مصر .. نحو الجمهورية الثانية

24 February 2011
20111017111220586580_2.jpg
 

في إطار سعيه للوقوف على أسباب وتداعيات الثورة المصرية التي أطاحت بالنظام المصري في شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2011 يعقد مركز الجزيرة للدراسات خلال الفترة من 21 إلى 23 فبراير/ شباط في القاهرة ندوة بعنوان "مصر ..نحو الجمهورية الثانية".

 

وقد خصص اليوم الأول من الندوة للاستماع إلى الشباب الذين شاركوا في قيادة الثورة والذين عبروا عن طيف متنوع من القناعات الفكرية، إسلامية ويسارية وليبرالية وقومية. ضم اليوم الأول جلستين من الحوار والنقاش حملت الأولى عنوان" أسباب وعوامل نجاح الثورة" بينما حملت الثانية عنوان "الفترة الانتقالية: أولويات وتحديات".

أسباب وعوامل نجاح الثورة
آليات جديدة للثورة
أولويات وتحديات الفترة الانتقالية

 

أسباب وعوامل نجاح الثورة

 

الشرارة التي أطلقها الشعب التونسي من خلال الإطاحة بنظام مستبد وإجباره رئيسه على الهروب من البلاد. وقد أعطى هذا الحدث شعورا لدى الشباب المصري مفاده أنهم ليسوا أقل من الشعب التونسي وأن ما حصلت عليه تونس ليس ببعيد عن الشعب المصري

افتتح هذا الجزء من الندوة باتفاق عدد من المشاركين على أن الثورة المصرية كانت مفاجأة كاملة خالفت ما اعتقده كبير من المثقفين والمفكرين من أن الإنسان المصري لا يثور ولا ينتفض على حكامه وأنه دوما خاضع ومستسلم بفعل تأثير الارتباط الطويل بنهر النيل ونظامه الزراعي. كانت المفاجأة في أن الشباب المصري الذي تم اختزال رغبته في الانتماء في مباريات كرة القدم قد أظهر وعيا لا نظير له برغبته الأكيدة في الإصلاح والحرية.

 

وبتحليل واقعي يستند إلى التجربة والممارسة ولا يتستر خلف النظريات والصياغات الفلسفية طرح الشباب المشاركون في الجلسة الأولى العوامل التي أدت إلى اشتعال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني والتي تمثلت بحسب ما ذهبوا إليه في حصاد عقد كامل من الاحتقان والغليان السياسي بدأ في عام 2000 حين تفاعل المصريون وجدانيا وماديا مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية التي أحيت لديهم يقظة الوعي القومي والثورة ضد الظلم والرغبة في الحرية. وتلى ذلك التعاطف الشعبي الواسع المدى مع المقاومة العراقية منذ عام 2003 والتي تصدت للغزو الأنجلو أمريكي وتواطؤ بعض الأنظمة العربية معها. وتم دعم التراكم بظهور حركة "كفاية" منذ عام 2004 للمطالبة بوقف الاستبداد والاستئثار بالسلطة مع فضحها في نفس الوقت لسيناريو التوريث ويعود لها الفضل في التركيز على كسر حاجز الخوف بانتقاد الرئيس وعائلته وفضح مخطط الحزب الحاكم لتوريث الحكم لجمال مبارك نجل الرئيس المخلوع.

 

يضاف إلى ما سبق النجاح الذي حققته المعارضة المصرية في انتخابات مجلس الشعب عام 2005. وقد تمكن هؤلاء المعارضون من فضح العديد من الكوارث القومية التي ارتكبها النظام المصري سواء على مستوى نهب المال العام في الداخل أو على مستوى الانبطاح للخارج مثلما جرى في نكسة بيع الغاز المصري لإسرائيل.

 

يستكمل هذا التراكم الكمي في العقد الذي مهد للثورة باحتجاجات القضاة والعمال خلال عامي 2006 و2007. ويختتم هذا العقد بعودة محمد البرادعي إلى مصر بثقله السياسي العالمي في مطلع عام 2010 ودعوته إلى التغيير وتقديمه مثالا لشخصية قيادية يمكن أن يلتف حولها الشارع المصري. وفي ظل غياب التأثير الحزبي على المشهد السياسي تشكلت ما بين 7 إلى 9 حركات شبابية مطالبة بالتغيير بعيدا عن الأطر الحزبية التقليدية.

