حلقة نقاشية "الأزمة السياسية والأمنية في إفريقيا الوسطى: المآلات المفتوحة"

201431710534432734_20.jpg
جانب من الحلقة النقاشية (الجزيرة)

ملخص
نظّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية بعنوان: الأزمة السياسية والأمنية في إفريقيا الوسطى: مآ?ت مفتوحة، وقد شارك فيها الباحثان المتخصصان في الشأن الإفريقي: الباحث الفرنسي: السيد سلفيان تواتي، والباحث المصري: الدكتور بدر شافعي.

لقد باتت جمهورية إفريقيا الوسطى عنوانًا بارزًا يتصدر نشرات الأخبار، وشهدت الصور المؤلمة الواردة من هناك على أن أشرس أنواع الصراع هي تلك التي يمتزج فيها السياسي بالديني والقبلي في آن واحد.

ومن المؤكد أن مسلمي إفريقيا الوسطى يشعرون بأنهم خُدعوا من طرف الفرنسيين، وأنهم ضحايا، لكن: كيف سيواجهون الأمر، وقد يفتح على الانفصال، بين شمال مسلم وجنوب مسيحي؟

لعل من الخيارات المفتوحة أن يتدخل الاتحاد الإفريقي لحل أزمة إفريقيا الوسطى وأن يباشر نشر قوات إفريقية لحفظ السلام تحل محل القوات الفرنسية التي يتهمها المسلمون بالانحياز لأحد الأطراف. كما أنه بات الحديث عن إنشاء لجنة تحقيق تنظر في المجازر التي اتخذت منحى تطهيريًا إثنيًا حتى يُقدَّم المسؤولون للمحاكمة، فهذا شرط في تحقيق أية مصالحة في هذا البلد. وفي هذا السياق يتطلق الجميع لتعيين حكومة وحدة وطنية لتحقيق مسار أمني وللإشراف على المرحلة الانتقالية.

أضحت إفريقيا الوسطى عنوانًا بارزًا يتصدر نشرات الأخبار، وشهدت الصور المؤلمة الواردة من هناك على أن أشرس أنواع الصراع هي تلك التي يمتزج فيها السياسي بالديني والقبلي في آن واحد.

فما طبيعة الصراع الدائر في تلك الدولة؟ ومن هم أطرافه؟ ولماذا تفجر في هذا الوقت بالذات؟ وكيف سيتفاعل محليًا وإقليميًا؟ وهل بالإمكان استشراف مستقبل هذا البلد أم أن الوقت لا يزال مبكرًا؟

وفي هذا السياق نظّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية بعنوان: الأزمة السياسية والأمنية في إفريقيا الوسطى: مآ?ت مفتوحة، وقد شارك فيها الباحثان المتخصصان في الشأن الإفريقي: الباحث الفرنسي: السيد سلفيان تواتي، والباحث المصري: الدكتور بدر شافعي.

إفريقيا الوسطى.. مسارات الانفجار

يتطلب فهم مسارات الصراع في إفريقيا الوسطى إلقاء نظرة عامة على الوضع الحالي في جمهورية إفريقيا الوسطى وفحص المسار الزمني للأزمة، دون إهمال دور السياسة الخارجية الفرنسية والسياسات الخارجية للدول الأخرى وخصوصًا تشاد في جمهورية إفريقيا الوسطى.

لم تكن أزمة جمهورية إفريقيا الوسطى وليدة اللحظة بل إن لها جذورًا ممتدة في الزمان وفي المكان وقد تراكمت مكونات هذه الأزمة وتفاعلت في السنوات الماضية. ومن تجليات تلك الأزمة ما شهدته جمهورية إفريقيا الوسطى من هزات متعددة وانقلابات عسكرية مطردة، غير أن الوجه الأخير للأزمة بدأت بوادره مع انتخابات 2011 الرئاسية عندما انتُخب الرئيس فرانسوا بوزيزي. وقد ينظر بعض المراقبين إلى أن نواة الصراع بإفريقيا الوسطى اجتماعية دينية، وقد ظلت هذه النواة تنمو وتتسع أبعادها وتتطور دينامياتها المختلفة.

بعد الانتخابات الرئاسية تصاعدت شرارة الأزمة في جمهورية إفريقيا الوسطى وتحولت من صراع سياسي إلى صراع ديني ثم إلى صراع دموي عرف تصفيات جسدية فقُتل ضحايا على أساس انتمائهم العقدي، وذلك حين هُرعت قوات ميليشيات الدفاع الذاتي المسيحية المعروفة باسم "أنتي بلاكا"، ومعناها: "مناهضو السواطير" الموالية للرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي، لتواجه ميليشيات "السليكا"، ومعناها: "التحالف"، وهي ميليشيات مسلمة موالية للرئيس ميشيل جوتوديا المطاح به مؤخرًا. ويُعتبر جوتوديا رئيسًا للتمرد الذي ضمّ خليطًا من الجماعات المتمردة التي ظلت منذ سنوات تحارب الرئيس بوزيزي، والتي استطاعت أن تستولي في وقت سابق من تمردها على السلطة بشكل مفاجئ.

لعبت جمهورية تشاد والغابون وجنوب إفريقيا وكذلك فرنسا أدوارًا مهمة فيما يحدث في هذا البلد، كما لعب الاتحاد الإفريقي عمومًا وجنوب إفريقيا دورًا مهمًا في أزمة إفريقيا الوسطى؛ فقد أرسل رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما قوات من بلده، تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، للقتال ضد تحالف السيليكا في مارس/آذار 2013، وقد هوجمت تلك القوات مما أثّر تأثيرًا كبيرًا وطويل المدى على دور الاتحاد الإفريقي، ولعل دور جنوب إفريقيا والغابون وتشاد مهم في فهم الوضع برمته.
في مارس/آذار 2103 فرّ الرئيس المطاح به فرانسوا بوزيزي من جمهورية إفريقيا الوسطى ولا يزال حاليًا في المنفى، ومنذ ذلك التاريخ دخلت الأزمة طورًا جديدًا اتسم بالدموية والعنف والتشريد والنفي، بل أخذ التصعيد طابعًا دينيًا حيث صار القتل والاستهداف يتمان على أساس المعتقد.

 الإسلام والمسيحية في إفريقيا الوسطى.. وجهًا لوجه

أصبحت وضعية المسلمين في جمهورية إفريقيا الوسطى صعبة في الأسابيع الماضية ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى تراكمات المواجهة بين مكونات شعب إفريقيا الوسطى التي عرفت تنافسًا كبيرًا في الأساس بين الفلاحين وأغلبهم مسيحيون وبين السكان الرّحل وأغلبهم مسلمون.

وفضلاً عن الصراع التقليدي بين أصحاب الحقول الزراعية ورعاة المواشي فإن عدم الاستقرار السياسي ألقى بظلاله على الصراع بإفريقيا الوسطى حيث الرئيس فرانسوا بوزيزي لم يكن منتخبًا ديمقراطيًا؛ بل جاء إلى السلطة في عام 2000 بمساعدة الجيش والأمن، ثم حصلت انتخابات عام 2011 وبلغ التزوير فيها نسبة عالية مما فاقم الاحتقان الداخلي وخصوصًا بين المسيحيين والمسلمين.

أصبح العنف المتزايد إلى حد كبير يأخذ شكلاً انتقاميًا ضد المدنيين المحسوبين على ميليشيات السيليكا وهم أساسًا من المقاتلين المسلمين وبين الميليشيات المسيحية المسماة "أنتي بلاكا"، وفي سبتمبر/أيلول 2013 حدثت هناك أفعال وردود أفعال حيث هوجمت قرى مسيحية عديدة ودخلت حلقات القمع والعنف المضاد في سلسلة من المراحل المتتالية والمفزعة.

ومن الواضح أن المكون الاسلامي والمكون المسيحي في جمهورية إفريقيا الوسطى يطغيان على المشهد العنفي.

المصالح الفرنسية في جمهورية إفريقيا الوسطى

يُعرف عن فرنسا أنها تتدخل في الصراعات الإفريقية حينما تحس أن مصالحها الأمنية والاقتصادية وبالتالي الاستراتيجية أصبحت مهددة، وقد حصل الأمر نفسه مع كوت ديفوار حين وقفت فرنسا إلى جانب الحسن واتارا وهو مسلم ضد غريمه لوران غباغبو المسيحي، فقد رأت في باريس في واتارا حليفًا جيدًا يضمن لها مصالحها في كوت ديفوار. ومن المشروع أن نتساءل على هذا الأساس: هل الصراع في إفريقيا الوسطى وما أثاره من رد فعل إقليمي وفرنسي كان صراعًا دينيًا أم أنه صراع سياسي تم تغليفه بالغلاف ديني؟

لا شك أن الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي أصبح في أيامه الأخيرة شخصًا غير مرغوب فيه لا في داخل إفريقيا الوسطى فقط بل ومن طرف فرنسا؛ لذلك تركت باريس المجال لميليشيات السيليكا فاجتاحت البلاد. ومن المفارقات أن تشاد كانت مع فرانسوا بوزيزي قبل أن تتخلي عنه.

لكن لماذا تخلت فرنسا عن حليفها السابق فرانسوا بوزيزي وأفسحت المجال لميليشيات السيليكا لتأخذ الحكم وتزيح بوزيزي؟ لقد أعطى الرئيس الأسبق بوزيزي تراخيص تنقيب عن المعادن واستغلالها لشركات جنوب إفريقيا، وبدأت تلك الشركات تسحب البساط من تحت أقدام الفرنسيين، وهنا أحس الفرنسيون بأن مصالحهم الاستراتيجية في هذا البلد أصبحت مهددة وهو ما جعلهم يفسحون المجال أمام ميليشيات السيليكا لتأخذ مقاليد الحكم في بانغي. لم يكن لهذا الخيار الفرنسي أي معنى ديني بل كان خيارًا سياسيًا محضًا. كما أن الصراع في إفريقيا الوسطى لم يأخذ في بداياته بُعدًا دينيًا بل كان صراعًا على السلطة؛ فجماعة السيليكا ليسوا متدينين كما يروج الإعلام لذلك. أخذ الصراع في مرحلة من المراحل بُعدًا اقتصاديًا؛ فالمسلمون رعاة ويشرفون من خلال استثماراتهم على المناجم، أما المسيحيون فنشاطهم الرئيس هو الزراعة. لقد استعان الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي بميليشيات السيليكا ضد غريمه الأسبق آنج فيليكس باتاسي، لكن سرعان ما أدركت ميليشيات السيليكا أن بوزيزي خدعهم.تم التوقيع على اتفاقية الغابون وذلك قبل شهرين من الصراع، وتنص الاتفاقية على أن بوزيزي لا يترشح في الانتخابات القادمة وأن يقوم بتعيين حكومة مؤقتة ستقوم بتسيير الشأن العام لكن بوزيزي لم يلتزم بنص الاتفاقية. ولما وجد الرئيس السبق فرانسوا بوزيزي نفسه في مواجهة حلفائه السيليكا أعطى للصراع بعدًا دينيًا وحشد حوله ما بات يُعرف بميليشيات "أنتي بلاكا". وقد ظلت فرنسا قريبة من كل هذه التطورات فقررت فرنسا الإطاحة بالرئيس الجديد جوتوديا، وفي نفس اليوم الذي أصدر فيه مجلس الأمن قرارًا عن الوضع في إفريقيا الوسطى تم قتل العديد من المسلمين دون أن تتدخل القوات الفرنسية المرابطة ببانغي. كما أن الفرنسيين نزعوا سلاح ميليشيات السليكا وتركوا السلاح بين أيدي "الأنتي بلاكا"؛ مما عقّد الوضع الأمني وزاد من استهداف المسلمين.

ويذهب العديد من المحللين إلى أن ثمة تفاهمًا بين فرنسا والولايات المتحدة، خصوصًا بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لواشنطن حيث تترك أميركا المجال لفرنسا للتدخل في مجالها الإفريقي التقليدي بهدف مواجهات أية حركات أو تنظيمات ذات صبغة إسلامية.

مستقبل الصراع في إفريقيا الوسطى

من المؤكد أن مسلمي إفريقيا الوسطى يشعرون بأنهم خُدعوا من طرف الفرنسيين، وأنهم ضحايا، لكن: كيف سيواجهون الأمر، وقد يفتح على الانفصال، بين شمال مسلم وجنوب مسيحي؟

لعل من الخيارات المفتوحة أن يتدخل الاتحاد الإفريقي لحل أزمة إفريقيا الوسطى وأن يباشر نشر قوات إفريقية لحفظ السلام تحل محل القوات الفرنسية التي يتهمها المسلمون بالانحياز لأحد الأطراف. كما أنه بات الحديث عن إنشاء لجنة تحقيق تنظر في المجازر التي اتخذت منحى تطهيريًا إثنيًا حتى يُقدَّم المسؤولون للمحاكمة، فهذا شرط في تحقيق أية مصالحة في هذا البلد. وفي هذا السياق يتطلع الجميع لتعيين حكومة وحدة وطنية لتحقيق مسار أمني وللإشراف على المرحلة الانتقالية.
______________________________
* د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات