فوز رئيسي: قضايا وإشكاليات الداخل والخارج

يحتاج إبراهيم رئيسي مع أدنى نسبة مشاركة شهدتها الجمهورية الإسلامية في انتخاباتها الرئاسية (49%) إلى أداء سياسي يجعله يثبت أنه رئيس لكل الإيرانيين وليس رئيس إيران الأصولي. وهذه معادلة تحتاج منه إلى عمل تسويات داخلية. لكن المدى الذي يمكن أن يسلكه في هذا الاتجاه سيبقى محدودًا إذ إنه معني بشكل أساسي ببقاء حالة التناغم السياسي في توجهات حكومته وهو ما تقتضيه أيضًا ملفات السياسة الخارجية وفي مقدمتها الملف النووي والعلاقة مع الغرب.
21 يونيو 2021
شابة إيرانية مؤيدة لرئيسي تحتفل بفوزه في طهران (الأناضول)

بعد جدال بشأن سياسات مجلس صيانة الدستور ودعوات للمقاطعة قابلتها دعوات وحشد للمشاركة، انتُخب رجل الدين ورئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، ليكون ثامن رئيس لإيران في عهد الجمهورية الإسلامية. يخلف رئيسي حسن روحاني الذي سُجِّل في إرثه السياسي اتفاق نووي مع مجموعة 5+1، في 2015، ما لبثت الولايات المتحدة الأميركية في عهد ترامب أن خرجت منه، عام 2018، فارضة مزيدًا من العقوبات ضمن ما عُرف بسياسة "الضغط الأقصى". ورافق فشل رهان حكومة روحاني على الغرب وعجزه عن الوفاء بوعوده الاقتصادية تراجع اقتصادي وأوضاع معيشية صعبة وتصعيد فرضه مجلس الشورى على صعيد خفض التزامات طهران بالاتفاق النووي كان أهمه رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%.

واعتبر النائب التنفيذي لمكتب آية الله علي خامنئي، وحيد حقانيان، أن الانتخابات "ضربت توقعات الأعداء"، واجتازت فيها البلاد "مرحلة حساسة" من تاريخها. و"نظرًا لشروط الترشح واستبعاد عدد من المرشحين، ومقاطعة الانتخابات من قبل بعض الشخصيات كالرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، فقد شكَّل بقاء المرشحين الثلاث في السباق الرئاسي عونًا لرئيسي حيث إن انسحاب هؤلاء الثلاثة من السباق الانتخابي كان سيشكِّل تحديًا كبيرًا للنظام".

الداخل: سعي لاستعادة الثقة

في أول تصريح له عقب انتخابه رئيسًا، قال إبراهيم رئيسي: "في الحكومة الجديدة، سنبذل قصارى جهدنا لحلحلة عقد البلاد خاصة المتعلقة بمعيشة الناس". وتحدث عقب لقاء جمعه بالرئيس حسن روحاني، الذي زاره مهنئًا، عن سعيه ليكون بمستوى الثقة لإنجاز المهمة الثقيلة التي وضعها الناس على كاهله.

تحدث رئيسي عن أنه ترشح مستقلًّا، وركز خلال حملاته الانتخابية في 2017 وفي حملته الأخيرة على أن حكومته ستكون خالية من الانحياز لتيار معين. لكن صحيفة شرق الإصلاحية تساءلت إن كان يستطيع حقًّا تشكيل حكومة عابرة للأجنحة؟ بحيث نشهد مشاركة وزراء من ذوي التوجهات الإصلاحية والمعتدلة في حكومته المقبلة. وما واقعية الحديث عن أنه جاء مستقلًّا بالرغم من توجهه الأصولي الواضح، وبالرغم من أنه حظي بدعم الغالبية العظمي من أحزاب وشخصيات التيار الأصولي؟

يحتاج إبراهيم رئيس مع أدنى نسبة مشاركة شهدتها الجمهورية الإسلامية في انتخاباتها الرئاسية (49%) إلى أداء سياسي يجعله يثبت أنه رئيس لكل الإيرانيين وليس رئيس إيران الأصولي. وهذه معادلة تحتاج منه إلى عمل تسويات داخلية ومشاركة أصحاب التوجهات الأخرى في إدارة العملية السياسية. لكن المدى الذي يمكن أن يسلكه في هذا الاتجاه سيبقى محدودًا إذ إنه معني بشكل أساسي ببقاء حالة التناغم السياسي في توجهات حكومته وعلاقتها مع مؤسسات صنع القرار الأخرى. 

