المفاوضات السورية الإسرائيلية إلى أين؟

تقف هذه المقاربة عند رصدها موضوع المفاوضات السورية الإسرائيلية على موازين قوى الطرفين وعلى شكل وشروط أي اتفاقية سلام قد تتم بينهما
21 November 2008
1_513972_1_34.jpg









إعداد : د.محمود محارب




ما الذي استجد منذ العام 2000؟
المفاوضات مع سوريا من وجهة نظر إسرائيلية
العوائق والتحديات أمام التوصل إلى اتفاقية سلام








محمود محارب
دار في الشهور الطويلة الماضية نقاش هام بين وجهتي نظر في إسرائيل حول جدوى دخول إسرائيل في مفاوضات مع سوريا، وحول إذا ما كانت هناك مصلحة عليا لإسرائيل في التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا. وطرح أصحاب وجهتي النظر مجموعة هامة من الأسئلة، حاولوا الإجابة عليها، ونجمل أبرزها فيما يلي:

- هل توفر اتفاقية سلام مع سوريا إجابة للمشاكل الأمنية الإسرائيلية المركزية الآنية؟


- هل هناك ضرورة ملحة للتوصل إلى اتفاقية سلام؟


- هل من الممكن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا وفق ما تريده إسرائيل؟


- هل سوريا مستعدة وقادرة على دفع ثمن ما يترتب على اتفاقية السلام في ما يخص علاقاتها الثنائية مع إسرائيل، خاصة تلك المتعلقة بالاعتراف، وإقامة علاقات دبلوماسية، وتبادل السفارات، وخلق علاقات طبيعية بين البلدين؟


- هل سوريا مستعدة لتغيير دورها وسياستها الإقليمية في المنطقة، وفي مقدمة ذلك فك تحالفها مع إيران وحزب الله وحماس وتفكيك المحور الإيراني–السوري والخروج منه؟


- ما هو تأثير إحياء المسار السوري-الإسرائيلي على المسار الفلسطيني وعلى الوضع في لبنان والعراق؟


- ماذا يحدث إذا لم تستجب إسرائيل لدعوات السلام السورية المتكررة والمنادية باستئناف المفاوضات؟ وماذا سيحدث إذا فشلت هذه المفاوضات؟






"
جاءت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل بعد حملة سورية دعت فيها سوريا إلى استئناف المفاوضات مصرة على أن تكون علنية وغير مباشرة وعلى أساس التزام إسرائيلي مسبق من الجولان
"
بعد ثماني سنوات من الجمود أعلنت كل من سوريا وإسرائيل في الحادي والعشرين من مايو/أيار الماضي أنهما شرعتا في مفاوضات غير مباشرة بوساطة تركية. واتضح لاحقا أن إسرائيل أطلعت الإدارة الأميركية سلفا عن نيتها الدخول في المفاوضات وأن الإدارة الأميركية لم تكن متحمسة بل متحفظة، بيد أنها في الوقت نفسه لم تحاول منعها أو وضع العراقيل أمام الشروع بها.

تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن تركيا بدأت في وساطتها عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تركيا في فبراير/شباط من العام 2007، واجتماعه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. ففي أعقاب تلك الزيارة بدأت تركيا بنقل الرسائل بين دمشق وتل أبيب.


جاءت المفاوضات التمهيدية بين سوريا وإسرائيل بعد حملة سلام سورية طويلة، دعت فيها سوريا إلى استئناف المفاوضات بين الدولتين، وأصرت في الوقت نفسه أن تكون المفاوضات علنية وغير مباشرة وعلى أساس التزام إسرائيلي مسبق بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967. لم يكن الموقف الإسرائيلي موحدا في نوعية وكيفية الرد على الدعوات السورية لاستئناف المفاوضات، وتفاعلت في تشكيله وصياغته مجموعة من العوامل والمصالح المتضاربة والمتناقضة. وتراوح الموقف الإسرائيلي وتذبذب بين رفض الدخول في المفاوضات وبين التلكؤ في الرد والتهرب من التطرق إلى الموضوع. وقاد دعوات الاستجابة الإسرائيلية لاقتراحات الرئيس السوري المتكررة باستئناف المفاوضات، في النقاشات الداخلية الإسرائيلية، قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وفي مقدمتهم وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود بارك ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) عاموس يدلين.


انطلقت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في موقفها من مسألة استئناف المفاوضات مع سوريا من رؤيتها وقراءتها للأخطار والتحديات التي تواجه إسرائيل. فقد اعتبرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن إيران ومشروعها النووي والمحور الذي أقامته مع سوريا، يشكل الخطر الأساس على نفوذ ودور ومكانة إسرائيل في المنطقة، ومن هذه القراءة والرؤية اشتقت إسرائيل السياسات التي ينبغي اتباعها من أجل التصدي لهذا الخطر.



ما الذي استجد منذ العام 2000؟


أثار استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل سؤالا حول المستجدات والمتغيرات التي حدثت في المنطقة، منذ توقف المفاوضات بين الدولتين في مارس/آذار 2000، وقادتهما في نهاية المطاف إلى استئناف المفاوضات بينهما.

تشير العديد من الأدبيات الإسرائيلية، وخاصة تلك الصادرة عن مراكز الأبحاث، إلى جملة من المتغيرات التي أثَّرت على إسرائيل في الشروع بالمفاوضات مع سوريا، رغم شكوك إسرائيل في أن هدف سوريا من استئناف المفاوضات ليس التوصل إلى اتفاقية سلام، بقدر ما هو استعمال عملية المفاوضات أداة لفك الحصار عنها، إضافة إلى التحفظ الأمريكي وإدراك إسرائيل أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاقية سلام بدون الرعاية الأميركية. ويمكن إيجاز هذه المتغيرات والمستجدات في التالي:




  • خطر إيران ومشروعها النووي: منذ عدة سنوات يهيمن مشروع إيران النووي وتصاعد قوة إيران وتعاظم نفوذها الإقليمي، على ذهنية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وعلى مختلف النخب والجمهور في إسرائيل، لما يحمله هذا المشروع الإيراني -إذا ما تحقق- من وضع حد لاحتكار إسرائيل للسلاح النووي وإضعاف نفوذ إسرائيل ودورها ومكانتها في المنطقة.



  • الاحتلال الأميركي للعراق: رغم أهمية الاحتلال الأميركي في إخراج العراق من دائرة الصراع مع إسرائيل، قامت المقاومة العراقية الفعالة باستنزاف الاحتلال الأميركي وإفشاله في تحقيق هدفه في إقامة نظام حليف مستقر، وباتت أميركا متورطة في الوحل العراقي، الأمر الذي أظهر محدودية القوة العسكرية الأميركية في تحقيق الأهداف السياسية، مما جعل إشعاعه يمتد إلى كل المنطقة.



  • حرب إسرائيل الثانية على لبنان: أثرت حرب إسرائيل الثانية ضد حزب الله عام 2006 على نظرية الأمن الإسرائيلية. فقد فشلت إسرائيل بصورة جلية وواضحة في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب، وأخفقت في منع أو وقف قصف العمق الإسرائيلي بالصواريخ، مما أدى إلى التقليل بشكل كبير من عامل مساحة الأرض في الحرب وأظهر ضعف الذرائع الإسرائيلية التي تعارض الانسحاب من الجولان لأسباب إستراتيجية عسكرية، فاستمرار احتلال الجولان السوري لا يحمي إسرائيل من الصواريخ المتوسطة وبعيدة المدى التي تمتلكها سوريا بكثرة.



  • خروج الجيش السوري من لبنان: لم يؤد انسحاب الجيش السوري من لبنان إلى إضعاف حزب الله أو القوى المساندة لسوريا في لبنان، بل على النقيض من ذلك، فقد ازدادت قوة حزب الله في جميع الميادين وخاصة العسكرية. وقد ساهمت سوريا مساهمة هامة في تعزيز قوة حزب الله العسكرية عبر تزويده بالسلاح الحديث والمتطور، قبل وبعد حرب إسرائيل الثانية على لبنان.



  • فشل سياسة إسرائيل الأحادية الجانب في فلسطين وفي لبنان.



  • تعثر المفاوضات على المسار الفلسطيني وفشل إسرائيل في إيجاد شريك فلسطيني يقبل الإملاءات الإسرائيلية.



  • ظهور بوادر خروج سوريا من عنق زجاجة الحصار الأميركي.


المفاوضات مع سوريا من وجهة نظر إسرائيلية





"
يشكك بعض المحللين في قدرة الرئيس السوري على الدخول في سلام شامل مع إسرائيل وفي قدرته على فتح بلاده نحو الغرب كما فعل السادات فإجراء تحولات نوعية في سياساته الداخلية والاقتصادية والخارجية قد تقود إلى إسقاط النظام
"
هناك وجهتا نظر في إسرائيل بشأن جدوى المفاوضات مع سوريا، وحول مصلحة إسرائيل في التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا في ظل المتغيرات المستجدة، وقد احتدم جدال هام في الشهور الطويلة الماضية بين النظرتين.

المعارضون للمفاوضات: يطرح المعارضون للتفاوض مع سوريا أسبابا كثيرة لموقفهم، أبرزها:


على النقيض مما كان الوضع عليه في الماضي أثناء المفاوضات السابقة، والتي كان من المسلم به حينئذ أن أي اتفاقية سلام مع سوريا ستقود بالضرورة إلى اتفاقية سلام مع لبنان أيضا، ونزع سلاح حزب الله، فإن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا بعد انسحابها من لبنان، لن يقود إلى توقيع اتفاقية سلام مع لبنان ولا إلى نزع سلاح حزب الله. كما أن استمرار امتلاك حزب الله قوة مسلحة قوية ومدعومة من إيران ينقص كثيرا من جدوى التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا لوحدها.


وأهم من ذلك، ليست هناك ضمانة في أن تقوم سوريا بفك تحالفها مع إيران فيما إذا تم التوصل إلى اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل. ويضيف أصحاب وجهة النظر هذه أنه رغم ما يبدو في بعض الأحيان من عدم الثقة والشكوك بين سوريا وإيران، فإن علاقتهما عميقة وممتدة في الزمن، وتستند إلى مصالح إستراتيجية تجمعهما منذ فترة طويلة، كما أنهما يشكلان سويا محور المقاومة والممانعة. ومن الصعب على سوريا أن تترك حليفا تتعاظم قوته سنة بعد أخرى، وقد يصبح نوويا في المستقبل المنظور.


ويستخلص أصحاب وجهة النظر هذه أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس معنيا بدفع الثمن الإستراتيجي الذي تريده إسرائيل، وهو فك التحالف مع إيران. ويشكك هؤلاء في قدرة الرئيس السوري الدخول في سلام شامل مع إسرائيل وفي قدرته على فتح بلاده بعمق نحو الغرب، كما فعل السادات، فإجراء تحولات نوعية في سياساته الداخلية والاقتصادية والخارجية قد تقود إلى إسقاط النظام. ويضيف هؤلاء أن الرئيس السوري معني أكثر بالعملية السلمية ذاتها أكثر من اهتمامه بالتوصل إلى اتفاقية سلام.


فالعملية السلمية واستئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل تساعد سوريا على الخروج من عزلتها وتمنحها حصانة ضد الضغوطات المختلفة، بما في ذلك الخروج من المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال الحريري بأقل أذى ممكن. ويشدد هؤلاء على عدم وجود أي ضغط دولي أو إقليمي لإجراء مفاوضات مع سوريا، بل إن هناك سياسة أميركية تتبنى حصار سوريا منذ سنوات، وقد سار الغرب وبعض الدول في المنطقة وراء هذه السياسة. علاوة على ذلك، لا تستطيع سوريا في المستقبل المنظور شن حرب على إسرائيل لاستعادة الجولان بالقوة العسكرية. ويضيف هؤلاء أنه إذا أقدمت سوريا على ذلك فإنها ستدفع ثمنا باهظا دون أن تحقق أهدافها.


المؤيدون للمفاوضات: يطرح المؤيدون لوجهة النظر الداعية إلى المفاوضات وإلى التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا جملة من الأسباب نوجز أبرزها:




  1. يشكل توقيع اتفاقية سلام مع سوريا الوسيلة الأجدى، ولعلها الوحيدة في الأفق، لإحداث تغيير إستراتيجي في دور سوريا في المنطقة وفي علاقاتها مع إسرائيل ومحيطها الإقليمي. فلم تعد المسألة المركزية بالنسبة لإسرائيل هي إخراج القوة العسكرية السورية من المواجهة مع إسرائيل، كما كان الوضع عليه في المفاوضات السابقة. بل باتت المسألة المركزية اليوم تتمثل في مدى تأثير توقيع اتفاقية سلام مع سوريا على قوة المحور الإيراني، وسعي إيران الدؤوب للحصول على السلاح النووي. ويطرح هؤلاء أنه من الخطأ التعامل مع التحالف بين سوريا وإيران بصورة جامدة، وكأن هذا التحالف ثابت ودائم وغير قابل للتفكيك. صحيح أن سوريا تعتبر في الوضع الراهن حليفة لإيران ولحزب الله، ولكن عند التوصل إلى اتفاقية سلام تحت رعاية إدارة الولايات المتحدة أميركية القادمة وما يرافقها من مفاوضات واتفاق بين سوريا والإدارة الأميركية حول دور سوريا في المنطقة، فإن علاقة سوريا مع إيران ستضعف بطبيعة الحال، بل ستصبح هذه العلاقة عاملا معرقلا أمام حصول سوريا على المكاسب الناجمة من توقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل وتقاربها مع الولايات المتحدة ودول المنطقة المعتدلة.


  2. هناك مصالح حقيقية لسوريا في التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، كاستعادة الجولان وإزالة الخطر الإسرائيلي عنها إضافة إلى أنه من الصعب أن تتمكن سوريا من تطوير ذاتها بدون تحسين علاقتها مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية. ويضيف هؤلاء أن سوريا تدرك أن مجرد تفعيل المسار السوري الإسرائيلي والدخول في المفاوضات بدون التوصل إلى اتفاقية سلام، غير كاف لتحسين علاقات سوريا مع الغرب، كما أثبتت التجربة في الماضي عندما فشلت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل قبل ثماني سنوات.


  3. رغم انسحاب سوريا من لبنان لا زالت دمشق تتمتع بنفوذ كبير في لبنان عبر حلفائها وخاصة حزب الله. وتمتلك سوريا القدرة على التأثير على حزب الله بحكم موقعها الجغرافي، لاعتماد حزب الله عليها في الحصول على السلاح، سواء أكان ذلك سلاحا سوريا أو إيرانيا. ويستخلص أصحاب وجهة النظر هذه أن اتفاقية سلام مع سوريا وترتيب دورها الإقليمي في المنطقة مع الولايات المتحدة الأميركية، سيقود إما إلى التوصل إلى اتفاقية سلام مع لبنان أو إلى التوصل إلى تفاهم مع سوريا حول الوضع في لبنان.


  4. تفتح اتفاقية سلام مع سوريا مرحلة جديدة في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. فهي من ناحية، ستنهي جانبا هاما من الصراع العربي-الإسرائيلي، وهو صراع بين الدول (دولة إسرائيل والدول العربية)، وتقود من ناحية ثانية إلى ترقية علاقات إسرائيل مع العديد من الدول العربية، قد تصل إلى إقامة علاقات دبلوماسية جديدة كاملة مع العديد منها. ومن شأن ذلك كله تخفيف حدة الصراع أو التوتر في المنطقة، وتقليص مسببات ودواعي الأطراف العربية إلى السعي للتحالف مع إيران.


  5.  سيعكس توقيع اتفاقية سلام مع سوريا نفسه على دور هذه الأخيرة في القضية الفلسطينية. فمن المتوقع، كما يقول أصحاب وجهة النظر هذه، أن تخرج سوريا من محور المقاومة أو الممانعة، الأمر الذي سيؤثر على تغيير علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية. فمن ناحية، سيحدث تقارب مع قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي الوقت نفسه من المتوقع، من ناحية أخرى، أن تكف سوريا عن دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية أو تقلل منه، خاصة دعمها لحماس والجهاد الإسلامي.


  6.  ستحفز اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل الفلسطينيين على تسريع الخطى للتوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل لئلا يتركوا وحدهم.


العوائق والتحديات أمام التوصل إلى اتفاقية سلام





"
تمتلك سوريا مواطن قوة هامة نابعة من قوتها الذاتية ودورها في محور الممانعة والمقاومة من جهة ومن علاقاتها مع إيران ومع الملفات اللبنانية والفلسطينية والعراقية من جهة أخرى
"
هناك قسمان أساسيان في أية اتفاقية سلام مستقبلية بين إسرائيل وسوريا. يرتبط القسم الأول بالعلاقات الثنائية بين سوريا وإسرائيل، مثل مسائل الحدود والمياه والترتيبات الأمنية والمناطق المنزوعة السلاح والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الطرفين. أما القسم الثاني فيرتبط براعية المفاوضات، الولايات المتحدة الأميركية، الغائبة عنها حتى الآن، وعلاقاتها مع سوريا وإمكانية اتفاقها معها حول دور سوريا الإقليمي عقب اتفاقية السلام من ناحية، والدعم المالي والعسكري الذي ستحصل عليه إسرائيل من أميركا إثر التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا وانسحابها من الجولان وإزالتها المستوطنات والقواعد العسكرية من ناحية أخرى.

تقف أمام التوصل إلى اتفاقية سلام جملة من التحديات والعوائق سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين سوريا وإسرائيل، أو على صعيد دور أميركا واتفاقها مع القيادة السورية حول دور سوريا الإقليمي في المنطقة، وأهم هذه العوائق والتحديات:




  • مسألة التزام إسرائيل بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967: هناك إقرار في إسرائيل، بصورة عامة، أن الانسحاب من الجولان السوري المحتل هو ثمن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا. فقد ظلت سوريا طيلة الوقت مصممة على هذا المطلب ولم تتزحزح عنه قيد أنملة. ولكن رغم ذلك، تسعى إسرائيل إلى إحداث تآكل في الموقف السوري تجاه هذه المسألة عبر عدة وسائل:




    • التمييز بين حدود الرابع من حزيران والحدود الدولية بين سوريا وفلسطين التي رسمتها بريطانيا وفرنسا سنة 1923، وتبدي إسرائيل استعدادها للانسحاب إلى الحدود الدولية بين سوريا وفلسطين، وتطرح نفسها وريثة فلسطين (هكذا!!).




    • تحاول إسرائيل أن تطرح أن حدود الرابع من حزيران غير واضحة المعالم وأن هناك حاجة إلى ترسيمها من جديد، وذلك بهدف فتح باب التفاوض على الحدود وفرض رؤيتها على سوريا في ترسيم هذه الحدود والانتقاص من المساحة التي ينبغي عليها الانسحاب منها إلى حدود الرابع من حزيران.



  • علاقة سوريا مع إيران ودورها الإقليمي في المنطقة: تدرك إسرائيل وأميركا أن سوريا لن تقطع علاقاتها كلية مع إيران وحزب الله بعد توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. ولكن تشترط إسرائيل أن توقف سوريا تعاونها ودعمها لأي نشاط معاد لإسرائيل، سواء في علاقاتها مع إيران أو حزب الله أو حماس أو الجهاد.



  • دور أميركا: التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل يعتمد على موقف الإدارة الأميركية القادمة ومرهون به. فهل ستتبنى الإدارة الأميركية القادمة دورا فعالا في رعاية المفاوضات بين سوريا وإسرائيل؟



  • المسار اللبناني-الإسرائيلي : هل ستحاول سوريا بجدية استعمال نفوذها من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل؟ وهل ستنجح في ذلك؟



  • يشكك الكثيرون في قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو أي حكومة إسرائيلية قادمة في تنفيذ اتفاقية سلام مع سوريا، في ضوء وجود أغلبية كبيرة من الرأي العام الإسرائيلي -في الوقت الحالي- معارضة للانسحاب من الجولان، وفي ضوء التشريع الجاري في الكنيست الذي يشترط الانسحاب الإسرائيلي من الجولان بالحصول على أغلبية ثمانين عضو كنيست من مجموع 120 عضو، أو الحصول على أغلبية في استفتاء عام. رغم أنه لم يجر في إسرائيل أي استفتاء عام، ورغم وجود أغلبية كبيرة في الرأي العام الإسرائيلي ضد الانسحاب من الجولان، فإنه في حالة ما إذا وقّعت الحكومة الإسرائيلية في المستقبل على اتفاقية سلام مع سوريا وبدعم ورعاية أميركية، لن تجد الحكومة الإسرائيلية صعوبة كبيرة في الحصول على أغلبية في الاستفتاء العام. فالنخب في إسرائيل، وخاصة قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية، هي التي تساهم مساهمة كبيرة في تشكيل الرأي العام وليس العكس. علاوة على ذلك، يشكل العرب في إسرائيل 14% من مجموع ذوي الحق في المشاركة في الاستفتاء العام، ومن المتوقع إن تكون مشاركتهم مرتفعة في الاستفتاء وداعمة لاتفاقية سلام مع سوريا، التي تضمن انسحاب إسرائيل من الجولان.

يبدو أن سوريا صمدت أمام الحصار الأميركي المدعوم إقليميا، وأنها خرجت من عنق زجاجة هذا الحصار. وتمتلك سوريا مواطن قوة هامة، نابعة من قوتها الذاتية ودورها في محور الممانعة والمقاومة من جهة، ومن علاقاتها مع إيران ومع الملفات اللبنانية والفلسطينية والعراقية من جهة أخرى. ومن الواضح أن شكل وشروط أية اتفاقية سلام قادمة بين سوريا وإسرائيل ستستند على أولويات وأهداف كل طرف، وعلى موازين القوة بينهما. وبإمكان سوريا أن تحسن شروط اتفاقية السلام وشكلها بما يخدم مصالحها ودورها الإقليمي في المستقبل، إذا ما بذلت كل جهدها في حشد طاقاتها للاستعداد للحرب وتعزيز قدراتها القتالية إلى أعلى درجة ممكنة، وكأن الحرب قادمة في أي لحظة. فإذا كانت هناك عبر في التاريخ، فإن من أهمها أن من يريد السلام لا بد له أن يستعد للحرب بكل ما لديه من طاقات.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات
أعدت هذه الورقة بتاريخ 13 يوليو/تموز 2008