نظَّم مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع مركز الدبلوماسية العامة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية بالولايات المتحدة الأميركية يومي الأحد والاثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول و1 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بفندق الشيراتون، في العاصمة القطرية الدوحة، ندوة بعنوان "الجزيرة في خمسة عشر عاماً"؛ وذلك ضمن احتفالية شبكة الجزيرة بالذكرى الخامسة عشر لتأسيسها. هذا وقد أشرف على أعمال الإعداد والتنسيق لهذه الندوة الأستاذة مريم شربش "مساعد باحث" من مركز الجزيرة للدراسات.
تناولت الندوة بالبحث والنقاش مسيرة الجزيرة في خمسة عشر عاماً من خلال التركيز على تغطيتها للأحداث الكبرى من حروب وكوارث وثورات، وتأثيرها في اتجاهات الرأي العام العربي وفي منظومتي الإعلام العربي والدولي. كما تمّ استعراض أبرز القضايا الجدلية التي أثيرت حول الجزيرة ومناقشتها على أسس علمية ومهنية، وتطرقت الندوة كذلك إلى التحديات الإعلامية التي تواجه الجزيرة خلال العشرية القادمة.
وقد شارك في الندوة جمعٌ من الخبراء والباحثين والأكاديميين من داخل العالم العربي ومن خارجه إلى جانب الفائزين بالمراكز الأولى في "مسابقة الجزيرة للباحثين الشباب" والتي نظمها مركز الجزيرة للدراسات مؤخراً بالتعاون مع قسم الإعلام في جامعة قطر. كما شارك فيها نخبة من الصحفيين والإعلاميين والباحثين العاملين في المؤسسات المختلفة لشبكة الجزيرة الإعلامية.
وقد ركَّزت الندوة في جلساتها على أربعة محاور نقاشية تتعلق بمسيرة القناة واستشراف دورها المستقبلي، وجاءت هذه المحاور كما يلي: تغطية الجزيرة، تأثير الجزيرة، الرؤى النقدية، الجزيرة ومستقبل الإعلام.
لقد كانت الندوة مناسبةً لطرح العديد من الأسئلة المتعلقة بماضي الشبكة وحاضرها، والآفاق التي تتطلع الجزيرة إلى أن ترتادها؛ حيث أوضح مدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني في كلمته الافتتاحية أن العاملين في حقل الإعلام أصبحوا يقسمون مرحلة الإعلام العربي إلى مرحلة ما قبل الجزيرة ومرحلة ما بعدها، وتساءل: "كيف يمكن أن نُبقي على بوصلة الجزيرة التي بدأت باتجاه الحرية لا تحيد عنها؟ وكيف يمكن للجزيرة أن تؤسس مرحلة جديدة؟" وتابع في طرح تساؤلاته قائلاً: "إذا كانت مؤسسات الإعلام تغطي الأحداث كالثورات على سبيل المثال، وإذا كانت مراكز الدراسات تتنبأ بهذه الأحداث، فكيف يمكن أن نصل إلى علاقة فاعلة ومؤثرة بين الإعلام التقليدي والجديد في ظل دخول تقنيات صحافة المواطن ووسائل الإعلام الجديدة أو الاجتماعية بقوة إلى غرف الأخبار؟ حيث بات على رؤساء التحرير فيها الاعتماد في كثير من النشرات على مصادر غير مراسليه"؛ ومن ثمَّ تساءل عن مدى مصداقية هذه المصادر وعن ولاءاتها، ليخلص إلى أنَّ هذه الندوة التي يعقدها مركز الجزيرة للدراسات ترمي إلى الإجابة عن معظم هذه التساؤلات في إطار نقاش جريء يأخذ بالرأي والرأي الآخر، ويغوص في أعماق القيم التي تأسست عليها شبكة الجزيرة.
إنّها وقفة للمراجعة والنقد وفتح الأفق للتغيير، من خلال أطروحات ونقاشات لا تقتصر على كوادر الجزيرة ونظرتهم من الداخل، بل تشمل غيرهم من الباحثين والإعلاميين المهتمين بشبكة الجزيرة والذين ينحدرون من مشارب مختلفة وهيئات متعددة.
الدكتور صلاح الدين الزين؛ مدير مركز الجزيرة للدراسات؛ أوضح بدوره أنَّ تنظيم الندوة يأتي من أجل استكمال حلقات الوقفات التأملية حول مشوار الجزيرة خلال عقد ونصف، مشيراً إلى أنَّ ما يميز الندوة هو أنها تمثل فضاء لتفاعل الخبراء والباحثين والمهتمين مع كفاءات أسهمت في بناء صرح الجزيرة، التي من المؤكد أنها ستستفيد من المداولات والتوصيات التي سيتم الخروج بها، والتي ستكون إسهاماً معرفياً مهماً تستفيد منه الإنسانية جمعاء. وقال مدير مركز الجزيرة للدراسات عن الجزيرة في سياق كلمته الافتتاحية للندوة: "إن الجزيرة لم تنشغل خلال مسيرتها الممتدة على مدار عقد ونصف بتسليط الضوء على ذاتها كمؤسسة وإنما ركزت على أداء رسالتها المتمثلة في نقل الخبر الصادق وإتاحة المنبر الحر للرأي والرأي الآخر، غير أن ذلك -يقول المتحدث- لم يجعلها تنصرف عن الانشغال بها كونها صارت ظاهرة تشغل الباحثين والخبراء والمهتمين في كل أنحاء العالم، وهو ما يقتضي ضرورة الاستفادة منها؛ حيث قام المركز بإعداد دليل حول البحوث التي أُنجزت حول الجزيرة والتي تغطي الفترة من 1996 إلى 2010، والذي يتضمن أكثر من 200 عمل أكاديمي من رسائل وأطروحات دكتوراه وكتب علمية"، وهو الدليل الذي تمَّ إطلاقه بالفعل يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ضمن أعمال الندوة.
الجلسة الأولى: تغطية الجزيرة
تلا ذلك بدء أعمال الجلسة الأولى للندوة تحت عنوان "تغطية الجزيرة". وأدار هذه الجلسة الإعلامي محمد كريشان، وشارك فيها كل من:
-
د. مصطفى سواق "مدير قناة الجزيرة العربية"، وساهم بورقة حول "الجزيرة، النشأة والتطور".
-
أ. عبد العظيم محمد "مدير مكتب الجزيرة في طرابلس"، وجاءت مساهمته عن "تغطية الجزيرة للحروب".
-
د. محمد المختار الشنقيطي "باحث في كلية الدراسات الإسلامية في مؤسسة قطر"، وقدّم مداخلةً حول "تغطية الجزيرة للثورات العربية".
-
أ. ريما البغدادي "صحفية ومذيعة أخبار في قناة اليوم الكويتية"، والتي قدّمت عرضاً عن "تغطية الجزيرة للحروب - غزَّة نموذجاً".
-
أ. عبد الغني بوزيان "أستاذ مساعد في قسم العلوم الإنسانية في جامعة تبسة في الجزائر"، وكانت مداخلته حول "استخدام برامج الجزيرة من قبل أساتذة الإعلام والاتصال".
لقد ظهرت الجزيرة في وقت كانت الحاجة ماسَّة إلى ظهورها؛ حيث كان الإعلام الرسمي مِلء السمع والبصر، وكانت تغطيته المنحازة للأنظمة هي المادة الإعلامية المسيطرة. وقد توفرت للجزيرة كل وسائل النجاح من تمويل وكوادر مؤهلة ومهنية واحترافية. ولعلَّ من أبرز التغطيات التي أعطت للجزيرة مكانتها الإعلامية تغطية الحرب على أفغانستان عام 2001 وتلك التي شُنَّت على العراق عام 2003 فضلاً عن الحربين الإسرائيليتين ضد لبنان وقطاع غزَّة في عامي 2006 و2008 على التوالي.
كما برزت الجزيرة مؤخراً في تغطيتها للثورات العربية، وهي تغطية تميزت بجعل الثورات العربية حدثاً إعلامياً عن طريق نقل الاعتصامات والمظاهرات والأخبار المباشرة في أكثر من بلد وفي وقت واحد، مما زاد الثوار اقتناعاً وتمسكاً بتحركهم، وزاد في كشف استبداد المستبدين وأصبح صوت الثورة، بواسطة تغطية الجزيرة، واصلاً للجميع.
