مع اقتراب انتخابات الرئاسة الإيرانية، يوم الجمعة 18 يونيو/حزيران 2021، وقرب انتهاء فترة روحاني الرئاسية، سادت موجة متفائلة بإمكانية التوصل إلى تسوية بشأن إحياء الاتفاق النووي. لكن موجة التفاؤل هذه تأتي محاطة بالكثير من العقبات لعل في مقدمتها أن المدة القصيرة المتبقية لا تعد هامشًا زمنيًّا كافيًا لحلحلة ملفات شائكة أهمها العقوبات وآليات إزالتها. وفيما تتواصل جلسات المحادثات في جنيف يتصاعد النقد المتبادل بين مندوبي الطرفين، الأميركي، روبرت مالي، والإيراني، عباس عراقجي.
وفي الوقت الذي رأى فيه البعض أن إمكانية وصول رئيس أصولي إلى سدة الرئاسة هو سبب أدعى للوصول إلى اتفاق، قرأ البعض الآخر فيها سببًا للتردد في إنجاز اتفاق قد لا يكون تطبيقه هيِّنًا من قبل رئيس يحمل مواقف وتوجهات سياسية مختلفة عن روحاني صاحب الإرث التفاوضي والمدافع عن الدبلوماسية وضرورة البقاء في مسارها.
ولا يمكن بأية حال من الأحول إسقاط الانتخابات وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج كمؤثِّر حساس على مجريات العملية التفاوضية في جنيف. وقد ترجِّح الأطراف المشاركة جمع شتات قضايا الخلاف والوصول إلى اتفاق بدل انتظار الرئيس الجديد وما يتضمنه ذلك من فريق تفاوضي جديد وربما إطار تفاوضي جديد.
لم تدخل مناظرات مرشحي الرئاسة الإيرانية بصورة معمقة في بحث مسألة التفاوض وسيطرت القضايا الداخلية ذات الطبيعة المعيشية على شعارات المرشحين وبرامجهم. ومع ذلك، نجد مؤشرات حول التوجهات المستقبلية بهذا الخصوص لدى حجة الإسلام رئيسي، المرشح الأصولي الأكثر حظًّا تجاه مسألة الاتفاق. فقد رأى أن الاتفاق النووي ببنوده التسع التي نالت موافقة القيادة العليا في إيران كغيره من المعاهدات يجب الالتزام بها، ولكن تطبيق الاتفاق يحتاج إلى حكومة قوية في الداخل، فالاقتدار الخارجي ينبع من الاقتدار الداخلي. أما المؤشر الآخر، فيتعلق بالموقف من الاتفاق مع مجموعة العمل المالي(FATF) والتي تأجل البتُّ فيها من قبل مجمع التشخيص بعد الخلاف بشأن بعض البنود المتعلقة بغسيل الأموال ومكافحة الإرهاب بين الحكومة ومجلس صيانه الدستور؛ حيث ربط رئيسي الموافقة عليها بتحقيق المصالح الإيرانية. وتقول هذه المؤشرات: إن حكومة رئيسي ستكون حكومة تفاوضية، لكن ضمن إطار مختلف.
وفي المحصلة، لا يمكن الحديث عن سيناريو واحد لمستقبل المحادثات بشأن الاتفاق النووي على ضوء محادثات جنيف الأخيرة.
اتفاق یسبق الانتخابات
يعد سيناريو الوصول إلى اتفاق بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية أو قبلها أحد السيناريوهات المطروحة. وتشير وكالة "إيرنا" الرسمية الإيرانية إلى أن هذا السيناريو يقوم على وجود هامش زمني يصل إلى ما يقرب الشهرين بين الانتخابات الرئاسية (18 يونيو/حزيران 2021) وتسليم الرئاسية للرئيس المنتخب ونهاية فترة حسن روحاني بصورة رسمية، في أغسطس/آب 2021. وذلك يعني أن الوصول إلى اتفاق، وعودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي، وإزالة العقوبات، وتراجع إيران عن خطواتها التي تضمنت تخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي ومن ذلك رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، كل ذلك يجب أن يحدث في غضون شهرين.
ويقلِّل هذا السيناريو من تأثير طبيعة التوجه السياسي للرئيس القادم من زاوية أن السياسة الخارجية، وفقًا للدستور، لا يجري رسمها بالضرورة من قبل وزارة الخارجية والجهات التنفيذية بل تأتي من قبل القيادة العليا في النظام، ولذلك فليس من الوارد أن يُبطل الرئيس القادم اتفاقًا يأتي منسجمًا مع الخطوط المرسومة للسياسة الخارجية من قبل القائد الأعلى في إيران.
يرافق هذا السيناريو حالة من القلق من التصعيد المتواصل في البرنامج النووي الإيراني، والحديث عن العامل الزمني كمؤثر على هذا الصعيد.
اتفاق بعد الانتخابات
يرتبط السيناريو الثاني بالسيناريو الأول، وهو يتحدث عن اتفاق قبل تسلُّم الرئيس المنتخب مقاليد الرئاسة. ويركز هذا السيناريو على وجود نية وقرار سياسي بإنجاح العودة إلى الاتفاق النووي في عهد حكومة روحاني، ولأن المفاوضات تجري بشكل غير مباشر وتتضمن ملفات معقدة، فمن الممكن التوصل إلى اتفاق مع نهاية يونيو/حزيران. ويمكن لمسألتين تسريع عملية التفاوض لإحياء الاتفاق قبل مغادرة روحاني كرسي الرئاسة: نتيجة الانتخابات، وإمكانية ألا يأتي موقف الرئيس المقبل من الاتفاق بشكل يشابه موقف روحاني، أمران قد يجعلان فرق التفاوض تسرع في عملية الاتفاق قبل مجيء الرئيس القادم في إيران.
في هذه الحالة، حتى لو كانت هناك مشكلة في تطبيق الاتفاق بالنسبة للحكومة الجديدة فستكون بالتأكيد أمام مسؤولية الحكومة الإيرانية الالتزام بتعهد صدر عن الحكومة الإيرانية. أما حكومة روحاني فهي مصمِّمة على إحياء الاتفاق بأية طريقة ممكنة قبل انتهاء مدتها، وبالتالي المحافظة على إرثها التفاوضي وسجلها في إزالة العقوبات. وأن تسلِّم زمام الرئاسة إلى الرئيس الجديد بسجل فيه إنجازات ستسهِّل عليه التعامل مع ملف الأزمة الاقتصادية والعقوبات.
اتفاق بعد الانتخابات ومع الرئيس المنتخب
هذا السيناريو يعني أن عملية التفاوض لإحياء الاتفاق النووي لن تصل إلى خاتمتها في عهد روحاني، بل ستكون في عهد الرئيس القادم. ورغم الثبات في السياسة الكلية لإيران فقد تعني نتائج الانتخابات فريقًا تفاوضيًّا جديدًا وقد تعني أيضًا إطارًا تفاوضيًّا جديدًا والعودة بالعملية التفاوضية إلى البدايات، وفي النتيجة تغيير مسار التفاوض.
ولا يعني هذا السيناريو أن الرئيس القادم حتى مع التسليم بتوجهاته الأصولية قد يعارض التفاوض؛ حيث إنه معني بحلحلة المعضلة الاقتصادية وتقديم حلول بشأنها. وإذا جاء رئيسي فهو معنيٌّ بصورة كبيرة بإضافة نقاط نجاحه إلى سجله بالنظر إلى مستقبله السياسي، الذي يضع احتمالات وصوله إلى منصب القائد الأعلى مستقبلًا. أما التيار الأصولي فهو معني بإثبات أنه بديل جيد قادر على تقديم حلول للمشكلات المعيشية المستعصية أمام المجتمع الإيراني. خاصة مع ما أظهره تقرير مركز الإحصاء الإيراني؛ إذ تشير نتائج مسح القوى العاملة في خريف عام 2020 ومعدل البطالة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر أن 9.4٪ من إجمالي السكان النشطين عاطلون عن العمل. وهذا يعني أن عدد العاطلين عن العمل في خريف عام 2020 حوالي 2 مليون و435 ألف شخص. حوالي 40% منهم هم من خريجي الجامعات ويصل عددهم إلى مليون شخص.
خلاصة
يبدو السيناريو الأول مغرقًا في التفاؤل؛ حيث إن زوايا الخلاف بشأن إحياء الاتفاق ليست بهذه السهولة. وبالموازاة، فالسيناريو الثالث محاط بالتوجس ومخاوف الأطراف المشاركة في المفاوضات. ويبدو أن السيناريو الثاني هو الخيار الأكثر قبولًا لدى مختلف الأطراف، لكنه رهن بقرار سياسي من الولايات المتحدة الأميركية بالعودة إلى الاتفاق وإزالة فعالة للعقوبات؛ وضمن حساب أثمان تأجيل الحل، والتصعيد في علاقة إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتقارير الصادرة عن الوكالة بشأن المواقع النووية الإيرانية، فسيكون للذهاب نحو السيناريو الثالث أثمان وتبعات لن تقف عند حدود العلاقة بين واشنطن وطهران.