هذا المحور قد يكون هو أصعب المحاور المطروحة. لأننا قد نستطيع أن نشخص الظاهرة, لكن يصعب علينا أن نتلمس لها حلا مناسبا.
المشكلة العراقية مشكلة معقدة في ذاتها وازدادت تعقيدا مع تراكم الأخطاء المشتركة من كل الأطراف. ولذلك فإن عنصر الزمن كان عنصرا غير مساعد على حل المشكلة العراقية. وكلما تقدم الزمن, تعقدت المشكلة العراقية أكثر فأكثر.
في السنة الأولى كان حلها أبسط ما يمكن, لكن اليوم أصبحت المشكلة معقدة وتحتاج إلى جهود مضنية لوضع حل مناسب لها.
في هذه الأمسية الكريمة أحاول أن أسلط الضوء على بعض القوى السياسية العراقية, المشاركة في العملية السياسية, والتي استشعرت أيضا أن العملية السياسية بدأت تتعثر, لذلك بدأت كل قوة سياسية تطرح رؤية معينة لحل المشكلة العراقية. ربما نستطيع أن نرصد, كاتجاهات عامة, ما بين أربعة إلى خمسة حلول مطروحة من القوى المشاركة في العملية السياسية.
الحل الأول المطروح
نديم الجابري |
التيار العراقي الداخل في العملية السياسية, الذي يقول إن الحل يكمن في استمرار العملية السياسية, بنا قناعته على الأسس الآتية: أولا, أن الأطروحات التي تتبناها النخب السياسية القائدة لهذه العملية هي أطروحات صحيحة وربما, عند البعض, تصل إلى حافة الحق المطلق.
ولذلك يتمسكون بالعملية السياسية بكل حيثياتها. وعندما تثار قضية ويجابهون بالواقع السياسي, الواقع الميداني, وأنه إذا كانت العملية السياسية هي الحل الأمثل فلماذا تعثرت؟، يكون جوابهم أن التجربة صحيحة, لكن المعوقات التي تجابهها هي الأعمال الإرهابية التي ينفذها الصداميون والتكفيريون. وغالبا ما يقولون إن هذا هو علة فشل التجربة, وليس هنالك قصور في النخب السياسية الجديدة أو في منهجها السياسي!.
وبالتالي فإن دعاة هذا الاتجاه يراهنون على المطاولة, وأحيانا القوة وعنصر الزمن, لحل المشكلة العراقية. فيقولون, بما أن منطقها صحيح وهنالك قوى تعيق هذه التجربة, فمع المطاولة ومع شيء من القوة ستتساقط القوى المعارضة للتجربة. وبالتالي يمكن حل المشكلة مع الزمن.
أنا في تقديري, هذا الاتجاه آخذ عليه أنه يتسم بالإسقاطية, يلقي بتبعة الشيء على الغير, وربما فيه قدر من المصلحية وقصور النظر وعدم الواقعية.
وربما نشير إلى بعض القضايا التي لا تؤيد ما يذهبون إليه: وربما الإشارة الأولى هي أن القاعدة الشعبية للتجربة قد تضايقت بدلا من أن تتسع. وشيء آخر, سجل على أصحاب هذا الاتجاه, هو أن التجربة الآن تقودها مجموعة, وقد سمعت في إحدى الجلسات أن أحد الإخوة قال إن هنالك تخمة في رجال السياسة لكن لا يوجد رجال دولة. وهذا التقييم صحيح.
أنا أقول, من الميدان, إن أغلب العاملين الآن في النخب السياسية هم رجال سياسة وليسوا رجال دولة. بمعنى أنهم ليست لديهم إستراتيجية واضحة لإعادة بناء الدولة العراقية. عندما تهدم دولة, يجب أن يكون الطرف المعارض لديه إستراتيجية معينة. وهم لا يملكون مثل هذه الإستراتيجية. وقضية التطرف في هذا المذهب, أنه الحق المطلق, مسألة قد لا تكون مقبولة.
ولذلك المراهنة على المطاولة والقوة وعنصر الزمن, بدون أن تتوفر المقدمات الصحيحة لاستمرار هذه التجربة, ربما يعرض العراق لمخاطر جسيمة.
أنا أستطيع أن أتوقع شيئين منها: أتوقع أن التجربة, إذا استمرت بدون إصلاح وبدون مراجعة, قد تؤدي, بالنتيجة وليس بالنية, إلى عودة الدكتاتورية إلى العراق كمطلب شعبي أو كحالة ضرورة لإنقاذ العراق من حالة الفوضى القائمة. أو قد تؤدي, بشكل أو بآخر, إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات, باعتبار أن التعايش بين مكونات الشعب العراقي أصبح تعايشا مستحيلا. وبالتالي يكون الحل المطروح وهو تقسيم العراق متفرعا عن هذه الأطروحة. قد يكون هذا واحدا من السيناريوهات المطروحة.
السيناريو الثاني
" إجراء تعديلات وزارية, في تقديرنا, لا يغير من الأمر شيئا. لأن إجراء التعديلات يعد تغييرا في الوجوه ولا يعد تغييرا في المنهج " |
من هذه التعديلات مثلا, طرح مبادرة المصالحة الوطنية, طرح فكرة إجراء تعديل وزاري واسع, طرح فكرة زيادة القوات العراقية وتدريبها وتسليحها, فكرة زيادة عدد القوات المتعددة الجنسيات في العراق وتركيزها في بغداد وفي الرمادي, على أمل أن هذه تعدل من الآلية وربما تستطيع أن تحل المشكلة العراقية. طبعا هذه المبادرة جاءت متأخرة من حيث التوقيت.
بمعنى أن هذه الأطروحات لو كانت قد تمت في السنة الأولى لربما كان الحل سيصبح أفضل. مبادرة المصالحة الوطنية بالتعديل على خطة الاستمرار ربما لم تأخذ مداها الحقيقي, لأسباب عديدة جدية: في أي مبادرة مصالحة وطنية من كل الأطراف, سواء الحكومية أو المعارضة, لا توجد الحقيقة, حتى الآن, فوارق جدية في عقد مصالحة وطنية. فضلا عن أن المبادرة أيضا لم تكن واقعية وكانت فيها مضامين تتسم بالغموض وأثارت الكثير.
وربما أهم شيء ينقصها هو أنها لم تحدد الأطراف المتصارعة في العراق. حتى الآن لم يعرف أحد إلى من وجهت مبادرة المصالحة الوطنية. وهذا ربما يجعلها محل تشكيك. إجراء تعديلات وزارية, في تقديرنا, لا يغير من الأمر شيئا. لأن إجراء التعديلات يعد تغييرا في الوجوه ولا يعد تغييرا في المنهج, ونحن نحتاج تغييرا في المنهج.
زيادة القوات العراقية أو زيادة القوات المتعددة الجنسيات, في الحقيقة, هذا منطق قوة لا يحل المشكلة. لا توجد مشكلة محلية تحل بالقوة. وحتى نظرية السيطرة على الأرض, تعرفون مثلا أن الرئيس بوش قال إن سبب عدم سيطرتنا على الأوضاع الأمنية في العراق هو أنه لا توجد لدينا قوات كافية تمسك الأرض.
أنا لست مختصا في الأمور العسكرية, ولكن قضية مسك الأرض هذه سقطت, حتى في الحروب الخارجية, فكيف بالحرب الداخلية؟! الحرب الداخلية لا يحدد مصيرها مسك الأرض من عدمها, وإلا لاحتجنا إلى الملايين من الجنود حتى نمسك كل الأراضي العراقية.
الحل الثالث المطروح
هو عملية تشكيل حكومة إنقاذ وطني, من خارج العملية السياسية. هذا أيضا ضمن القوى السياسية الداخلة في العملية السياسية. وبسبب الإحباطات التي تولدت عند البعض, بدأ يقبل بمثل هذه الطرح ويدعو إليه.
هذا ال