أضحت الجزيرة في تغطيتها للثورات العربية -وإن لم تقصد ذلك- صلة ربط بين مختلف الثوار في جهات متعددة في الدولة الواحدة أو الدول التي عرفت الثورات. كما أنها ساهمت أثناء تغطيتها، وربما دون قصد أيضاً، في الحفاظ على أرواح الكثير من الناس، خصوصاً في ميدان التحرير بالقاهرة؛ حيث كانت كاميراتها مسلطة على الميدان وأطرافه مما حال في أحيان كثيرة بين النظام المصري السابق وبين استهداف الثوار بالعنف في هذا المكان.
وقد كرست تغطية الجزيرة للثورات العربية بعض القيم، منها:
-
الانحياز التام للشعوب وخياراتها في التحرر.
-
القدرة على إيجاد مصادر ذاتية متنوعة ومتعددة للخبر.
-
الحرص على التوازن في التغطية.
-
تعاطف وتنسيق ما بين الفضائيات: فعندما كُتم صوت الجزيرة وتم التشويش على بثها تطوعت قنوات أخرى لنقل مضمونها عوضاً عنها.
ولعل من أبرز التحديات التي تواجهها تغطية الجزيرة للأخبار ما يتعلق باللغة المستخدمة، فكثيراً ما شكَّك البعض في مفردات تستعملها الجزيرة ووصفها بأنها تحمل معاني ودلالات (الشهيد، دولة إسرائيل، عمليات فدائية..)، وهذا الخيار الذي يعتمد لغةً ومفردات لها دلالات خاصة، هو أمرٌ تفسرهُ مضامين ميثاق الشرف الذي تعتمده الجزيرة والقائم على مجموعة من المبادئ المهنية والأخلاقية. كما أن بعض الأنظمة تشكِّك في مصداقية وحيادية الجزيرة وتتهمها بأنها تكيل بمكيالين في نقلها للأخبار وتغطيتها لها، وهي اتهامات ظلت الجزيرة تُتهم بها. وبتمسك الجزيرة بمهنيتها وسعيها الدائم لتحقيق حرية إعلامية دون حدود، تواجه الشبكة هذا التحدّي.
ومن بين التحديات التي تواجه تغطية الجزيرة ما يطرحه الإعلام الجديد من تحدٍ شامل في مواجهته للإعلام التقليدي، وضرورة التعامل مع هذا الواقع الجديد الذي لا يمكن تجاهله. كما أنّ نجاحات الجزيرة وتفوقها الإعلامي يشكِّل أيضاً تحدياً آخر؛ إذ على الجزيرة ألا تتراخي في تغطياتها وعملها وألاَّ تخلد إلى الركون للنجاح والتغنّي به.
الجلسة الثانية: تأثير الجزيرة
أما الجلسة الثانية فقد انعقدت تحت إدارة الدكتور رفيق عبد السلام، رئيس قسم البحوث في مركز الجزيرة للدراسات، وناقشت تأثير الجزيرة في كل من: منظومة الإعلام (العربي والدولي) وكذلك الرأي العام (العربي والعالمي). وقد شارك في هذه الجلسة كل من:
-
د. علي كنانة "باحث في قضايا الثقافة والإعلام، وخبير في مكتب وزير الثقافة في دولة قطر"، وحملت مداخلته عنوان "تأثير الجزيرة في منظومة الإعلام العربي والدولي".
-
د. الصادق الفقيه "كاتب ومحلل سياسي متخصص في الإعلام والعلاقات الدولية"، وقدّم ورقةً حول "تأثير الجزيرة في اتجاهات الرأي العام العربي".
-
د. عبير النجار "عميد معهد الإعلام في الأردن"، والتي استعرضت "تأثير الجزيرة في اتجاهات الرأي العام العالمي".
-
أ. هالة درويش "مدرس مساعد في كلية التربية النوعية، جامعة بورسعيد في مصر"، وكانت مشاركتها حول "أثر برامج الجزيرة الإخبارية على التوجهات الفكرية للشباب العربي".
يرى الدكتور علي كنانة أنّ الجزيرة خرجت على الناس منتصف تسعينيات القرن الماضي، حكاماً وشعوباً، بخطاب جديد يتجهُ مباشرةً نحو الصراع مع منظومة القيم السائدة على ثلاثة مستويات: منظومة القيم المتجذرة في الإعلام، ومنظومة القيم العامة، ومنظومة الوعي الجماعي التي تأثرت إيجاباً بما حدث على المستويين السابقين، وبالتالي فقد "ساهمت الجزيرة في فتح نوافذ جديدة تستنشق من خلالها تطلعاتُ الأجيال الجديدة هواءً أكثرَ نقاءً".
