سياسات القوى الإقليمية تجاه العالم العربي

13 January 2010
1_852223_1_34.jpg








حسن نافعة


يقع العالم العربي جغرافيا في مركز الكرة الأرضية عند مفترق طرق القارات الثلاث القديمة: أفريقيا وآسيا وأوروبا، فهو يحتل الضفة الجنوبية للبحر المتوسط في مواجهة أوروبا, ويفرد جناحيه على جانبي قارتي آسيا, التي يحتل أجزاء شاسعة من جنوبها الغربي, وأفريقيا, التي يحتل شمالها بأكمله.








حسن نافعة

ويحيط بالعالم العربي من حدوده الآسيوية ثلاث دول هي إسرائيل وتركيا وإيران, ومن حدوده الأفريقية ثمان دول هي: إثيوبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وتشاد والنيجر ومالي والسنغال.


ويختلف الجوار الأفريقي  للعالم العربي كلية عن جواره الآسيوي، فباستثناء إثيوبيا لا توجد لدول الجوار الأفريقي أية طموحات إقليمية, وهي في مجملها دول صغيرة وتابعة وغير مستقرة تنتمي للعالم الثالث.


أما دول الجوار الآسيوي الثلاث فلكل منها طموحات إقليمية خاصة  وتنتمي لمجموعة الدول متوسطة الدخل أو المتقدمة, وترتبط بعلاقات تعاونية أو صراعية متميزة مع الدول الكبرى الطامحة للهيمنة على النظام الدولي.


وقد طرأت في السنوات القليلة الماضية, خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, تحولات جذرية على النظامين العالمي والإقليمي تطرح على العالم العربي تحديات وخيارات جديدة وتفرض عليه بالتالي إعادة صياغة علاقاته بدول الجوار الجغرافي.


وتحاول هذه الورقة رصد أهم معالم ودلالات هذه التحديات والخيارات بهدف إثارة النقاش حولها في هذه الحلقة. ولأن دول الجوار الآسيوي الثلاث: إسرائيل وإيران وتركيا تبدو هي المسرح والمصدر الرئيسي لتلك التحديات والخيارات, فسوف يقتصر عليها حديثنا في هذه الورقة.


إسرائيل
إيران
تركيا
خلاصة وقضايا للحوار


إسرائيل


أولا: نمط السياسات والعلاقات
وتحددها مجموعة من العوامل والاعتبارات يمكن تلخيصها وعرضها على النحو التالي:





  1. إسرائيل ليست دولة جوار طبيعية وإنما هي نواة لمشروع صهيوني استيطاني توسعي ما زال في طور التكوين وستتوقف معالمه وحدوده النهائية على المدى الذي يمكن أن تصل إليه قدرات إسرائيل الذاتية وتحالفاتها الدولية الإقليمية.


  2. حددت الدول العربية موقفها الرافض لإسرائيل في البداية انطلاقا من إدراكها لانعدام المبررات الأخلاقية والقانونية والسياسية للأسس التي بني عليها المشروع الصهيوني من ناحية, ولما يشكله هذا المشروع من تهديد لأمنها الوطني والقومي من ناحية أخرى, مما دفعها للعمل على منع قيام دولة يهودية على الأرض الفلسطينية بقوة السلاح.


  3. أدت الطبيعة التوسعية للمشروع الصهيوني من ناحية, والرفض العربي له من ناحية أخرى, إلى اندلاع سلسلة حروب عربية-إسرائيلية أخذت شكل المواجهة بين جيوش نظامية كانت الغلبة فيها عادة للجيش الإسرائيلي.


  4. شكلت حرب 67 بالذات -والتي انتهت بسيطرة إسرائيل على كل فلسطين التاريخية بالإضافة إلى أراض مصرية وسورية وأردنية ولبنانية- نقطة تحول في الموقف العربي الرافض لإسرائيل، كانت بدايته محاولة الفصل بين "إزالة آثار عدوان 67" واسترداد الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
    وقد جسد القبول العربي للقرار 242 بداية هذا التحول, وأفضى في النهاية إلى إقرار الدول العربية بالإجماع للمبادرة السعودية في قمة بيروت عام 2000  والتي أبدت فيها استعدادها للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها إذا انسحبت هذه الأخيرة من الأراضي التي احتلتها بعد 67 وقبلت بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.


  5. فشلت الدول العربية في الإدارة الجماعية لصراعها مع إسرائيل في زمن السلم كما في زمن الحرب. ورغم وجود بعض مظاهر التضامن بين الدول العربية في إدارتها للصراع, إلا أن هذا التضامن كان جزئيا وظرفيا وتوقف حجمه كما توقفت فاعليته على شكل وطبيعة موازين القوى والعلاقات بين الدول العربية في مراحل تطورها المختلفة.
    ولذلك اقتصر في معظم الأحيان على جانبه السلبي المتمثل في موقف رافض للاعتراف بإسرائيل أو التعامل معها. غير أن هذا الموقف الرافض راح بدوره ينهار إثر تغيير مصر الساداتية لإستراتيجيتها في إدارة الصراع  مع إسرائيل عقب حرب 73 والذي أفضى إلى إبرام مصر لمعاهدة سلام مع إسرائيل عام 79 ظلت وحيدة إلى أن لحقت بها معاهدات أبرمتها أطراف ودول عربية أخرى (اتفاق أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية, واتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994).





  6. "
    تعثرت عملية التسوية نتيجة تباين الإستراتيجيات التفاوضية، فبينما اعتمدت الدول العربية منهج "حل الصراع" دون أن تملك أساليب وأدوات الوصول إليه, اعتمدت إسرائيل منهج "إدارة الصراع" وامتلكت أساليب وأدوات السيطرة على مساره وتوجيهه
    "
    تعثرت "عملية التسوية" نتيجة تباين الإستراتيجيات التفاوضية، فبينما اعتمدت الدول العربية منهج "حل الصراع" دون أن تملك من الأساليب والأدوات ما يسمح لها بالوصول إليه, اعتمدت إسرائيل منهج "إدارة الصراع" و امتلكت من الأساليب والأدوات ما سمح لها بالسيطرة على مساره وتوجيهه بما يتفق والغايات النهائية للمشرع الصهيوني.
    وفي سياق كهذا تمكنت إسرائيل من تحويل التسوية إلى "عملية" تسير وفق السرعات والمعدلات التي تتلاءم مع شروطها، وبينما أعلنت الأطراف الرسمية العربية التزامها باعتبار حرب أكتوبر آخر الحروب فإن هذه "العملية" لم تلزم إسرائيل بشيء من هذا القبيل.
    وقامت بغزو الجنوب اللبناني عدة مرات في الفترة 78-2000 قبل أن تشن حربا شاملة عليه عام 2006, وحاصرت عرفات رغم ارتباطها معه باتفاق أوسلو حين رفض إملاءاتها في كامب ديفد الثانية قبل أن تقرر التخلص منه نهائيا, لتحول قطاع غزة إلى سجن كبير بعد انسحابها منه, وتقوم حاليا باستكمال جدار عازل يقضم 40% من مساحة الضفة الغربية.


  7. لم تتمكن إسرائيل رغم ذلك كله من فرض تسوية بشروطها على العالم العربي. فهناك دول عربية ما تزال صامدة سياسيا, وحركات مقاومة شعبية ما تزال تحمل السلاح في لبنان وفلسطين, وشعوب عربية ما تزال عازفة عن تطبيع العلاقة مع إسرائيل رغم هرولة الأنظمة.
    وربما كان أهم ما تحقق من إنجاز على هذا الصعيد, نجاح حزب الله بإجبار إسرائيل على الانسحاب من الجنوب اللبناني دون شروط عام 2000, وصموده وانتصاره في الحرب الانتقامية الشاملة التي شنتها عليه عام 2006 وتكبيده للجيش الإسرائيلي خسائر عجزت عن &