ولدت نتيجة الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية الذي عرفته مصر انقساما لا يقل حدة عما شهدته مواقف القوى والفعاليات السياسية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الاستفتاء، وبرزت مخاوف متبادلة في الساحة السياسية المصرية من سيناريوهات مرحلة ما بعد الاستفتاء.
مركز الجزيرة للدراسات
يتعلق التطور الأهم في مصر ما بعد ثورة 25 يناير/ كانون ثاني، في الأسبوع الماضي، بالاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي وضعتها لجنة العشرة برئاسة المستشار طارق البشري. جرى الاستفتاء يوم السبت 19 مارس/ آذار، وأعلنت نتائجه في مساء اليوم التالي وكانت لصالح التعديلات. فولدت نتيجة التصويت انقساماً لا يقل حدة عما شهدته مواقف القوى والفعاليات السياسية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الاستفتاء، وبرزت المخاوف المتبادلة في الساحة السياسية المصرية.
ولدت نتيجة التصويت على التعديلات انقساماً لا يقل حدة عما شهدته مواقف القوى والفعاليات السياسية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الاستفتاء، وبرزت المخاوف المتبادلة في الساحة السياسية المصرية. |
نظراً لأن الإخوان المسلمين ومجموعات التيار السلفي وحزب الوسط كانت أول من أعلن تأييد التعديلات، وأن الأحزاب وقيادات العمل العام ذات التوجه العلماني والليبرالي واليساري، إضافة إلى المرشحين المعلنين للرئاسة وأغلب المسيحيين الأقباط، أعلنت معارضتها، فقد اعتبرت معركة الاستفتاء انعكاساً لصراع آخذ في التصاعد بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في الساحة السياسية المصرية.
لم تكن الأسباب التي طرحها المعارضون تتعلق بالمطلب الديمقراطي والانتقال السريع من سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى حكم مدني. ولكن تعبر عن تخوف بأن خارطة الطريق التي ترسمها التعديلات للمرحلة الانتقالية، والتي تؤسس لانتخابات برلمانية قبل عقد الانتخابات الرئاسية، تصب في صالح القوى الإسلامية السياسية، لاسيما الإخوان المسلمين، فبات الاستفتاء على التعديلات وكأنه معركة بين الإسلاميين وغيرهم.
لم تكن الأسباب التي طرحها المعارضون تتعلق بالمطلب الديمقراطي والانتقال السريع من سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى حكم مدني. ولكن تعبر عن تخوف بأن خارطة الطريق التي ترسمها التعديلات للمرحلة الانتقالية، والتي تؤسس لانتخابات برلمانية قبل عقد الانتخابات الرئاسية، تصب في صالح القوى الإسلامية السياسية |
من الجهة الأخرى، قال المؤيدون أن عقد انتخابات برلمانية أولاً، وقيام أعضاء غرفتي البرلمان المنتخبين باختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، لا يضمن كتابة الدستور من قبل هيئة منتخبة وحسب، بل ويحرر الانتخابات البرلمانية وتشكيل الجمعية التأسيسية من احتمالات تدخل رئيس الجمهورية في العمليتين. ويشير المؤيدون، إضافة إلى ذلك، إلى أن الدعوة إلى دستور جديد أولاً، ستجعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة يشرف عليه، بكل ما يعنيه هذا من احتمالات تدخل الجيش.
في النهاية، قالت أغلبية المصريين "نعم" للتعديلات، بالرغم من حدة الحملة التي دعت إلى التصويت بـ "لا". قبل العديد من المعارضين بالنتيجة باعتبارها تعبيراً عن اختيار الشعب الديمقراطي؛ بينما ندد آخرون بسيطرة الإسلاميين على الرأي العام، واستعادوا لغة التخويف الغربية المعتادة من القوى الإسلامية السياسية، كل القوى الإسلامية السياسية بلا تمييز. رغم أن لإخوان قد أعلنوا مبكراً عزمهم المنافسة على 30 بالمائة فقط من مقاعد مجلس الشعب الجديد، وأنهم لن يتقدموا بمرشح لرئاسة الجمهورية، رغبة منهم في طمأنة الرأي العام.
ولكن شخصيات سلفية التوجه، عرفت خلال أسابيع الثورة المصرية بمعارضتها للحركة الشعبية، تحدثت عن نتيجة الاستفتاء باعتبارها انتصاراً للإسلام على الكفر، وتوكيداً على أن البلاد هي بلاد شعب مسلم. وقد أبرزت مثل هذه التصريحات في بعض وسائل الإعلام كمؤشر على الخطر الإسلامي القادم.
لم يبد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اكتراثاً كبيراً للجدل بين الإسلاميين وخصومهم. في 23 مارس/ آذار، عبّر المجلس عن قبوله نتائج الاستفتاء، وتقدم بإعلان دستوري يتضمن التعديلات التي أقرتها الأكثرية الشعبية. |
بيد أن التدافع حول التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها، ينبئ بما يمكن أن تشهده مصر خلال فترة الانتقال إلى الحرية والدولة الديمقراطية من انقسام سياسي حاد في أوساط النخب والأحزاب السياسية، على الأقل. وفي حال استمرت حالة الانقسام هذه، ستعجز القوى والنخب السياسية عن تحقيق الإجماع حول المسائل الكبرى التي تواجهها البلاد، الإجماع الضروري لبناء نظام ديمقراطي – تعددي مستقر.