الأزمة الليبية: بين صراع الإرادات الدولية والانقسام الداخلي

تبدو الأزمة الليبية للكثير من المراقبين عصية على الفهم، نظرًا لصعوبة تحديد مآلات الأحداث وفق المؤشرات المتعارف عليها، فضلًا عن حالة السيولة المخاتلة التي توحي بعكس مسار الأحداث، إضافة إلى هشاشة التحالفات وتغيرها باستمرار، فأصدقاء اليوم قد يصبحون أعداء الغد، إلا أن الأمر اللافت في الأزمة الليبية ليس فقط تداخل العامل الخارجي بالداخلي، بل في تعويل الداخل على الخارج وبشكل يكاد يكون كليًّا، إلى حدِّ أن معظم الفاعلين المحليين الليبيين لا يثقون في قدرات المفاوض الليبي، ويرون أن الحل لا يمكن إلا أن يكون خارجيًّا، عكس نهايات الحروب الأهلية الثلاثة والستين التي عرفها عالمنا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي دارت سبع وأربعون منها في العالم الثالث(1).

سطوة حضور العامل الخارجي في الأزمة الليبية، عملت على إخراج الأمر برمته من أيدي الليبيين، وأحال الفاعلين المحليين المتصارعين على الشرعية والنفوذ والسلطة إلى وكلاء حرب بالإنابة عن صراع إرادات دولية اختلطت فيه التطلعات الجيوسياسية لقوى إقليمية صاعدة تحاول أن تلعب دورًا، مع إرادة اللاعبين الكبار لإعادة رسم خريطة المنطقة بعد فيضان ما سمي بالربيع العربي. وبين هذا وذاك، انخرطت في وحل الأزمة الليبية دول ترى أن تداعيات الأزمة الليبية أصبحت تشكِّل تهديدًا جديًّا لأمنها واستقرارها. لذا، يعد المراقبون الأزمة الليبية نموذجًا غاية في التكثيف للعبة الأمم!

ومرَدُّ استعصاء وصعوبة فهم المشهد الليبي، حسب الدراسات الرصينة عن القضية الليبية، أمور عديدة، أبرزها عوامل أربعة، نوجزها على النحو التالي:

 1- الميراث الكارثي لحقبة الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي: وهو الذي ترك ليبيا دون مؤسسات حقيقية كما هو متعارف في جميع دول العالم. ذلك أن أربعة عقود من السياسات العبثية والارتجالية، في إبحار عكس التيار، جعلت أجيالًا من الليبيين لا ترى في السياسة غير العنتريات والمعارك الوهمية، والخطب الحماسية، أورثت أجيالًا من الليبيين هذا الخلط المريع بين الثورة والدولة.

2- ضعف التجربة السياسية: حيث تم حل الأحزاب السياسية في أقل من شهرين من نشأة دولة الاستقلال في 19 فبراير/شباط 1952، وفي العام 1972 تم تجريم الحزبية(2) وسن قانون تنص مادته الثالثة على عقوبة الإعدام لكل من دعا الى إقامة تجمع أو تنظيم حزبي.

3- الدولة الريعية: قبل حقبة النفط، كان معظم الليبيين يعيشون في القرى والنجوع والواحات بعيدين عن أي ارتباط بالدولة المركزية في الحواضر الشمالية. لكن الوضع اختلف تمامًا مع حقبة النفط مطلع ستينات القرن المنصرم؛ حيث سيطرت الدولة على النشاط الاقتصادي وأصبح المواطن معتمدًا بشكل كلي على الراتب والهبات والعطايا الدورية للدولة الريعية.

4- ميراث البداوة: عمل الآباء المؤسسون على التأصيل المرحلي للدولة المدنية لنقل المجتمع الليبي من مرحلة البداوة إلى التحضر والتمدن، والمخرجات على ضعفها تشي بجهد لا يخفى لتمدين المجتمع الليبي في حقبة الملكية، وتم هذا في مقابل عملية الإبحار العكسي التي جذَّرها نظام القذافي حيث حرص طيلة عقود أربع على بَدْوَنَةِ الحواضر الشمالية لليبيا، وجعل البداوة بقيمها ومثلها تكتسح الشارع الليبي. من أبرز تمظهرات عقلية البداوة على المستوي السياسي أنها لا تقيم وزنًا لمؤسسات الدولة ولا تحفل بنظام التقاضي، واعتادت على أخذ الحق باليد وبالقوة.

تمظهرات الأزمة في ضوء التدخلات الخارجية

مرَّت الأزمة الليبية بثلاث مراحل منذ العام 2011 وحتى الآن، لعل أعنفها المرحلة الثالثة من العام 2014 حتى راهن الوقت التي بدأت بانقسام البرلمان الليبي إلى كتلتين، تدَّعي كل منهما الشرعية وتمثيل الشعب الليبي، وجرى اختزال الصراع في ليبيا في هذه الطرفين الرئيسيين، اللذين دارت حولهما الأحداث والوقائع حتى التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020(3).

سعى العديد من الدول ولاسيما دول الجوار الليبي والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي إلى القيام بمحاولات عديدة لجمع الفرقاء الليبيين على طاولة المفاوضات، باءت معظمها بفشل ذريع جرَّاء تصلب وتعنت الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، وإصراره على الحسم العسكري، ورفضه لأية تسوية سياسية لا تكون بشروطه وعلى مقاسه.

وبذل المبعوث الأممي السابق، غسان سلامة، جهدًا عظيمًا طيلة 20 شهرًا (من أغسطس/آب 2018 إلى غاية أبريل/نيسان 2019) لعقد مؤتمر مصالحة وطنية يضم كافة الطيف السياسي والفاعلين الاجتماعيين والنشطاء والأعيان في ليبيا، إلا أن خليفة حفتر شنَّ حربًا على العاصمة قبيل انعقاد المؤتمر في الرابع من أبريل/نيسان 2019 بأيام قليلة، ليطيح بجهود ومساع دولية حميدة حُضِّر لها لسنوات بغية إجراء تسوية سياسية في ليبيا.

صاحبت التدخلاتُ الخارجيةُ الأزمةَ الليبيةَ منذ بواكيرها وحتى الساعة، إلا أن وتيرتها ازدادت حدة بعد العام 2016، مع بروز خليفة حفتر كرجل ليبيا القوي. عشرات الدول ذات المصلحة في ليبيا تتدخل بشكل أو بآخر إلا أنه مع تمايز جبهات الصراع في ليبيا إلى فريقين رئيسيين، هما: مجموعة شرق ليبيا ومجموعة غرب ليبيا، تموضعت الدول المتدخلة مع هذا الفريق أو ذاك باستثناء دولتين، هما: فرنسا وإيطاليا؛ حيث تدعم الأولى خليفة حفتر بقوة وفي ذات الوقت تُبقي على علاقات متينة مع رجل الوفاق القوي، فتحي باشاغا (وزير داخلية الوفاق المفوَّض). في حين اختارت إيطاليا أن تربطها علاقة وطيدة واستراتيجية مع الغرب الليبي عبر مصراتة (المدينة-الدولة)، التي توجد لها بها قاعدة عسكرية، إلا أنها بالمقابل تقيم علاقات وطيدة مع أبرز رجالات حفتر (الحاكم العسكري، اللواء عبد الرزاق الناطوري).

انفراج الأزمة المحفوف بالمخاطر

تسارع وتيرة الأحداث في ليبيا خلال ستين يومًا الأخيرة، نحو التسوية السياسية وتحديد معالم طريق المرحلة الانتقالية، مردُّه:

1- هزيمة قوات الكرامة (الجيش الوطني الليبي) بقيادة الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، وإخراجه من عموم المنطقة الغربية إلى تخوم سرت والجفرة.

