مركز الجزيرة للدراسات
تزامن تصعيد إسرائيل لعملياتها العسكرية على غزة مع التظاهرات الشبابية الفلسطينية المطالبة بإنهاء حالة الانقسام بين القوى الفلسطينية وتجاوب الحكومة المقالة والسلطة معها، فقتل الجيش الإسرائيلي في غضون أسبوعين نحو 17 فلسطينياً، نصفهم من المدنيين، وجرح العشرات في عمليات قصف استهدفت التجمعات المدنية الفلسطينية.
لقد أدت الثورات المشتعلة في عدد من البلدان العربية إلى إحداث تغيير في البيئة الإقليمية جعل تل أبيب تخسر كثيرا من الأوراق التي كان تسمح لها بمواصلة العدوان على الفلسطينيين. |
لكن الجيش الإسرائيلي فاجأ الفصائل الفلسطينية، قبل أسبوعين، عندما قامت طائراته بقصف موقع تدريب تابع لحماس أثناء تواجد عناصر الحركة بداخله، مما أدى إلى استشهاد عنصرين، وجرح ثالث. وقد أرادت إسرائيل من هذا التصعيد التأثير سلباً على التحركات الجماهيرية والشبابية الفلسطينية التي دعت لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، على اعتبار أن نجاح هذه التحركات في تحقيق هدفها يعني حرمان إسرائيل من أهم انجاز استراتيجي قدمه لها الفرقاء في الساحة الفلسطينية، وهو الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
لم تتوقع دوائر صنع القرار في إسرائيل رد حركة حماس الصارم على استهداف عناصرها، إذ قام الذراع العسكري للحركة في فجر التاسع عشر من مارس/آذار الجاري، وفي أقل من ساعة بإطلاق عشرات الصواريخ والقذائف على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلي الواقعة في محيط القطاع.
التصعيد الإسرائيلي: أثمان باهظة
إثر ردة فعل حماس التي فاجأت الأوساط الإسرائيلية نشب خلاف جدي داخل أروقة صنع القرار في تل أبيب، إذ طالبت القيادات العسكرية باستغلال ما قامت به حماس لتبرير القيام بحملة عسكرية كبيرة تستهدف ضرب البنى التحتية للمقاومة، واغتيال عدد كبير من قادتها السياسيين والعسكريين. وقد أيد الجيش هذه المطالب، وكذلك ممثلو اليمين المتطرف في الحكومة، والمعارضة برئاسة حزب كاديما الذي يمثل يمين الوسط. في حين رفضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه أيهود باراك، لأنهما اعتبرا الاستجابة لها يعني التورط في شن حملة برية تضطر إسرائيل خلالها إلى إعادة احتلال مناطق واسعة من قطاع غزة، وفضّلا العودة لأصول اللعبة القديمة، من خلال الرد بشكل موضعي على كل عملية إطلاق صواريخ تتم من قطاع غزة. وقد استند موقف نتنياهو وباراك إلى الأسباب التالية:
- يدرك نتنياهو أنه يتوجب على إسرائيل الحصول على غطاء دولي لشن أية حملة برية واسعة على قطاع غزة، في حين أنه يعلم أن حكومته تعيش عزلة دولية بسبب تحميلها مسؤولية فشل العملية التفاوضية لرفضها تجميد الاستيطان.
- لازالت إسرائيل تواجه تداعيات حربها الأخيرة على القطاع والتي أدت إلى تدني مكانتها الدولية، حيث أججت الجرائم الإسرائيلية الدعوات في أرجاء العالم إلى نزع الشرعية عن مواصلة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، لاسيما أن تقرير "غولدستون" مرشح لمزيد من التفاعل في المحافل الدولية. مع العلم أن إسرائيل تقاوم حاليا التحركات الفلسطينية الداعية للاعتراف بدولة فلسطين، وهي التحركات التي حظيت بدعم كثير من دول العالم. وقد أدرك كثير من المحللين الإستراتيجيين في إسرائيل أن الحرب الأخيرة على غزة كانت نجاحا تكتيكيا متواضعا وفشلا استراتيجيا كبيرا.
- الخشية من التسبب في مزيد من الإحراج لإدارة أوباما، التي سيكون من الصعب عليها تبرير تدخلها في ليبيا لإنقاذ المدنيين وغض الطرف عن قيام إسرائيل بقتل المدنيين في غزة.
- لقد أدت الثورات المشتعلة في عدد من البلدان العربية إلى إحداث تغيير في البيئة الإقليمية جعل تل أبيب تخسر كثيرا من الأوراق التي كان تسمح لها بمواصلة العدوان على الفلسطينيين. وقيام إسرائيل بعمل عسكري كبير ضد القطاع يحمل في طياته مخاطرة كبيرة لإسرائيل، قد تتمثل في ردود فعل عربية غير متوقعة بفعل تأثير الرأي العام العربي الذي لم يعد معطى هامشيا. فعلى سبيل المثال، توقف الإسرائيليون كثيراً عند التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية المصري نبيل العربي من مغبة قيام إسرائيل بشن عدوان على القطاع.
الزمن في صالح المقاومة
هناك بعض المجموعات الفلسطينية لا تقبل العمل وفق القاعدة الذهبية القائلة: "لا يكفي أن تكون محقاً، بل يجب أن تكون حكيماً". |
خاتمة
إن العودة إلى قواعد التهدئة غير المعلنة باتت في الوقت الحالي مصلحة إسرائيلية فلسطينية مشتركة، لكنها لا تنفي المفاجآت، لاسيما أنه تبين بالدليل القاطع أن القيادة العسكرية في إسرائيل تجاوزت في كثير من الأحيان تعليمات القيادة السياسية وبادرت إلى استفزاز المقاومة الفلسطينية. في نفس الوقت، هناك بعض المجموعات الفلسطينية لا تقبل العمل وفق القاعدة الذهبية القائلة: "لا يكفي أن تكون محقاً، بل يجب أن تكون حكيماً".