وفي ثنايا الحديث عن تأثير الجزيرة في منظومتي الإعلام العربي والعالمي صنّف الباحث علي كنانة بنية التأثير وفقاً لثلاث طبقات، حيث تنتج كل طبقة طبقة أخرى أكبر تأثيراً من سابقتها:
-
تتلخص الطبقة الأولى في قدرة الجزيرة على التأثير في الإعلامين العربي والعالمي.
-
وكان من نتائج الطبقة الأولى أن الجزيرة في الطبقة الثانية بدأت تؤثر بالأحداث عربياً ودولياً.
-
ما ينتج من الطبقتين السابقتين أن الجزيرة أصبحت في الطبقة الثالثة تؤثر في الوعي الجماعي.
وخلص كنانة في مداخلته إلى أنّ الجزيرة ومنذ ولادتها كانت حدثا كبيراً أعاد صياغة المشهد الإعلامي العربي، وقد أشاعت القناة نفوذها في الوطن العربي، وانطلقت من بغداد وأفغانستان لمنافسة وسائل الإعلام الغربية والتأثير على الإعلام العالمي لتصبح حدثاً عالمياً يؤثر بالإعلام وبالأحداث، وكانت بمثابة إعلام بديل للإعلام الغربي، واستطاعت بأدائها ورؤيتها أن تخترق الوعي الجماعي الغربي لتعيد إنتاج صورة العرب. وبقدر ما كانت أكبر إنجاز قَطَري في التاريخ الحديث، كذلك هي أكبر إنجاز عربي، شمل تأثيره العرب كلهم، ومن ثَمّ أصبحت أول اختراق عربي في العصر الحديث للوعي الجماعي الغربي. وقد عدَّها باحثون كُثُر من الأحداث الكبرى في العالم.
وخلصت الدكتورة عبير النجّار في مداخلتها إلى أنّ الفضل يعود للجزيرة الإنجليزية في تقليص الهيمنة الأنجلو-أميركية على التقارير الإخبارية العالمية بشأن مختلف القضايا العالمية المهمة، حيث عرضت الجزيرة الإنجليزية على شاشتها ما يحدث في مناطق عديدة في كلٍّ من إفريقيا وجنوب شرق آسيا ونقلتها عبر شاشات التلفاز المتواجدة في مختلف أنحاء العالم. هذا بالإضافة إلى تغطيتها المعمَّقة والموضوعية للقضايا المتعلقة بالبيئة والصحة والتعليم ومجالات أخرى، وبهذا كسرت هذه القناة (الجزيرة الإنجليزية) حاجز الصمت إزاء الأخبار الرئيسية التي لا تتناسب وشكل الأخبار العرضية المهيمنة في مصادر الأخبار الأخرى في وسائل الإعلام الدولية.
أمّا الدكتور الصادق الفقيه فقد بيَّن في مداخلته أنّ هناك تأثيراً كبيراً للجزيرة على الرأي العام العربي، خاصة لدى مطالبي التغيير الذين ينظرون إلى الأفق العربي العام، مع استمرارهم بالمطالبة بالتغيير داخل بلدانهم لأجل تنظيم حياة سياسية ديمقراطية منضبطة بقوانين، وآليات مراقبة، وتنفيذ، ومحاسبة، ومتابعة، يتراضى على مشروعيتها الجميع.
كما خَلُصَ الفقيه إلى أنّ الجزيرة أتاحت حرية التعبير، التي تعني طلب المعلومة وتقديمها، وإمكانية السؤال والاستفسار، والتفاعل الإيجابي مع الأحداث، والقدرة على إبداء الرأي، والشجاعة في التصريح به، دون وجود موانع رسمية قامعة مادية كانت أو معنوية. الأمر الذي مهَّد -برأيه- لإمكانية الحديث عن رأي عام عربي، الذي ما هو إلا بلورة لحرية التعبير المتاحة في الفضاء العربي العام، الذي أصبحت فيها الآراء أقرب لأن تكون جماعية وموحدة، وأقرب لأن تكون دالَّة على التوجهات العامة للجمهور العربي داخل الوطن العربي الكبير.
