاريخي والتحليلي للكشف عن الجذور ورصد التحولات، بينما تستدعي القضايا الاجتماعية الاعتماد على المقابلات المباشرة والملاحظات الميدانية في إطار المنهج الاستقرائي، فيما تتطلَّب الموضوعات الاقتصادية والمالية استخدام نماذج تحليلية معقدة ترتكز على المنهجي الكمي والنوعي.

كما أن الدمج بين أكثر من منهج يُعزِّز من مصداقية النتائج ويُقدِّم رؤية شاملة للموضوع؛ إذ يُسهِم كل منهج في سدِّ الثغرات التي قد تظهر في حال اكتفى المتقصي بمنهج واحد فقط. وفي المحصلة، تبقى غاية الصحافة الاستقصائية -كما هو شأن البحث العلمي- تحقيق أعلى درجات الدقة والموضوعية في الكشف عن الحقائق، على الرغم من اختلاف آليات الإجراء وطرق تقديم النتائج وطبيعة الجمهور المستهدف.

وبناء عليه، فإن تَعَدُّد المناهج في العمل الاستقصائي يُشكِّل ضرورة عملية تستجيب لتنوع القضايا في هذا المجال، فعندما يطرح الصحفي الاستقصائي تساؤله الجوهري: كيف يمكنني الوصول إلى الحقيقة في هذه القضية؟ يجد نفسه أمام خيارات منهجية متعددة يختار منها ما يتناسب مع موضوعه ومعطياته والمصادر المتاحة، ساعيًا في النهاية إلى تحقيق هدفين رئيسيين: أولهما: الوصول إلى أعلى درجات الموضوعية، وثانيهما: خدمة مصلحة المجتمع بكشف الحقائق التي قد تظل غامضة لولا جهوده الاستقصائية.

الخطوات المنهجية للاستقصاء الصحافي

تشمل الخطوات المنهجية للاستقصاء الصحافي مجموعة من المراحل المتسلسلة، التي تُمكِّن الصحفي من الوصول إلى حقائق دقيقة وموثوقة حول القضايا المستهدفة. وفيما يلي عرض لأهم هذه الخطوات.

أولًا: تحديد المشكلة أو القضية

تبدأ العملية بتحديد موضوع التحقيق الذي يحظى بأهمية خاصة للجمهور، وينبغي أن تكون المشكلة واضحة ومحدَّدة في جملة واحدة، تتضمن الفاعل أو المُتَسَبِّب، والضحية أو المفعول به، والمسؤول، إضافة إلى تحديد حجم المشكلة. ويُشْبِه هذا التحديد لموضوع التحقيق الإشكاليةَ في البحث العلمي، التي تُعرَّف بأنها "موضوع يُحيطه الغموض، أو ظاهرة في حاجة إلى تفسير"(20)، ويمكن اعتبارها سؤالًا يستدعي إجابة وتوضيحًا لأبعاده وتفسيرًا لمتغيراته.

وتكتسب المشكلة أهميتها باعتبارها المحرك الأساسي للبحث والمحدد لبقية مراحله(21)؛ إذ تؤثر دقة صياغتها في توجيه جميع خطوات التحقيق اللاحقة. وغالبًا ما يُعَد تحديد المشكلة وضبط أبعادها المرحلةَ الأصعب مقارنةً بالبحث عن حلول لها؛ لأن هذا التحديد يرسم مسار التحقيق ويُحدِّد مجاله بشكل دقيق.

ثانيًا: تحديد الفرضية

بعد صياغة إشكالية الدراسة بصورة دقيقة، ينتقل الباحث إلى التعبير عن الإشكالية أو القضية، من خلال مجموعة من الأسئلة والفرضيات، تكون قابلة للقياس والفحص وتُوَجِّه عملية جمع المعلومات وتُساعد في توصيف الظاهرة أو الحدث أو القضية. أما في الاستقصاء الصحافي فتُعرَف هذه المرحلة بـ"تحديد الفرضية".

وفي البحث العلمي، تُعرَّف الفرضية بأنها تفسير لعلاقة مفترضة بين متغيرين أو أكثر، وغالبًا ما تُصاغ في عبارات قابلة للاختبار والتَّحقُّق من صحتها، أو قد تُعرض في قالب جمل شرطية باعتبارها عبارات تخمينية أو استنتاجية(22)، لكن في العمل الصحفي يُنْظَر إليها بوصفها مقترحًا لمشكلة أو قضية إشكالية مطروحة للتقصي والبحث والتوثيق(23).

وتُعرِّفها منظمة "المادة 19" بأنها طرح أو تفسير مقترح لظاهرة، أو أطروحة منطقية تربط بين ظواهر متعددة؛ مما يُمكِّن الصحفي الاستقصائي من بناء فرضيات تحكم مسار التحقيق وتُحدِّد اتجاهاته وفق منهجية علمية منظمة.

انطلاقًا من هذه التعريفات، يمكن اعتبار الفرضية في التحقيق الاستقصائي بمنزلة قصة تتطلَّب أسلوبًا منهجيًّا لاختبارها(24)؛ إذ تتضمن تحديدًا للمشكلة، وللمسؤولين المحتملين، وللأسباب الكامنة، والنتائج المتوقعة. ولا تقتصر صياغة الفرضية على رسم علاقة بين متغيرات فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى بناء إطار سردي يعرض عناصر القصة بصورة متكاملة؛ مما يجعلها محورًا إرشاديًّا مُوَجِّهًا لعملية البحث. فهي تُمثِّل "التخمين المنهجي" الذي يُعِين الصحفي على توجيه التحقيق نحو زوايا دقيقة، ويُعزِّز قدرته على اختبار الروابط المحتملة بين العوامل المؤثرة في القضية، وصولًا إلى نتائج مدعومة بالأدلة تضع القارئ أمام رؤية شاملة للموضوع المستقصى.

جدول (2): نماذج لصياغة فرضيات العمل الصحفي الاستقصائي

مكونات الفرضية

الأجوبة

صياغة الفرضية

النموذج (1)

 

المشكلة

- مياه تستعملها شركات متخصصة في التنقيب عن النفط يتم التخلص منها عشوائيًّا.

 

التخلص العشوائي من المياه المستعملة في المغرب من قِبَل الشركات النفطية (تحديدها) نتيجة عدم التزامها بالاتفاقيات الحكومية، وغياب رقابة المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن وتقاعس وزارات البيئة والفلاحة والطاقة، يؤدي إلى تلوث البيئة ونفوق حيوانات واستنزاف الثروة المائية.

 

 

الأسباب

 

- عدم معالجة الشركات النفطية لتلك المياه في مخالفة للاتفاقيات المبرمة مع الحكومة، وغياب الرقابة من قِبَل أجهزة الدولة.

 

المسؤولون

 

- المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، ووزارات البيئة والفلاحة والانتقال الطاقي.

النتائج

- نفوق حيوانات، تلوث البيئة، استنزاف الثروة المائية.

النموذج (2)

 

المشكلة

- تواطؤ أطباء في عيادات خاصة مع سائقي سيارات الأجرة الذين يعملون لصالحهم بنقل المرضى إليهم لتضخيم فواتير العلاج.

 

تواطؤ أطباء في عيادات خاصة مع سائقي سيارات الأجرة، الذين ينقلون المرضى إليها بهدف تضخيم فواتير العلاج، مستفيدين من ضعف رقابة هيئة الأطباء ووزارة الصحة؛ مما يؤدي إلى الإضرار بالمنظومة الصحية.

 

الأسباب

- ضعف الرقابة من قِبَل هيئة الأطباء ووزارة الصحة.

المسؤولون

- هيئة الأطباء ووزارة الصحة.

النتائج

- الإضرار بالمنظومة الصحية.

                                                   النموذج (3)            

المشكلة

 

- تكرار وقوع حوادث حافلات نقل الركاب في المغرب.

 

تكرار وقوع حوادث حافلات نقل الركاب في المغرب، يُسفِر عن عشرات القتلى والجرحى سنويًّا. ويرجع ذلك إلى النقص في صيانة الحافلات، وضعف تكوين السائقين، وعدم تجديد الأسطول، أمام تخاذل الشركات الفاعلة في القطاع.

 

الأسباب

- النقص في صيانة الحافلات، وضعف تكوين السائقين، وعدم تجديد الأسطول.

المسؤولون

- الشركات الفاعلة في القطاع.

النتائج

- عشرات القتلى والجرحى سنويًّا.

ثالثًا: تحديد بنود الفرضية ووضع الأسئلة

بعد صياغة الفرضية، تتطلَّب المرحلة التالية تفكيكها إلى بنود محددة وصياغة مجموعة من الأسئلة التفصيلية لتوجيه مسار التحقيق. ويهدف هذا الإجراء إلى تحليل الفرضية لعناصرها الرئيسية؛ مما يُمكِّن الصحفي من تحديد الفاعلين والأسباب والتأثيرات، فضلًا عن استكشاف العوامل المحيطة بكل عنصر، وهو ما يُسهِّل الوصول إلى أجوبة دقيقة وموثوقة.

