الانسحاب الأميركي من العراق: نتائجه وتداعياته

يثير الفراغ السياسي والأمني بانسحاب القوات الأميركية من العراق شهية دول الإقليم لمحاولة ملء هذا الفراغ، وتعد إيران الدولة الأكثر ترشيحا للعب هذا الدور لما تمتلكه من نفوذ داخل العراق، وهذا الانسحاب يثير مخاوف حقيقية حول أمن ومصير العملية السياسية في العراق.







 

د. باسل حسين


يترقب العراقيون والعرب والإقليم وبقية دول العالم الانسحاب الأميركي من العراق بوصفه يمثل نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى يتم في ضوئها تحديد ملامح الدولة العراقية، وربما المنطقة ككل.


وإذا كان انسحاب المحتل في كل دول العالم هو عامل ارتياح لشعوبها، فإنه في العراق يجسد حالة متناقضة من الفرح والحزن والقلق والارتياب، ولهذا الشعور ما يبرره على أرض الواقع؛ لأنه إذا كان احتلال العراق قد شكَّل كارثة حقيقية؛ فإن طريقة الانسحاب وتوقيته -وليس الانسحاب نفسه- قد يكون أكثر كارثية، لاسيما أن الإدارة الأميركية تتعامل مع الوضع العراقي ليس من قبيل المسؤولية القانونية والأخلاقية عمّا جرى ويجري الآن بوصفها دولة محتلة، بقدر ما هو عبء يتم التخلص منه بغضِّ النظر عن النتائج والتداعيات التي سوف يؤول اليها الوضع في العراق بعد الانسحاب.


مخاوف وهواجس ما بعد الانسحاب
دول الإقليم وسياسة ملء الفراغ
مستقبل غامض واحتمالات متعددة


مخاوف وهواجس ما بعد الانسحاب 


إن انسحاب القوات الأميركية من العراق قد أثار لدى العراقيين الكثير من الهواجس والمخاوف من انعكاسات وتداعيات هذه الخطوة على مختلف الصعد، ولعل من أهمها:






  1. انسحاب القوات الأميركية من العراق قد أثار لدى العراقيين الكثير من الهواجس والمخاوف من انعكاسات وتداعيات هذه الخطوة على مختلف الصعد.
    الانقسام الحاد في المشهد السياسي العراقي، الذي انعكس بدوره على الوضع في العراق، إذ مع انسداد الأفق السياسي تبدو فرصة تشكيل الحكومة معدومة، لاسيما بعد تحول هذا المشهد إلى نوع من التناطح، حيث بات المسرح السياسي وكأنه حلبة صراع لشخصيات مكررة ينحصر بينها الصراع على السلطة. إن المشكلة الأساسية في هذا المشهد أنه جاء كمنتَج سياسي وليس نتاج تطور عملية سياسية.


  2. هناك خشية من انتقال الصراع إلى داخل القوائم نفسها؛ لأن معظم هذه القوائم هي ائتلافات وليست أحزابا، وبالتالي فإن عقبة الاتفاق حول الرئاسات الثلاث (رئاسة الوزراء، رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان) ليست هي العقبة الوحيدة، بل إنه حتى لو تم افتراضا الاتفاق عليها فإن عقبة أخرى سرعان ما ستبرز وهي مسألة تشكيل الحكومة، ومن شبه المؤكد أن الخلافات ستنتقل إلى داخل القائمة الواحدة لأن كل حزب أو تشكيل داخل الائتلاف الواحد سيطالِب بما يعتبره استحقاقا، وربما يؤدي هذا إلى تفتيت هذه القوائم والدخول في أزمة جديدة ستعرقل تشكيل هذه الحكومة، وهو ما يعطي انطباعا مفاده أن تشكيل هذه الحكومة لن يتم حتى نهاية هذه السنة.


  3. تغيب المفاهيم التنموية والمؤسساتية الوطنية لجهة مفاهيم ذات محتوى ضيق تجزيئي غالبا "عنصرية أو طائفية أو جهوية"؛ إذ إن هذه النخبة الحاكمة تفتقر إلى أبسط مقومات النهوض الحضاري والمدني والعمراني بالعراق، وإن الذي يفرقها ويجمعها هو الصراع على السلطة ومغانمها.