وقد اتفق كثير من الشباب المشاركين في الندوة على أن العوامل التي أدت إلى اشتعال الثورة تكمن فيما يلي:

• استفحال دور أجهزة أمن الدولة في الهيمنة على مقدرات المجتمع المصري حتى بات الأمن يتدخل في كل شيء متسلحا في ذلك بأن سلطته ترتبط مباشرة برئيس الجمهورية.

• تآكل الطبقة الوسطى وتزايد الفجوة بين الأثرياء والفقراء والتباين المفجع في الأجور والمرتبات في ظل تزاوج السلطة مع مصالح رجال الأعمال وتبادل المكاسب غير المشروعة بين الطرفين.

• معاناة المسيحيين من أشكال مختلفة من تمييز النظام الحاكم برئاسة مبارك وسوء إدارته للملف القبطي في البلاد. وحالة الفشل الأمني الذريع في والتي تجلت في تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية ليلة عيد الميلاد مطلع عام 2011 والتي كادت تؤدي إلى فتنة طائفية ووقفت بالبلاد على أعتاب حرب دينية.

• التعذيب في السجون وأقسام الشرطة والتي أدت في عدة حالات إلى مقتل المعتقلين وكان أحدثها مقتل الشاب سيد بلال في يناير/ كانون الثاني 2011 حين حاولت الشرطة انتزاع اعتراف منه بأنه المتسبب في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية. وكان ذلك بمثابة حلقة في مسلسل بطش الشرطة بالمواطنين والذي وصل ذروته في حادثة قتل الشاب "خالد سعيد"" في 2010 تلك الحادث التي يعتبرها كثيرون مفجرة ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

• الغباء السياسي والغطرسة التي تعامل بهما الجيل الجديد من أعضاء وقيادات الحزب الوطني مع الخريطة السياسية المصرية واحتكارهم للسلطة وهيمنتهم على الأفق السياسي وتزويرهم للانتخابات البرلمانية في ظل غطاء من أعمال الشغب والبلطجة لإرهاب المواطنين والمعارضين.

• الانسداد السياسي الذي وصل ذروته بتزوير انتخابات مجلس الشعب في نهاية عام 2010 والتي لم تترك مكانا للمعارضة المصرية للتعبير عن نفسها بشكل برلماني ومؤسسي فلجأت إلى الشارع وتكاتفت مع جماهير الثورة.

• التعديلات الدستورية التي جرت في 2007 وكشفت عن تحضير الحزب الوطني والحكومة لتفصيل مقاس رئيس الجمهورية على نجل الرئيس حسني مبارك وإبعاد بقية المنافسين السياسيين.

• ساهم انتشار وسائل الإعلام والاتصال في انتقال وتبادل المعلومات خاصة مع دخوله خدمة الإنترنت إلى الهواتف المحمولة منذ عام 2010 وصار ممكنا عبر هذه الهواتف تصوير أية أحداث تقع في البلاد وتداولها في التو واللحظة بين ملايين المستخدمين لشبكة الإنترنت في مصر وخارجها.

• استفزاز المواطن المصري والاستهانة بكرامته ووعيه السياسي من خلال ممارسات لجنة سياسات الحزب الوطني بزعامة جمال مبارك وأمانة تنظيم الحزب بزعامة أحمد عز من خلال مشروع التوريث.

• الشرارة التي أطلقها الشعب التونسي من خلال الإطاحة بنظام مستبد وإجباره رئيسه على الهروب من البلاد. وقد أعطى هذا الحدث شعورا لدى الشباب المصري مفاده أنهم ليسوا أقل من الشعب التونسي وأن ما حصلت عليه تونس ليس ببعيد عن الشعب المصري. وحين كان المصريون يسألون ما الهدف من يوم 25 يناير/ كانون الثاني أو جمعة الغضب كانت الإجابة التي يقدمها الثوار هي انه "لابد أن يلحق مبارك بمصير بن علي". على هذا النحو كانت ثورة تونس بالغة الأهمية في تقديم "سيناريو" الثورة أو "كتالوج" إسقاط النظام والإطاحة به أي أنها أنزلت الحلم المصري من السماء إلى الأرض. ولعل هذا ما تلعبه الثورة المصرية الآن حين تقدم تجربتها لبقية الثورات التي اشتعلت في عدة دول عربية مثل اليمن والبحرين وليبيا.

