عوامل نجاح الثورة السودانية متوفرة رغم جسامة التحديات

26 May 2019
70108ea634014c2fbe3d486568536829_18.jpg
المتحدثون من اليمين: ناهد الحسن، ساطع الحاج، إدريس سليمان، أحمد أبو شوك، ومدير الندوة سالم المحروقي (الجزيرة)

أبدى المشاركون في ندوة حوارية، نظمها مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر بالعاصمة القطرية، الدوحة، الخميس، 23 مايو/أيار 2019، تحت عنوان "الثورة السودانية: تحديات الانتقال وإعادة بناء الدولة" تفاؤلهم باستكمال الثورة السودانية أهدافها ووصلوها إلى مبتغاها من حكم مدني ديمقراطي يقطع مع الحكم العسكري السابق، وبنوا تفاؤلهم هذا على جملة من المعطيات، أهمها: وحدة الصف الثوري واشتراك أطياف واسعة من مختلف شرائح الشعب السوداني في هذه الثورة، وزيادة الوعي بالتحديات والعقبات التي تواجهها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي والتفكير الإبداعي في طرق التغلب عليها، فضلًا عن أدوات التغيير التي لا تزال بجعبة الثوار وفي مقدمتها الإضراب والعصيان المدني. 

وذهبت أغلب الآراء إلى الحاجة لفترة انتقالية لا يشارك فيها رموز النظام السابق وأعوانه من الأحزاب التي شاركته الحكم طوال ثلاثين عامًا الماضية باعتبار هؤلاء كانوا جزءًا من المشكلة، ومن غير المعقول -بحسب المتحدثين- أن يتحولوا بين عشية وضحاها إلى جزء من الحل. 

ودعا المشاركون في الندوة المجلس العسكري لأن يقف في صف ثورة الشعب السوداني، وأن يكون داعمًا وحاميًا لها، باعتباره ممثلًا للمؤسسة العسكرية ذات التاريخ الوطني المشرف.

عوامل نجاح الثورة

عدَّد المتحدثون في الندوة، وهم: إدريس سليمان، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، وساطع أحمد الحاج، القيادي بقوى الحرية والتغيير، ومحمد عصمت يحيى، القيادي بتجمع الاتحاديين المعارض، عبر القمر الصناعي من الخرطوم، وناهد محمد الحسن، الكاتبة والناشطة السياسية، فضلًا عن أحمد أبوشوك، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة قطر، عدَّدوا جملة من العوامل والأسباب التي يعتقدون -استنادًا إليها- أن الثورة السودانية الحالية في طريقها لاستكمال وإنجاز ما حققته من أهداف، ومن أبرز هذه العوامل:

الإجماع الوطني

كان العامل الأبرز الذي حدا بالمشاركين في الندوة إلى الاستبشار بقدرتها على تحقيق أهدافها هي أنها ليست ثورة قوى حزبية أو مهنية معزولة عن الجماهير، وإنما ثورة شعب بأكمله على اختلاف طوائفه وشرائحه، كما قال القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير، ساطع أحمد الحاج، والذي نفى ما يقال عن قوى إعلان الحرية والتغيير من نهج إقصائي في التعامل مع خصومها، مؤكدًا في هذا الصدد أن الثورة تحظى بإجماع وطني واسع حيث تلتف حولها أغلب قوى المعارضة في تكتل لم يشهده السودان منذ استقلاله عام 1956، بروافد تزيد عن سبعين رافدًا أساسيًّا وفرعيًّا تضمها قوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين. وشدَّد على أن هذا الطيف الواسع من الكفاءات الوطنية قادر على استلام السلطة وإدارة الدولة وتحقيق أهداف الثورة في الانتقال بالبلاد إلى الحكم المدني الديمقراطي. 

وعن مسألة إقصاء رموز النظام تحديدًا، قال ساطع أحمد الحاج: إن الثورة قامت لإسقاط نظام سبق وأن أقصى الشعب السوداني ثلاثين عامًا، فمن غير المرغوب فيه التباكي على إقصائه، والأفضل للجميع أن يتنحى هؤلاء جانبًا ريثما يعيد السودان بناء نفسه وإصلاح ما فسد. 