هذه الهزيمة خفَّفت من جموح واندفاع الجنرال المتقاعد، وقلَّصت طموحاته إلى حدِّ الرضا بتقاسم السلطة مع حكومة الوفاق وحلفائها في غرب ليبيا. وفضلًا عن ذلك، حوَّلت هذه الهزيمة الجنرال المتقاعد من رقم صعب في المعادلة الليبية إلى شريك على قدم المساواة مع بقية أطراف الصراع، وباتت الأطراف الليبية المتقاتلة، مدركة لاستحالة الحسم العسكري، لأي طرف، كما بات هذا الأمر قناعة لدى الرعاة الخارجيين لطرفي الصراع في ليبيا.

2- تحرك الشارع الليبي ضد الفساد والمطالبة بتحسين ظروف الحياة في كبريات المدن الليبية (سبها-طرابلس-بنغازي-طبرق) وغيرها من المدن الليبية(4). هذه المظاهرات مثَّلت ناقوس خطر، استشعر قوته متصدرو المشهد الليبي في شرق وغرب ليبيا، الذين حاولوا في البداية استيعابه، وتجييره لصالحهم، إلا أن تزايد المظاهرات وانتشارها سريعًا من مدينة إلى أخرى، جعل متصدري المشهد يدركون أن زيادة زخم المظاهرات قد يجرفهم في طريقها، وتطيح بهم جميعًا دون استثناء، فكان الاحتواء عبر البيانين الصادرين من قبل فايز السراج وعقيلة صالح بفارق زمني لا يتعدى ثلاث ساعات، وبصيغة تكاد تكون متطابقة، مع اختلاف طفيف في سُلَّم الأولويات وترتيب النقاط.

3- اتفاق على وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه (اللجنة العسكرية المشتركة 5+5)، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بجنيف تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم، وحددت فترة مدتها 90 يومًا لمغادرة جميع القوات الأجنبية الأراضي الليبية، وعُزِّز بالتوافق على بنود تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في اللقاء التاريخي للجنة 5+5 في مدينة غدامس الليبية، يتكون من 12 بندًا لتطبيق وقف إطلاق النار، أبرزها تشكيل لجنة عسكرية فرعية للإشراف على عودة كل القوات الأجنبية إلى بلادها ومغادرة وسحب جميع قوات الطرفين إلى معسكراتها الموجودة على خطوط التماس، هذا الاتفاق الذي لقي إشادة واستحسان الداخل الليبي والمجتمع الدولي، وسُمِّي "اتفاق الشجعان".

4- دخول الولايات المتحدة على خط التسوية: التي بدأت مع انطلاق فعاليات مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير/كانون الثاني 2019، ومع منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، بدأت الرحلات المكوكية للسفير الأميركي، ريتشارد نورلاند، الذي زار إحدى عشر مدينة (موسكو-أنقرة-القاهرة-أبوظبي-باريس-روما-برلين-تونس-الجزائر-طرابلس-بنغازي) في بحر 16 يومًا، وبعضها أعاد زيارته أكثر من مرة في ذات المدة، كما اجتمع ست مرات مع رئيس الحكومة الانتقالية، فايز السراج، وأربع مرات مع خليفة حفتر وعقيلة صالح وثلاث مرات مع خالد المشري. وصادق مجلس النواب الأميركي، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على "قانون دعم الاستقرار في ليبيا". وينص القانون على إعداد قائمة بأسماء المخترقين للقانون الدولي ولحقوق الإنسان في ليبيا من كل الأطراف في مدة أقصاها 180 يومًا من تاريخ إصداره، كما ينص على فرض حزمة من العقوبات ضد من ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم مالية أو أسهموا في تسهيل التدخلات الإقليمية أو شاركوا في غسيل الأموال وتهريب وبيع النفط خارج المؤسسات.

