(الجزيرة) |
ملخص اعتبر الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن البديل في مصر يُصنَع وليس بديلًا جاهزًا، وأكَّد في حلقة نقاشية أقامها مركز الجزيرة للدراسات، يوم الأربعاء 2 سبتمبر/أيلول 2015، أن هناك فرقًا بين المصالحة المجتمعية والمصالحة السياسية، مُبيِّنًا أن ما تحتاج له مصر اليوم هو المصالحة المجتمعية لتفادي انزلاقها إلى الحرب الأهلية. وفي معرض تقديمه للمخارج المُمكنة من الأزمة الراهنة، شدَّد على أنه لا حلَّ سياسيًّا في ظل استمرار عبد الفتاح السيسي في الحكم "لأنه جزء من المشكلة مما لا يُؤهله ليكون جزءًا من الحل". |
تواجه مصر حالة من الاحتقان وعدم الاستقرار منذ الإطاحة بالرئيس المُنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 ومجيء عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في انتخابات اعتُبرت مُخالفة للمعايير الدولية للانتخابات الحُرة والنزيهة. وتعددت القراءات والمقاربات لأسباب هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ مصر المعاصر، كما تعددت وتضاربت الرؤى في شأن سُبل الخروج منها، وخاصة تحديد البديل عن الحكم العسكري الحالي. حول هذه المسألة عقد مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية يوم الأربعاء، 2 سبتمبر/أيلول 2015، محورُها: "الأزمة السياسية في مصر: الحلول والمخارج الممكنة"، تحدث فيها الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأعقبها مداخلات وتعليقات من الحضور.
وأكَّد عبد الفتاح أن الأزمة الحالية في مصر أكبر من مجرد أزمة سياسية، فهي أزمة وطن ومجتمع، وبالتالي فالبحث عن حلول لهذه الأزمة يجب أن يكون لدى المجتمع كله، بكل مكوناته وليس عند نخب السياسة فقط، مُحذِّرًا من أن مصر كوطن وأرض وثورة في حالة تهديد حقيقية. وأكد أن "الطريقة التي تم بها الاستيلاء على الحكم في مصر في انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 لا يمكن أن تكون هي طريقة الانتقال السياسي في بلد مُحترم". وميَّز عبد الفتاح بين أربعة مستويات في مُقاربة الأزمة الراهنة، وهي أولًا: الفرق بين الشرعية والشرعنة، وثانيًا: رفض اللجوء للقوة من أجل فرض الأمر الواقع، وثالثًا: التمييز بين 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز، ورابعًا: زيف الموقف الدولي المُتستر بذريعة "ضمان الاستقرار" على حساب مصالح الناس. وتوسَّع في شرح مفهوم الشرعية قائلًا: "إنهم ينظرون إليها من زاوية (الرئيس محمد) مرسي وأنا أراها من ناحية المُنقلب" في إشارة إلى انقلاب 3 يوليو/تموز. ومضى قائلًا: إنه يُدافع عن مبدأ وليس عن شخص باعتبار أن السلطة عقدٌ يقوم على الرضى والاختيار، أمَّا الشخص فيُمكن أن يُختلف على دوره أو مسؤوليته، وبالتالي فالثابت هي الشرعية. وأشار في هذا السياق إلى أن الشرعية أكثر اتساعًا من مفهوم الانتخابات، كما أنها أكثر شمولًا وثباتًا ورسوخًا من الأشخاص. وتساءل: "كيف يَختطف رئيسًا منتخبًا ويَحبسه في مكان لا يعلمُه إلا هو، ثم يقول: إن ما أفرزه صندوق الاقتراع (في انتخابات 2012 الرئاسية) لا يهُمني!". وعلَّق بقوله: "هذا يعني الانتقال من صندوق الاقتراع إلى صندوق الذخيرة". وتابع: "إن صاحب القوة الذي وظَّفوه لمهمة مُحددة ينبغي أن يبقى في الثكنة".
وتطرَّق إلى الفرق بين 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013 قائلًا: "لا أغمط حقَّ مَن خرج في 30 يونيو/حزيران فهم شباب كانوا ينتظرون من الثورة أكثر مما وجدوا، وبالتالي فهذا أمر مشروع لا يمكن أن نعترض عليه". وأكَّد أن من خرجوا في ذلك اليوم هم غير مسؤولين عن المآلات اللاحقة، مُوضحا أنهم "لم يكونوا كلهم من الفلول أو أنصار الثورة المضادة، بل كان بينهم ثوار من الشباب الذين خاب أملهم في أداء الإخوان في الحكم، وهذا ما يجب الاعتراف به، رغم حقيقة أن القوى الثورية التي شاركت في المظاهرات استُدرجت لذلك بهدف الانقلاب على ثورة يناير/كانون الثاني".
وشدَّد على أن البديل في مصر يُصنَع وليس بديلًا جاهزًا، وهُنا ذكَّر بأن ما سُمي بـ"أزمة البديل" طُرحت منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إذ كان (رجاله) يسألوننا: "ما البديل؟" موهمين العالم بأن البديل عن مبارك هو المجهول والفوضى.
وفي معرض تقديمه للمخارج المُمكنة من الأزمة الراهنة، أكَّد أنه لا حلَّ سياسيًّا في ظل استمرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحكم "لأنه جزء من المشكلة مما لا يُؤهِّله ليكون جزءًا من الحل" كما قال. لكن الدكتور عبد الفتاح أوضح أنه "لا يمكن استثناء أحد من العملية السياسية"، مُضيفًا: إن "باب التوبة مفتوح لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أخطأنا كلنا في حقها". وشرح الفرق بين المصالحة المجتمعية والمصالحة السياسية، مُبيِّنًا أن ما تحتاج له مصر اليوم هو المصالحة المجتمعية لتفادي انزلاق البلد نحو مُنحدر الحرب الأهلية.
وقال: "اتجهنا منذ سنة إلى عدة قوى لإقناعها بالاصطفاف وبضرورة تصدر الشباب للمشهد السياسي في المستقبل"، مُعتبرًا أن البدء بالمصالحة الاجتماعية "سيقودنا إلى المصالحة السياسية التي ستُشكِّل تتويجًا للمصالحة الأولى". واستكمالًا لحديثه عن المخارج والحلول الممكنة للأزمة، رأى عبد الفتاح أنه لا حلَّ في ظل وجود السيسي "فمن كان جزءًا من المشكلة لا يمكن أن يكون جزءًا من الحل، كما أنه لا حلَّ يمكن أن يأتي على يد فصيل محدد لأنه كان أيضًا جزءًا من المشكلة". واستدرك مُوضِّحًا أن ذلك "لا يعني استبعاد أي طرف من المصالحة السياسية، شريطة أن تكون المرجعية هي الموقف من ثورة يناير/كانون الثاني قبل أي شيء آخر".
وأشار إلى أن هناك في المستويين الدولي والإقليمي مَن يقول: "نريد لمصر الاستقرار"، وردَّ على ذلك بأن ما تعيشه مصر اليوم "ليس استقرارًا لأنه استقرار زائف، والزائف لا يدوم"، مُستدلًّا بأن مليون ونصف مليون مصري تقريبًا تضرَّروا بشكل أو بآخر من الأحداث الجارية في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة. واعتبر أن "هذا الاستقرار غير مأمون وإنما يطلبه بعض القوى الخارجية لحماية مصالحه، ولا يمكن المراهنة عليه لمنع الانفجار القادم في وجه النظام".
واعتبر أن "أية معادلة تقفز على الشعب تؤدي إلى استقرار ظاهري وبالتالي زائل"، وحذَّر من أن هناك من يسعى للدفع نحو الحرب الأهلية، فهو يصطنع حربًا ضد الإرهاب ليكون له مُبرر للوجود. وأضاف: إن الأميركيين الذين يقولون: "نحن نُريد استقرار الوضع" لم يفهموا لماذا قامت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. ومضى مُتحدثًا عن الدور الإقليمي والدولي في الأزمة، فقال: إنه يجب تفكيك هذا الدور وتفنيده سواء فيما يخص الحديث عن الاستقرار في مصر أو غياب البديل.
وتركزت مداخلات الحضور على المُطالبة بإبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة وتكريسها لما أُنشِئت من أجله وهو الدفاع عن الوطن. وتطرقت أيضًا إلى ما يتردد في بعض وسائل الإعلام بشأن احتمال وجود وساطات إقليمية بين الحكم العسكري وحركة الإخوان المسلمين. كما تساءل البعض عن الموقف من الانتخابات البرلمانية المُقررة للخريف المقبل في مصر، ومدى تبلور معارضة حقيقية للحكم، وكذلك عن فرص التقارب بين مُكونات المعارضة. وفي معرض ردِّه على التساؤلات شكَّك الدكتور سيف الدين عبد الفتاح في مصداقية الانتخابات البرلمانية المقبلة، مُؤكدًا أن الجيش مؤسسة قوية وهو الذي سيُدير الانتخابات، فمن سيختار النوابَ في الأخير هي المخابرات العسكرية وليست المؤسسة الأمنية حتى. واستخلص في الأخير ضرورة العبور أولًا بـ"مرحلة انتقالية إجبارية" ثم تأتي مرحلة صناعة البديل، مُوضِّحًا أن دوره ومهنته كمثقف تتمثلان في "صناعة الأمل وليس زرع الأوهام". واختتم الدكتور سيف الدين حديثه في الحلقة النقاشية بالتأكيد على أن كلمة السر في أي حراك ثوري أو سياسي ضد الانقلاب تكمن في عبارتين، هما: الاصطفاف الوطني والشباب، فلابد من اصطفاف يتراجع فيه البعض قليلًا لصالح الآخرين، وأن يتصدر الشباب المشهد الراهن باعتباره عنوان المستقبل.
_______________________________
رشيد خشانة - باحث في مركز الجزيرة للدراسات