ندوة: مستقبل اليمن واللاعبون الإقليميون

1ce78cff2fed405eb0534f09a9568a89_18.jpg
من اليمين: د. حسن أحمديان عبر الأقمار الصناعية، د. جابر الحرمي، د. عبد الله الغيلاني، د. بكيل الزنداني (الجزيرة)

مقدمة 

لا يبدو أن الحرب التي يشنها التحالف العربي في اليمن تحقق أيًّا من أهدافها في إنقاذ البلاد من أيدي الحوثيين وحليفهم، علي عبد الله صالح، واستعادة الشرعية والأمل في الاستقرار والتنمية. فقد دمرت الحرب اليمن لسنوات طويلة قادمة بعدما تحولت إلى حرب استنزاف لمختلف الأطراف وخاصة للمملكة العربية السعودية التي باتت تبحث عن مخرج بأي ثمن. فما مآلات الحرب في اليمن؟ وما دور الأطراف الإقليمية الفاعلة على الساحة ومصالحها هناك؟ وما طبيعة الخلاف بين عبد الله صالح والحوثيين؟ وما الكلفة الإنسانية لهذه الحرب المدمرة؟ وما السيناريوهات المستقبلية لإنهاء الحرب؟ ولتوضيح هذه الإشكالات استضاف مركز الجزيرة للدراسات الدكتور بكيل الزنداني، المحاضر بجامعة قطر، والدكتور عبد الله الغيلاني، الباحث المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، والدكتور حسن أحمديان، أستاذ الدراسات شرق الأوسطية في جامعة طهران، والسيد جابر الحرمي، الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية سابقًا. 

أهداف عاصفة الحزم بين الإنجاز والفشل 

يرى د.بكيل الزنداني، المحاضر بجامعة قطر، أن تدخل دول التحالف العربي كان من الممكن أن يكون مهمًّا لو تم في الوهلة الأولى عندما بدأ الحوثيون تحركهم من دماج 2013. لقد جاءت عاصفة الحزم متأخرة ومع ذلك أيضًا لم تجبر الجميع على الجلوس إلى طاولة الحوار، بل إنه، وبعد سنتين ونصف، ما زال اليمن في نفس المربع الأول إن لم يكن أصبح أسفل من ذلك. ومن الملاحظ، ونحن بصدد قراءة ما جرى، أن نذكر أن العاصمة صنعاء لم تسقط بيد الحوثيين وإنما سُلِّمت لهم تسليمًا؛ لقد سلَّمها حلفاء السعودية في اليمن. والسؤال المطروح: أين كان دور الجيش اليمني أثناء معارك صنعاء وهو المفترض أن يكون تابعًا للحكومة؟ لقد وقفت وزارة الدفاع والجيش اليمني على الحياد وعلى مسافة واحدة من الصراع الذي وقع في صنعاء وأدى إلى سقوطها بيد جماعة الحوثيين، ومن هنا التساؤل وارد عمَّا هو دور الجيش. 

لقد نتجت عن عاصفة الحزم مجموعة من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي ينبغي كشفها لفهم أسباب فشل هذه العملية في تحقيق أهدافها المطلوبة:

  • على المستوى السياسي، هناك مناطق تم تحريرها فعلًا، وكان من المفترض أن تُهيَّأ سياسيًّا وتنشأ فيها مؤسسات مدنية تكون نموذجًا لغيرها لكن هذه المناطق المحررة بقيت هشَّة وقاصرة ومقصِّرة في تقديم أي خدمة؛ فهناك إخفاق في عدن وشبوة وحضرموت، وفي المناطق المحررة.
  • على المستوى الاقتصادي، ظل 85% من سكان المناطق المحررة في حالة فقر مدقع، وقد تضرر الموظفون تضررًا كبيرًا، والكل يكيل الاتهامات للآخر، ومستوى المعيشة في تدهور مستمر.
  • على المستوى الاجتماعي، زادت المناطقية والطائفية تجذرًا في المناطق المحررة، بحيث لم تعد هناك هوية يمنية جامعة.
  • وعلى المستوى الأمني، تحكمت الميليشيات في المناطق المحررة وتحول المشهد إلى مجموعات ميليشياوية وألوية تابعة إمَّا لدول التحالف العربي وإما للقاعدة وإما للقبائل.

أصبح المشهد العام يوحي بأن عاصفة الحزم لم تحقق هدفًا يُذكر والمواطن اليمني يتحمل عبئًا لا يمكن تخيله. بل إن بعض دول التحالف صارت تمارس دورًا أقرب إلى ممارسات الاستعمار؛ فالإمارات العربية المتحدة مثلًا عمدت إلى إنشاء قوات في كل منطقة يتم تحريرها، وهو ما يذكِّرنا بالاستعمار البريطاني في عدن الذي يقسم المناطق إلى سلطنات ويظل متحكمًا في المشهد بتحريكه للميليشيات التابعة له. اليمنيون يرغبون في شراكات مع دول التحالف من خلالها يمكن العبور إلى وضع خالٍ من الفوضى والحروب، وضع يحترم الدستور والشرعية لا وفق احتلال إماراتي يولِّد الفُرقة والصراعات. 

عاصفة الحزم وحماية المصالح السعودية في اليمن 

يرى الدكتور عبد الله الغيلاني، الباحث المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، أن ابتداء الأزمة اليمنية وتداعياتها كانت شيئًا استثنائيًّا، لكنها في جوهرها تشكِّل تسلسلًا طبيعيًّا لمقدمات كانت موجودة ومعروفة. ولفهم عاصفة الحزم لابد من الوقوف عند نقطة مهمة؛ وهي المقاربة الخليجية لليمن وما يحدث فيه؛ ذلك أن منظومة مجلس التعاون الخليجي لها موقف معين من اليمن وهذا الموقف هو الذي أفرز عاصمة الحزم. بعد سقوط العاصمة اليمنية، صنعاء، هبَّت السعودية وجمعت تحالفًا سُمِّي بالتحالف العربي مدشِّنة بذلك عملية مفهومة الدوافع الاستراتيجية فهي تهدف ظاهريًّا للحفاظ على مصالح السعودية في اليمن أولًا وقبل كل شيء. لكن عملية عاصفة الحزم العسكرية كانت تفتقر إلى رؤية سياسية ترافقها وتوجهها وتستفيد من نتائجها، وهذه الرؤية لم تكن موجودة إطلاقًا. لقد دخلت السعودية، ومن ورائها التحالف العربي، إلى اليمن بدون رؤية سياسية، وهي رؤية لابد منها لا أن تكون رديفة للعملية العسكرية. 

والغريب أنه حين بدأت عاصفة الحزم، 26 مارس/آذار 2015، وبعد أسابيع من انطلاقها أعلنت المملكة السعودية أن العاصفة انتهت وبدأت عملية إعادة الأمل، مع أن انتهاء عاصفة الحزم لم ينتج عنه عودة الشرعية إلى البلاد ولا الانتصار على الحوثيين وحليفهم، علي عبد الله صالح. فكيف تنتهي عملية عسكرية لم تحقق هدفها المركزي؟ إن هذه الثغرة الاستراتيجية ناتجة عن غياب الرؤية السياسية المصاحِبة للعمل العسكري. ومن الملاحظ أن المناطق التي حررتها عاصفة الحزم على أهميتها لم يكن الحوثيون فيما يبدو متمسكين بها، بل كانت عبئًا فقد تركوها وتراجعوا إلى المناطق المفيدة بالنسبة لهم مثل صعدة وعمران وصنعاء. 

كان على التحالف العربي، وعلى رأسه السعودية، أن يجعل من المناطق اليمنية نموذجًا يقيم عليه ممارسات سياسية وبناء اقتصاديًّا من شأنه أن يكون جاذبًا لجميع المناطق اليمنية الواقعة تحت أيدي الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح. والواقع أن هذه المناطق المحرَّرة ظلت هشَّة ممزقة وبدون دعم اقتصادي، وظلت الحكومة اليمنية في منفاها في الرياض. بل إن المعضلة الرئيسة هي أن اليمن أصبح مرتهنًا للاعبين إقليميين ودوليين. والقوة اليمنية التي عليها أن تقود المقاومة وتكون في المقدمة، أي الحكومة وأجهزتها والقوى السياسية والقبلية، لا نرى لها وجودًا في المشهد. 

إيران وإشكالات الوضع اليمني 

يؤكد الدكتور حسن أحمديان، أستاذ الدراسات شرق الأوسطية في جامعة طهران، أن السردية التي طُرحت حول ضرورة ردع التمدد الإيراني في المنطقة بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص ليست دقيقة ولا صحيحة؛ فالقضية كما يرى أحمديان هي أن وجهة النظر الإيرانية ترى أن هناك قوة في اليمن هي أنصار الله وقد أرادت أن تخرج عن دائرة السيطرة السعودية، وقد ازدادت قوتها بعد الربيع العربي وهو ما لم تكن الرياض ترضاه. فهذا هو لُبُّ القضية. أما إيران، فكما يقول أحمديان، فإنها ترى أن اليمن المستقل أفضل من يمن تابع للسعودية، وتنظر إلى عاصفة الحزم على أنها محاولة لاستعادة سيطرة سعودية على يمن لا يريد الانصياع للرياض. 