وتُعتبر عملية تحديد الأسئلة التفصيلية في بداية التحقيق إحدى الوسائل الفعَّالة لضمان بلوغ الحقيقة بمنهجية واضحة؛ إذ تُسهِم في تنظيم الأفكار، وانتقاء المصادر المناسبة، وتحديد الأدوات البحثية الأكثر ملاءمة. بالإضافة إلى ذلك، يُعزِّز تفكيكُ الفرضيةِ إلى بنود وأسئلة تفصيلية فاعليةَ الإجراءات المنهجية للعمل الاستقصائي؛ لأنه يرفع من احتمالية اكتشاف العلاقات المتداخلة بين العوامل المختلفة المؤثرة في القضية؛ مما يُفضي إلى صياغة استنتاجات دقيقة ومدروسة تدعم جودة التحقيق وتزيد من مصداقيته وتأثيره.

جدول (3): نموذج لبنود الفرضية والأسئلة

بنود الفرضية

الأسئلة

 

تكرار حوادث حافلات نقل الركاب

- ما عدد الحوادث؟

- ما عدد الرحلات؟

- ما عدد المسافرين؟

- ما دورية الحوادث؟

 

 

عشرات القتلى والجرحى سنويًّا

- ما عدد الضحايا في كل رحلة؟

- كم عدد القتلى/الجرحى؟

- ما نوعية الإصابات؟

- هل توجد تعويضات؟

- هل يتلقى الضحايا تلك التعويضات؟

- هل رُفعت شكاوى للمطالبة بالتعويض؟

 

 

نقص الصيانة

- من المسؤول عن الصيانة؟

- كم مرة تتم عملية الصيانة؟ وهل هذا كافٍ؟

- متى أُجْرِيت آخر عملية صيانة؟

- هل توجد ميزانية مخصصة للصيانة؟ وكم تبلغ؟ وهل هي كافية؟

- ما عدد مراكز الصيانة مقارنة بعدد الأسطول؟

- كم عدد أعوان الصيانة؟

 

 

تكوين السائقين

- كم عدد السائقين؟

- هل توجد ميزانية مخصصة للتكوين؟ وهل هي كافية؟

- ما نوعية التكوين ومدته؟

- ما شروط الانتداب؟

- هل تُنَظَّم دورات لإعادة التأهيل؟

- هل هناك فحوص طبية دورية للسائقين؟

 

 

عدم تجديد الأسطول

- ما متوسط عمر الحافلات؟

- كم عدد الحافلات؟ وما نوعيتها؟

- ما خصائص الحافلات؟

- ما معايير سلامة الحافلات؟

- هل جدَّدت الشركات الفاعلة في القطاع جزءًا من الأسطول أو كامله؟

 

 

 

تخاذل الشركات الفاعلة في القطاع

 

- ما أسماء هذه الشركات؟

- متى تأسست هذه الشركات؟

- كم يبلغ عدد العاملين في كل شركة؟

- ما حجم رأس المال؟

- هل تُفتَح تحقيقات في الحوادث؟

- هل تتم محاسبة المسؤولين؟

- هل توجد رقابة من سلطة الإشراف (وزارة النقل)؟

- هل توجد قضايا مرفوعة ضد هذه الشركات؟ وهل تم تنفيذها؟

رابعًا: تحديد المصادر وجمع المعلومات

بعد صياغة الفرضية وبنودها وطرح الأسئلة التفصيلية، تأتي مرحلة تحديد المصادر التي ستُسْتخدَم في جمع المعلومات الضرورية للتحقيق. وتُعَد هذه الخطوة حاسمة في المنهجية الاستقصائية؛ إذ تضمن للصحفي الوصول إلى بيانات دقيقة ومتنوعة تُمكِّنه من تكوين صورة شاملة عن القضية المدروسة. وتشمل عمليةُ تحديدِ المصادر اختيارَ كُلٍّ من المصادر الأولية والثانوية؛ إذ تتضمن الأولى مقابلات مع شهود العيان، وتسجيلات ميدانية، ووثائق رسمية، وبيانات صادرة عن مؤسسات حكومية أو خاصة. أما المصادر الثانوية، فتتمثَّل في الدراسات السابقة والتقارير والأبحاث المنشورة ذات الصلة.

ويُسهِم تنوع المصادر في تحقيق توازن وشمولية في التحقيق، ويُساعد على التَّحقُّق من صحة المعلومات من خلال مقارنتها والتقاطع بينها، وذلك عبر استخدام أدوات متعددة، مثل المقابلات، وتحليل الوثائق، والملاحظة المباشرة، من أجل ضمان الحصول على رؤى متعددة حول القضية المطروحة. وخلال البحث في المصادر، يُطرَح تمييز جوهري بين البيانات والمعلومات، فالبيانات تُعرَّف بأنها حقائق أولية عشوائية، غير منظمة أو مترابطة، وتُعرَض دون أي أحكام مسبقة(25)؛ الأمر الذي يجعلها تخلو من أي فائدة في شكلها الخام، وتتضمن حقائق وملاحظات ومدركات بشكلها الأولي(26). وغالبًا ما تكون البيانات في صورة أرقام أو رموز أو كلمات متفرقة، ولإكسابها قيمة لابد من معالجتها وتحويلها إلى معلومات.

في المقابل، تُعرَّف المعلومات بأنها بيانات جرت معالجتها وتنظيمها ووضعها في سياق معين(27) يجعلها ذات معنى وفائدة، فتظهر غالبًا في شكل جمل أو تقارير أو رسوم بيانية منظمة؛ مما يُتيح استخدامها مباشرة في اتخاذ القرارات. وتمتاز المعلومات بقيمة عالية؛ إذ تُقدِّم رؤى وفهمًا أعمق يُساعد في تحليل الظواهر والتوصل إلى استنتاجات مفيدة.

خامسًا: إثبات الفرضية

تتطلَّب عملية إثبات الفرضية الاستقصائية استخدام آليات متعددة تُعزِّز من مصداقية النتائج ودقة الاستنتاجات. وتتضمن هذه الآليات تقاطع الروايات من مصادر أولية، مثل شهود العيان؛ إذ يُعْتَمَد على شهاداتهم للتَّحقُّق من صحة الوقائع وتفاصيلها. كما تُعزِّز التجربة الشخصية للصحفي فهمه للسياق من خلال معايشة الحدث أو الموضوع المدروس بصورة مباشرة.

وتشمل الآليات كذلك تقنيات، مثل العمل السري (التخفي) للحصول على معلومات يصعب الوصول إليها بطرق علنية، إلى جانب الدراسات والبحوث والتقارير والإحصاءات التي توفر خلفية علمية وبيانات موثوقة تدعم التحقيق. ويُعَد الاستبيان وسيلة لجمع آراء وتوجهات تُمثِّل عينة من الجمهور حول القضية(28)، في حين تُساعد الخبرة في دعم التحليل وفهم جوانب الموضوع من منظور أشمل.

وفي بعض الحالات، يُسْتخدَم التسجيل السري لضمان دقة المعلومات المسموعة أو المرئية الصادرة عن مصادر خاصة، بينما يُعَد أسلوب إعادة التمثيل وسيلة لإعادة بناء الأحداث بشكل موضوعي؛ ما يُسهِم في توضيح الوقائع المعقدة والتحقق من صحة الفرضية.

سادسًا: تحرير القصة الاستقصائية

تُعَد هذه المرحلة الأخيرة في مسار العمل الاستقصائي، وتشمل صياغة قصة متكاملة تُبرِز عناصر سردية مترابطة وجذابة، ويتحقق من خلالها هدفان: الإبداع والمعرفة. ويُمثِّل الشخوص أحد المكونات الرئيسية في القصة، ويشمل ذلك "البطل" والشخصيات المحورية التي تتحرك ضمن إطار الحبكة. وينبغي أن تحمل تلك الشخصيات أبعادًا نفسية واجتماعية واضحة لتمكين القارئ من التفاعل معها وفهم دوافعها ومسارات تطورها. إن منح الشخصيات عمقًا وتفاصيل غنية يُضفي على القصة ملامح الواقعية، ويُعزِّز من قدرتها على التأثير ونقل الفكرة والمضمون.

ويأتي السياق بوصفه عنصرًا أساسيًّا آخر في تقديم القصة بصورة متكاملة؛ إذ يضع الأحداث ضمن إطارها الزمني والمكاني، ويشرح الظروف المحيطة بها؛ مما يُساعد القارئ على فهم الروابط بين الشخوص والأحداث بشكل معمق. كما يُعزِّز السياق من مصداقية القصة بإبراز العوامل والأسباب التي تُغذِّي الصراع داخلها، مُمَهِّدًا لسرد إقناعي ينبني على أسس موضوعية.

ويُشكِّل الصراع جوهر القصة ومحورها الأساس؛ إذ يُولِّد التوتر والحركة في الأحداث والتفاعلات بين الشخوص. وقد يتمثَّل الصراع في نزاعات خارجية مع شخصيات أخرى، أو في صراعات داخلية ذات طابع نفسي، ويزيد تطور الصراع عبر التعقيدات والتحديات من تشويق القصة وتماسكها؛ ما يجذب اهتمام القارئ ويُعمِّق السرد.

