إسرائيل والمقاومة: التهدئة مصلحة مشتركة

العودة إلى قواعد التهدئة غير المعلنة باتت في الوقت الحالي مصلحة إسرائيلية فلسطينية مشتركة، لكنها لا تنفي المفاجآت، لاسيما أنه تبين بالدليل القاطع أن القيادة العسكرية في إسرائيل تجاوزت في كثير من الأحيان تعليمات القيادة السياسية وبادرت إلى استفزاز المقاومة الفلسطينية.
3 April 2011
1_1051893_1_34.jpg







العودة إلى قواعد التهدئة غير المعلنة باتت في الوقت الحالي مصلحة إسرائيلية فلسطينية مشتركة (الجزيرة)

مركز الجزيرة للدراسات


تزامن تصعيد إسرائيل لعملياتها العسكرية على غزة مع التظاهرات الشبابية الفلسطينية المطالبة بإنهاء حالة الانقسام بين القوى الفلسطينية وتجاوب الحكومة المقالة والسلطة معها، فقتل الجيش الإسرائيلي في غضون أسبوعين نحو 17 فلسطينياً، نصفهم من المدنيين، وجرح العشرات في عمليات قصف استهدفت التجمعات المدنية الفلسطينية.





لقد أدت الثورات المشتعلة في عدد من البلدان العربية إلى إحداث تغيير في البيئة الإقليمية جعل تل أبيب تخسر كثيرا من الأوراق التي كان تسمح لها بمواصلة العدوان على الفلسطينيين.
وقد كان واضحاً أن إسرائيل تغيّر قواعد اللعبة التي حكمت سلوكها إزاء حركات المقاومة، وتحديداً حركة حماس، منذ انتهاء حربها الأخيرة على القطاع مطلع عام 2009. فمع أن إسرائيل، منذ انتهاء الحرب الأخيرة، حرصت على تحميل حركة حماس المسؤولية عن أية عملية إطلاق صواريخ تقوم بها مجموعات المقاومة الأخرى، بوصفها الحركة التي تحكم القطاع، إلا أنها في المقابل حرصت على عدم المس بعناصر الحركة، وتحديداً عناصر جهازها العسكري، واكتفت باستهداف مراكز تدريب تابعة للحركة غير مأهولة. مع العلم، أن الجهاز العسكري لحماس لم يبادر منذ انتهاء الحرب إلى إطلاق صواريخ على المستوطنات اليهودية واكتفى بالتصدي لعمليات التوغل التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي داخل القطاع.

لكن الجيش الإسرائيلي فاجأ الفصائل الفلسطينية، قبل أسبوعين، عندما قامت طائراته بقصف موقع تدريب تابع لحماس أثناء تواجد عناصر الحركة بداخله، مما أدى إلى استشهاد عنصرين، وجرح ثالث. وقد أرادت إسرائيل من هذا التصعيد التأثير سلباً على التحركات الجماهيرية والشبابية الفلسطينية التي دعت لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، على اعتبار أن نجاح هذه التحركات في تحقيق هدفها يعني حرمان إسرائيل من أهم انجاز استراتيجي قدمه لها الفرقاء في الساحة الفلسطينية، وهو الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.


لم تتوقع دوائر صنع القرار في إسرائيل رد حركة حماس الصارم على استهداف عناصرها، إذ قام الذراع العسكري للحركة في فجر التاسع عشر من مارس/آذار الجاري، وفي أقل من ساعة بإطلاق عشرات الصواريخ والقذائف على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلي الواقعة في محيط القطاع.


التصعيد الإسرائيلي: أثمان باهظة
إثر ردة فعل حماس التي فاجأت الأوساط الإسرائيلية نشب خلاف جدي داخل أروقة صنع القرار في تل أبيب، إذ طالبت القيادات العسكرية باستغلال ما قامت به حماس لتبرير القيام بحملة عسكرية كبيرة تستهدف ضرب البنى التحتية للمقاومة، واغتيال عدد كبير من قادتها السياسيين والعسكريين. وقد أيد الجيش هذه المطالب، وكذلك ممثلو اليمين المتطرف في الحكومة، والمعارضة برئاسة حزب كاديما الذي يمثل يمين الوسط. في حين رفضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه أيهود باراك، لأنهما اعتبرا الاستجابة لها يعني التورط في شن حملة برية تضطر إسرائيل خلالها إلى إعادة احتلال مناطق واسعة من قطاع غزة، وفضّلا العودة لأصول اللعبة القديمة، من خلال الرد بشكل موضعي على كل عملية إطلاق صواريخ تتم من قطاع غزة. وقد استند موقف نتنياهو وباراك إلى الأسباب التالية:



  1. يدرك نتنياهو أنه يتوجب على إسرائيل الحصول على غطاء دولي لشن أية حملة برية واسعة على قطاع غزة، في حين أنه يعلم أن حكومته تعيش عزلة دولية بسبب تحميلها مسؤولية فشل العملية التفاوضية لرفضها تجميد الاستيطان.


  2. لازالت إسرائيل تواجه تداعيات حربها الأخيرة على القطاع والتي أدت إلى تدني مكانتها الدولية، حيث أججت الجرائم الإسرائيلية الدعوات في أرجاء العالم إلى نزع الشرعية عن مواصلة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، لاسيما أن تقرير "غولدستون" مرشح لمزيد من التفاعل في المحافل الدولية. مع العلم أن إسرائيل تقاوم حاليا التحركات الفلسطينية الداعية للاعتراف بدولة فلسطين، وهي التحركات التي حظيت بدعم كثير من دول العالم. وقد أدرك كثير من المحللين الإستراتيجيين في إسرائيل أن الحرب الأخيرة على غزة كانت نجاحا تكتيكيا متواضعا وفشلا استراتيجيا كبيرا.


  3. الخشية من التسبب في مزيد من الإحراج لإدارة أوباما، التي سيكون من الصعب عليها تبرير تدخلها في ليبيا لإنقاذ المدنيين وغض الطرف عن قيام إسرائيل بقتل المدنيين في غزة.


  4. لقد أدت الثورات المشتعلة في عدد من البلدان العربية إلى إحداث تغيير في البيئة الإقليمية جعل تل أبيب تخسر كثيرا من الأوراق التي كان تسمح لها بمواصلة العدوان على الفلسطينيين. وقيام إسرائيل بعمل عسكري كبير ضد القطاع يحمل في طياته مخاطرة كبيرة لإسرائيل، قد تتمثل في ردود فعل عربية غير متوقعة بفعل تأثير الرأي العام العربي الذي لم يعد معطى هامشيا. فعلى سبيل المثال، توقف الإسرائيليون كثيراً عند التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية المصري نبيل العربي من مغبة قيام إسرائيل بشن عدوان على القطاع.

الزمن في صالح المقاومة



هناك بعض المجموعات الفلسطينية لا تقبل العمل وفق القاعدة الذهبية القائلة: "لا يكفي أن تكون محقاً، بل يجب أن تكون حكيماً".
باستثناء بعض المجموعات الهامشية، فإن معظم الفصائل الفلسطينية تدرك أن الانجرار لمواجهة جديدة مع إسرائيل لا يخدم المصلحة الوطنية، فالتوسع في إطلاق الصواريخ، لاسيما إذا أوقعت قتلى في الجانب الإسرائيلي أو مست المرافق الإستراتيجية الهامة التي تقع في محيط القطاع، قد يعمل على تآكل الموقف الدولي الرافض لشن عدوان إسرائيلي كبير على القطاع. في نفس الوقت، فإن الفلسطينيين يدركون أن المصلحة حاليا تقتضي مراكمة أسباب القوة عبر تهريب السلاح، وعدم الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل في ظل ميل موازين القوى لصالحها بشكل جارف، إلى جانب الانتظار حتى تستقر الأوضاع في العالم العربي، لاسيما في مصر، والتنسيق مع الحكومات المنتخبة بعد الثورات الديمقراطية في العالم العربي.

خاتمة
إن العودة إلى قواعد التهدئة غير المعلنة باتت في الوقت الحالي مصلحة إسرائيلية فلسطينية مشتركة، لكنها لا تنفي المفاجآت، لاسيما أنه تبين بالدليل القاطع أن القيادة العسكرية في إسرائيل تجاوزت في كثير من الأحيان تعليمات القيادة السياسية وبادرت إلى استفزاز المقاومة الفلسطينية. في نفس الوقت، هناك بعض المجموعات الفلسطينية لا تقبل العمل وفق القاعدة الذهبية القائلة: "لا يكفي أن تكون محقاً، بل يجب أن تكون حكيماً".