أما الحرب الإعلامية التي من مظاهرها القول بأن ما يحدث إنما هو مواجهة تمدد إيراني في المنطقة إنما هي سردية تبريرية هدفها شنُّ حرب وفرضها على اليمن. إن جماعة أنصار الله، كما يقول أحمديان، أخذت حيزًا كبيرًا في الساحة اليمنية وامتلكت قرارها وسلَّحت نفسها ذاتيًّا، ثم بدأت بحوارات مع أطراف داخلية، وتلك الحوارات لم تعط نتيجة تُذكر، وعندها بدأت المشاكل من الداخل دون تأثير من إيران، وبعد ذلك أطلقت السعودية اتهاماتها لإيران لتبرير حرب في اليمن. وهذه الحرب تستهدف استقلال اليمن والعودة به إلى أن يصبح تابعًا للسعودية، وقد عارضت إيران عملية عاصفة الحزم بكل ما كان ممكنًا وهو أمر معلوم سياسيًّا وإعلاميًّا. 

ويؤكد أحمديان أن السعودية لا تمتلك تصورًا واضحًا للخروج من الحرب؛ لذلك أصبحت عاصفة الحزم حرب استنزاف امتدت سنتين ونصفًا. صحيح أن السعودية ومَن معها حققوا جملة من المكاسب لكن الأهداف الرئيسية لم تتحقق. والمشكلة في هذه الرؤية أنها حتى ولو كان الهدف منها ردع التمدد الإيراني وحتى لو كان هذا الردع حقيقة، فإن عاصفة الحزم لم تعط أية نتيجة، بل إن الأدوات التي تستعملها هي ضد هذه الأهداف والدليل أن جماعة أنصار الله تزداد قوة وشعبية داخل اليمن. إن العاصمة صنعاء لم تسقط نتيجة حرب بل كان هناك حوار، لكن الأوضاع تغيرت لصالح حركة أنصار الله التي وجدت نفسها حليفًا للمؤتمر الشعبي وكل القوى التي تريد الاستقلال عن السعودية. 

آفاق الأزمة اليمنية: هل من حلول؟ 

يرى السيد جابر الحرمي، الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية سابقًا، أن الأهداف التي حُدِّدت لعاصفة الحزم لم يتحقق منها شيء، وحتى في المناطق المحرَّرة كعدن وغيرها فلا نجد أمنًا، ولا مؤسسات تعمل، والرئيس ما زال مختفيًا أو مختطفًا، وفي المجمل، فإن القرار اليمني بأيدي أطراف أخرى ليست يمنية. كان الحديث قبل عاصفة الحزم عن يمن واحد واليوم صار يمنين: جنوبيًّا وشماليًّا. كان الحديث قبل عاصفة الحزم عن إبعاد الحوثيين لكنهم أصبحوا هم الموجودين اليوم. إن دول الخليج وخصوصًا السعودية والإمارات هي من منحت إيران مجالًا للتوسع، والسعودية خسرت الحرب وتحولت إلى حرب استنزاف، والواقع أنه ليس هناك أفق حقيقي للحل. 

وصورة المشهد الراهن هي: شعب يعاني من نقص الأمن الغذائي ومن إهمال خليجي، مع أن اليمن هو عمق الخليج الاستراتيجي. وحتى التحالف التقليدي بين السعودية وبعض القبائل اليمنية فإن السعودية تحلَّلت منه، وكان للإمارات دور أساسي في أن تصبح السعودية منكشفة في اليمن، وحتى إن الإمارات تعمل على أن تكون أية مساءلة قضائية قد تحدث في المستقبل تتجه إلى السعودية لا إلى الإمارات. إن الإمارات تسيطر على الموانئ وعلى الجزر وقد أنشأت سجونًا وسلَّحت ميليشيات، ويبقى الشعب اليمني هو الضحية الأولى لهذه الحرب فالقتلى بالآلاف والنازحون بمئات الآلاف والكوارث ليس من أقلِّها تفشي الكوليرا. ويبقى السؤال المطروح: ماذا حققت عاصفة الحزم بعد ثلاثين شهرًا من انطلاقها؟ ومع أنه لابد من التفكير في الخروج من هذه الأزمة فإن هناك أملًا في دور عُماني قد ينقذ الموقف، فمسقط مرشحة أكثر من غيرها لأن تكون مثابة لجمع الفرقاء للبحث عن حل توافقي يعيد اليمن إلى موقعه. ومع أن هذه الحرب ربما تبقى لعقود إلا أن السعودية بهذا الوضع تضع نفسها هي وحلفاءها أمام تساؤل قانوني وأمام حالة أخلاقية وفي مواجهة اشمئزاز شعبي. 

وفي نفس السياق، يؤكد د عبد الله الغيلاني على أن الوضع باليمن يشكِّل مسألة أمن إقليمي، وما سيستقر عليه الوضع اليمني سيكون مؤثرًا على السعودية وعلى عُمان أكبر دولتين عربيتين في المنطقة، وهناك تداخل اجتماعي وحدود سياسية بين الدولتين مع اليمن، سيكون لأي حدث يقع في اليمن انعكاسات على الرياض وعلى مسقط. 

وما حدث في اليمن، وما سيحدث، هو نتيجة المقاربة الخليجية لليمن كما سبق ذكره. إن ما حدث في اليمن من حرب ضد الانفصال، سنة 1994، الذي دعمته أغلب دول الخليج، ولولا المعادلات الداخلية والمقاومة الصلبة وحلفاء الرئيس، علي عبد الله صالح، من الإسلاميين حينئذ لصار اليمن قسمين وعاد إلى الثنائي: شمال وجنوب. 

إن التحالف العربي ممثلًا في السعودية والإمارات يعيد إنتاج أخطاء سابقة؛ فالمناطق المحررة بحاجة إلى نظام اقتصادي وجذاب لا إلى مجرد الهيمنة وبسط النفوذ. لا يمكن لأي لاعب أن ينفرد بتشكيل الواقع اليمني فاليمن كبير وضارب في التاريخ والجغرافيا. 

والشيء المثير هو أن الوضع الإنساني اليمني أصبح يغطي على كل الأوضاع، والخطير في الأمر هو تحول الأزمة اليمنية إلى قضية إنسانية وحصرها كلها في هذا البُعد. إنه منعطف خطير، ولا شك في أن الاهتمام بالإنسان أمر مهم لكن القضية لا يمكن اختزالها في حالة إنسانية، أي في مجموعة من النازحين أو المصابين بالأوبئة والجوع، فمن الناحية الاستراتيجية من الخطأ تحويل القضية إلى قضية إنسانية، مع أن هذا المظهر هو السائد الآن في أروقة الأمم المتحدة، وهذا منعطف ينبغي التصدي له. 

وفي جانب متصل، يؤكد السيد جابر الحرمي على أنه في سنة 1994 كانت قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي وقفت مع الوحدة اليمنية، بل إنها حاولت الوساطة في 2007 و2008 وتم عقد اتفاق بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، قبل انطلاقهم من صعدة وزحفهم على دماج وعمران. وكان الاتفاق الذي رعته الدوحة ينص على إقامة مشاريع تنموية. وبما أن هذه الوساطة جاءت من قطر فإن بعض دول مجلس التعاون سعى إلى إفشالها، وحتى المبادرة الخليجية التي طُرحت سنة 2011 فإنه تم تفريغها من محتواها ولذلك انسحبت منها قطر بعد شهرين أو ثلاثة، وبقيت دول التحالف العربي تدير الحرب بدون أهداف وبدون رؤية سياسية وهو ما جعل الجميع يدفع ثمن ذلك الخطأ الاستراتيجي. على أن أكثر من 180 مليار دولار أُنفقت في الحرب في اليمن -يؤكد جابر الحرمي- لو أُنفق عُشرها على التنمية في اليمن لكان أولى، لكن دول مجلس التعاون الخليجي والأمانة العامة لهذا المجلس يبدو أنهما لا يزيدان في اهتمامهما باليمن على دعوته لكأس الخليج وليس دعوة الشعب اليمني للاندماج في المجتمعات الخليجية. وتبقى سلطنة عُمان مرشحة في المستقبل للعب دور مهم في حل المشكل اليمني فهي العنصر الذي يمكن أن يكون مثابة للجميع، عُمان لم تشارك في العاصفة مما يعزز دروها كوسيط بين الفرقاء. والواقع أن تأجيج الحرب في اليمن والحصار على قطر، كما يقول الحرمي، سيجعل الجميع يدفع كلفة باهظة ويزيد في زرع الأحقاد وفي تدمير اليمن وفي تأجيج المذهبية والطائفية فيه. 