وأخيرًا، يُمثِّل الاستنتاج خاتمة القصة؛ حيث تؤول الأحداث إلى حلٍّ يوضح مصير الشخوص في مواجهة العقبات، ويُجيب على الأسئلة التي طُرحت خلال السرد، ويتناول المآلات المستقبلية للشخوص؛ مما يمنح القصة تكاملًا ويترك أثرًا عميقًا في المتلقي. ويُحقق بذلك الغايةَ المزدوجة للقصة في إيصال الرسائل المعرفية والإبداعية المنشودة.

3. تحديات منهجية العمل الصحفي الاستقصائي

تظل الصحافة الاستقصائية ممارسة متخصصة تعتمد على التوثيق الدقيق والبحث المعمق، وهو ما يتطلَّب التزامًا صارمًا بمنهجية علمية واضحة. وعلى الرغم من قابلية الصحافة عمومًا للوقوع في الأخطاء، فإن أي خطأ في الصحافة الاستقصائية قد تترتب عليه عواقب وخيمة. لذا يجب على الصحفيين الاستقصائيين الالتزام بمناهج بحث دقيقة وتطبيقها بحزم، مهما كانت الصعوبات التي قد تطرأ أثناء إعداد أعمالهم الاستقصائية.

ويستدعي هذا الوضع تنمية قدرات الصحفيين الاستقصائيين على تحليل التحديات التي تواجههم، وابتكار إستراتيجيات ناجعة لتجاوزها، إضافة إلى تعزيز قدرتهم على التكيف والمرونة مع مختلف المتغيرات المحيطة بعملهم. ومن شأن هذه الممارسات أن ترفع مستوى كفاءة الأعمال الاستقصائية ودقتها، وتضمن تحقيق الأهداف المرسومة.

بناء على ذلك، تَبرُز أربعة تحديات رئيسية يواجهها الصحفيون الاستقصائيون أثناء عملهم، وتشمل: القيود الزمنية المؤثرة في عمق البحث، والمعوقات الأخلاقية التي تفرض التزامًا صارمًا بمعايير المهنة، وضغوط الوصول إلى المعلومات التي تعيق عملية جمع المعلومات، والحذر في التعامل مع المصادر السرية.

أولًا: القيود الزمنية

تُعد القيود الزمنية من أبرز التحديات في الصحافة الاستقصائية؛ إذ تتطلَّب طبيعة العمل الاستقصائي وقتًا كافيًا لجمع المعلومات وتحليلها بدقة وشمولية. لكن بيئة العمل الصحفي تفرض قيودًا زمنية مرتبطة بمواعيد النشر المتسارعة، أو بضغوط جمهور متعطش للمعلومة الفورية.

ويستلزم هذا التحدي الموازنة بين تحقيق الجودة وسرعة الإنجاز؛ إذ قد يضطر الصحفيون إلى اختصار بعض الخطوات، أو اتخاذ قرارات سريعة في جمع وتحليل البيانات، وهو ما قد ينعكس سلبًا على دقة النتائج. في هذا السياق، تَبرُز أهمية إدارة الوقت وتحديد الأولويات بعناية، مع التركيز على الجوانب الأكثر أهمية في التحقيق الاستقصائي لتقديم معلومات دقيقة وموثوقة، دون الإخلال بجودة المحتوى أو التفريط في المعايير المهنية.

ثانيًا: المعوقات الأخلاقية

تُمثِّل المعوقات الأخلاقية تحديًا جوهريًّا في العمل الاستقصائي؛ إذ يتعيَّن على الصحفيين الاستقصائيين اتخاذ قرارات حساسة تتعلق بالخصوصية، والنزاهة، وحقوق الأفراد. وتشمل هذه القرارات مسائل، مثل حماية المصادر السرية، والامتناع عن التحيز، وتفادي اللجوء إلى أساليب ملتوية لجمع المعلومات، باعتبارها ممارسات ضرورية للحفاظ على مصداقية التحقيق والالتزام بالمبادئ الأخلاقية للمهنة.

ورغم الضغوط المرتبطة بطبيعة الموضوعات والقصص الاستقصائية، أو متطلبات المؤسسات الإعلامية، يبقى الصحفي الاستقصائي مكلفًا بالموازنة بين الحصول على المعلومات وصون المعايير الأخلاقية. ويُعَد الالتزام بهذه المبادئ ضمانًا لحماية حقوق الأفراد، وتأكيدًا على مصداقية الصحافة الاستقصائية باعتبارها أداة مسؤولة تسعى لتحقيق الشفافية والمساءلة. وتتجاوز المسؤولية الأخلاقية أي التزامات أخرى تجاه المؤسسات أو الجهات التي يعمل الصحفي لصالحها؛ إذ تقتضي منه احترام مواثيق الأخلاقيات التي تمثُّل جوهر الممارسة الصحفية. وفي السياق المغربي، تم الارتقاء بهذه المبادئ إلى وثيقة قانونية ملزمة تُعرَف بـ"ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة"(29) لترسيخ قواعد السلوك المهني.

وفي ضوء هذه المعايير، لا تعتمد الصحافة الاستقصائية على انتحال الشخصية، أو استخدام الكاميرات السرية أساسًا للعمل، خلافًا لما يُعتقد أحيانًا؛ إذ تفرض قيم المهنة التزامًا بالمصداقية والشفافية، وتؤكد أهمية استخدام أساليب أخلاقية مشروعة في جمع المعلومات، مع احترام الحقوق والخصوصيات. ومن ثم، فإن مراعاة هذه المعايير لا يقتصر دورها على تعزيز مصداقية النتائج النهائية فحسب، بل يُرسِّخ أيضًا دور الصحافة بوصفها سلطة رقابية مسؤولة تسعى لتحقيق العدالة والشفافية في إطار قانوني وأخلاقي واضح.

ثالثًا: ضغوط الوصول إلى المعلومات

من أكثر التحديات التي يواجهها الصحفيون الاستقصائيون ما يتعلق بحق الوصول إلى المعلومات؛ إذ تُقَيَّد هذه الإمكانية بأطر قانونية أو إدارية في بعض الأحيان، أو تُحاط بتعتيم مقصود تفرضه بعض المؤسسات. وعندئذ قد يصعب الحصول على الوثائق أو البيانات الضرورية؛ ما يدفع الصحفيين إلى الاعتماد على مصادر بديلة، مثل الوثائق العامة أو الدراسات السابقة، إضافة إلى المصادر غير الرسمية، وهو ما يستدعي مرونة وقدرة على ابتكار حلول تُتيح الوصول إلى المعلومات اللازمة للتحقيق.

نظريًّا، يُعَد الحق في الاطلاع على المعلومات أحد المؤشرات الجوهرية في تقييم الوضع الحقوقي للدول؛ إذ يستند إلى مبدأ إتاحة المعلومات للجمهور دون حاجة إلى تبرير ذلك. ويُقصد بالمعلومات "المعطيات والإحصائيات المعبَّر عنها في شكل أرقام أو أحرف أو رسوم أو صور أو تسجيل سمعي بصري أو أي شكل آخر، والمضمنة في وثائق ومستندات وتقارير ودراسات وقرارات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد البيانات وغيرها من الوثائق ذات الطابع العام التي تُنتجها أو تتوصل بها المؤسسات في إطار مهام المرفق العام"(30).

وفي الحالة المغربية، يؤكد الفصل 27 من الدستور على "حق المواطنين والمواطنات في الوصول إلى المعلومات المتوفرة لدى الإدارات العامة والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام"، ولا يُقَيَّد هذا الحق إلا بموجب القانون. كما تنص المادة السادسة من قانون الصحافة والنشر على "حق الصحفيين في الوصول إلى المعلومات من مختلف المصادر"، باستثناء ما يكتسي طابع السرية، مثل قضايا الأمن الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وحماية الحريات والحقوق الأساسية. من جانب آخر، ألزمت هذه المادة الجهات العامة بتمكين الصحفيين من هذه المعلومات ضمن آجال قانونية، مع فرض عقوبات على الإدارات التي تمتنع عن توفيرها.

ويتمثَّل التحدي الأكبر في التطبيق الفعَّال للقانون رقم 31.13 الذي يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وقد استغرق مسار التصديق عليه ثماني سنوات كاملة قبل دخوله حيز التنفيذ، في 12 مارس/آذار 2020، مع بدء الإدارات والمؤسسات العامة في تنفيذ بنوده، قبل أن تظهر في الآونة الأخيرة مطالب بتعديله بهدف تجاوز النقائص التي أظهرتها الممارسة العملية، وتعزيز فعاليته في تمكين الصحفيين والمواطنين من المعلومات بشكل أكثر وضوحًا وشفافية.

رابعًا: التعامل بحذر مع المصادر السرية

يُعَد التعامل مع المصادر السرية تحديًا بالغ الحساسية في الصحافة الاستقصائية؛ إذ يتطلَّب تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على سرية المصدر وحماية هويته من جهة، وضمان موثوقية المعلومات ودقتها من جهة أخرى. وتتعاظم أهمية هذا التحدي في القضايا ذات الطبيعة الحساسة؛ إذ قد يُعرِّض كشف هوية المصدر حياته أو وظيفته للخطر.

ويتحمَّل الصحفي الاستقصائي مسؤولية أخلاقية وقانونية في حماية المصادر السرية؛ ما يستدعي تبنِّي تدابير صارمة للحفاظ على سريتها، مثل استخدام أدوات التشفير أو تفادي تدوين معلومات قد تكشف هوية المصدر. كما يتحتم على الصحفي التَّحقُّق المستقل من المعلومات التي تُقدِّمها هذه المصادر، تفاديًا لأي مغالطات أو تزوير محتمل. ويمثِّل الالتزام بحماية المصادر السرية جزءًا جوهريًّا من أخلاقيات الصحافة الاستقصائية؛ إذ يُعزِّز الثقة بين الصحفي والمصادر المحتملة، ويؤكد مصداقية الصحافة بوصفها سلطة مسؤولة تضع المصلحة العامة والالتزام بالمبادئ المهنية فوق أي اعتبار.

ولضمان إدارة أفضل للمصادر السرية، ينبغي على الصحفي الاستقصائي مراعاة أربع قواعد رئيسية: أولًا: نسبة كل قول إلى قائله، وكل رواية إلى راويها، وكل معلومة إلى مصدرها، تحقيقًا للشفافية والمصداقية. ثانيًا: الإدراك أن روايات المصادر قد تختلف حول الحدث نفسه حتى لو كانوا على صلة وثيقة به؛ ما يستلزم تقييم مصداقية كل مصدر بدقة. ثالثًا: تجنب الاعتماد على القاصرين مصادر للمعلومات، خصوصًا في القضايا الجنائية، نظرًا لما قد ينطوي عليه من تبعات أخلاقية وقانونية. رابعًا: البحث عن المصادر الأكثر ارتباطًا بالقضية لضمان أقصى درجات الدقة والشمول في تناول الموضوع.      

خاتمة

حاولت الدراسة تقديم تحليل معمق لتقاطعات المناهج العلمية مع الصحافة الاستقصائية، وإبراز الخطوات المنهجية اللازمة لإنجاز تحقيق صحفي استقصائي. وقد كشفت النتائج عن مدى التداخل الوثيق بين مناهج البحث العلمي ومبادئ العمل الاستقصائي؛ إذ يعتمد كلاهما على تحديد المشكلة وصياغة الفرضيات والالتزام بالدقة والموضوعية. ورغم ذلك، تظل هناك اختلافات جوهرية؛ إذ تتميز الصحافة الاستقصائية بقدر من المرونة لا يرقى إلى الصرامة الأكاديمية التي تتسم بها البحوث العلمية، من دون أن يؤثر ذلك على الأسس المشتركة التي تهدف إلى تحقيق موثوقية عالية في النتائج.

وأكدت الدراسة أن فعالية الصحافة الاستقصائية تستوجب التزامًا بمعايير أخلاقية تضمن سلامة العمل ومصداقيته، خاصة في التعامل مع القضايا الحساسة وحقوق الأفراد والمجتمع. ويُشكِّل الحرص على حماية المصادر، وتجنب التحايل، والالتزام بالموضوعية، حجر الأساس في تكريس الثقة بين الجمهور والمخرجات الصحفية، بما يُعزِّز دور الصحافة كسلطة رقابية مسؤولة وفعَّالة.

وأظهرت الدراسة أن الصحفيين الاستقصائيين يواجهون أربعة تحديات رئيسية في عملهم، تتعلق بالقيود الزمنية، والمعوقات الأخلاقية، وعرقلة الوصول إلى المعلومات، وصعوبات التعامل مع المصادر السرية. وتتطلَّب هذه التحديات التحلي بالمرونة والقدرة على التكيف، إلى جانب تطوير مهاراتهم البحثية بما يضمن الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية، ويرفع كفاءة العمل الاستقصائي في خدمة المصلحة العامة ونشر الوعي المجتمعي.

نُشِرت هذه الدراسة في العدد السادس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) جان كلود برتراند، أدبيات الإعلام (ديونتولوجيا الإعلام)، ترجمة رباب العابد، ط 1 (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2008)، ص 6-7.

(2) فاروق أبو زيد، الإعلام والديمقراطية، ط 1 (القاهرة، عالم الكتب، 2010)، ص 29-30.

(3) الأجناس الصحافية هي أشكال وأساليب فنية لصياغة المادة الصحافية، وتخضع لقوانين ومعايير محددة يجب على الصحفي الالتزام بها.

(4) Brant Houston et al., The Investigative Reporter’s Handbook: A Guide to Documents, Databases, and Techniques, (Boston: Bedford/St. Martin's, 4th Edition, 2002), 145.

(5) مارك هنتر وآخرون، على درب الحقيقة: دليل "أريج" للصحافة الاستقصائية العربية، ترجمة: غازي مسعود، ط 3 (باريس، اليونسكو، 2009)، ص 17.

(6) الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الصحافة الاستقصائية بالمغرب: من أجل دور فاعل في مكافحة الفساد، (2002)، ص 27.

(7) "الصحافة الاستقصائية: تعريف الصنعة"، شبكة الصحافة الاستقصائية العالمية، gijn.org، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 18 مارس/آذار 2025)، https://tinyurl.com/4uzd8xwh.

(8) حرية الاطلاع على المعلومات والصحافة الاستقصائية، (لندن، منظمة المادة 19، 2007)، ص 12.

(9) مصعب الشوابكة، ملاك خليل، دليل الصحافة الاستقصائية، (الدوحة، معهد الجزيرة للإعلام، 2020)، ص 7.

(10) مارك هنتر، دليل أريج للصحافة الاستقصائية، ط 2 (2024)، ص 8.

(11) Bill Kovach, Tom Rosenstiel, The Elements of Journalism: What Newspeople Should Know and the Public Should Expect, (Three Rivers Press, 3th edition, 2007), 17.

(12) عزام أبو الحمام، المنهج العلمي في الصحافة الاستقصائية، (عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، 2014)، ص 33.

(13) عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، ط 3 (الكويت، وكالة المطبوعات، 1977)، ص 5.

(14) أرنولد أنطوان، نيكول بيير، المنطق أو فن توجيه الفكر، ترجمة عبد القادر قنيني، (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2007)، ص 325.

(15) Kovach, Rosenstiel, The Elements of Journalism, 79.

(16) ذوقان عبيدات وآخرون، البحث العلمي: مفهومه وأدواته وأساليبه، (عمان، دار الفكر، 1984)، ص 187.

(17) حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، ط 8 (القاهرة، دار المعارف، 2015)، ص 15.

(18) Liliana Bounegru et al., The Data Journalism Handbook: Towards a Critical Data Practice, (Amsterdam University Press, 2021), 11.

(19) أبو الحمام، المنهج العلمي في الصحافة الاستقصائية، مرجع سابق، ص 78.

(20) فاطمة عوض صابر، ميرفت علي خفاجة، أسس ومبادئ البحث العلمي، ط 1 (الإسكندرية، مطبعة الإشعاع الفنية، 2002)، ص 31.

(21) مجموعة من الباحثين، منهجية البحث العلمي في العلوم الاجتماعية، (قسنطينة، مؤسسة حسين راس الجبل للنشر والتوزيع، 2017)، ص 34.

(22) أبو الحمام، المنهج العلمي في الصحافة الاستقصائية، مرجع سابق، ص 62.

(23) الشوابكة، خليل، دليل الصحافة الاستقصائية، مرجع سابق، ص 18.

(24) هنتر وآخرون، على درب الحقيقة، مرجع سابق، ص 31.

 (25)Josh Spilker, "Data vs Information vs Knowledge: What Are The Differences?," Tettra, October 15, 2024, "accessed March 27, 2025".https://tinyurl.com/yc39b6xf.

(26) أبو الحمام، المنهج العلمي في الصحافة الاستقصائية، مرجع سابق، ص 64.

(27) Thomas Davenport, Laurence Prusak, Working Knowledge: How Organizations Manage What They Know, (Harvard Business Press, 1998), 11.

(28) Earl Babbie, The Practice of Social Research, (Wadsworth Cengage Learning Publisher, 13th Ed. 2010),237 .

(29) قرار لرئيس المجلس الوطني للصحافة يتعلق بنشر ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، الجريدة الرسمية، عدد 6799، 26 ذو القعدة 1440 (29 يوليو/تموز 2019)، ص 5326-5329.

(30) المادة 2 من الظهير الشريف رقم 1.18.15 صادر في 5 جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير/شباط 2018) بتنفيذ القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، الجريدة الرسمية، عدد 6655، 23 جمادى الآخرة 1439 (12 مارس/آذار 2018)، ص 1439.