وبالتزامن مع اللقاءات الماراثونية للسفير الأميركي والإجراءات التي قررتها الإدارة الأميركية، وجدت المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، الظروف الداخلية والخارجية مواتية للشروع في تسوية سياسية تنهي المراحل الانتقالية التي طالت أكثر من اللازم. عملت السيدة ستيفاني على تجنب أخطاء الاتفاق السياسي بالصخيرات، أواخر العام 2015، الذي اقتصر على مندوبين عن طرفي الصراع دون إشراك مستقلين. وببراعة، أثبتت جدواها لاحقًا، عمدت ستيفاني إلى إشراك مستقلين يمثلون الفرقاء الذين جرى استبعادهم في اتفاق الصخيرات، ولأنها تريد أن يكون عدد المستقلين أكبرَ من طرفي الصراع (مندوبي المجلس الأعلى للدولة والبرلمان الليبي)، لجأت إلى وسيلة لا يمكن لطرفي الصراع الاعتراض عليها، وهي اختيار 13 عضوًا عن البرلمان الليبي و13 عضوًا عن المجلس الأعلى للدولة بحكم أن ليبيا مقسمة إلى 13 دائرة انتخابية، أي إن عدد مندوبي طرفي الصراع يبلغ 26 مشاركًا من أصل 75 مشاركًا، هم كامل أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي بدأت أولى جولاته في الضاحية الشمالية بتونس، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أي إن نسبة أعضاء طرفي الصراع لا تتجاوز 35%، مما سيحرمهم من فرض رأيهم أو الاستفراد بالقرار وهم الذين تعوَّدوا أن يكونوا محور الحدث طيلة سنوات الأزمة الليبية.

ومع انطلاق أولى جولات ملتقى الحوار السياسي، وضح للجميع أن طرفي الصراع جاءا بحسابات سياسية طابعها مصلحة الجماعة بالمقام الأول، في حين كانت غالبية المستقلين (44 مستقلًّا من أصل 49) حريصين على الوصول إلى تسوية سياسية تُنهي المرحلة الانتقالية عبر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في نهايتها.

يرى العديد من المراقبين أن الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس، قد نجحت في وضع الحصان أمام العربة في مسار التسوية السياسية، نظرًا إلى:

أولًا: أن الملتقى نجح في وضع خارطة طريق(5) تم فيها تحديد المستهدف من المرحلة الانتقالية التي حُدِّدت مدتها بسنة وشهر فقط، تنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية حُدِّد لها 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ثانيًا: تحديد صلاحيات حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي اللذين سيتم اختيار أعضائهما في الجولة الثانية التي تجري حاليًّا عبر اللقاءات الافتراضية من خلال تقنية "الزوم"، وذلك بعد الانتهاء من تحديد معايير اختيار أعضاء حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي. وتشير التسريبات إلى أنه ستتم تسمية رئيس الحكومة يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2020 الجاري، وأنه من المرجح الإبقاء على المجلس الرئاسي الحالي بقيادة فايز السراج والتمديد له.

ثالثًا: استطاعت كتلة المستقلين (49 عضوًا) أن تفرض قرار التحقيق في شبهات المال الفاسد لشراء الذمم، وقد باشرت البعثة الأممية بالفعل التحقيقات، وستتم معاقبة الراشي والمرتشي على حدٍّ سواء.

رابعًا: بسبب طبيعة احتساب الأصوات (الآلية التي وضعها المستقلون لئلَّا تفرض وتمرر كتلتا البرلمان والمجلس الأعلى قراراتهما وهما لا يتجاوزان 26 مشاركًا)، لم يحظَ قرار استبعاد كافة متصدري المشهد الذين تقلَّدوا مناصب من الترشح يما يكفي من الأصوات لتمريره، بحصول القرار على 61% فقط من الأصوات، في حين أن النصاب هو 75% من الأصوات. ومع ذلك، استطاعت كتلة المستقلين أن ترفض اختيارات مرشحي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، وهو بحدِّ ذاته إنجاز وسابقة غير معهودة في مسار الأزمة الليبية خلال السنوات التسعة الماضية(6).