الوعي التاريخي

أما الدكتور أحمد أبوشوك، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، فقد استعرض في مداخلته أوجه الشبه ونواحي الاختلاف بين الثورة السودانية الراهنة وغيرها من الثورات التي شهدها السودان منذ الاستقلال عام 1956، وقال في هذا الصدد: إن ثورات السودان السابقة كان لها دائمًا هدفان: هدف مرحلي يتمثل في إسقاط النظام، وآخر استراتيجي يرمي إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي وإعادة بناء المؤسسات، لكن تلك الثورات استطاعت أن تحقق الهدف المرحلي ولكن لم تستطع إلى حدٍّ كبير تحقيق الغاية الاستراتيجية من وراء اندلاعها. 

وعن الخيط الناظم بين الهدفين، قال: إنه يكمن في "الفترة الانتقالية" التي يجب -بحسب رأيه- أن يتم النظر إليها من خلال عدة أبعاد رئيسية، منها: المؤسسة العسكرية التي قامت ضدها الثورة، والقوى الداعمة للتغيير، والجهات المستهدفة بالتغيير، إضافة إلى الحمولات السياسية التي رافقت ذلك التحول، والقوى الأخرى الفاعلة في المشهد. 

وفي استعراض سريع لأسباب الثورات التي شهدها السودان، أضاف أبوشوك: الثورة ضد إبراهيم عبود جاءت بسبب المطالبة بالحريات العامة وعلى خلفية قضية الجنوب، أما ثورة 1985، فقد قامت ضد جعفر النميري الذي كان متحالفًا مع اليساريين ثم انقلب عليهم وقامت الثورة ضده لنفس الأسباب المتعلقة بالحريات وقضية والجنوب، أما الثورة الحالية فقد قامت ضد نظام البشير الذي كان مدعومًا بحزب أيديولوجي إسلامي. 

وعمَّا أسماه: الأشباه والنظائر، أوضح أبوشوك أن نظام عبود حينما استلم الحكم كانت المؤسسة العسكرية محتفظة بقوتها وبعيدة عن الأيديولوجية، وكذلك في عهد النميري، أما في المرحلة الأخيرة فإن الواقع قد اختلف، لأنه خلال ثلاثين عامًا الأخيرة حدث تجريف للمؤسسة العسكرية فأصبحت متماهية إلى حد كبير مع الحزب السياسي الأيديولوجي الحاكم، لذلك رأينا -والكلام لأبي شوك- أن هؤلاء العسكر أكثر تمسكًا بسدة الحكم من أقرانهم في السابق. 

ويشير في حديثه إلى أن الخريطة السياسية السودانية حاليًّا قد تغيرت بظهور قوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، والوعي في المرحلة الحالية أكثر من ذي قبل، فضلًا عن الامتداد الأفقي والرأسي الذي تشهده الثورة. 

ويختم مداخلته بالقول: إن قوى إعلان الحرية والتغيير لم تكن جاهزة، كما إنها لم يكن لها رؤية واحدة، ويدلِّل على كلامه بالإشارة إلى أنه لو كان لديها اتفاق مسبق على حكومة مدنية لما تأخرت في تقديمها، ولما أعطت المجلس العسكري مبررًا للمماطلة في تسليم السلطة إلى المدنيين. 

كما أشار إلى ما أسماه "أخطاء المجلس العسكري"، وعدَّد منها تكوينه اللجنة السياسية قبل تكوين المجلس نفسه، والنظر إلى الثورة من منظور تقسيم الغنائم.

ويتفق أبوشوك مع الرأي القائل بضرورة إبعاد رموز النظام السابق من المشاركة في الفترة الانتقالية، قائلًا: إنه من غير المعقول أن من كانوا جزءًا من المشكلة يمكن أن يتحولوا بهذه السرعة ليصبحوا جزءًا من الحل، مشيرًا إلى أن السودان ليست به دولة عميقة كما الحال مثلًا لدى الولايات المتحدة، وإنما لديه مؤسسات موازية بعضها يعمل حاليًّا ضد الثورة.

التحذير من الإقصاء

وركز إدريس سليمان، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، في مداخلته، على ما وصفه بالإقصاء وضرورة الحذر من هذه الآفة على الثورة ووحدة الصف الثوري. وفي هذا الصدد، أشار إلى أن المشهد السياسي السوداني الراهن معقَّد لأن الحوار الدائر هو حوار ثنائي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وأنه يقوم على المحاصصة والمغالبة، وأنَّ قوى الحرية والتغيير ورغم كونها شريحة مهمة من شرائح المجتمع السوداني فإنها في الأخير لا تمثل السودان كله، كما إنها ليست منتخبة وبالتالي ليست مفوضة للحديث باسم السودانيين أو أن تستأثر بالمفاوضات مع المجلس العسكري وتستبعد وتقصي الآخرين. 

وأكد إدريس سليمان على أنه إذا أُريد للفترة الانتقالية النجاح فعليها أن تنتهج نهج التوافق وإشراك الجميع بقدر الإمكان حتى تكون مرحلة انتقالية آمنة ومثمرة.

وفنَّد إدريس سليمان مبررات ما وصفه بسياسة الإقصاء ضد خصوم قوى الحرية والتغيير، قائلًا: إنها مبررات ضعيفة، ذلك لأنه خلال ثلاثين عامًا الأخيرة حاورت كل القوى السياسية الفاعلة نظامَ حكم الرئيس البشير وحزبه، وأن معظمها قد شارك النظام في فترة معينة وفق اشتراطات معينة، وقد كان ثمة تمايز بين المؤتمر الوطني والقوى التي شاركته وحاورته، لذلك فمن غير المقبول أن يتم تعميم القول عليها الآن بأنها عدوة للثورة لأنها شاركت البشير أو تحالفت معه في فترة من الفترات. 

ويختم إدراس مداخلته بالقول: إن استبعاد قوى بعينها لن يخدم السودان، وإنه لابد من حوار وطني واسع، ومن المحتم أن تدير الفترة الانتقالية كفاءات وطنية غير منتمية إلى حزب بعينه لتكتسب صفة الحياد وتهيئ البلاد للانتخابات المقبلة التي يجب أن يتنافس فيها الجميع ويكون القول الفصل في النهاية لصندوق الاقتراع الذي يختار من خلاله الشعب السوداني من يحكمه.

ماهية قوى الحرية والتغيير

وردًّا على مداخلة إدريس سليمان السابقة، والتي وصف فيها سياسة إعلان قوى الحرية والتغيير بالإقصائية إزاء بعض خصومها، قال ساطع أحمد الحاج، القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير: إن الموضوع الآن ليس محاصصة سياسية أو حزبية وإنما موضوع بناء وطن بعد ما حدث طوال ثلاثين عامًا. وأضاف أن ثمة محاولة لشيطنة قوى الحرية والتغيير والادعاء بأنها إقصائية، وتُعقِّد المشهد، وغير مستعدة لتقديم حكومتها، لذلك يجب أن نرتب الأشياء من بدايتها.

وطفق ساطع الحاج يقول متسائلًا: ما هي الحرية والتغيير؟ ويجيب على نفسه بالقول: إنها أكبر تحالف أو تجمع للمعارضة السودانية منذ عام 1956، لأنها تضم كتلًا متعددة داخل مظلتها، مثل قوى الإجماع الوطني، وهي كتلة رئيسية فيها أكثر من 12 رافدًا، مثل: الحزب الناصري والبعثيين والحزب الشيوعي السوداني، والاتحاديين، وغيرهم. وكتلة نداء السودان وفيها أكثر من 13 رافدًا، مثل: حزب الأمة القومي، وحزب البعث السوداني، وحزب التحالف الوطني، والاتحاديين، وغيرهم. أما تجمع المهنين -والكلام لا يزال لساطع الحاج- فبه أكثر من 13 رافدًا، مثل: المعلمين والأطباء والمهندسين والمحاسبين. ولأول مرة يحدث تطور حقيقي في السودان بفعل العولمة إذ أصبح المجتمع المدني ومنظماته ممثلين تحت مظلة الحرية والتغيير، الذي به أيضًا نشطاء كثيرون في مجالات حقوق الإنسان والتشكيليين والفنانين. وفيه كذلك تيار الوسط، وتجمع الاتحاد المعارض الذي يضم سبعة روافد، والعديد من منظمات المجتمع السوداني. ويخلص ساطع الحاج للقول: إن قوى الإجماع ونداء السودان يشكلان 25 رافدًا والمهنيين 13 رافدًا، فضلًا عن منظمات المجتمع المدني، ومن ثَمَّ فإن مجموع الروافد المشاركة في هذه الثورة يقارب الـ 70 رافدًا، وبذلك يجد كل سوداني نفسه في واحد منها. ولذلك -يقول ساطع الحاج- فإنَّ فكرة الحرية والتغيير إنما هي فكرة قد التف الجميع حولها، والإعلان الذي أصدرته في يناير/كانون الثاني 2019 قد سبقته تحضيرات في ديسمبر/كانون الأول 2018، وإن هذا التيار العريض يضم ملايين السودانيين، فضلًا عمَّا انضم إليه من مؤسسات وشركات وبنوك أعلنت تأييدها للحرية والتغيير وأبدت جاهزيتها للإضراب المدني كوسيلة تساعد على استلام السلطة. 

وعن موضوع الإقصاء، قال ساطع الحاج: إن قوى الحرية والتغيير لا تعرف الإقصاء، وإن الثورة حينما قامت أسقطت نظامًا، وكان فيه أذرع وآليات تساعد النظام فلما سقط النظام سقطت هذه الأذرع وتلك الآليات العسكرية مثل الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية، كما سقطت الحكومة وما بها من أحزاب، وإن واحدًا من تلك الأحزاب التي كانت تساند المؤتمر الوطني هو حزب المؤتمر الشعبي الذي ينتمي إليه السيد إدريس سليمان، والذي ظل بالحكومة يدعم النظام حتى يوم سقوطه 11 أبريل/نيسان 2019، ولعل أمينه العام قد قال: "إنَّ مركب النظام لو غرقت فسنغرق معها"، ولذلك -والكلام لساطع الحاج- فمن غير المطلوب أو المرغوب الآن التباكي على الإقصاء، لأننا لن نقبل بعد كل هذه التضحيات تلك الفرية، فنحن لم نُقْصِ أحدًا وإنما نظام البشير هو الذي أقصى الشعب السوداني بأكمله طيلة ثلاثين عامًا.

تحولات المجلس العسكري

من جانبه، قال محمد يحي عصمت، القيادي بتجمع الاتحاديين المعارض عبر القمر الصناعي من الخرطوم: إن الثورة السودانية الحالية لم تلجأ لسنِّ قانون العزل السياسي ولم تسع لتطبيقه على رموز النظام السابق الذي وصفه بأنه كان نظامًا "قاتلًا ومُشرِّدًا لكثير من أبناء الشعب السوداني خلال ثلاثين عامًا"، وأضاف أن كل ما نطلبه من هذه القوى التي ظلت حليفة للنظام وشريكة له في كل جرائمه أن ترتاح فترة ثلاثة أعوام لإجراء مراجعاتها الخاصة، ولضمان براءة كوادرها حينما تُنصب المحاكم لمحاكمة كل من أجرم خلال العقود الثلاثة الماضية، ومن ثمَّ فأبواب الانتخابات ستكون مشرعة لهم بعد ذلك وليقل الشعب كلمته إن أتى بالمؤتمر الشعبي أو الوطني أو خلافه فمرحبًا بهم؛ ولهذا -يختم عصمت- فنحن لسنا إقصائيين. 

وعن التصعيد في المواقف، قال محمد عصمت: إن التصعيد قائم من المجلس العسكري وليس من الثوار، واستدل على ذلك بالقول: إنه حينما أعلن المجلس العسكري انحيازه وشراكته لقوى الحرية والتغيير ظلت كل الشواهد والمشاهد كل يوم تقول: إنه هو من يقوم بالتصعيد ضد قوى الحرية والتغيير، والأمثلة كثيرة منها -والكلام لعصمت- خروج شقيق الرئيس المخلوع أمام ناظري المجلس العسكري بعد معلومات خاطئة تقدم بها الناطق باسم المجلس العسكري بأنه موجود داخل السجون، والشيء الثاني الواضح هو هذا التحرك من قبل الأحزاب والشركات القريبة من النظام بعد أن أمر المجلس العسكري بفك تجميد الحسابات الخاصة التي كانت تدير العمل السياسي اليومي للنظام السابق، والآن هي تسرح وتمرح وتجد من المناخ ما يتيح لها أن تتحرك لمقاومة المد الثوري الخاص بالحرية والتغيير، والشيء الثالث -يضيف عصمت- وكلنا شهود على ذلك، حينما ذهب أحد وكلاء النيابة لاستجواب مدير عام جهاز الأمن السابق فوجئ بوجود قوة مسلحة تمنعه من إجراء الاستجواب. والآن، فإن قيادات المجلس العسكري تطوف على المؤسسات الحكومية وتمنح حوافر بما يوازي مرتبات ثلاثة أشهر وتطلب من منسوبي الخدمة المدنية عدم الاهتمام بما يجري في الشارع والاهتمام بدعم المجلس العسكري وتنفيذ سياساته، لذلك، فأنا أقول -والكلام لمحمد يحيى عصمت-: إن المجلس العسكري قد انتقل الآن من مربع الشراكة -كما كان يدعي- إلى مربع الخصومة لقوى الحرية والتغيير. لذلك، نحن نطلب منه إعمالًا للرشد الوطني واحتكامًا للعقل السوداني الحكيم وأن يعود إلى مساندة الشارع السوداني والالتفاف حول الثورة السودانية وحمايتها، لأننا نعلم أن المؤسسة العسكرية مؤسسة وطنية نُكِنُّ لها كل الاحترام والتقدير، ونعرف أنها في مثل هذه المنعطفات يجب أن تكون إلى جانب الشعب السوداني، ونأمل في أن تعود القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى إلى حضن الثورة السودانية.

عودة إلى القيم الأصيلة

أما ناهد محمد الحسن، الكاتبة والناشطة السياسية، فقد ألقت باللائمة فيما وصفته بتأخر السودان وتغيير منظومة القيم السائدة في المجتمع على النظام السابق وتحالفه مع الإسلاميين، وقالت: إن السودانيين قد جربوا العسكر في أكثر من ثورة وجربوا مشاركتهم وكانت نتيجة هذه المشاركة سيئة على الشعب السوداني ذلك أن أغلب هذا الشعب بات يرفض الإسلاميين والعسكر.

وتحدثت عن القضايا التي لم تستطع الثورات السابقة تحقيقها وتتمنى أن تنجح الثورة الحالية في ذلك؛ فقالت: إن أبرز هذه القضايا هي المواطنة المتساوية وقضايا الدولة الدينية والمدنية فضلًا عن قضايا المرأة والأقليات، فقد ظلت هذه القضايا تُرحَّل من وقت لآخر وآن أوان التعامل الجاد معها في كنف الثورة الحالية.

وتضيف ناهد محمد الحسن فرقًا بين التغيير السياسي والتغيير على مستوى الوعي؛ فتقول: إن الثورات التي شهدها السودان كانت توقفت عند مستوى التغيير السياسي ولم تكن ثورات معرفية عندها القدرة على إحداث تغيير حقيقي عميق في بنية الدولة بسبب الانقلابات العسكرية المتكررة. 