  4. الفساد الذي ينخر الدولة العراقية، وقد تحول هذه الفساد من كونه ظاهرة طارئة كما ينبغي أن يكون إلى بنية حقيقية يصعب هدمها، وقد قامت النخبة السياسية الحاكمة بإدارة الاقتصاد العراقي على وجهين: الأول: التقايض المشترك بين الفرقاء. والآخر: هو الاستغلال المباشر الذي مارسه الماسك بالسلطة، ليتحول الاقتصادي العراقي حسب توصيف المفكر الاقتصادي سالينز إلى اقتصاد العصر الحجري. وقد أظهر تقرير أميركي مستقل أن النخبة الحاكمة قد استولت على ثلث مقدرات العراق لمنافعها الخاصة، بمعنى أن هذه النخبة قد نهبت ما لايقل عن 100 مليار دولار خلال السنوات السبع الماضية، وهذا ما يفسر في جزء منه تصارع هذه النخب على السلطة وتمسكها بها.


  5. يشكِّل الملف الأمني هاجسا مرعبا للعراقيين، لاسيما أن المنظومة الأمنية تعاني من وهن شديد نتيجة لعوامل مجتمعة من بينها:

    • عدم توفر الخبرة الكافية لمنتسبيها، مع عدم تجهيز هذه القوات بالقدرة المادية والمعنوية لمواجهة التحديات والتهديدات.
    • تم إبعاد الكثير من العناصر الكفؤة لأسباب واهية، وتم دمج المليشيات في قوات الأمن على أسس غير مدروسة.
    • إضافة إلى ضعف الجانب الاستخباري.

      وكما هو معلوم أن الأمن بات الآن صناعة حقيقية، ويمر في العادة بمرحلتين: الأولى: مرحلة صنع الأمن، ويتم فيها بناء الأمن كمنظومة شاملة سياسية عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة حفظ الأمن. والواقع أن العراق لا يزال يمر بمرحلة صناعة الأمن، ومع تلك الحقائق المشار اليها آنفا تبدو صناعة الأمن في العراق هشة مضطربة. وهناك خشية حقيقية من أن تتحول هذه القوات نتيجة ضعف بنائها العقائدي الوطني إلى مجموعة من الأفواج التابعة لأحزاب أو شخصيات سياسية، لتصبح في نهاية المطاف عنصر عدم استقرار بدلا من أن تكون مسهمة في إرساء الاستقرار.


  6. وهي مرتبطة بالنقطة أعلاه، وهي تزامُن عودة جماعات العنف المنظمة بكافة أشكالها وأنواعها إلى ممارسة نشاطها، ولا شك أن هذه العودة غير المحمودة، ترسخ اعتقادا بأن الانفلات الأمني وسيطرة بعض جماعات العنف على بعض المناطق سوف يقود العراق إلى دوامة جديدة من العنف الأعمى.





  7. تشير وثيقة صادرة من وزارة الدفاع العراقية إلى أن الجيش العراقي لن يكون في حالة جهوزية إلا في عام 2020، وهذا ما أكَّده صراحة رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري.
    تُشكِّل الخلافات البينية -لاسيما العربية الكردية- هاجسا مؤرِّقا للكثيرين من العراقيين بوصفها إحدى العوامل الرئيسة المهدِّدة لاستقرار العراق مع عدم وجود أرضية حقيقية لتسوية هذه الخلافات، سواء حول كركوك أو بقية المناطق الأخرى في الموصل وديالى. فضلا عن الخلافات حول توزيع وطرق استثمار وتصدير الثروات الطبيعية وتحديدا النفط والغاز. وقد أظهرت تسريباتٌ شبه مؤكدة أن الأمم المتحدة -وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية- تنوي الأخذ بالتصويت في المناطق "المتنازع عليها"، بوصفه معيارا أساسيا في حل مشكلة هذه المناطق، وهو أمر لابد وأن يثير اعتراضات شتى من قبل العرب والتركمان.


  8. على صعيد حماية حدود العراق، يفتقر الجيش العراقي إلى الكثير من المقومات التي يمكن أن تؤهله لتولي حماية حدوده، لاسيما أن العراق لم يستطع إلى الآن إقناع دول الجوار بالتعاون معه في الملف الأمني، وتؤكد الوثائق الصادرة سواء عن الولايات المتحدة أو العراق أن الجيش العراقي قد تحول عن مهمته الأساسية المتمثلة بحمايه الحدود وأصبح قوة شرطة، كما أن هذا الجيش يفتقر إلى التسلح الفاعل والحديث، مع انعدام قدرات القوات الجوية العراقية وعدم امتلاكها حتّى الآن أية طائرات مقاتلة أو قاصفة أو أجهزة رادار متطورة قادرة على رصد التحركات على طول حدود العراق البالغة حوالى الـ3500 كيلومتر مع دول الجوار الست. وتشير وثيقة صادرة من وزارة الدفاع العراقية إلى أن الجيش العراقي لن يكون في حالة جهوزية إلا في عام 2020، وهذا ما أكَّده صراحة رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري.


