مصر: انقسام النخبة حول نتيجة الاستفتاء

ولدت نتيجة الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية الذي عرفته مصر انقساما لا يقل حدة عما شهدته مواقف القوى والفعاليات السياسية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الاستفتاء، وبرزت مخاوف متبادلة في الساحة السياسية المصرية من سيناريوهات مرحلة ما بعد الاستفتاء.
28 March 2011
1_1051031_1_34.jpg


 


 


 



 


 


 


 


 


 


مركز الجزيرة للدراسات


يتعلق التطور الأهم في مصر ما بعد ثورة 25 يناير/ كانون ثاني، في الأسبوع الماضي، بالاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي وضعتها لجنة العشرة برئاسة المستشار طارق البشري. جرى الاستفتاء يوم السبت 19 مارس/ آذار، وأعلنت نتائجه في مساء اليوم التالي وكانت لصالح التعديلات. فولدت نتيجة التصويت انقساماً لا يقل حدة عما شهدته مواقف القوى والفعاليات السياسية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الاستفتاء، وبرزت المخاوف المتبادلة في الساحة السياسية المصرية.




ولدت نتيجة التصويت على التعديلات انقساماً لا يقل حدة عما شهدته مواقف القوى والفعاليات السياسية خلال الأسابيع القليلة السابقة على الاستفتاء، وبرزت المخاوف المتبادلة في الساحة السياسية المصرية.
شارك في الاستفتاء أكثر من 18 مليوناً من المصريين، في إقبال غير مسبوق على صناديق الاقتراع. وقد صوت أكثر من 77 بالمائة من المقترعين بالموافقة على التعديلات، بينما بلغت نسبة الرافضين لها 22 بالمائة. سجلت أعلى نسب التأييد بين الـ 27 محافظة مصرية في المحافظات النائية والريفية، بينما بلغ الانقسام حول التعديلات أشده في المحافظات الحضرية الرئيسة الثلاث: الجيزة والقاهرة والإسكندرية. ولكن حتى في الثلاث الأخيرة، لم تقل نسبة التأييد للتعديلات عن 60 بالمائة.

نظراً لأن الإخوان المسلمين ومجموعات التيار السلفي وحزب الوسط كانت أول من أعلن تأييد التعديلات، وأن الأحزاب وقيادات العمل العام ذات التوجه العلماني والليبرالي واليساري، إضافة إلى المرشحين المعلنين للرئاسة وأغلب المسيحيين الأقباط، أعلنت معارضتها، فقد اعتبرت معركة الاستفتاء انعكاساً لصراع آخذ في التصاعد بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في الساحة السياسية المصرية.

لم تكن الأسباب التي طرحها المعارضون تتعلق بالمطلب الديمقراطي والانتقال السريع من سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى حكم مدني. ولكن تعبر عن تخوف بأن خارطة الطريق التي ترسمها التعديلات للمرحلة الانتقالية، والتي تؤسس لانتخابات برلمانية قبل عقد الانتخابات الرئاسية، تصب في صالح القوى الإسلامية السياسية، لاسيما الإخوان المسلمين، فبات الاستفتاء على التعديلات وكأنه معركة بين الإسلاميين وغيرهم.




لم تكن الأسباب التي طرحها المعارضون تتعلق بالمطلب الديمقراطي والانتقال السريع من سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى حكم مدني. ولكن تعبر عن تخوف بأن خارطة الطريق التي ترسمها التعديلات للمرحلة الانتقالية، والتي تؤسس لانتخابات برلمانية قبل عقد الانتخابات الرئاسية، تصب في صالح القوى الإسلامية السياسية
وجادل معارضو التعديلات بأن الإخوان وحدهم، بتنظيمهم المحكم، القادرون على خوض انتخابات برلمانية خلال شهور قليلة، وأن مثل هذه الانتخابات ستوفر للإخوان فرصة السيطرة على مجلس الشعب الجديد. كما جادل معارضون آخرون بأن التعديلات الدستورية غير كافية، وأن دستوراً جديداً لابد أن يعد قبل نهاية المرحلة الانتقالية.
من الجهة الأخرى، قال المؤيدون أن عقد انتخابات برلمانية أولاً، وقيام أعضاء غرفتي البرلمان المنتخبين باختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، لا يضمن كتابة الدستور من قبل هيئة منتخبة وحسب، بل ويحرر الانتخابات البرلمانية وتشكيل الجمعية التأسيسية من احتمالات تدخل رئيس الجمهورية في العمليتين. ويشير المؤيدون، إضافة إلى ذلك، إلى أن الدعوة إلى دستور جديد أولاً، ستجعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة يشرف عليه، بكل ما يعنيه هذا من احتمالات تدخل الجيش.

في النهاية، قالت أغلبية المصريين "نعم" للتعديلات، بالرغم من حدة الحملة التي دعت إلى التصويت بـ "لا". قبل العديد من المعارضين بالنتيجة باعتبارها تعبيراً عن اختيار الشعب الديمقراطي؛ بينما ندد آخرون بسيطرة الإسلاميين على الرأي العام، واستعادوا لغة التخويف الغربية المعتادة من القوى الإسلامية السياسية، كل القوى الإسلامية السياسية بلا تمييز. رغم أن لإخوان قد أعلنوا مبكراً عزمهم المنافسة على 30 بالمائة فقط من مقاعد مجلس الشعب الجديد، وأنهم لن يتقدموا بمرشح لرئاسة الجمهورية، رغبة منهم في طمأنة الرأي العام.

ولكن شخصيات سلفية التوجه، عرفت خلال أسابيع الثورة المصرية بمعارضتها للحركة الشعبية، تحدثت عن نتيجة الاستفتاء باعتبارها انتصاراً للإسلام على الكفر، وتوكيداً على أن البلاد هي بلاد شعب مسلم. وقد أبرزت مثل هذه التصريحات في بعض وسائل الإعلام كمؤشر على الخطر الإسلامي القادم.




لم يبد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اكتراثاً كبيراً للجدل بين الإسلاميين وخصومهم. في 23 مارس/ آذار، عبّر المجلس عن قبوله نتائج الاستفتاء، وتقدم بإعلان دستوري يتضمن التعديلات التي أقرتها الأكثرية الشعبية.
لم يبد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اكتراثاً كبيراً للجدل بين الإسلاميين وخصومهم. في 23 مارس/ آذار، عبّر المجلس عن قبوله نتائج الاستفتاء، وتقدم بإعلان دستوري يتضمن التعديلات التي أقرتها الأكثرية الشعبية. وبعدها بأيام، يتوقع أن يصدر القانون الجديد للأحزاب، الذي سيتيح حرية أكبر لتسجيلها. وبعد شهور قليلة، ستجري انتخابات مجلسي الشعب والشورى؛ وسيبدأ الأعضاء المنتخبون في المجلسين اختيار جمعية المائة التأسيسية، المكلفة بوضع مسودة الدستور الدائم. الخطوة التالية ستكون بالطبع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبانتخابه سيعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى مهماته الدفاعية البحتة، وتكون مصر قد استعادت بنيتها الدستورية المدنية، بقرار مباشر من شعبها.

بيد أن التدافع حول التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها، ينبئ بما يمكن أن تشهده مصر خلال فترة الانتقال إلى الحرية والدولة الديمقراطية من انقسام سياسي حاد في أوساط النخب والأحزاب السياسية، على الأقل. وفي حال استمرت حالة الانقسام هذه، ستعجز القوى والنخب السياسية عن تحقيق الإجماع حول المسائل الكبرى التي تواجهها البلاد، الإجماع الضروري لبناء نظام ديمقراطي – تعددي مستقر.