ويذهب د.بكيل الزنداني إلى أن علاقة المؤتمر الشعبي العام والحوثيين ستُلقي بظلالها على مستقبل اليمن؛ ذلك أن التحالف بين هذين الفريقين تحالف مصلحي والصراع بينهما مؤجل. فعلي عبد الله صالح ومن معه علاقتهم معززة مع أبو ظبي في حين يرتبط أنصار الله أو الحوثيون بإيران. وفي هذا السياق، يرى د.عبد الله الغيلاني أن هناك مشروعًا إيرانيًّا في اليمن، وهذه حقيقة معروفة وليست جديدة؛ فإيران لها روافع في منطقة الخليج والجزيرة العربية وواحدة من تلك الروافع هي الحوثيون. ولكن هناك فرق بين أن نؤكد على وجود مشروع إيراني له مرتكزات في المنطقة وبين أن نقول: إن إيران صنعت الحدث في اليمن. الحقيقة أن المساهمة الخليجية في اليمن كانت أكبر وأعمق مما قامت به إيران؛ فإيران إنما استثمرت وبشكل جيد ما يحدث في اليمن. فحلفاء طهران -أي الحوثيين- وصلوا للسلطة وصار لهم نفوذ لا يناسب حجمهم، وحصدوا مكاسب تريد منهم السعودية أن يتنازلوا عنها. ويبقى السؤال مطروحًا: ما الذي يدفع إيران إلى الضغط على الحوثيين للتنازل عن مكاسبهم؟ صحيح أن اليمن بالنسبة لإيران ليس كالعراق أو سوريا، لكن ليس هناك ما يدفع إيران للضغط على حلفائهم الحوثيين للتنازل للتحالف العربي عن مكتسباتهم. صحيح أن تحالف الحوثيين وعلي صالح ضرورة مؤقتة ومآله الانتهاء أو حتى الصراع، لكن الحوثيين الآن يسيطرون على أهم مناطق اليمن، ولابد من وجود تحول في ميزان القوى حتى يمكن الضغط عليهم. 

وهذا ما يتفق مع رؤية الدكتور أحمديان الذي يرى أن ضغط إيران على أنصار الله حتى يتراجعوا ليس واردًا في الوقت الراهن؛ فأحمديان يرى أن هناك حربًا مفروضة من طرف السعودية منذ سنتين ونصف، وتلك الحرب دمرت اليمن. ونحن نعيش اليوم حربًا سعودية مفروضة لإيجاد واقع يمني ليس مقبولًا. وفي نفس الوقت يطالب هذا الطرف، الذي فرض الحرب، إيران بأن تضغط على أنصار الله، وهي مفارقة من الصعب حلها من المنظور الإيراني وحتى فهمها. إن السعودية -كما يرى أحمديان- تكرر أخطاء حليفتها أميركا؛ فالرياض لم تأخذ درسًا من تجربة أميركا في العراق وأفغانستان، فأميركا بكل قوتها السياسية والعسكرية لم تستطع فرض ما تريده في العراق. كان على السعودية والإمارات أن تنشآ مرافق خدمية وتبنيا مؤسسات سياسية في المناطق المحررة، وأن تعود الحكومة لتلك المناطق وهو ما لم يحدث. لا شك في أن بناء الدول عملية مكلفة وتحتاج للكثير، لكن كون عاصفة الحزم كانت من البداية مفرغة من رؤية سياسية جعل تلك الحرب تسير في نفق مظلم. ويبقى رأي أحمديان أن أنصار الله تحركوا من منطلقات داخلية يمنية. وبالتالي، فإن مطالبة إيران بالضغط عليهم تعتبر في وجهة نظر إيران موقفًا غير جدي. 

خاتمة 

أجاب المحاضرون على جملة من التساؤلات والتعقيبات كان ملخصها أن موقع اليمن ضمن الرؤية الخليجية بات متأخرًا جدًّا، والعملية الجراحية التي تقوم بها دول الخليج المتمثلة في عاصفة الحزم عملية مؤلمة ولم تأت بنتيجة، بل تركت جرحًا غائرًا. ثم إن الحليفين الرئيسيين في التحالف العربي، السعودية والإمارات، ليست لهما نفس الأجندة ولا نفس المصالح، فأبو ظبي تسعى لتقوية نفوذها على حساب السعودية، وتسعى لتضر بأطراف خليجية وبمصالح تلك الدول في المنطقة. 

وقد آن الأوان لبلورة مشروع يمني توافقي؛ فاليمنيون يبحثون عن مخرج عادل لأزمتهم يكون من مظاهره تشكيل جبهة وطنية من كل القوى الموجودة، وتحظى بحجم شعبي من شأنها إنهاء الحرب، ومن ثم البحث عن حلول سياسية قائمة على القانون والانتخابات وتنمية المجتمع، بعيدًا عن الارتهان للاعبين إقليميين أو دوليين.