  9. تُعد إشكالية تحديد أو تعريف العدو لدى النظام السياسي أو حتى الجمهور العراقي مسألة أساسية للعراقيين؛ فالعدو مسألة خلافية بين العراقيين فلدى البعض العدوُّ هو إيران، ولدى آخرين هو إسرائيل، والبعض الآخر يرى أنه القاعدة وآخر الميليشيات، ومنهم من يعتقد أنه الأميركيون، وآخرون منقسمون على أنه السوريون أو الكويتيون أو السعوديون وهكذا، بل ينتقل الاختلاف في تعريف العدو إلى البيت الداخلي؛ ففريق يرى أن عدوه هو المذهب المقابل (سني–شيعي)، أو العنصر القومي المناظر له (عربي–كردي-تركماني.. إلخ)، وبالتالي نجد أن هناك انقساما حادا في تعريف هذا العدو سواء لدى النخبة أو الجمهور.


  10. يتوجس العراقيون خيفة من أن الحكومة المزمع تشكيلها لن تكون قوية أو فاعلة بل ستكون تكرارا للتجربة السابقة؛ فالسنة الأولى من الحكومة ضاعت تقريبا في تشكيل الحكومة، والسنة الثانية ستكون محطة لتعريف الوزراء بطبيعة عملهم، والسنة الثالثة ربما ستذهب إلى عقد الصفقات والفساد، وسيضيع شطرا السنة الرابعة بين السعي لتغطية الفساد والاستعداد للحملة الانتخابية، وبالتالي يتساءل العراقيون عن جدوى هذا الجدل حول تشكيل الحكومة، وهل هي تستحق فعلا كل هذا الانتظار؟ لاسيما أن وعود التغيير (والتي هي بالمناسبة شعار أوباما الانتخابي) التي أطلقتها جميع الائتلافات تبدو واهنة ولا حقيقة لها.

دول الإقليم وسياسة ملء الفراغ 


يثير الفراغ السياسي والأمني بانسحاب القوات الأميركية من العراق شهية دول الإقليم لمحاولة ملء هذا الفراغ واستثماره بعيدا عن مصالح الدولة العراقية.


وتُعد إيران الدولة الأكثر ترشيحا للعب هذا الدور نظرا لما تمتلكه من قدرات ملموسة ومحسوسة لجعل المصالح العراقية مرتهنة إلى حدٍّ ما لمصالح إيران الحيوية، فإيران تتكئ على أداوت متعددة؛ إذ لديها نفوذ واسع على قوى سياسية حاكمة في العراق، فضلا عن أنها استطاعت أن تمد نفوذها داخل مناطق وقوى إما رافضة لها أو مختلفة معها عقائديا، ولا شك أن إيران قد أعدَّت العُدة لما بعد الانسحاب، ويمكن أن يعطي تصريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حينما قال: "إن قوة الولايات المتحدة تنهار في العراق على وجه السرعة، وأن إيران مستعدة للتدخل لملء الفراغ"، تصورا لما يمكن أن يكون عليه الوضع في العراق.


بيد أن ثمّة تحولا يمكن رصده في هذا الشأن، ألا وهو أن النفوذ الإيراني في العراق مرَّ بمرحلتين:



  • الأولى (2003-2007): مرحلة امتداد النفوذ، وفيه كانت المنافع التي تجنيها إيران من نفوذها في العراق أعلى بكثير من كلفته.
  • الثانية (2008 -2010): مرحلة التوازن، وفيها أضحت كلفة النفوذ الإيراني مكافئة لعوائده، وهي مرحلة امتدت من عام 2008 إلى عام 2010.

