التحولات السياسية في الجزائر في سياق ترشح بوتفليقة لولاية رابعة

201432384945846734_20.jpg
جانب من الحلقة النقاشية (الجزيرة)

ملخص
استعرضت الجلسة النقاشية الخاصة بالوضع السياسي الجزائري عدة أفكار وتوصلت إلى أن هنالك مجموعة من السيناريوهات المحتملة وهي: استمرار الاحتقان خصوصًا مع تقدم بوتفليقة المؤكد لعهدة رابعة؛ فالمشاكل الاجتماعية متأزمة خصوصًا مع تزايد البطالة وأزمة السكن ومشاكل قطاع الصحة والتربية والتعليم، وسيكرّس ترشح بوتفليقة وتقدمه للمأمورية الرابعة من جديد، مع مرضه المزمن حقيقة مهمة وهي أن التداول على السلطة لم يعد موجودا بالجزائر هذا أولا. أما السيناريو الثاني فيتلخص في أنه لو وصل المرشح علي بن فليس للسلطة بفوزه في الانتخابات، وهو أمر وإن كان مستبعدًا بحكم المؤشرات الراهنة، إلا أنه -لو حصل- فسيغير موازين داخلية كثيرة؛ حيث ستنزاح عن الجزائر شلة من المستفيدين من نظام بوتفليقة. وثالثًا: لو نجحت حركة "بركات" في تحرك الشارع والمطالبة برحيل النظام، ودخول الجزائر في "الربيع العربي"، فإن الاحتمال سيكون مفتوحًا على مسارات أخرى مهمة وعميقة. ومع أن هذا السيناريو مستبعد جدًا فإن له مؤشرات تبدو في الأفق.

ومع نجاح بوتفليقة في الرئاسيات القادمة، وهو السيناريو الأكثر واقعية، فإنه قد يحصل اتفاق مؤقت بين الجيش والرئيس على بقائه في السلطة مع الاتفاق على مرحلة انتقالية تتم فيها صياغة دستور جديد، ومن علامات هذا الاتفاق بقاء توفيق مع تسليم بعض الصلاحيات لقائد الأركان، لأن قائد الأركان هو الضامن لهذا الاتفاق، ويكون البند الرئيسي فيه نائب الرئيس، وهو شخصية غير منتخبة بل معينة، تضمن مصالح الشبكة التي تشكّلت في عهد بوتفليقة والشبكة التي شكّلها مدير الاستخبارات خلال نحو عشرين سنة.

تعيش الجزائر تغيرات مهمة على وقع إعلان ترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة؛ وذلك بعد جدل سياسي داخلي طويل امتد منذ إعلان المرض الأخير للرئيس والشكوك حول قدرته على إدارة البلاد، علاوة على الخلاف العلني حول التغييرات التي مست جهاز الاستخبارات القوى بنقل عدد كبير من صلاحياته لقيادة الأركان. كل ذلك في سياق وضع داخلي متأزم برز خلال الاحتجاجات التي هزت الجنوب الجزائري، واهتزاز الاستقرار على حدود البلاد مثل مالي وتونس وليبيا.

وفي هذا السياق نظم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية أراد منها إلقاء الضوء على التحولات السياسية، واستشراف السيناريوهات الممكنة للمشهد السياسي الجزائري، والتأثيرات الداخلية والخارجية لإعلان ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة.

شارك في الحلقة النقاشية:

  • الدكتور محمد قيراط أستاذ العلاقات العامة والاتصال الجماهيري بجامعة قطر. 
  • الأستاذ زهير حامدي الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
  • الأستاذ الحواس تقية الباحث في مركز الجزيرة للدراسات.

وتناول النقاش النقاط الثلاث التالية:

  • أولاً: المشهد السياسي الجزائري وموقف الأطراف السياسية.
  • ثانيًا: المؤسسة العسكرية.
  • ثالثًا: السيناريوهات المتوقعة.

أولاً: الجزائر.. أزمة هيكلية وفرصة ظرفية

هناك معطيات وإحصاءات تتعلق بالجزائر ومن الضروري الوقوف عندها تمهيدًا وتأطيرًا لهذا الموضوع؛ فالجزائر تقع في المرتبة 93 حسب مقياس التنمية على مستوى العالم للعام 2013 من بين 187 دولة شملها التصنيف. وتتراوح المشاركة السياسية حسب بعض الحقوقيين ما بين 18 إلى 23% أما رسميًا فتدور حول 40%. أما معدل البطالة فيبلغ 10% لكنه يصل إلى 21% من الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة. وحسب دراسة قامت بها الوكالة الوطنية لتهيئة الأقاليم فإن دخل العائلات يتراوح بين 50 و 100 يورو شهريًا، أما الحد الأدنى للأجور فهو 100 يورو. وتقدر نسبة السكان تحت خط الفقر بنسبة 23% سنة 2006، ولا يوجد إحصاء آخر كما هو مبين في جدول الصندوق الأممي لرعاية الطفولة. ومن حيث نوعية العيش يضع المسح الدولي "مميسير" الجزائر في المرتبة 179 من بين 221 دولة، وتقع الجزائر العاصمة في المرتبة العاشرة من بين المدن التي لا يروق العيش فيها إلى جانب مدينة كراتشي الباكستانية. وبالنسبة للشفافية تقع الجزائر في السلم 94 من بين 177 دولة؛ مما يعني تفشي الفساد والرشوة.

كما تقع الجزائر في المرتبة 20 دوليًا من حيث ميزانية الدفاع حيث تأتي مباشرة بعد إسرائيل، فحسب مجلة جينس، فإن الجزائر صرفت 10.8 مليار دولار على التسلح في 2013 مقابل 4 مليارات صرفها المغرب. وقد كانت الجزائر في المرتبة 24 في 2012. هذا الارتفاع يحدث دون أن تكون الجزائر تواجه مخاطر حرب، وتفسيراته عديدة، وستصير الجزائر سنة 2020 في المرتبة 17 دوليًا متجاوزة بذلك إسرائيل وإسبانيا.

ولو ألقينا نظرة على الوضع السياسي الجزائري الراهن فسوف نرى أن الرئيس بوتفليقة يرفض الذهاب، ولو تساءلنا: لماذا هذا الرفض؟ فبالإمكان تقديم عدة أجوبة تساهم في توسيع دائرة النقاش؛ فمن المعلوم أن بوتفليقة هو الضامن لشبكة المصالح الداخلية التي نشأت منذ استلامه السلطة وظلت تتطور وتتفاعل. لقد حصلت الجزائر على نحو 600 مليار دولار ما بين 2000 إلى سنة 2012، ومع ذلك لم تتجسد هذه السيولة الضخمة في مشاريع تنموية واضحة؛ بل إن مشروعًا حيويًا مثل "طريق شرق/غرب" كلف حتى الآن 11 مليار دولار، وتصاعدت قيمة الرشاوى فيه إلى مبالغ خيالية.

يكاد الجميع يتفق على أن لعبد العزيز بوتفليقة جملة من النقاط تلعب لصالحه في الوضع السياسي الراهن، وهي: أنه تمكّن من وضع أسس لعملية استقرار أمني عقب سنوات من الاضطرابات والتناحر، كما أنه استطاع العفو عن قيادات الجيش التي كانت متهمة بالضلوع في عنف وتصفيات العشرية الحمراء، بل إن الرئيس بوتفليقة ضمن لهذه القيادات مصالحها الداخلية والخارجية، وهذا ما عزّز حلفه مع الجيش، بل وتمكُنه من إقناع الجيش بالحفاظ عليه وإبعاد الرافضين له، فمن جهة حماهم من الملاحقات الخارجية، ومن جهة أخرى أبعد كل الضباط الذين قادوا الحرب الأهلية حتى لا يكونوا عبئًا على مؤسسة الجيش كما تبين من الملاحقات القضائية في الخارج لوزير الدفاع السابق خالد نزار بسبب مسؤوليته أثناء الحرب الأهلية. ومن جهة أخرى أفرغ الاستخبارات من وظيفتها لطمأنة الشركات النفطية الأجنبية، وفتح المجال أمام التعاون مع فرنسا وأميركا في مالي، وغلق ملف الرهائن الذي يمكن أن يفتح مجددًا دور قيادة الجيش الجزائري في الحرب الأهلية. وينبغي توضيح أن الشركات القريبة من الجيش يُقدر نصيبها بنحو 15 بالمائة من سوق الواردات.

ولعل ما يفسر إقبال الجزائر على التسلح مؤخرًا في عهد الرئيس بوتفليقة هو السعي إلى:

  • شراء ولاء قيادات الجيش في مقابل الاستخبارات.
  • إنهاك ميزانية الجار الغربي: المغرب.
  • ردع الجزائريين داخليًا. 
  • ردع القوى الخارجية حتى لا تتدخل في الجزائر مثلما تدخلت في ليبيا.
  • ضمان أن تكون الجزائر أحد الشركاء الكبار للقوى الخارجية.
  • خلق قوة رادعة مع ارتداد موجة الربيع العربي.

ولو تساءلنا عن حدود هذه التوازنات التي خلقها نظام بوتفليقة فإننا سنرى أن:

  • جيل الثورة الذي ينتمي له الرئيس أصبح في أواخر سن الشيخوخة فضلاً عن تآكل الشرعية المعنوية للثورة، كما تبين حين انتفضت الجماهير في أكتوبر/تشرين الأول 1988 على جبهة التحرير بسبب قضايا الفساد التي تلاحق عائلة الرئيس ومقربيه. 
  • عجز النظام عن التجدد كما يتضح في التباعد بين قيادة شائخة ومجتمع شاب، لأن النظام التسلطي يبني الثقة على العلاقات الشخصية وليس على ثقة الناخبين في المسؤول، والعلاقات الشخصية مرتبطة بالسن وكذلك المنطقة، وهذا يثير السخط والإحباط لأن الدولة لم تعد ممثلة لعموم البلد.
  • سيطرة رجال الأعمال على الأحزاب السياسية الرئيسية، وعلى الهيئة التشريعية، بمعنى أنهم يستطيعون سن قوانين لخصخصة الدولة.
  • ظلت الدولة الموظِّف الأكبر، وهذا يعني أن النقابة أداة لضبط عالم الشغل، وكل إصلاح اقتصادي سيكون مؤلمًا ومضطربًا لأن هؤلاء العمال سيعارضونه؛ فهو يضع الدولة في مأزق خسارة قطاع اجتماعي كبير أو إصلاح اقتصادي مكلف.
  • أصبح من الشائع على نطاق واسع مفهوم الزبونية الذي يثير سخط الشعب الجزائري، ويوهن سلطة الدولة لأنها باتت ملكية خاصة وليست خدمة عامة.
  • ارتهان الاقتصاد الجزائري كله لتصدير الطاقة مما كرّس تبعية البلد للخارج.
  • الجزائر تواجه الخطر في جنوبها لكنها خسرت غالبية أوراقها هناك بعد أزمة ليبيا ومالي والتغيير في تونس.

ثانيًا: المؤسسة العسكرية والأمن والرئاسة

لفهم دور الجيش والمخابرات في الشأن العام الجزائري لابد من العودة إلى فترة حرب التحرير. إن الدور المركزي للجيش الجزائري يعود إلى أن نمط التحرير الوطني كان كفاحًا مسلحًا ولم يكن مفاوضات سياسية؛ وهذا أدى منذ البداية إلى صراع ما بين الأجنحة العسكرية والسياسية أيام المقاومة أيهما الأولى؟ وقد حُسم الأمر في ذلك التاريخ لصالح الجناح العسكري.

بعد مؤتمر الصمام الشهير احتدم الصراع بين الأجنحة؛ فقتل عبان رمضان وظل صراع الجناحين: العسكري والمدني متواصلاً حتى وصول الرئيس بومدين فتكرست بذلك غلبة الجناح العسكري على غريمه المدني.

ظهرت مؤسستان، هما: الجيش والمخابرات العسكرية، والفرق بينهما في الهيكلية وفي العلاقة بالمجتمع.

إن الجيش الجزائري جزء من المجتمع أما المخابرات ففي كل مكان في الصحافة والمجتمع، ولا نبالغ إن قلنا: إنها أكبر من مديرية مخابرات بل هي موجودة في المشهد السياسي والإعلامي والاقتصادي؛ هناك فرق في الثقافة المهنية وفي النظرة للمجتمع.

وقد عرف المشهد السياسي الجزائري مؤخرًا صراعًا بين رؤوس المثلث الثلاثة، وهي: الرئاسة والجيش والمخابرات العسكرية؛ حيث وصل الأمر إلى الصراع لا بين المخابرات والرئاسة فحسب بل بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المخابراتية، بين قيادة الأركان والمخابرات؛ وهذا مهم لفهم ما يحصل في الجزائر.

حاول بوتفليقة إجراء تعديلات فأعاد هيكلة الأمن الرئاسي وهو عبارة عن وحدة تقوم بحماية الرئيس فتم إلغاؤها وأُنشئت وحدة لا علاقة لها بالمخابرات العسكرية.

ولعل هذا التعديل الطارئ كان من تداعيات عملية عين أميناس؛ حيث حصلت ضغوطات داخلية وخارجية من أجل إعادة هيكلة المخابرات التي فشلت في حماية مؤسسات الغاز الاستراتيجية.

حصل عجز بعد تلك العملية المفاجئة والقوية فكان لابد من تعديلات وقد مست تلك التعديلات مديريات داخل المخابرات والمديرية المركزية وأُلحق أمن الجيش بقيادة الأركان، وهذه المديرية محورية بل هي برج المراقبة داخل الجيش، ثم إن كبار الضباط كانوا جزءًا من هذه المديرية.

تفاقم الصراع بين الرئاسة وبين المخابرات العسكرية من خلال التصريحات التي قالها سعداني -أمين عام جبهة التحرير- حيث فتح النار على الجنرال توفيق وحمّله كل الفشل. ومعلوم أن سعداني لا يتكلم من دون تعليمات من بوتفليقة.

وليس من الافتيات حين نقول إنه لا يوجد اختلاف جوهري بين المجموعتين (الرئاسة والمخابرات العسكرية)؛ فهما يريدان الحفاظ على نفس المصالح لكن جوهر الخلاف ينحصر فيمن سيكون خليفة الرئيس.

تريد مجموعة الرئيس بوتفليقة أن يكون الخليفة من بين صفوفهم لضمان شبكة المصالح وضمان سد الباب على الجناح المنافس حتى لا يصفّيهم عندما يمسك دفة الحكم.

ولعل تجربة ترشح علي بن فليس لرئاسيات 2004 كانت مثالاً ناصعًا لهذا الصراع؛ حيث كان بن فليس مرشح الجناح المناهض لبوتفليقة والمدعوم من المخابرات العسكرية ولذلك بعد الانتخابات وفوز بوتفليقة تمت تصفية أصحاب بن فليس.

هل علي بن فليس في حالة فوزه سيقوم بعملية انتقام ضد مجموعة الرئيس؟ وهل كان هناك عدم ثقة عميق ما بين المخابرات وبين مجموعة الرئيس؟

لا شك بأن هذه الانتخابات القادمة لن تكون انتخابات استقرار بل ستكون إعادة للأزمة من جديد، بل وستفتح نتائجها الأبواب أمام استنفار وخوف وعدم ثقة.

ثالثًا: السيناريوهات المتوقعة

هنالك ثلاثة سيناريوهات محتملة:

  • أولاً: استمرار الاحتقان خصوصًا مع تقدم بوتفليقة المؤكد لعهدة رابعة؛ فالمشاكل الاجتماعية متأزمة خصوصًا مع تزايد البطالة وأزمة السكن ومشاكل قطاع الصحة والتربية والتعليم، وسيكرّس ترشح بوتفليقة وتقدمه للمأمورية الرابعة من جديد، مع مرضه المزمن حقيقة مهمة وهي أن التداول على السلطة لم يعد موجودا بالجزائر، ويأتي هذا الترشح في سياق يتسم بتراجع الدور السياسي للقوى المضادة ولأحزاب المعارضة، فهي هيئات تكاد تكون مشلولة أو غير حاضرة في المشهد السياسي. ولا شك في أن ارتفاع أسعار النفط على مستوى العالم أمرٌ في صالح الخزينة الجزائرية حيث تزداد سيولتها النقدية باستمرار، لكن الفساد الذي ينخر جسم الدولة الجزائرية ومؤسساتها يلتهم تلك العائدات النفطية التهامًا وينعطف بها عن مسارها الصحيح.
  • ثانيًا: وصول المرشح علي بن فليس للسلطة بفوزه في الانتخابات، وهو أمر وإن كان مستبعدًا بحكم المؤشرات الراهنة، إلا أنه -لو حصل- فسيغير موازين داخلية كثيرة؛ حيث ستنزاح عن الجزائر شلة من المستفيدين من نظام بوتفليقة.
  • ثالثًا: لو نجحت حركة "بركات" في تحرك الشارع والمطالبة برحيل النظام، ودخول الجزائر في "الربيع العربي"، فإن الاحتمال سيكون مفتوحًا على مسارات أخرى مهمة وعميقة. ومع أن هذا السيناريو مستبعد جدًا فإن له مؤشرات تبدو في الأفق.

ومع نجاح بوتفليقة في الرئاسيات القادمة، وهو السيناريو الأكثر واقعية، فإنه قد يحصل اتفاق مؤقت بين الجيش والرئيس على بقائه في السلطة مع الاتفاق على مرحلة انتقالية تتم فيها صياغة دستور جديد، ومن علامات هذا الاتفاق بقاء توفيق مع تسليم بعض الصلاحيات لقائد الأركان، لأن قائد الأركان هو الضامن لهذا الاتفاق، ويكون البند الرئيسي فيه نائب الرئيس، وهو شخصية غير منتخبة بل معينة، تضمن مصالح الشبكة التي تشكّلت في عهد بوتفليقة والشبكة التي شكّلها مدير الاستخبارات خلال نحو عشرين سنة.
_____________________________________
د. سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات