هجمات مومباي.. التداعيات وما تحت السطح

حركت هجمات مومباي مياها كثيرة في المنطقة، ووضعت أجندات جديدة، وربما تؤخر أو تلغي أجندات أكثر أهمية، سيما مع وصف الهند لما جرى بأنه بنسخة هندية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في أميركا.
25 January 2009







 


أحمد زيدان


حركت هجمات مومباي مياها كثيرة في المنطقة، ووضعت أجندات جديدة، وربما تؤخر أو تلغي أجندات أكثر أهمية، سيما مع وصف الهند لما جرى بأنه بنسخة هندية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في أميركا، وذلك لسببين:


الأول: أنها استهدفت عاصمة المال والأعمال الهندية في مشابهة لهجوم برج التجارة العالمي.


الثاني: نية المهاجمين في مومباي إلحاق أضرار شبيهة بتلك التي أحدثتها هجمات نيويورك، وهذا التوصيف الهندي سعت نيودلهي من خلاله إلى استغلاله بالضغط على باكستان لتعزيز تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن.


تحولت مومباي من مصدر الاقتصاد والمال الهندي إلى مصدر الاتهام الباكستاني. والسؤال هو: ما حقيقة ما جرى؟ وإلى أي مدى ستؤثر الهجمات على الوضع الداخلي في كلا البلدين؟ بالإضافة إلى العلاقات مع واشنطن، والحرب على ما يوصف بالإرهاب، والعلاقات مع العالم العربي؟


على الصعيد الهندي:
- المثير للدهشة هو كشف الهجمات عن افتقار الهند إلى قوات خاصة لمكافحة ما يوصف بالإرهاب، وهي الدولة التي تقاتل الجماعات المسلحة منذ عقود، فاستخدمت عوضا عنها قوات كوماندوز تفتقر إلى خبرة التعاطي مع هكذا وضع، انعكس فقر التعاطي مع الحدث بحمل عناصر الأمن لمسدسات في مواجهة أسلحة رشاشة كانت بحوزة المهاجمين، وحديث بعض المسئولين الإسرائيليين بأن بعض الرهائن قتلوا برصاص القوات الهندية وليس برصاص الخاطفين، مستدلين على ذلك بنوعية الرصاص الذي عثر عليه في أجساد القتلى.


هذه التساؤلات دفعت بعض المحللين وحتى المسؤولين بشكل خاص إلى الحديث عن مؤامرة هندية/أميركية ضد باكستان ومخابراتها، وهو حديث يتعذر التحقق منه في ظل الشكوك والضبابية التي يتسم به المشهد العالمي والمشهد الهندي/الباكستاني بشكل خاص.





تسعى الهند إلى ممارسة مزيد من الضغوط على باكستان، بينما يصعب عليها أي الهند شن حرب على باكستان بسبب انشغال حليفها الأميركي في الحرب على ما يوصف بالإرهاب كما يتعذر على واشنطن التخلي عن حليفها الباكستاني في هذه الحرب.
- كان من الملفت غياب صور الجرحى والقتلى حتى من الخاطفين، وهو ما يضع علامات استفهام على الرواية الهندية ودقتها، سيما وأن مئات من المصورين والصحافيين الموجودين في المنطقة عادة ما يستهوي كاميراتهم صور المستشفيات.

- فشل السلطات الأمنية والبحرية والعسكرية والداخلية الهندية في كشف عملية منسقة بهذا الحجم، وقدوم المهاجمين من البحر بالإضافة إلى ما قالته المصادر الأميركية إنها حذرت الهند من مغبة تعرضها لهجوم عبر البحر منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول، وأنها سمّت لها بالاسم تاج محل، الفندق المستهدف.


- الإخفاق الهندي في مواجهة المهاجمين حين نقلت وكالات الإعلام عن أحد قادة الكوماندوز الهندي بأن المهاجمين يعرفون مخطط الفندق أكثر منهم، وأنهم لم يخطئوا ولو مرة في غرفه، بينما لم يكن لدى الكوماندوز مخطط للفندق.


- تباين موقف الحكومة الهندية انعكس في تصريحات وزير الخارجية الهندي براناب مخرجي الذي استبعد أي عمل عسكري ضد باكستان في حين لم يستبعد وزير الداخلية شفراج باتيل هذا الخيار، بالإضافة إلى سعي هندي أمني إلى تصدير الأزمة عبر دفع رئيس الوزراء مانموهان سينغ إلى اتهام باكستان للفت نظر الشارع الهندي عن إخفاقات الأجهزة الأمنية.


- تسعى الهند إلى ممارسة مزيد من الضغوط على باكستان، بينما يصعب عليها أي الهند شن حرب على باكستان بسبب انشغال حليفها الأميركي في الحرب على ما يوصف بالإرهاب كما يتعذر على واشنطن التخلي عن حليفها الباكستاني في هذه "الحرب المصيرية"، لذا تردد أن وكيل الخارجية الهندي قد توجه إلى واشنطن لعرض فكرة على فريق أوباما تتضمن طرح فشل إسلام آباد في فرض الأمن داخلياً، وتقديم مساعدة دولية لها لعجزها عن القيام بذلك.


- كما تسعى الهند إلى استثمار الحدث من خلال تجديد تقديم قائمة من عشرين شخصية مطلوبة لها تقول إنها موجودة على الأراضي الباكستانية، بعضها شخصيات سيخية وهندوسية معارضة للهند، وهي نفس القائمة التي تقدمت بها الهند في عام 2001 لمشرف ورفضها، وبالتأكيد فإن كل هذه الشخصيات ليست متورطة في هجمات مومباي، وهو ما يعزز لدى الباكستانيين لجوء الهند إلى استخدام تكتكيك الضغط والابتزاز.


- ولا يمكن إغفال الانتخابات الهندية التي ستجرى في مايو/أيار المقبل، حيث يتوجب على رئيس الوزراء ألا يزعزع الأمن الإقليمي، خاصة وأن المعارضة تنظر إلى حزب المؤتمر على أنه ضعيف في ضبط الأمن وتتهمه بالليونة مع الناخب المسلم أملاً في كسب صوته.


- ضربت الأحداث السمعة الاقتصادية للهند ولجوهرة اقتصادها مومباي، وهو ما سيكون له تداعياته على الاستثمار والمستثمرين القادمين إلى الهند.






على الصعيد الباكستاني:
- حسب معلومات خاصة فإن حافظ سعيد زعيم جماعة الدعوة حالياً وعسكر طيبة سابقاً المحظورة والمتهمة بالوقوف خلف الهجمات، هدد الهند بعمليات ضخمة وكبيرة وكأنه يشير إلى هجمات مومباي، وكان ذلك بالتحديد في خطاب له غير مسجل في الحادي والعشرين من الشهر الماضي أي قبل أيام من الهجمات، وكان يتحدث حينها في اجتماع سنوي حاشد لأتباعه قرب لاهور.


- برزت خلافات بين الحكومة المدنية الديمقراطية ممثلة بحزب الشعب والأجهزة الأمنية والعسكرية ومعها الأجهزة البيروقراطية، بسبب موافقة الرئيس آصف علي زرداري ورئيس وزرائه يوسف رضا جيلاني على إيفاد مدير المخابرات العسكرية إلى الهند للمشاركة في التحقيق بعد مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الهندي. غير أن الأجهزة الأمنية والعسكرية والإعلام في باكستان رأت في الموافقة مساسا بالكرامة الباكستانية.





أعادت الهجمات العلاقات الهندية/الباكستانية إلى مرحلة ما بعد مواجهات كارغيل عام 1999، وأضرت بجهود خمس سنوات من ديبلوماسية بناء الثقة بين الطرفين
كما سبقت الموافقة على إيفاد مدير المخابرات تصريحات لزرداري أثارت جدلا في أوساط المؤسسة العسكرية الباكستانية ووصفت بأن فيها انحيازا للهند وأنها تناقض سياسة باكستان القائمة على مبدأ الردع. ومن أبرز ما جاء في تلك التصريحات ما ذهب إليه زرداري من أن بلاده لن تكون البادئة بالضربة النووية ومن أن الهند لا تشكل تهديداً تاريخياً لباكستان وأن شيئاً هندياً يجري في دم كل باكستاني.

ويعني موقف الأجهزة الأمنية المنتقد لتصريحات زرداري فشل حكومته في التحكم بالمخابرات العسكرية وهو تحكم سعت إليه تلك الحكومة منذ توليها شئون البلاد، وكان بعض المحللين قد فسر ذلك السعي إلى التحكم في المخابرات على أنه جزء من الشروط التي فرضتها الحكومة الأميركية على حزب الشعب عندما أوصلته إلى السلطة.


- أعادت الهجمات العلاقات الهندية/الباكستانية إلى مرحلة ما بعد مواجهات كارغيل عام 1999، وأضرت بجهود خمس سنوات من ديبلوماسية بناء الثقة بين الطرفين..


- ويعتقد البعض أن الحادث حرك مياها باكستانية كان ينبغي تحريكها، ومنها: التذكير بقضية كشمير، وإعادة الاهتمام الدولي بالعلاقات الهندية/الباكستانية، وضرورة التوسط بينهما وتسويتها، وهو ما تريده باكستان وتتجاهله الهند على أساس أنها علاقات ثنائية، بينما ترى باكستان أنها مسألة تمس الأمن العالمي، وهو ما ثبت من خلال أحداث مومباي. فبقدر ما فرض هذا الحادث ضغوطا على باكستان بقدر ما منحها هامشا أوسع للتحرك والمناورة الديبلوماسية.






على الصعيد الأميركي والحرب على "الإرهاب":
تمارس واشنطن دور الرافع لمستوى التوتر المتحكم به وليس دور الإطفائي له، وتمثل ذلك بحديث أمريكي عن تورط عسكر طيبة المقيمة في باكستان، ولكن واشنطن لا تريد أن تتدهور الأمور إلى مستوى سحب باكستان لقواتها من على الحدود القبلية إلى الحدود مع الهند كما هددت باكستان، وهو ما وصفته الهند بأنه ابتزاز..


- وعلى صعيد ما يسمى بالحرب على الإرهاب فإن الهجمات شكلت رافعة للمسلحين في مناطق القبائل، الذين كان الجيش يسمهم، أو بعضهم على الأقل، بأنهم عملاء للهند، الأمر الذي سيكون من الصعب تصديقه شعبياً وجماهيرياً في المستقبل، بعدما أبرزتهم هذه الأحداث مهاجمين في مومباي. وسيضاف إلى هذا كسبهم لتعاطف شعبي في جرأتهم على تنفيذ العمليات في عقر العدو الهندي، بالإضافة إلى أنهم سيستفيدون من هذا التوتر في العلاقة الهندية/الباكستانية.


- أصبح تعاظم الدور الهندي في أفغانستان مقلقا لباكستان، سيما وأن الرئيس الأميركي الفائز في الانتخابات دعا إلى تعزيز الحضور العسكري الهندي في أفغانستان، وستعزز أحداث مومباي مخاوف باكستان من التقارب الأميركي/الهندي في أحداث مومباي ومن مساعي الطرفين إلى تطويقها من الغرب والشرق.






على صعيد المنطقة العربية:
- بشأن التأثير على المنطقة العربية فإن الهند ستسعى إلى كسب مزيد من التعاطف العربي في مواجهتها مع باكستان..






أفرزت الأحداث قدرة اللاعبين غير الحكوميين على فرض أجنداتهم على الحكومات، وبالتالي فهي حرب حقيقية بين اللاعبين الحكوميين واللاعبين غير الحكوميين، وهناك مخاوف تعزز من إمكانية تكرار مثل هذه الأحداث التي يمكن أن تطلق حربا بين البلدين


- والتأثير مرتبط بالتصعيد والحرب، وإن اندلعت الأخيرة، وهي مستبعدة، فإن المنطقة العربية ستتأثر اقتصادياً، كون بعض اقتصاديات المنطقة مرتبطة بشكل جزئي باقتصاد الهند أو باكستان، خاصة في ظل وجود استثمارات عربية وخليجية ضخمة في البلدين، كما أن المنطقة ستتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر بموضوع الحرب على ما يوصف بالإرهاب كونها، إضافة إلى تواجد عمالة البلدين، التي يمكن أن تسبب في حصول اضطرابات نتيجة الاحتكاكات بينهما، دون أن ننسى القرب الجغرافي الذي ربما سيسبب بعض الضرر من خلال هجرات أو إشعاعات نووية، في حال اندلاع حرب بين البلدين، وإن كان ذلك مستبعداً.

- ثقة دول خليجية مثل السعودية والإمارات بالجيش الباكستاني واعتمادهما على عناصر هذا الجيش من الناحية الأمنية، وثقتهم بالسلاح النووي الباكستاني في عدائهما الخفي أو المستتر مع إيران المتجهة صوب النووي.






ما بعد مومباي:
- التصعيد أو عدمه مرتبط بنظر البعض إلى كيفية تفاعل الشارع والإعلام الهندي مع الحدث، وبالتالي فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة لعمل شيء ما يلبي غضب الشارع إن زاد هذا الغضب.


- أفرزت الأحداث قدرة اللاعبين غير الحكوميين على فرض أجنداتهم على الحكومات، وبالتالي فهي حرب حقيقية بين اللاعبين الحكوميين واللاعبين غير الحكوميين، وهناك مخاوف تعزز من إمكانية تكرار مثل هذه الأحداث التي يمكن أن تطلق حربا بين البلدين.


- يبدو أن الأمر مرتبط بنتائج زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس إلى كل من الهند وباكستان الأربعاء والخميس لاستبطان حقيقة النوايا الأميركية، فواشنطن غير مهيأة بكل تأكيد لحرب أخرى في المنطقة، وستؤثر على تركيزها في حربها على ما يوصف بالإرهاب، ولكن لا يمنع ذلك من ممارسة مزيد من الضغط والابتزاز بحق باكستان ..


- يصعب على القوى الغربية تضييع جهود خمس سنوات من التهدئة والتفريط في عملية السلام بين البلدين، ولذلك فإن هذه القوى الدولية ستسعى إلى احتواء تداعيات هجمات مومباي. فلو كانت الهند تنوي وقف عملية السلام لأوقفتها بعد الهجمات مباشرة، فإيقافها بعد أيام سيكون متأخراً..


- وستحدد الهدف الأميركي والغربي هو الضغط على باكستان ما دام الضغط على الهند متعذراً، كونها قوة إقليمية وللغرب مصالح كثيرة ومعقدة معها.


فالضغط على باكستان يمكن أن يكون من خلال:


- تعليق عملية الحوار الشامل مع الهند، ووقف إجراءات بناء الثقة حتى تضمن الهند تعاون باكستان معها في التحقيق.


- تعتقد مصادر في الخارجية أن عملية السلام مستمرة، وليس هناك إشارات من الهند تضاد ذلك، وإن كان لا يوجد أي موعد للقاءات قريبة بين مسؤولي الطرفين.


- توقف كل الزيارات بين البلدين باستثناء ما يخص هجمات مومباي.


- تقليص حركة الحافلات والتجارة على خط المراقبة بين البلدين، وربما إغلاق نقاط العبور المقامة مؤقتاً هناك.


وبالمقابل ستلجأ باكستان إلى إرسال فريق أمني استخباراتي للتعاون مع نظرائهم الهنود، وبالتالي ستنشط دبلوماسية المسار الثاني الخفية لإعادة العلاقات إلى طبيعتها ما قبل هجمات مومباي.