خلصت ندوة حوارية مشتركة بعنوان "ماذا يجري في اليمن؟" إلى أنَّ هذا البلد يشهد منذ خمسة أعوام محاولات من القوى الإقليمية والدولية لتقسيمه واستغلال خيراته وثرواته، وأنَّ هذه المحاولات تتم بأدوات داخلية بعضها يتبع إيران والبعض يتبع السعودية والبعض الآخر تُحرِّكه الإمارات، غير أنهم أكدوا، في ختام الندوة، على أنَّ الشعب اليمني قادر على إفشال مخططات تقسيم بلاده إذا غلَّب حكمته التي عُرف بها وعاد إلى مخرجات الحوار الوطني، وإذا اقتنعت أطراف الصراع في الداخل والخارج بأنَّ تقسيم اليمن وتشظيِّه سيعود عليها، قبل غيرها، بالقلاقل والاضطرابات.
وكانت الندوة سابقة الذكر قد أقيمت أمس، الأربعاء، 11 سبتمبر/أيلول 2019، في قاعة ابن خلدون بجامعة قطر، وحضرها لفيف من الباحثين والإعلاميين وجمع من أفراد من الجالية اليمنية المقيمة بقطر، ونظَّمها مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات، وقناة الجزيرة مباشر، ومركز بروكنجز-الدوحة، وتحدَّث فيها: ياسر اليماني، القيادي في المؤتمر الشعبي العام، ومحمد البُخيتي، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله، عبر القمر الصناعي، من العاصمة اليمنية، صنعاء، وبكيل الزنداني، رئيس قسم الشؤون الدولية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة قطر، وسعيد ثابت، مدير مكتب الجزيرة في اليمن، وأدارها حمدي البُكاري، مراسل الجزيرة في اليمن.
أجندة التحالف
في بداية الندوة تحدَّث ياسر اليماني، القيادي في المؤتمر الشعبي العام، عن اختلاف أجندة التحالف السعودي-الإماراتي المعلنة عن تلك التي طبقها طيلة خمسة أعوام، وأشار إلى أن هذا التحالف قد جاء إلى اليمن من أجل المحافظة على وحدته وإعادة الأمن والاستقرار إليه، والقضاء على الانقلاب الحوثي، وتمكين الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس المنتخب، عبد ربه منصور هادي، من الحكم. غير أنه -والكلام لليماني- اتبع سياسات أدَّت إلى تمكين الحوثيين في الشمال، وتقسيم الجنوب مناطقَ نفوذٍ بين السعودية والإمارات، كما عمل على محاربة الرئيس هادي، وعدم تمكين مؤسسات الدولة من العمل، بل إنَّ السعودية -يضيف اليماني- تفرض عليه ما يشبه الإقامة الجبرية، كما فعلت من قبل مع رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري.
وأضاف اليماني، أن الإمارات منعت طائرة الرئاسة من الهبوط في مطار عدن، ثم نشطت في تنفيذ أجندتها الخاصة في هذا البلد فطفقت تحتل مطاراته وموانئه، كما احتلت جزيرة سقطرى.
وخلص اليماني إلى أنَّ ما أظهره التحالف شيء، وما نفَّذه على أرض الواقع شيء مختلف. واختتم بالقول: إنَّ الأزمة اليمنية سببها الرئيس هو تواطؤ هؤلاء الأشقاء، وأنَّ هذا التواطؤ هو الذي أوصل اليمن إلى ما وصل اليه.
استعادة الاستقلال اليمني
من جانبه، قال محمد البُخيتي، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله (الحوثيين): إنَّ هدف الحركة هو منع السعودية والإمارات من التدخل في شؤون اليمن وكفها عن فرض الهيمنة وبسط النفوذ عليه.
وأضاف البُخيتي أنَّ عودة السيادة اليمنية والاستقلال الوطني هو الهدف الرئيس لحركته، ونفى أن تكون حركة أنصار الله تابعة لإيران، وقال في هذا الصدد: "إننا حركة تحرر وطني، نخدم اليمن، ومصالح اليمن والأمة الإسلامية، ونُولي القضية الفلسطينية عناية خاصة، وإننا لسنا مشروعًا طائفيًّا، ولسنا تابعين لإيران".
وأشار البخيتي إلى أنَّ مشكلة الخصوم السياسيين لأنصار الله أنهم يستغرقون في التفاصيل ويقفزون منها إلى النتائج، ولا ينظرون إلى الصورة في مجملها ليعرفوا ماذا يُخطَّط لليمن. وأشار انطلاقًا من هذا المنهج إلى أنَّ الصراع الدائر على البلدان الإسلامية، بما فيها اليمن، تديره القوى الكبرى خدمةً لاستراتيجياتها، وتحقيقًا لمصالحها، وفي هذا السياق -يضيف البُخيتي- فإنَّ العدوان السعودي-الإماراتي هدفه إخضاع اليمن، وإعادته للمحور الأميركي، حتى لا يتحرك في سياق مصالحه الداخلية، ومصالح أمته الإسلامية.
وعن البداية التي فجَّرت الصراع في اليمن، قال البُخيتي: إنَّ تلك البداية تعود إلى اللحظة التي لم تلتزم فيها القوى السياسية بتنفيذ "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" الذي وقَّعنا عليه رغم أنه كان مجحفًا بالنسبة لنا.
وأكد البُخيتي على أنَّ هدف جماعة أنصار الله هو "استعادة سيادة واستقلال اليمن من يد محمد بن سلمان ومحمد زايد" ووصفهما بأنهما "أدوات بيد الولايات المتحدة".
مطامع إقليمية ودولية
من جانبه، قال الدكتور بكيل الزنداني، رئيس قسم الشؤون الدولية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة قطر: إنَّ الحاصل في اليمن هو أن اليمنيين قد انقلبوا على أنفسهم حينما اتفقوا على الدخول في حوار وطني شامل لا يستثني أحدًا له مظلومية، وكان من المفترض -والكلام للزنداني- أن تكون مخرجات الحوار الوطني هي بداية الحل لمشكلات الوطن المزمنة، لكنَّ الذي حدث أن بعض القوى اليمنية اتجهت للخارج الذي له أطماع معروفة في اليمن.
وعن هذه الأطماع الإقليمية والدولية في اليمن، قال بكيل الزنداني: إنَّ اليمن يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، ولديه ثروات من النفط والغاز، فضلًا عن مناخه المتنوِّع، وهو ما جعله مطمعًا للقوى الإقليمية والدولية. وأضاف الزنداني: "فكانت النتيجة أن أصبح الحوثيون مرتبطين بإيران، والشرعية (عبد ربه منصور هادي) مرتبطة بالسعودية، والمجلس الانتقالي مرتبطًا بالإمارات، فأصبحت دول الإقليم لا يهمها سوى تحقيق مصالحها حساب اليمن"، رغم أن هذه الدول الإقليمية ذاتها -والكلام للزنداني- ما هي إلَّا أدوات بيد النظام الدولي.
إعادة رسم الخرائط السياسية
أما سعيد ثابت، مدير مكتب الجزيرة في اليمن، فقال في مداخلته: إنَّ ثمة مساعي من قبل القوى الدولية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط بعد مئة عام من تشكيلها لأول مرة على يد سايكس-بيكو، وأضاف أنَّ ما يجري في اليمن غير بعيد عن هذه المساعي.
وعن بداية تفجُّر الأزمة، قال سعيد ثابت: إنَّ الأزمة بدأت بالانقلاب على مخرجات الحوار الوطني الذي شمل لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر كل ألوان الطيف السياسي، وذلك -كما يقول- لقطع الطريق على خروج اليمن من أزمته الداخلية، فدعمت بعض الدول الإقليمية انقلابًا حوثيًّا ضد السلطة، وحينما شنَّ التحالف السعودي-الإماراتي غاراته تحت اسم "عاصفة الحزم" كان تدخله في الشأن اليمني خطيئة حتى إني قلت وقتها -والكلام لسعيد ثابت-: إنَّ التحالف أراد تصحيح خطيئة بخطيئة أخرى.
وختم سعيد ثابت مداخلته بالقول: إنَّ التحالف السعودي-الإماراتي إنما هو أداة بيد القوى الدولية، وقد تسبب في تعقيد الوضع في اليمن، حتى بتنا نرى الكل يتصارع مع الكل، ما سيعود بالضرر ليس على اليمن فحسب بل أيضًا على دول الخليج والإقليم بأكمله.
الطريق إلى الحل
واختتمت الندوة نقاشاتها وحواراتها بالتأكيد على أنَّ العودة إلى مخرجات الحوار الوطني والالتزام بتنفيذها، وكفَّ يد القوى الإقليمية والدولية عن التدخل في الشأن اليمني، وترك اليمنيين يحلُّون مشاكلهم بأنفسهم دون إملاءات خارجية، هو الكفيل بحل الصراع، والعودة بهذا البلد إلى ما كان عليه من أمن واستقرار.