الجلسة الثالثة: الجزيرة.. رؤى نقدية
بعد ذلك تمّ عقد جلسة ثالثة تحت عنوان "الجزيرة.. رؤى نقدية"، وقد أدار هذه الجلسة الدكتور محمد الزياني "أستاذ مساعد زائر في كلية الشؤون الدولية - جامعة جورج تاون في الدوحة"، وشارك فيها كل من:
-
د. شون باورز "باحث أكاديمي متخصص في الاتصالات السياسية الدولية"، والذي قدّم مداخلةً بعنوان "الجزيرة بين الحرفية و ممارسة الدعاية".
-
أ. إبراهيم هلال "مدير الأخبار في قناة الجزيرة العربية"، وقد تحدَّث حول موضوع "تغطية الجزيرة للقضايا المثيرة للجدل".
-
د. ريما النجار "محاضِرة بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة القدس"، والتي أثارت في مداخلتها "تغطية الجزيرة للحرب على غزَّة من منظور فلسطيني".
-
أ. نورهان عبد الباقي "مساعد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في مصر"، استعرضت بحثها الذي كان ضمن البحوث الفائزة في مسابقة الجزيرة للباحثين الشباب والذي أتى على شكل دراسة مقارنة تحت عنوان "الجزيرة بين النقد والسعي إلى التطوير والإصلاح".
إن خمسة عشر عاماً ما هي إلا فترة قصيرة في عمر أي مؤسسة، لكنَّها تبقى فترة مهمة لكي تقيُّم فيها تلك المؤسسة ذاتها؛ لذلك جاءت هذه الندوة لتراجع شبكة الجزيرة ذاتها من خلال نظرة نقدية تنظر في مسيرة الجزيرة وتطورها، وما اعتراها من نواقص مرحلية كانت أم بنيوية، وتستقرئ التحديات المستقبلية، وتتفاعل وتستفيد من إيجابيات تجربتها.
ومن نقاط التقييم التي برزت في جميع المداخلات خلال الندوة اتفاق أغلب المتدخلين من داخل الجزيرة ومن خارجها على أن الجزيرة هي قناة مثيرة للجدل نشأةً وتاريخاً وتطوراً وتغطيات. ففي أحيان كثيرة تتحول من ناقلة للخبر إلى مادة له. والجزيرة نشأت لملء فراغ في الساحة الإعلامية العربية وقد انطلقت بسقف عال من الحرية وبمهنية صرفة. ومما يؤكد ضرورة بناء الجزيرة لرؤية نقدية ذاتية، أن شبكة الجزيرة لم تعد تقوم بعمل إعلامي فحسب بل أصبحت تؤثر في الرأي العام العربي أشخاصاً ومؤسسات وأنظمة؛ حتى إن صوتها بالإنجليزية بات يصل إلى جهات دولية نافذة. وتبقى الرؤية النقدية للجزيرة مرتبطةً بمدى التزام الشبكة بالقيم والمبادئ التي حددتها لنفسها في ميثاق شرفها.
الجلسة الرابعة: الجزيرة ومستقبل الإعلام
وفي اليوم الثاني للندوة، عُقدت جلسة صباحية تحت عنوان "الجزيرة ومستقبل الإعلام"، شارك فيها كل من:
-
د. عبد العزيز الحر "مدير مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير، ومدير مكتب التطوير المؤسسي في شبكة الجزيرة"؛ حيث تناول في مداخلته موضوع "الجزيرة وتحديات العشرية القادمة".
-
البروفيسور فيليب سيب "أستاذ الصحافة والدبلوماسية العامة، أستاذ العلاقات الدولية، ومدير مركز الدبلوماسية العامة بجامعة كاليفورنيا الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية"، وجاءت مشاركته بورقة حملت عنوان "الإعلام، الجزيرة، والدبلوماسية العامة".
-
أ. محمد ناناباي "رئيس تحرير الموقع الإلكتروني للجزيرة الإنجليزية على شبكة الإنترنت"، والذي تحَّدث عن "مستقبل الإعلام في ضوء ثورة الإعلام الجديد".
-
أ. مصطفى بادوي "أستاذ الفلسفة وناشط في مجال الإعلام الجديد في المغرب"، وقدَّم مداخلةً حول "الجزيرة والإعلام الجديد".
وأدار هذه الجلسة الدكتور لقاء مكّي "مساعد مدير التحرير في الجزيرة نت".