 

آليات جديدة للثورة

النزول إلى الشارع والالتحام بجماهيره كانت كلمة السر في نجاح ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في كافة المحافظات والمدن المصرية وخاصة في السويس والإسكندرية والمنصورة والفيوم. ولعل اختيار الأحياء المكتظة والفقيرة في القاهرة مثل بولاق وإمبابة وفيصل والهرم ودار السلام ومصر القديمة من الأمثلة ذات الدلالة على نجاح الثوار في الالتحام بالشعب وحشد جماهيره وخاصة في "جمعة الغضب"

كشف عدد من المتحدثين من الشباب الذين شاركوا في إشعال الثورة أن أحد عوامل نجاحها هو التغيير النوعي في آليات الاحتجاج والتظاهر. فخلال السنوات الخمس الأخيرة كان الناشطون السياسيون من منظمي الاحتجاجات حين يعقدون أنشطتهم التظاهرية في أماكن وسط القاهرة وأمام النقابات لا يجدون أن من انضم إليها يتجاوز عدد بضع عشرات أو عدة مئات على أقصى تقدير وكان من السهل على أجهزة الأمن حصارهم وتطويقهم ثم تفريقهم. وكان المتظاهرون يحلمون دوما بالتجمع في ميدان التحرير ولفت أنظار العالم إلى مطالبهم.

أما في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني فقد غير الثوار تكتيكاتهم ونزلوا بأنفسهم إلى الشوارع وبدئوا بعدة عشرات من المتظاهرين ومروا بالشوارع والأزقة والأحياء المكتظة بالسكان وانضم إليهم المئات ثم الآلاف وانطلقوا إلى ميدان التحرير. وقد أعرب عدد من الذين نظموا هذه التظاهرات والمسيرات أنهم كانوا في بعض الأحيان يبدؤون مسيرتهم التظاهرية بعشرين فردا ثم بمرور مسيرتهم على المناطق السكنية ومناداتها للشعب للتلاحم معهم كان العدد يقفز إلى عشرة آلاف متظاهر. على هذا النحو تغير تكتيك التظاهر من "الالتقاء" في ميدان التحرير إلى "الزحف" نحو ميدان التحرير.

يؤكد شباب الثورة ممن شاركوا في ندوة مركز الجزيرة للدراسات أنهم بهذه الطريقة غيروا من مفهوم المواطن المصري الذي كان يرى في تظاهرات واحتجاجات النقابات ووسط القاهرة مجرد حركة اعتراض نخبوية منقطعة عن الشارع وجعلوا منها حركة على مستوى القاعدة الشعبية.

وقد لفت عدد من قادة شباب الثورة أنهم في التظاهرات التي سبقت الثورة بعدة أشهر أعدوا ما يمكن تسميته "بروفة" للثورة من خلال تنظيم تظاهرات في الأحياء الشعبية ترفع شعارات وهتافات تمس حياة المواطن البسيطة كتلك التي طالبت بوقف غلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء وتدني الخدمات ومناهضة التعذيب في أقسام الشرطة والسجون. بهذه الطريقة شعر المتظاهرون أنهم غير مكشوفين لأجهزة الأمن وأنهم في حماية الشعب، عندها فقط ذاب الفرق بين من دعا إلى الثورة ومن انضم إليها.

النزول إلى الشارع والالتحام بجماهيره كانت كلمة السر في نجاح ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في كافة المحافظات والمدن المصرية وخاصة في السويس والإسكندرية والمنصورة والفيوم. ولعل اختيار الأحياء المكتظة والفقيرة في القاهرة مثل بولاق وإمبابة وفيصل والهرم ودار السلام ومصر القديمة من الأمثلة ذات الدلالة على نجاح الثوار في الالتحام بالشعب وحشد جماهيره وخاصة في "جمعة الغضب" في يوم 28 يناير/ كانون الثاني الذي كان يوما فاصلا في تاريخ الحركة الثورية المصرية والذي شارك فيه مئات الآلاف من جماهير مصر في القرى والمدن. في ذلك اليوم كانت الرسالة بسيطة مفادها الانطلاق من أي مسجد نحو وسط المدينة. وهنا كانت كل مجموعة صغيرة من المواطنين تخرج من المسجد وتستمع إلى أول هتاف تلتف معا وتلتحم بمجموعة أخرى لتجد طريقها في النهاية إلى مجموعات تلاحمت معا لتنطلق إلى وسط المدينة.

ومن بين الآليات الجديدة التي اعتمد عليها شباب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في مصر هو اختيار يوم ذي دلالة رمزية للتظاهر. فيوم 25 يناير/ كانون الثاني هو عيد الشرطة، ونظرا لما للشرطة من سجل سيء في حقوق الإنسان في مصر من انتهاكات وتعذيب وإهانة للمواطن فقد اتخذ الثوار من هذا اليوم يوما رمزيا للتظاهر وهو ما لقي تأييدا لدى قطاعات واسعة من الشباب الحر الساعي إلى نيل حقوقه الديمقراطية واحترام كرامته، ولقي هذا تعاطفا أوسع من بقية جموع الشعب الذين تعرضوا بشكل أو بآخر لمعاملات سيئة من الشرطة.

ولأن الشرطة كانت مسؤولة عن قتل وتعذيب شاب سكندري في يونيو 2010 اسمه "خالد سعيد" نتيجة فضحه لفساد عناصر من الشرطة في مدينته فقد انطلقت صفحة على شبكة الإنترنت تحمل عنوان "كلنا خالد سعيد"، الأمر الذي حقق نجاحا في كسب تعاطف وتأييد كثير من الراغبين في التغيير والإصلاح في مصر.

وقد ذهب عدد من المشاركين في ندوة مركز الجزيرة للدراسات أن ما جرى يوم الثلاثاء 25 يناير/ كانون الثاني 2010 من بطش للشرطة لجموع المتظاهرين وفض اعتصامهم بالقوة في ميدان التحرير وما جرى في أعقاب ذلك من عمليات كر وفر في شوارع وأحياء القاهرة قد أعطاهم قدرا من الخبرة ودفعة أكبر للإعلان عن "جمعة الغضب" في 28 يناير/ كانون الثاني والتي "كسرت حاجز الخوف" حين تحولت إلى ثورة مليونية شهدت أحداثا دموية من قبل أجهزة الأمن المصري وانتهت بانسحاب الشرطة ونزول الجيش للشوارع وإقالة الحكومة ونجاح الثوار في الاعتصام في ميدان التحرير، وهي الخطوة التي كانت محورية في إنجاح الثورة عند المستوى النفس والمعنوي واتخاذ المكان دلالة رمزية ونقطة انطلاق إعلامية لتوصيل أهداف ومبادئ الثورة إلى العالم.

ومن بين الآليات التي اتبعها الثوار على المستوى الإعلامي هو التحرر من الانحباس في المواقع والصفحات السياسية على شبكة الانترنت وتوجيه الدعوة عبر مواقع غير سياسية كالمنتديات الاجتماعية والمواقع الرياضية والتواصل الاجتماعي عبر صفحات الفيس بوك. كما جرى تسجيل مقاطع فيديو للدعوة للتظاهر والاحتجاج في طريقة أشبه ببيان إذاعي للثوار دون الاكتفاء بدعوة مكتوبة في صورة نصية.

وكشف عدد من المتحدثين من قادة شباب الثورة أن أحد عوامل نجاح الثورة هو جمعها بين وسائل مختلفة لحشد الجماهير، ففي المناطق الشعبية ولدى الفئات العمرية الأكبر لم يكن الإنترنت هو المصدر الأول للتفاعل، وهنا لجأ المتظاهرون إلى وسيلة قديمة وهي طبع منشورات الثورة وتوزيعها على الجماهير، وأشاد البعض هنا بالمتبرعين من الأهالي الذين كانوا يقومون بطباعة عشرات الآلاف من النسخ على نفقتهم للمساعدة في توصيل رسالة الدعوة للاحتجاج والتظاهر.

واختتمت الجلسة الأولى من ندوة مركز الجزيرة للدراسات في القاهرة بأنه إذا كان النظام المصري قد أثبت على الدوام أنه نظام عنيد صلب فإن الشعب المصري قد كشف عن مفاجأة غير متوقعة بعناد وصلابة لا مثيل لها، بعدما أشيع عنه عزوفه عن مواجهة حكامه وانصرافه عن التصدي لفسادهم وتغطرسهم، وانتهت حرب الإرادات ومباراة العناد بانتصار الشعب.

على هذا النحو كانت العبارة المعبرة التي خرج بها النقاش في هذا الموضوع هو أن "الجماهير هي الحل".

أولويات وتحديات الفترة الانتقالية

إذا كان الخيار لمصر الآن بين محاكمة الفساد ومطاردة أعوانه أو بناء دولة ديمقراطية ربما كان الأكثر واقعية الإسراع في بناء دولة ديمقراطية تتولى أجهزتها لاحقا مطاردة الفساد ومحاسبة مرتكبيه، وهو مهام لا تضيع بالتقادم

في ظل التهديدات التي يمكن أن تطيح بمنجزات الثورة المصرية أعرب المشاركون في الندوة أن ضمان نجاح ثورتهم لابد وأن تسانده وقت الحاجة ثورة الطبقة العاملة وثورة شباب الجامعات وثورة المتأزمين من الوضع الاقتصادي. وفي كافة هذه الثورات سيلعب الشباب رأس الحربة والقاطرة التي ستجر خلفها جموع المواطنين. وأكد المشاركون هنا أن تنحى الرئيس المخلوع حسني مبارك جاء بعد اتساع رقعة الإضرابات والاحتجاجات العمالية ولو كان التنحي قد تأخر أكثر من هذا لاتسعت اعتصامات وإضرابات الحركة العمالية وربما تحقق للثورة أكبر مما تحقق لها الآن وتمكنت من تجذير مطالبها بشكل أعمق.

وقد حذر عدد من المشاركين في الندوة من خطورة اختزال الثورة، سواء كان الاختزال في ميدان التحرير دون سائر الميادين المصرية، أو القاهرة دون باقي مدن مصر أو اختزالها في أنها ثورة "الشباب"، أو القول بأنها ثورة الإخوان المسلمين أو أنها ثورة "طبقية" ضمت أبناء الطبقة الوسطى دون سواهم، واتفق المتحدثون على أن مثل هذا الاختزال من المغالطات والأخطار التي تمس شمولية الثورة وعمومية انتماء المصريين لها.

وفي رصدهم لأهم التحديات التي تواجهها الثورة الآن أجمع المشاركون في الندوة من شباب الثورة على ضرورة ما يلي:

- أن ينتقل الحوار بين المجلس الأعلى لقوات المسلحة وائتلاف شباب الثورة إلى حوار في اتجاهين لتبادل الرؤى والأفكار وليس حوارا في اتجاه واحد يعبر عما تراه القوات المسلحة أو ما تطلبه من الائتلاف. فبدون ذلك لن يكون الحوار في الفترة الانتقالية مثمرا.

- إقرار دستور جديد يعبر عن تطلعات الشعب المصري نحو حياة حرة وكريمة وعادلة هو أهم مطلب في هذه الفترة الحرجة. مع التأكيد على أن هذا الدستور هو دستور مؤقت ينتهي العمل به بالانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد خلص النقاش في مسألة الدستور بأن ما هو قائم في مصر شرعية ثورية لا شرعية دستورية أخذا في الاعتبار الإطاحة بالرئيس المخلوع الذي سلم سلطاته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وليس إلى مجلس الشعب.

- وجوب الانتخاب في المجالس التشريعية عبر القائمة النسبية وإتاحة الفرصة لكل المواطنين للإدلاء بأصواتهم عبر رقم الهوية الشخصية (الرقم القومي) وليس عبر استخراج بطاقة انتخاب خاصة بكل مواطن، فضلا عن خفض سن الترشح لعضوية المجالس التشريعية بما يتيح مشاركة الشباب مع وضع سقف عمري للترشح لتلك المجالس.

- كما طالب الشباب من المشاركين في الندوة بضرورة تكوين حكومة جديدة تقوم على الوحدة الوطنية وتضم أطياف المجتمع ككل ولا تنتمي في أي جزء منها إلى النظام المخلوع. وحين يتم تكون حكومة وحدة وطنية يمكن للفترة الانتقالية أن تمتد لأبعد من 6 أشهر حتى يمكنها التجهيز لحياة سياسية أكثر اتزانا واستمرارية.

- إلغاء حالة الطوارئ وإلغاء قانون الأحزاب بحيث يتم الإعلان عن الحزب بمجرد الإخطار بتشكيله، والتأكيد على أن ذلك هو السبيل لإقامة حياة مدنية في مصر يسبقها إفراج فوري عن كافة المعتقلين السياسيين ومحاكمة قتلة الشهداء وتفعيل الشعار الذي يرفعه الناس اليوم وهو "الشعب يريد تطهير البلاد" بالتخلص من الفاسدين من المحافظين ومسؤولي الحكم المحلي.

- إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وتحويله إلى جهاز جمع معلومات لخدمة الأمن القومي. مع ضرورة التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتخليص البلاد من ثالوث الفساد الذي ما زال يعبث بمقدراتها بشكل غير شرعي والمتمثل في "الرئيس المخلوع القابع في شرم الشيخ المدعوم من جهاز المخابرات العامة، ورجال وزير الداخلية المعتقل حبيب العادلي، ورجال الأعمال الفاسدين الذين يخططون للانقضاض على الثورة".

- تغيير النظام السياسي في مصر من نظام رئاسي مختلط تتداخل فيه السلطات وتتجمع كلها في يد رئيس الجمهورية إلى نظام برلماني، وليس هناك حاجة لمجلس شورى استنزف قدرا من موارد الدولة ولم يقدم لها في العقود السابقة أية ثمار للديمقراطية.

- إعادة الاعتبار لمكانة مصر الإقليمية والدولية ومكانتها الريادية في العالم العربي ودفاعها عن حقوق الشعوب العربية والقضية الفلسطينية، إضافة إلى التواصل مع تجارب الدول ذات التجارب والخلفيات المشتركة خاصة في الهند وجنوب شرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية. وفي نفس الوقت إصلاح الأخطاء الجوهرية التي وقع فيها النظام السابق حيال علاقته بالجنوب ودول حوض النيل.

- إطلاق حرية النقابات في التعبير عن نفسها وتنظيم تحقيق مطالبها، وفي نفس الوقت تحرير الإعلام وإلغاء ما يعرف بالصحف القومية التي تعبر عن رأي الحكومة أو الحزب الحاكم وتخدع الشعب بينما هي تستنزف قدرا كبيرا من أمواله في التضليل والتغييب.

- الاهتمام بالقطاع الزراعي والصناعي وإعادة الثقة لقطاع السياحة وفتح الأبواب أمام الاستثمارات العربية والأجنبية والترحيب بالمصريين العاملين في الخارج من العلماء والباحثين ورجال الأعمال والمفكرين للمشاركة في نهضة مصر الحديثة.

- إعادة تأهيل جهاز الشرطة ليعرف حدوده ومهامه ولا ينتهك حقوق الإنسان المصري.

 

وقد خلص النقاش في جلسته الثانية من اليوم الأول للندوة بأنه إذا كان الخيار لمصر الآن بين محاكمة الفساد ومطاردة أعوانه أو بناء دولة ديمقراطية ربما كان الأكثر واقعية الإسراع في بناء دولة ديمقراطية تتولى أجهزتها لاحقا مطاردة الفساد ومحاسبة مرتكبيه، وهو مهام لا تضيع بالتقادم. كما شدد المشاركون على ضرورة الاحتفاظ بمنظومة القيم الثورية التي جمعت الكل في معسكر واحد بغض النظر عن اختلاف أطياف الانتماء الفكري والأيديولوجي. وقد كان المثال الأبرز على ذلك ما كان سمي بـ "يتوبيا ميدان التحرير" والتي شهدت قيم التضحية بالنفس من أجل الآخرين، وإيثار الغير على النفس، والتلاحم، والانتماء، والمسؤولية المشتركة، والعمل في صمت، والأمل الذي لا ينقطع في قدرة الشعب على الانتصار.