بمجرد انتهاء الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي، أحسَّ متصدرو المشهد العام الليبي (أعضاء المجلس الأعلى والبرلمان) بأن الملتقى السياسي في طريقه إلى سحب البساط من تحت أرجلهم، وتجريدهم من صلاحياتهم، وهنا أحسوا بالذعر والخوف على مصالحهم، فتناسى أعضاء البرلمان الليبي (كتلتا شرق ليبيا وغربها) خلافاتهم وطرحوها جانبًا، واجتمعوا في بحر أيام في طنجة بالمغرب في اجتماع تشاوري، بعدد فاق النصاب (123 عضوًا)، علمًا بأن البرلمان الليبي لم يصل قط للنصاب (95 عضوًا) منذ نشأته عام 2014 وحتى اجتماع طنجة.

في طنجة، ظهر أعضاء البرلمان الليبي في صورة مغايرة تمامًا لما عُرف عنهم، من عداء وخصومة، وغابت لغة الشيطنة والتخوين، وحلَّت محلها لغة التصالح والحرص على المصالح العليا لليبيا! وقرروا وفق بيانهم الختامي "العزم على المضي قدمًا نحو الوصول إلى إنهاء حالة الصراع والانقسام بكافة المؤسسات، والحفاظ على وحدة كيان الدولة، وسيادتها على كامل أراضيها"(7).

وانصبت أعمال الاجتماع التشاوري على توحيد مجلس النواب الليبي بشقيه في العاصمة، طرابلس، ومدينة طبرق، وقرروا عقد جلسة رسمية بعد أسبوع في غدامس الليبية، يتم من خلالها توحيد البرلمان الليبي بشقيه، طبرق وطرابلس، وتغيير اللائحة الداخلية وكذلك رئاسة البرلمان. وفعلًا، اجتمعوا في غدامس، إلا أن الخلافات دبَّت بينهم من جديد عند وضع جدول الأعمال؛ حيث تشبث نواب برلمان طبرق بتوحيد البرلمان دون تغيير لائحته الداخلية أو رئاسته، واختيار مدينة المقر، والعمل على قيادة المرحلة الانتقالية، التي حددها ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة. بالمقابل، أصرَّ نواب طرابلس، وهم الأغلبية (97 نائبًا ونائبة) على ضرورة تغيير اللائحة الداخلية للبرلمان وتغيير رئاسته، وعمل عقيلة صالح (رئيس البرلمان الليبي) على الاجتماع بـ38 عضوًا في القبة (شرق ليبيا) واعتبرهم البرلمان الحقيقي لليبيا، واتهم المجتمعين في غدامس بأنهم تحت سيطرة الميليشيات في غرب البلاد، كما اتهم برلمان طرابلس بأنه مختطف من قِبل جماعة الإخوان المسلمين.

يرى المراقبون أن الإمارات تقف وراء الانقسام والسجال الحاصل حاليًّا في البرلمان الليبي، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من التوحد من جديد، في وجه التهديد الجدي لأعضائه من قبل كتلة المستقلين في ملتقى الحوار السياسي الليبي.

السيناريوهات المتوقعة

توحي المؤشرات والوقائع بأننا على الأرجح نتوقع ثلاثة سيناريوهات لمآلات الأحداث في ليبيا على النحو التالي:

السيناريو الأول

أن يتمكن أعضاء البرلمان الليبي من تجاوز خلافاتهم، ويتحرروا من سيطرة عقيلة صالح على مجريات الأمور باستبداله، ويعملوا على قيادة المرحلة الانتقالية، التي ستبدأ بعد أيام قليلة من خلال اختيار رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الذي نتوقع أن يكون أحد التكنوقراط المحسوبين على اللوبي الأميركي في ليبيا، وفي الغالب سيكون وجهًا جديدًا غير معروف، وأن يتم التمديد للمجلس الرئاسي الحالي بقيادة فايز السراج.

السيناريو الثاني

أن يقوم خليفة حفتر بمغامرة عسكرية جديدة بدفع من الإمارات ومصر تكون المنطقة الوسطي والجفرة والجنوب مسرحًا لها، مما سيربك المشهد برمته، كما سبق أن قام بما يشبه ذلك في حربه على العاصمة قبيل مؤتمر المصالحة الوطنية الشامل، في أبريل/نيسان 2019. وهذا السيناريو رغم أنَّ نذره بدأت تلوح في الأفق، منذ مناوشات أوباري مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، إلا أن الظرف الدولي ودخول الولايات المتحدة على خط التسوية لن يسمحا بحدوثه بالشكل الكارثي كما حدث في حرب العاصمة.

السيناريو الثالث

وهو الأكثر ترجيحًا، وهو أن يستمر البرلمان الليبي في الانقسام ويفوِّت أعضاؤه على أنفسهم قيادة المرحلة الانتقالية، ويحل ملتقى الحوار السياسي الليبي تدريجيًّا محلهم، ولاسيما أن الأخير يحظى بدعم شعبي منقطع النظير، ومباركة أممية ودعم دولي. وتمر المرحلة الانتقالية بسلاسة دون منغصات جدية حتى موعد الاستحقاق الانتخابي، في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)- Richard Pallardy: List of wars, Encyclopaedia Britannica, (Publishing date: Jul 10, 2015), (Accessed: Dec 17,2020):

https://www.britannica.com/topic/list-of-wars-2031197/additional-info#history

(2) في عهد المملكة الليبية، عام 1952، دعا الملك إدريس السنوسي إلى حل جميع الأحزاب السياسية، على خلفية الاضطرابات التي وقعت في 19 فبراير/شباط بين الشرطة والمواطنين، بعد تشكيك حزب المؤتمر الوطني في نزاهة الانتخابات واستمر منعها حتى أيام حكم العقيد القذافي وإعلان النظام الجماهيري، الذي أصدر القانون رقم (17) لسنة 1972 بشأن تجريم الحزبية الذي نص في مادته الثالثة على عقوبة الإعدام لكل من دعا الى إقامة تجمع أو تنظيم حزبي.

(3) عرف البرلمان الليبي فترتين انتخابيتين؛ أولهما العام 2012 (تحت اسم مؤتمر الشعب العام) وحققت فيه التيارات الاسلامية أغلبية مريحة بــ123 مقعدًا (61.5% من مجموع المقاعد البالغ 200 مقعد)، والثانية في أواخر يونيو/حزيران 2014، التي تم فيها انتخاب 188 مقعدًا فقط، ولم يتم إجراء الانتخابات في مدينة درنة وضواحيها نظرًا لسيطرة القاعدة عليها في تلك الفترة، وتراجعت حصة التيارات الاسلامية إلى 30 مقعدًا فقط، 25 منها لحزب العدالة والبناء، المحسوب على الإخوان المسلمين. وتوزعت بقية المقاعد بين التيارات الليبرالية والفيدراليين والمستقلين؛ الأمر الذي جعل التشكيلات العسكرية التابعة لتيارات الإسلام السياسي تتكتل في قوات واحدة سُميت بـ"قوات فجر ليبيا" عملت على إخراج قوات الزنتان وترهونة وغيرها من التشكيلات المناصرة للتيارات الليبرالية والفيدراليين والمستقلين من العاصمة، طرابلس.

(4) "الجنائية الدولية: ميليشيات استهدفت المتظاهرين ضد الفساد في شرق وغرب ليبيا"، بوابة الوسط، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2020):  

http://alwasat.ly/news/libya/299778

(5) بيان من الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، حول الجولة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي: موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2020):

https://bit.ly/3arkXzE

 (6) محمد عمر بن إجديرية: التسوية السياسية في ليبيا: ملتقى الحوار السياسي بتونس، قناة 218 الليبية، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2020):

https://bit.ly/3nAhRgJ

(7) نواب ليبيا المجتمعون في طنجة يؤكدون عزمهم إنهاء الانقسام: موقع دويتشه فيله، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأول 2020):

https://bit.ly/37xyO5E