لقد شكَّلت الجزيرة خلال تطورها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وهي فترة قصيرة نسبياً، علامة فارقة في الإعلام العربي؛ حيث أعطت إطاراً جديداً للإعلام العربي، وأصبحت مرجعاً في قراءتها للأحداث، كما توسع أفقها نحو العالمية خصوصاً مع إطلاق نسختها الإنجليزية في عام 2006م.
غير أنَّ تطور الإنترنت وما أفرزه من وسائل اتصال اجتماعية (فيسبوك، تويتر، يوتيوب) أعطى للناس محتوى إعلامياً جديداً يفرض على الإعلام عموماً والجزيرة خصوصاً تحدياً من نوع جديد. فلابدَّ من الإجابة على التساؤل التالي: كيف تكون الجزيرة واصلةً للمشاهد؟ حيث لابدَّ للإستراتيجية الإعلامية المهتمة بالمستقبل الإعلامي من أن تأخذ بعين الاعتبار معطى الإعلام الجديد (النيوميديا).
الجلسة الختامية: أفكار ورؤى للمستقبل
أمَّا الجلسة الختامية لأعمال ندوة "الجزيرة في خمسة عشر عامًا" فكانت على شكل مائدة مستديرة للنقاش الحر، وذلك بهدف طرح الأفكار المفيدة لعمل شبكة الجزيرة واستشراف دورها المستقبلي. وأدار النقاش الدكتور صلاح الدين الزين "مدير مركز الجزيرة للدراسات"، وشارك فيه كل من الإعلامي الأستاذ أحمد الشيخ، الدكتورة عبير النجار، الدكتورة ريما النجار، البروفسور فيليب سيب، والإعلامية خديجة بن قنّة.
عرض المشاركون من خلال الجلسة مجموعة أفكار يمكن تبنّيها عند التخطيط المستقبلي لأهداف ورؤى شبكة الجزيرة. كان من أهمها:
-
تأسيس شراكة وإقامة نوع من التحالف بين شبكة الجزيرة الإعلامية ووسائل إعلامية أخرى (عربية ودولية.
-
الدعوة إلى الغوص في أعماق المجتمعات الثائرة لكسب ولائها.
-
الإشارة إلى منافسة القنوات الفضائية المحلية، لاسيما بعد انتصار الثورات في بعض الدول العربية.
وهناك من تساءل عن مستوى الوعي داخل شبكة الجزيرة؟ وتحدّث عن بروز تحدّي المحافظة على المعايير المهنية والأخلاقية في الشبكة، ودعا إلى فصل الخبر عن الرأي أو الانطباع الشخصي.
من جهة أخرى، فقد شارك الحاضرون في مناقشات المائدة المستديرة في الحوار وقدّم بعضهم مجموعة من المقترحات نذكر منها على سبيل المثال ما جاء في مداخلة الأستاذ محمد عبد العاطي، الباحث المساعد بمركز الجزيرة للدراسات، والذي قدَّم مجموعةً من المقترحات كإنشاء قسم في شبكة الجزيرة يعنى بدراسة "احتياجات" جمهور الجزيرة من قنواتها ومدى رضا هذا الجمهور عن أدائها، وذلك بغية تطوير الأداء وفق أسس علمية، وكذلك تأسيس وحدة تكون بمثابة همزة الوصل بين قنوات شبكة الجزيرة من جهة والباحثين الراغبين في أن تكون الجزيرة موضوعاً لدراساتهم من جهة أخرى، حتى يسهل على هؤلاء الحصول على المعلومات الضرورية لمادة البحث من مصدرها الرئيس.
التغطية الإعلامية للندوة
-
تغطية شبكة الجزيرة: نُقلت فعاليات الندوة على الهواء عبر قناة الجزيرة مباشر، كما خصصت قناة الجزيرة الفضائية جزءاً من تغطيتها لمتابعة أعمال الندوة، كما بثت قناتي الجزيرة والجزيرة مباشر الإعلان الترويجي للندوة بشكل مكثف خلال الأيام السابقة لافتتاح الندوة.
-
الصف المحلية: بالإضافة إلى التغطية التلفزيونية لأعمال الندوة، نشرت عدة صحف محلية تقارير صحفية حول ندوة الجزيرة في خمسة عشر عاماً.
برنامج الندوة بنسخة PDF |
نبذة عن المتحدثين بنسخة PDF |
نبذة عن الفائزين بمسابقة الجزيرة للباحثين الشباب بنسخة PDF |