وأشارت ناهد محمد الحسن إلى طبيعة تكوين المجلس العسكري الحالي؛ فقالت: إن أشخاصه ليسوا مجرد أشخاص منتمين للمؤسسة العسكرية وإنما هم تابعون للنظام السابق وكل مواقفهم منذ خلع البشير تؤكد هذا الكلام، لأن هذا النظام عمل على تمكين أتباعه ولم يسمح لغيرهم بالترقي إلى المناصب العليا. 

وأبدت ناهد محمد الحسن تخوفها مما قالت إنه تحالف بين المجلس العسكري مع ميليشيا حميدتي والتشكيلات العسكرية للحركة الإسلامية والسلفيين والحركات المسلحة المعارضة الأخرى، قائلة في هذا الصدد: إن وجود هذا السلاح وبهذه الكمية يضع الحراك الشعبي السوداني الراهن أمام تحديات كبيرة لها علاقة بالأمن. لكن الشيء الجميل -على حد وصفها- هو أن الشارع السوداني مصمم على التغيير لأنه وصل إلى قطيعة نفسية ومعرفية مع العسكر والحركة الإسلامية جعلته حريصًا على ألَّا ينخدع بهم وبأقوالهم عن الأمن والأمان مرة أخرى. 

وأشارت ناهد محمد الحسن في مداخلتها إلى أهمية محافظة الثورة على سلميتها رغم ما تتعرض له من "ابتزاز وقتل" حتى تحقق أهدافها بعيدة المدى والمتمثلة في إقامة نظام حكم ديمقراطي مدني يحترم حقوق الإنسان ويحقق التنمية، وتحقق كذلك أهدافها الآنية المتعلقة بكيفية عبور الإشكالات الناجمة عن الاختلافات الإثنية والعرقية والسياسية والاجتماعية القديمة، مؤكدة أن الثوار أثبتوا من خلال تضامنهم وتقاربهم أنهم على المسار الصحيح فيما يتعلق بعلاج هذه الإشكالات. 

ومشيرة كذلك في هذا الصدد إلى أن النظام السابق عمل على تغيير الخريطة القيمية للإنسان السوداني، فبعد أن كان تصور الإنسان السوداني عن عِرضه أن كل امرأة في جواره عِرضها من عِرضه ويجب أن يحافظ عليها وليست فقط زوجته أو أخته أو ابنته فإن النظام السابق قد عمد إلى الإساءة إلى المرأة ليسيء بإساءته لها إلى المرأة والرجل على حدٍّ سواء، من خلال تهديد الرجال في وعيهم بذاتهم وتهديد النساء في إحساسهن بأنفسهن. 

وأضافت ناهد محمد الحسن في مداخلتها أن ما يحدث في الشارع السوداني الآن هو محاولة للتشافي من خلال حرص السودانيين على حريتهم وكرامتهم وعودتهم إلى قيمهم الأصيلة التي اشتُهروا بها ولاسيما قيم الكرم والنخوة والتضامن، والقطيعة النفسية والمعرفية مع العسكر والإسلاميين الذين عليهم أن يعتذروا ويتنحوا جانبًا لبعض الوقت. وأكدت ناهد محمد الحسن أن الشعب السوداني يعود إلى أصالته وأنه بذلك يتحرر بشكل حقيقي، رغم كون العسكر "عقبة أساسية في إجراء تغيير حقيقي في واقع ومستقبل السودان"، على حد قولها. 

واختتمت مداخلتها بالقول: إننا لن نسمح بأن تكون الفترة الانتقالية قصيرة ولا بأن يجرنا أحد إلى الكلام عن انتخابات متعجلة لأن الانتخابات بدون عودة اللاجئين وضحايا الحروب واستقرارهم لن تكون حقيقية خاصة في ظل استمرار سيطرة العسكر على مقاليد الاقتصاد والأمن والسلاح في البلاد.

لمزيد من التفاصيل يمكنكم الاطلاع على الندوة كاملة من هنا