ومن الجدير بالملاحظة أيضا أن شدة النفوذ الإيراني على القوى السياسية التي كانت تعد بالولاء التقليدي لها قد أصابه الكثير من الوهن، ويدل على ذلك فشل المساعي الإيرانية في توحيد جهود التحالف الوطني لاختيار مرشح محدد لمنصب رئيس الوزراء، وهذا يعود إلى أن تلك القوى قد استقلَّت ماليا إلى درجة كبيرة نتيجة تربعها على السلطة من جهة، ومن جهة أخرى أنها وجدت قوى إقليمية وعربية أخرى مستعدة لقبولها، وبالتالي لم تعد إيران المنفذ الوحيد لها.


لكن مع هذا، فإن فشل إيران في تشكيل الحكومة على النحو الذي ترجوه، يقابله نجاح في إفشال تشكيل الحكومة على المسار الذي لا يلائم مصالحها.





إذا كانت عملية "الحرية" تركت عراقا محطما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فإن العراقيين يخشون أن تكون عملية "الفجر الجديد" فجرا بلا نور، وإيذانا بتفتيت العراق.
أما بالنسبة لسوريا فموقفها فيه كثير من الالتباس بالنسبة لكثيرين؛ لأن الأيديولوجية القومية التي تتبناها لا تتماهى مع الخط الإيراني في العراق من جهة، ومن جهة أخرى إذا كان الخوف من تسونامي الاحتلال دافعا لها نحو المحاولة لإغراق العراق في دوامة من عدم الاستقرار، فإن انسحاب القوات الأميركية ينبغي أن يكون موجها لانفتاح سوري جدي يعيد العراق لحاضنته العربية؛ لذا فإن الدور السوري سيكون فاعلا سواء سلبا أم إيجابا؛ لأن سوريا تمتلك الأدوات والتأثير في كلتا الصيغتين.

أما تركيا فيمكن القول: إن هناك نمطين من التفاعل أو التعامل مع  التغيير الذي حدث داخل العراق، النمط الأول: حينما اختطت تركيا سياسة التكيف السلبي، وهي السياسة التي استمرت إلى حدود عام 2007، وعماد هذه السياسة أن لا تعمد تركيا إلى الانغماس في الشأن العراقي، مقابل التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي العراقية، وعدم التعامل مباشرة مع الإدارة الكردية العراقية.


إلا أنه ومنذ نهاية عام 2007 بدا تحول في السياسة الخارجية التركية التي اختطَّت سياسة جديدة ألا وهي سياسة التكيف الايجابي، وذلك بعد أن شعرت بأنّ تعاظم دورها الإقليمي قد يوفر دورًا لسياستها في رسم التطورات المتعلقة بمستقبل العراق وتحديدًا شماله، سواء لجهة التخفيف من مخاوفها إزاء إقامة دولة كردية هناك، أو لجهة إيجاد دور تركي إقليمي في التطورات المقبلة، وهو الأمر الذي يعني لها الظهور بمظهر الدولة الإقليمية القادرة على رسم التصورات المستقبلية للمنطقة. وبهذا فإن تركيا قررت العودة إلى المعادلة الداخلية لتتزامن مع بدءِ العد العكسي لانحسار الوجود الأميركي العسكري على الأقل، تمهيدا للانسحاب الأميركي الكامل، وما قد يترتب عليه من تجليات وآثار تريد هي أن تكون حاضرة وفاعلة لا مستقبِلة لتداعياته فقط، ويمكن اعتبار الزيارة التي قام بها مسعود البارزاني لتركيا نقطة تحول في العلاقات بين تركيا والأكراد العراقيين، وقد مثَّلت تغييرا في النهج سواء لدى الرأي العام التركي أو الأوساط السياسية.


وبالنسبة للكويت قد يكون من البديهي القول: إنها لا ترغب في عراق قوي خوفا من تكرار تجارب سابقة والتي كان أكبرها غزو الكويت، وهناك أوساط عراقية تقول: إن الكويت تشجع إقامة فيدرالية البصرة سبيلا لتأمين أمنها، ويلجأ الكثير من البرلمانيين الكويتيين إلى توظيف القضايا العالقة بين البلدين لمآرب شخصية أو انتخابية، وأحيانا على مستوى مسؤولين كبار من أجل إيجاد قضية توحد صف الكويتيين في أوقات التأزُّم السياسي أو الاجتماعي. ولاشك أن إرث احتلال العراق للكويت سيبقى لفترة طويلة محدِّدا وكابحا رئيسا لتطوير العلاقات بين البلدين.


أما السعودية، فهي طالما استاءت من تجاهل الإدارة الأميركية لنصائحها، بل واتهمت أميركا بأنها سلَّمت العراق لإيران على طبق من ذهب، وهي وإن حرصت على أن يكون موقفها الرسمي الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، فإن مشاكل عدة طرأت على علاقتها مع بغداد، لاسيما في ظل حكومة المالكي، كما أنها تنظر بعين الحذر والريبة للتغير في العراق وامتداد النفوذ الإيراني. ومن المتوقع أن تقوم السعودية بإعادة فتح سفارتها في بغداد في حال تشكيل الحكومة المقبلة، وقد تكون السعودية مؤهلة لتقوم بدور أكبر على الساحة العراقية إذا ما رغبت في ذلك.


مستقبل غامض واحتمالات متعددة 


يميل أكثر المهمتين بالشأن العراقي إلى وصف المستقبل في العراق بأنه مليء بالنُّذُر، لاسيما نذُر الشر انطلاقا من حقائق الواقع الذي لا يبشر بكثير من الخير، ويمكن القول: إن أهم المشاهد المستقبلية لمستقبل العراق بعد الانسحاب هي:



  1. أن يكون العراق ساحة لحرب بالوكالة، وتحديدا بين العراق وإيران، بمعنى أن تُقدِم الولايات المتحدة أو إسرائيل على مهاجمة منشآت إيران النووية؛ فتقوم إيران بالرد بشكل مباشر على هذا الهجوم عن طريق مهاجمة القواعد الأميركية داخل العراق، أو بشكل غير مباشر عن طريق مؤيديها والمرتبطين بها داخل العراق، وهو ما يضع العراق في أتون حرب لا صلة له بها وغير معني بها.


  2. أن يكون العراق مجالا حيويا للتصارع الإقليمي؛ إذ مع الانقسام العراقي تجد دول الجوار الإقليمي نفسها -إما نتيجة فعل أو رد فعل- داخل المشهد العراقي وبقوة؛ إذ سيدفع النفوذ الإيراني دول الجوار العربي بالإضافة إلى تركيا إلى محاولة إيجاد نفوذ آخر مكافئ له، سواء عبر سعي كل دولة بمفردها أو بالتعاون مع غيرها.





  3. إرث احتلال العراق للكويت سيبقى لفترة طويلة محدِّدا وكابحا رئيسا لتطوير العلاقات بين البلدين.
    تسارُع الانهيار السياسي والأمني على نحو متتابع، وهو ما قد يدفع البلاد إلى الفوضى لتكون إيذانا بانقلاب عسكري، أو إيذانا ببدء التفتيت وتحول العراق إلى مجموعة من الإمارات الصغيرة التي تحكمها قوى متشددة (سنية–شيعية)، أو إقطاعيات قومية أو عشائرية أو حزبية طائفية، وذلك من خلال حرب أهلية لا تُبقي ولا تَذَر، تمتد آثارها على المنطقة ككلٍّ وفقا لنظرية الأواني المستطرقة.


  4. بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه؛ إذ مع بقاء خمسين ألف جندي أميركي، والوصول إلى اتفاق سياسي بشأن تشكيل الحكومة -غالبا ما سيكون وفقا للمحاصصة وإن بتسميات جديدة- فإن ذلك مدعاة لاستمرار الوضع الراهن بين الاستقرار وعدم الاستقرار. وهذا يعني مرور العراق  بفترة عنف تتصاعد ثم تهدأ، ثم تتصاعد مرة أخرى، وهكذا دواليك.

    وليس من قبيل المبالغة القول: إن جميع هذه المشاهد قابلة للحضور بقوة في المشهد العراقي، وربما سيكون المشهد العراقي مزيجا من هذه المشاهد مجتمعة، وإن كان المشهد الرابع أكثر احتمالا، لاسيما حتى نهاية عام 2011، وهو الموعد النهائي لانسحاب أميركي شبه كامل.

صفوة القول أنه إذا كانت عملية "الحرية" تركت عراقا محطما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فإن العراقيين يخشون أن تكون عملية "الفجر الجديد"(*) فجرا بلا نور، وإيذانا بتفتيت العراق.
_______________
باحث عراقي في للدراسات الإستراتيجية


هامش
(*) "الفجر الجديد": هو الاسم الجديد للحرب الأميركية في العراق بعد الانسحاب المقرر، أي ابتداء من أول سبتمبر/أيلول2010.

نبذة عن الكاتب