ولم تصدر إلى اليوم معطيات واضحة بشأن تشكيلته الوزارية لكن تسريبات تحدثت عن احتمال منصب اقتصادي لسعيد محمد، القائد السابق لمجمع خاتم الأنبياء الاقتصادي التابع للحرس الثوري، ولم يصادَق على ترشحه للانتخابات الرئاسية. وقد أعلن محمد دعمه لرئيسي أثناء فترة الدعاية الانتخابية وأكد أنه "لم يضع أي شرط لدعم رئيسي"، أما بشأن تولي منصبٍ ما فعلَّق: "إذا رأى ذلك مناسبًا فسأخدمه كجندي في النظام". وعلى صعيد السياسة الخارجية يبرز اسم سعيد جليلي، رئيس فريق التفاوض السابق وممثل خامنئي في مجلس الأمن القومي. وهو اسم لا يَسُرُّ الأطراف الغربية وكذلك يبرز اسم علي باقري كني الذي شغل منصب النائب الأول لرئيسي في السلطة القضائية.  وتُطرح أسماء من الحرس الثوري لوزارة الاستخبارات، أما اللواء أمير علي حاج زاده، القائد الحالي لسلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني فيُطرح اسمه لوزارة الدفاع، وهو مسؤول عسكري برز اسمه بشكل كبير في موضوع القدرات الصاروخية الإيرانية، وخرج معتذرًا للناس عندما جرى إسقاط الطائرة الأوكرانية من قبل دفاعات الحرس عقب اغتيال قاسم سليماني، عام 2020. وقام بزيارات لعوائل الضحايا. ويعتبر من الشخصيات التي تحظى بشعبية كبيرة في إيران. وأكد مرارًا أن بلاده لن تفاوض على برنامجها الصاروخي وأنه لا يوجد في إيران مسؤول لديه إذن للتفاوض بشأن هذه القضية. ويعد الملف الصاروخي من القضايا التي يسعى الغرب للدخول في مسار تفاوضي بشأنها مع إيران.

وحكومة رئيسي القادمة، مطالَبة داخليًّا بتحقيق انفراجات في القضايا التالية:

  • مواصلة حملته في مكافحة الفساد التي أطلقها عندما ترأَّس السلطة القضائية وأظهر جدية فيها.
  • تخفيف الضغوط المعيشية عن الناس وتوفير فرص عمل وتخفيف حدة البطالة خاصة بين صفوف الشباب.
  • تعزيز الآليات التي تحدث عنها لتحييد تأثير العقوبات من خلال تعزيز الإنتاج الداخلي وبناء اقتصاد لا يعتمد على الغرب ولا يعوِّل على الاتفاق النووي دون خطة بديلة.
  • سيكون أمام استحقاق استعادة ثقة الناس في العملية السياسية بإنجازات اقتصادية بالدرجة الأولى كما يحتاج إلى مبادرات مصالحات داخلية. وقد ينجح رئيسي في إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على مير حسين موسوي ومهدي كروبي، زعماء الحركة الخضراء منذ احتجاجات 2009 على الرغم من أنه لم يعد بذلك، وهي المسألة التي عجز عن الوفاء بها حسن روحاني رغم أنه وعد بذلك.

الخارج: ماذا بشأن الاتفاق النووي؟

على الرغم من التوجه الواضح بالنسبة لرئيسي فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه أظهر واقعية سياسية في حديثه عن الاتفاق النووي، وقال إن حكومته ملتزمة بتطبيقه، لكنه علَّق بأن تطبيقه يحتاج إلى "حكومة قوية". وذلك يعني أنه إذا كان روحاني يسعى لتجنب التصعيد للحفاظ على الاتفاق النووي فإن رئيسي سينتهج التصعيد لتطبيق الاتفاق.

يبدو الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية راغبة أكثر من أي وقت مضى في إنجاز اتفاق خلال الفترة المتبقية لحسن روحاني في السلطة، أي إلى مطلع أغسطس/آب 2021. وإذا ما حدث ذلك فهذا يعني أن يستلم رئيسي زمام الأمور من حسن روحاني مع منجز تفاوضي سيجني هو ثماره وأهمها رفع العقوبات. وفي مقابل ذلك، هناك من يرى ضرورة تأجيل الاتفاق وإنجازه مع الحكومة الجديدة؛ وظهر ذلك بصورة واضحة في تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، الذي اعتبر أن مساعي إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران يجب أن تنتظر تشكيل حكومة إيرانية جديدة، مشددًا على أن الأمر يحتاج لإرادة سياسية من جميع الأطراف. وإذا تأجل الأمر لما بعد روحاني فهذا يعني أن رئيسي سيشكِّل فريقًا تفاوضيًّا جديدًا ولا يُستبعد أن يتم بناء إطار تفاوضي جديد. وهي عملية ستكون صعبة مع رئيس تدرجه واشنطن في قائمة عقوباتها.

يرى الأستاذ في جامعة طهران، حسن أحمديان، أن أولويات إيران بالنسبة للتعامل مع الغرب ستتغير مع إبراهيم رئيسي ويأتي ذلك استنادًا إلى قراءة تقول بأن رؤية الرئيس الحالي، حسن روحاني، تختلف عن شخصية رئيسي ورؤيته، وهذا سينعكس بطبيعة الحال على السياسة الخارجية لإيران.

ومن الواضح أيضًا أن هناك ظروفًا إقليمية ودولية مساعدة ليبدأ رئيسي عهده ببعض الإنجازات، فقد عادت إيران إلى سوق النفط رغم العقوبات ووفق آخر التقارير فقد ارتفع إنتاج إيران من النفط ووصل في أبريل/نيسان 2021 مليونين و413 برميلًا من النفط يوميًّا بعد أن كان قد وصل إلى مليونين و328 برميلًا من النفط يوميًّا في مارس/آذار 2021. هذا يعني أن إيران تعود إلى سوق النفط رغم العقوبات بعد أن تراجع إنتاجها خلال الأعوام الماضية. فیما تتوقع منظمة أوبك أن تُدْخِل إيران إذا رُفعت العقوبات عنها، 1.4 مليون برميل يوميًّا إلى السوق النفطية في وقت قصير نسبيًّا.

إقليميًّا: حلحلة الملفات أم تعقيدها؟

وفي تحليله الذي أشرنا إليه، يلفت أحمديان النظر إلى الفرق في التوجهات السياسية الخارجية بين روحاني ورئيسي؛ ففي وقت "صبَّ  الأول جلَّ اهتمامه خلال رئاسته لإيران على حل المشاكل مع المجتمع الدولي، وتحديدًا الغرب، للانطلاق إلى حل المشاكل الداخلية، وهو ما ظهر في الوصول إلى الاتفاق النووي، يرى رئيسي أن الأولوية هي لحل المشاكل مع الدول المحيطة بإيران، ومن ثم الانتقال إلى المستوى الدولي". ويعتقد رئيسي أن إيران تمتلك أدوات للضغط على أميركا في موضوع الملف النووي.

وتشير معطيات كثيرة، منها تصريحات ومواقف سابقة، إلى التزام رئيسي بدعم وحماية النفوذ الإقليمي لإيران، ولديه علاقات قوية مع قادة حزب الله والحركات الأخرى في "محور المقاومة"، وهذا يعني في واحد من وجوهه زخمًا في دعم دور فيلق القدس والحرس الثوري على هذا الصعيد. لكن ومع ذلك، فإن ضرورة التوجه إلى الجوار، ومن ذلك الجوار العربي، كما تحدث رئيسي خلال المناظرات الانتخابية، تلزم بمبادرات وتسويات في الإقليم ولعل القضية في اليمن يمكن أن تكون مدخلًا لتسوية سياسية تخفف من حدة التوتر بين إيران والعربية السعودية. وهناك حديث عن محادثات لحل سياسي بمشاركة أنصار الله ستجري في الدوحة في المستقبل القريب.  

خلاصة

استحقاقات كثيرة تنتظر إبراهيم رئيسي، ففي الداخل عليه أن يثبت سريعًا أنه رئيس لكل الإيرانيين وليس فقط ممثلًا للتيار الأصولي، وهذا يعني إشراك توجهات أخرى في حكومته بوزراء ومسؤولين من خارج التيار. وسيتعين عليه أن يُحدث إنجازات ملموسة على صعيد مكافحة الفساد خاصة أنه وضعه هدفًا في حملته الانتخابية. وكذلك الحال بالنسبة لتخفيف حدة الضغوط الاقتصادية. وهو ما قد يتطلب منه واقعية سياسية فيما يتعلق بمسألة التفاوض، ويدعم ذلك رأي خبراء يعتقدون أن تفعيل مؤشرات الخروج من الكساد الاقتصادي يعتمد كثيرًا على نتيجة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وأيضًا سياسة الحكومة الجديدة القادمة.

ويبدو الشق الداخلي أكثر حساسية بالنسبة لرئيسي ومستقبله وكذلك الحال بالنسبة للتيار الأصولي ويرتبط ذلك بما يتحدث عنه عالم الاجتماع الإيراني، أمان الله قرايي، مقدِّمًا "رأس المال الاجتماعي والأهم من ذلك الثقة الاجتماعية وهو ما يجري بناؤه وصقله وتغييره مع مرور الوقت، وهو يتحرك من الأسفل إلى الأعلى والعكس صحيح. وعلى عكس رأس المال الطبيعي والصناعي فرأس المال الاجتماعي كلما زاد استهلاكه وأصبح مهترئًا لا يمكن إخفاء ذلك، وبمرور الوقت يصبح أكثر خصوبة وأكثر فعالية وأكثر دوامًا وله تأثير أكبر على عائد الأصول الأخرى وثباتها"، وهو ما يحتاج رئيسي إلى إدراكه بصورة سريعة.

نبذة عن الكاتب