ندوة مشتركة: مواجهة صفقة القرن تتطلب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتقوية الإجماع العربي

17 July 2019
5602a91037f34fd5b07957f5927679c5_18.jpg
من اليمين: جابر سليمان، عبد الحليم فضل الله، صلاح سالم، وديع عقل، محسن صالح، إيهاب العقدي (مدير الندوة) (الجزيرة)

عقد مركز الجزيرة للدراسات ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ندوة حوارية مشتركة بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر تحت عنوان: "صفقة القرن وانعكاساتها على لبنان"، في العاصمة اللبنانية، بيروت، بتاريخ 16 يوليو/تموز 2019، شارك فيها: محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وعبد الحليم فضل الله، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق في بيروت، وجابر سليمان، الخبير في قضايا اللاجئين، وصلاح سلام، رئيس تحرير صحيفة اللواء اللبنانية، ووديع عقل، عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر، وبحضور باحثين ومفكرين متخصصين ومهتمين بالقضية الفلسطينية.

وتناولت الندوة السياق السياسي والتاريخي الذي تندرج ضمنه "صفقة القرن"، وخصصت حيزًا من النقاش للسياسة الخارجية الأميركية تجاه لبنان والمنطقة العربية عمومًا. كما استعرض المشاركون أبرز مضامين "صفقة القرن" وآخر التطورات والمستجدات المتعلقة بها، وحللوا مواقف الأطراف المعنية بالصفقة وتحولاتها المحتملة، سواء على الصعيد الداخلي اللبناني، أو على الصعيدين العربي والفلسطيني.

وناقشت الندوة كذلك الانعكاسات المحتملة للصفقة على الساحة اللبنانية، والمخاطر التي تستهدف لبنان من جرَّائها. واختتمت أعمالها باستشراف مآل هذه الصفقة خاصة على لبنان من جهة وعلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من جهة أخرى.

مصطلح مُخادِع

قال محسن صالح: إنَّ مصطلح صفقة القرن مخادع لأنه غير موجود ولم تتحدث عنه الإدارة الأميركية بشكل رسمي، وأضاف أن معنى الصفقة يقتضي وجود طرفين ولكن في الحقيقة لا يوجد غير طرف واحد فقط، وبالتالي فهو مصطلح تسويقي فارغ المضمون. بالمقابل، هناك برنامج واقعي -يضيف صالح- تقوم به الإدارة الأميركية بالتنسيق مع الصهاينة لتطبيقه على الأرض يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وقد بدأ هذا البرنامج بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

وتابع صالح: إن هناك محاولة لاستغلال البيئة الفلسطينية والعربية لصالح الطرف الإسرائيلي؛ ولإيضاح هذه المسألة قال: إن البنية العربية مشتتة ومنهكة، مقابل حالة إسرائيلية في وضع قوي وإدارة أميركية متماهية مع برنامج حزب الليكود الإسرائيلي. وأضاف أنه ليس ثمة أفكار جديدة فيما تسرب حول صفقة القرن، بل تعود إلى سنة 2006 وبعضها ذكره مستشار الأمن القومي الإسرائيلي المتقاعد، اللواء إيجورا أيلاند.

وأكد صالح أنه تم تأجيل الإعلان عن الصفقة ثماني مرات خلال السنتين الماضيتين. وقد وصفها صالح بـ"سرقة العصر"، وقال: إن الجانب الأميركي يريد تسويق الصفقة من خلال ما يُسمى بـ"السلام الاقتصادي"، لكن لُبَّ المشكلة للقضية الفلسطينية هو سياسي ويأتي بعد ذلك الجانب الاقتصادي، لكن ما يطلبه الأميركي والإسرائيلي من الفلسطينيين -وفق ما يراه صالح- أن تُحل كل قضايا الحل النهائي على الطريقة الإسرائيلية كحق العودة، والحدود، والسيادة على الأرض، والأمن وغير ذلك. كما مطلوب أن يُبدأ بتطبيق التطبيع العربي-الإسرائيلي أولًا قبل تنفيذ ما يُسمى بالتسوية السلمية. ومطلوب أيضًا تغيير بوصلة الصراع ومحاولة إشغال المنطقة بصراع آخر.

وعن الحالة اللبنانية، وبخاصة في مسألتي التوطين والتطبيع، أشار محسن صالح إلى أن المطلوب أميركيًّا و"إسرائيليًّا" من خلال الصفقة أن يتم ترتيب بيئة سياسية عربية متوافقة مع الصفقة، وأن يدفع لبنان ثمن عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم، أي عملية توطينهم على أراضيه، لكن المطمئن هنا -والكلام لصالح- أن هناك رفضًا لبنانيًّا شاملًا لهذ الموضوع وكذلك هناك رفض فلسطيني.

ونبَّه صالح إلى أن المطلوب لبنانيًّا لمواجهة صفقة القرن أن يتم تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين اللبنانيين والفلسطينيين، فيما يتعلق بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية، خصوصًا فيما يتعلق بحق العمل، لاسيما من خلال ما توصلت إليه لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني من تفاهمات وتصورات، وأن لا يبقى ما اتُّفق عليه حبرًا على ورق، بل يجب أن يُترجم من خلال مراسيم وتشريعات تُسن في هذا الخصوص. خصوصًا -والكلام لصالح- أن ما تشكله قوة العمل الفعلية للاجئين المقيمين في لبنان لا تتعدى الخمسين ألف فرد، وبالتالي لن يكون هناك، كما يُروَّج لبنانيًّا، خطر على فرص العمل للبنانيين في لبنان، بل سوف يكون لليد العاملة الفلسطينية إسهام جيد في الدورة الاقتصادية في لبنان.

صفقة وُلدت ميتة

بدوره، أكد وديع عقل أن لبنان محصن ويعمل منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي وحتى أيامنا هذه على مواجهة مشاريع التوطين كما يتحضر لمواجهة صفقة القرن من خلال آليات سياسية وقانونية وتاريخية. وقال: إن صفقة القرن بالنسبة لنا وُلدت ميتة، ولن نتحاور مع أحد بخصوصها. وأضاف أن هناك مبادرة عربية قابلة للتطبيق التي تم طرحها في قمة بيروت سنة 2002، ويمكن الاتفاق مع أطراف دولية لتطبيق هذه المبادرة. وعن موضوع الديون والضغوط الاقتصادية على لبنان قال عقل: إن لبنان يعيش مرحلة صعبة، لكن لدينا إرادة لتخطى هذه الضغوطات، كما أن هناك التفافًا شعبيًّا حول مواجهتها. أما فيما يتعلق بحق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقال: إن الحملة الأخيرة ضد العمالة الأجنبية في لبنان لم يكن العامل الفلسطيني المقصود المباشر من هذه الحملة بل ما تعرض له نجم عن تطبيق قوانين العمل في لبنان، والمطلوب -كما يقول عقل- هو تفعيل لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني للوصول إلى حلول فاعلة وعادلة تأخذ بالاعتبار وضع اللاجئ الفلسطيني، على أساس دعم حق عودة اللاجئ الفلسطيني ورفض التوطين.

الحاجة إلى تنسيق عربي

أما صلاح سلام، فقد أكد على أن لبنان ليس جزيرة معزولة وإنما يتأثر بما يجري حوله، وقال: إن لبنان ليس قادرًا وحده على إفشال صفقة القرن ولكن يملك القرار لرفضها، كما حصل في مؤتمر البحرين مؤخرًا؛ حيث قاطع المؤتمر، وهذا مؤشر لرفض الصفقة؛ لكن لبنان -والكلام لسلام- بحاجة لمزيد من التنسيق مع الأشقاء العرب لتقوية الموقف الرافض. وأضاف أن الجديد في صفقة القرن أنها ألغت كل مفاعيل القرارات الدولية السابقة من القرار 242 إلى اتفاقية كامب ديفيد إلى اتفاق واشنطن واتفاقيات أوسلو. 

وفيما يتعلق بحق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقد أشار سلام إلى أن إجراءات إغلاق المؤسسات التي يديرها الفلسطينيون في لبنان كان يجب ألا تتم مباشرة بل كان من الأفضل إعطاء أصحاب هذه المؤسسات الوقت الكافي لتنظيم وضع مؤسساتهم القانوني وإبقائها مفتوحة إلى حين تسوية أوضاعها القانونية.

خطورة التحالف العربي الداعم للصفقة

من ناحيته، أكد عبد الحليم فضل الله في مداخلته أن لبنان يمر بصعوبات اقتصادية وسياسية معروفة، ولكن لديه القدرة أكثر من غيره على مواجهة ورفض صفقة القرن وتخطيها. ويُرجع فضل قوة الموقف اللبناني من خلال ما راكمته المقاومة ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي وضد المشروع الصهيوني في المنطقة، كذلك من خلال الموقف الشعبي والرسمي الرافض لهذه الصفقة. وأضاف أن الخطر في صفقة القرن ليس إمكانية تصفية القضية الفلسطينية، لكن الخطر هو في التحالف العربي الذي يدعم هذه الصفقة. وتابع أن لبنان كي يستطيع مواجهة صفقة القرن والمشروع الصهيوني عليه أن يندرج في التحالفات والاصطفافات الإقليمية الصحيحة.

إعادة ترتيب البيت الفلسطيني 

أما جابر سليمان، فقد أكد في مداخلته على أن الشعب الفلسطيني لطالما قاوم مخططات التوطين بغضِّ النظر عن موازين القوى، وقال: إن قضية اللاجئين هي لب القضية الفلسطينية، والحل الذي يُراد للاجئين هو السلام الاقتصادي الذي طرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سنة 2008، وطرحه قبله رئيس الحكومة الأسبق، شمعون بيريز. وأضاف أن كل المخططات الأميركية الحالية تقوم على دراسات إسرائيلية، كالتي صدرت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) على سبيل المثال. وحول قدرة الطرف الفلسطيني على الرفض، قال سليمان: إن الطرف الفلسطيني الرسمي لم يُدع إلى ورشة البحرين؛ لذلك هناك مبالغة من قبل الجانب الرسمي الفلسطيني في إظهار الرفض؛ يجب أن تُقرن بجهد حقيقي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جامعة.

وتناول سليمان الوضع الفلسطيني في لبنان، وأشار إلى أن ثمة إجماعًا لبنانيًّا فلسطينيًّا على رفض التوطين، وقال: علينا أن نتفق على موقف عملي مفاده كيف نحصن الساحة اللبنانية والفلسطينية لترفض التوطين في ظل الأزمة الاقتصادية. وتحدث عن الوثيقة التي صدرت عن المبادرة المشتركة، والوثيقة التي صدرت أيضًا عن لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني فيما يتعلق بالحقوق المدنية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وموضوع حق العمل. وقال: إن هاتين الوثيقتين لم يتم تطبيقهما على الأرض من خلال مراسيم وتشريعات يُصدَّق عليها في مجلس النواب اللبناني. وبالتالي -والكلام لسليمان- فإذا لم تتم العودة إلى هاتين الوثيقتين فإن الموقف اللبناني الرافض للتوطين سيؤدي إلى التهجير. وأشار إلى أن حملة وزارة العمل لا تصب في مصلحة تمكين الفلسطيني من مواجهة صفقة القرن.

التركيز على قضايا واضحة

وفي مداخلة للمفكر الفلسطيني، منير شفيق، الأمين العام للمؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج، قال فيها: إن هناك سياسات صهيونية تُمارس على الأرض صارت كفيلة بأن يُسمى كل جزء منها صفقة القرن. وأضاف أن الكثير ممن تكلموا عن صفقة القرن حاولوا تقديم استراتيجية أميركية لهذه الصفقة وبعضهم توسع بها حتى ربما بات يعتمد عليهم مستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر. من هنا -والكلام لشفيق- يجب أن نواجه السياسة الأميركية/الإسرائيلية من خلال التركيز على قضايا واضحة كقضية الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وقضية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. فهذه القضايا واضحة وقد لاقت رفضًا من قبل جميع الدول العربية ولم تستطع الإدارة الأميركية أن تُحدث اختراقًا في هذه القضايا، وبالتالي -يضيف شفيق- فليس من المفيد أن نركز على قضية ما زالت مجهولة كـ"صفقة القرن".

موقف عربي متراخٍ

بدورها، قالت منى سكرية، الصحفية اللبنانية، في تعقيب لها: إن المخيف في صفقة القرن هو هذا التراخي الملاحظ لدى عدد من الدول العربية، وهذا الموقف العربي الذي لم يرق إلى مستوى خطورة هذه الصفقة. أما بخصوص انعكاس هذه الصفقة على الساحة اللبنانية، فقالت: إن المقاومة هي القوة الحقيقية للبنان؛ مضيفةً أنها أجبرت "إسرائيل" على الانسحاب من لبنان بفعل المقاومة.

توصيات

وفي ختام الندوة، قدم المشاركون عدة توصيات؛ منها: ضرورة مواجهة صفقة القرن من خلال تحصين البيت الفلسطيني، أي الحصول على إجماع فلسطيني واضح في مواجهة هذ الصفقة وفي تقوية اللحمة الفلسطينية الداخلية، والتأكيد على ضرورة التقاء كافة الأطراف على جملة مواقف على الأرض لمواجهة هذه الصفقة وإفشالها. كما أنه مطلوب -وفق توصيات المشاركين- من الطرف الفلسطيني الذي سار في اتفاق أوسلو، أن يُعلن وفاة هذا الاتفاق والتركيز على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والمشاريع الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية. وتكوين إجماع عربي على مواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية ووضع برامج وخطط لتحصين الموقف العربي، من خلال رفض التطبيع ودعم الموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن.

كما أكد المشاركون على أن المطلوب لبنانيًّا العمل على تحصين الساحة اللبنانية لمواجهة صفقة القرن والتوطين، من خلال دراسة وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والعمل على توسيع عمل لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني وإزالة الجدران التي تعيق تطور ملف الحوار اللبناني-الفلسطيني، وتعيق تطبيق وتفعيل ما اتفق عليه فيما يتعلق بالحقوق المدنية والاقتصادية للاجئين وعلى رأسها حق العمل. فالمطلوب -وفق المشاركين في توصياتهم- أن تُحل القضايا المتعلقة بالفلسطينيين في إطار أخوي لمنع أية محاولة لاختراق الساحة وسد الطريق أمام أي تدخل أجنبي.