أحداث عاشوراء الإيرانية.. ملاحظات ودلالات المستقبل

كلما تدحرجت أكثر كرة الأحداث في إيران، كلما ساهمت في رسم ملامح أيديولوجيا جديدة للمعارضة، حيث اتجهت مطالب المحتجين في أحداث عاشوراء الأخيرة نحو تعديل مبدأ ولاية الفقيه بوضوح، وبالتالي أدخلت هوية النظام في الصراع السياسي من أوسع أبوابه
31 December 2009








 


مركز الجزيرة للدراسات
28 ديسمبر/كانون الأول 2009


تطورت الأحداث في إيران بعد أن صعدت الحركة الاحتجاجية من أعمالها مستفيدة من مناسبتين، أولاهما التعبئة النفسية التي ارتفعت بعد جنازة المرجع الشيعي حسين منتظري الأب الروحي لدعوة تغيير مبدأ ولاية الفقيه من ولاية مطلقة إلى ولاية دستورية مقيدة، وثانيتهما مناسبة عاشوراء، التي تعتبر طقسا دينيا شعبيا لا تحتاج الجماهير فيه إلى رخصة لإقامة تجمعات عامة، وهو ما ترفض السلطات الإيرانية منحه للحركة الاحتجاجية. وهكذا تعتبر هذه الأحداث محطة في سلسلة محطات تصاعدية المسار بادرت إليها المعارضة الإيرانية منذ تجديد انتخاب أحمدي نجاد.


- الحدث ملاحظات ودلالات
- الحل الممكن


الحدث: ملاحظات ودلالات






من وحي هذه الأحداث التي اندلعت في الأيام الأخيرة يمكن تسجيل الملاحظات التالية:


1- أظهرت هذه الأحداث أن الحركة الاحتجاجية تملك القدرة على المبادرة وتحدي الحكم، فالاحتجاجات الأخيرة جاءت بإعداد مسبق من تيار الإصلاحيين ولم تكن مجرد رد فعل عفوي.


2- لا تزال الطبقة الوسطى هي الحامل الرئيسي للحركة الاحتجاجية حتى الآن، وإن كانت السلطات مازالت تقول بوجود عناصر معادية من المعارضة الإيرانية في الخارج تقف خلف هذه التحركات الاحتجاجية.


3- أحداث عاشوراء بدأت شبيهة بما سبقها، ولكنها شهدت تطورا في الشعارات التي أصبحت تهاجم ولاية الفقيه والمرشد علانية، ولم تعد تقتصر على مهاجمة الرئيس أحمدي نجاد، وهي إلى جانب ذلك تهتف مؤيدة لمير حسين موسوي زعيم التيار الإصلاحي.


4- حملت الحركة الاحتجاجية مطلب تغيير مبدأ ولاية الفقيه بوضوح، بل أصبح هذا المطلب يمثل الأولوية في احتجاجاتها الآن، بينما في السابق كانت الاحتجاجات متعلقة بالبعد الانتخابي أساسا أكثر من سواه، وكانت تتركز على أحمدي نجاد وليس على المرشد كما هي الآن.





هناك توقعات مفادها أن المرشد يتجه نحو تسوية الأمر على طريقته الخاصة، خاصة وأنه أبعد رفسنجاني عن دائرة استشارته حول التعامل مع هذه الأزمة، ما يدل على أن التفاوض ليس أحد خياراته في المرحلة الراهنة
5- وقوع قتلى أكثر من المواجهات السابقة رغم أن رواية السلطة لا تزال على حالها والتي تقول بوجود أطراف "خفية" تقوم بأعمال التخريب والقتل، ورغم أن المؤسسة العسكرية والحرس الثوري لم يصدرا إلى حد الآن أي وعيد أو بيان ضد المحتجين كما كان الأمر سابقا. مع الإشارة هنا إلى أن السلطة تتهم الحركة الاحتجاجية بأنها تتعطش لسقوط ضحايا في صفوفها باعتبار أن بعض أطيافها يقولون "لا إصلاح بلا دماء".

6- أظهرت الاحتجاجات الأخيرة قدرة مير حسين موسوي زعيم التيار الإصلاحي على تحريك الشارع من خلال البيانات التي يصدرها والتي وصلت إلى الرقم 15 إلى حد الآن. فهذه البيانات تحدد وجهة التصعيد ومناسبته ووقته وإن كان ذلك عن طريق الإشارة والإيحاء وليس عن طريق الدعوة الصريحة والواضحة، فآخر بيان له كان قد حذر السلطات من تصاعد الأعمال الاحتجاجية أيام عاشوراء، وهو ما تم ترجمته فعلا في الأحداث الأخيرة على الأرض.


تداعيات ودلالات
1- أظهرت الأحداث الأخيرة أن السلطة الإيرانية لا تملك حتى الآن خيارات أو أساليب  جديدة في التعامل مع المحتجين، الأمر الذي قد يقرأه البعض على أنه جاء نتيجة ارتباك السلطة، أو لأنها تشهد خلافات حول أسلوب التعامل مع هذه الأزمة. وهذا ينطبق على المؤسسة العسكرية التي قلصت من حضورها السياسي في التعامل مع المحتجين واقتصرت على القيام بدورها الأمني، أي مواجهة الاحتجاجات بصمت.


2- تدل الأحداث الأخيرة على أن مير حسين موسوي هو الزعيم الأبرز للحركة الاحتجاجية في هذه المرحلة، وإن كان هناك شخصيات أخرى ذات وزن كبير إلى جانبه.


3- مع وفاة آية الله منتظري بدأت المطالبات بتغيير "طبيعة ولاية الفقيه" السارية في الحكم من ولاية مطلقة إلى ولاية دستورية، وأخذت هذه المطالبة تكتمل وتتضح أكثر فأكثر بوصفها أحد المطالب الأساسية للمعارضة. وهكذا أصبح منتظري من قبره أحد الرموز التي يتظلل بها المحتجون في هذا الشأن، على نحو ما أظهرته  المواجهات الأخيرة.


4- هناك توقعات مفادها أن المرشد يتجه نحو تسوية الأمر على طريقته الخاصة، خاصة وأنه أبعد رفسنجاني عن دائرة استشارته حول التعامل مع هذه الأزمة، ما يدل على أن التفاوض ليس أحد خياراته في المرحلة الراهنة.


مستقبل الأزمة والحل الممكن






كل ما هو قائم يشير إلى إمكانية مزيد التصعيد، مع توقعات بإمكانية أن يعود كل فريق إلى التفكير بالمسار الذي التزمه حتى الآن. مع العلم بأن التصعيد الأخير كان نوعيا، وقد بلغ مسار الأحداث  مرحلة متقدمة قد تذهب بكل فرص التهدئة أو حل الأزمة.


وفي حال استمرار الأزمة مفتوحة فإن أوساطا قريبة من المحافظين ومن السلطة تقول بأن السلطات لن تلجأ إلى القوة أبدا، وأنها ستستعمل الشارع والفتوى ورجال الدين في مواجهة المحتجين وأن الأكثرية معها، وأن هناك تحضيرات تجري على قدم وساق للجوء إلى هذا الخيار.


ومن جهة أخرى هناك إقرار من الطرفين بأن فرص الحل لا زالت ممكنة وأن هناك شخصيات لا تزال تملك القدرة نسبيا على التوسط باتجاه الحل وعلى رأسها رفسنجاني، وذلك رغم كل ما تعرض له من أوصاف مسيئة في العرف الإيراني أو الإسلامي (وصف من المحافظين بمعاوية العصر، زعيم الفتنة، قارون العصر)، حيث لا تزال هناك شريحة من المحافظين ترى في رفسنجاني أحد السبل الممكنة لإيجاد الحل، مثل علي  لاريجاني رئيس البرلمان، ومهدوي قني الأب السياسي لجمعية المناضلين (المحافظة)، كما أن المعارضة ستقبل به وسيطا ومن دون تردد.


والملاحظ في هذا الصدد أن رفسنجاني قد ابتعد عن المشهد السياسي بذريعة أنه غير راض عن الوضع القائم برمته، مع تأكيد من بعض العارفين به، بأن لديه انطباعا بأن الجميع سيعودون إليه لمعالجة الأزمة. وقد نقل عنه ما معناه: "لن أتدخل في الأزمة لأنني في مؤسستين هامتين في النظام (مجلس خبراء القيادة، ومصلحة تشخيص النظام) وما عندي فقد قلته في آخر خطبة جمعة لي بعد الأزمة، ولم يأخذوا بكلامي".
 
والمحافظون عموما لن يردوا وساطة رفسنجاني في حال عاد واقترب من المرشد كما كان شأنه في السابق وليس على ما هو عليه حاله اليوم، أو إذا ألجأتهم الضرورة لمثل هذه الوساطة، وكلا الحالين يظلان ممكنين.


ومن بين المرشحين الآخرين المحتملين للعب دور في التوسط لحل الأزمة الرئيس السابق محمد خاتمي،  ورغم أنه يظل في الموقع القيادي للتيار الإصلاحي إلا أنه لم يقطع صلاته بمؤسسات الحكم،  ومازال يقوم  بمحاولة تهدئة الأمور وتقريب وجهات النظر. إلا أن هناك من يتهمه في ولائه لمبدأ ولاية الفقيه، لذلك فإن قيامه بهذا الدور يظل منوطا بأدائه في المرحلة المقبلة، أي بعد أن يحدد موقعه من النظام وهويته العامة، وبالتالي فهو لا يزال أحد المرشحين المحتملين للقيام بهذا الدور مستقبلا ولكن ليس راهنا.


الحل الممكن



يرى المتمسكون بدور الحرس الثوري في الحياة السياسية الإيرانية أن ما نهي عنه الحرس هو أن يرجح كفة فئة سياسية على حساب أخرى، أو أن يخل بالتوازن السياسي في البلاد، وأن فصله عن الحياة السياسية فهو أمر غير ممكن
وبالنسبة لكيفية الحل فإن الصورة الكاملة لم تتضح حتى الآن، ولكن يمكن القول بأن الأحداث الأخيرة قد أعطت المحتجين الفرصة لتعزيز بعض مطالبهم والتي أصبح من الممكن وصفها بالمحورية، سواء في تأجيج الأزمة أو في إمكانية إيجاد الحل. وفي حال قبول السلطة بفتح قناة التفاوض مع المحتجين فإن هذه المطالب ستنحصر في ثلاث نقاط رئيسية: نزاهة الانتخابات، تقليص دور العسكر في السياسة، التزام الولي الفقيه بصلاحياته المنصوص عليها في الدستور وعدم تجاوزها.

1- نزاهة الانتخابات: المعارضة تطالب بإيجاد آلية أو هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة، وأن تكون بعيدة عن الضغوط من بقية الأجهزة والسلطات. والسلطات الإيرانية تجيب على ذلك بأن هناك مؤسسات تراقب الانتخابات وأن كل المطالب يجب أن تمر عبر المؤسسات الدستورية وهي متاحة للجميع.


2- تقليص نفوذ العسكر والحد من تدخلهم -لاسيما الحرس الثوري- في الحياة السياسية، والتشديد هنا على أن ما تطالب به المعارضة هو ما نص عليه الإمام الخميني مؤسس النظام في وصيته.


ويرد المتمسكون بدور الحرس الثوري في الحياة السياسية الإيرانية بالقول إن ما نهي عنه الحرس هو أن يرجح كفة فئة سياسية على حساب أخرى، أو أن يخل بالتوازن السياسي في البلاد، أما فصله عن الحياة السياسية فهو أمر غير ممكن بسبب طبيعة النظام الذي ينتمي إليه. وبعبارة أخرى وفق الرافضين، فإن هذا المطلب لا يستقيم مع دولة تحكم بنظام ولاية الفقيه إنما يصلح مع الأنظمة العادية، حيث لا يكون للحرس الثوري أو ما يماثله وظيفة سياسية.


في حين أن وظيفة الحرس الثوري كما تنص على ذلك قوانين الجمهورية الإسلامية هي حماية نظام الولي الفقيه من المتآمرين عليه في الداخل والخارج، وهذه المهمة لا تتحقق بإخراجه تماما من الدائرة السياسية.


3- المطلب الثالث هو حصر سلطات الولي الفقيه وصلاحياته بما نص عليها الدستور، وهو ما يقابله المعترضون بالقول بأن هناك مجلس خبراء القيادة مناط به الإشراف على أداء المرشد وفق الصلاحيات المعطاة له، وأن أي مطالبة بتفعيل دور المجلس أمر ممكن، أما ما عدا ذلك فلا شرعية له.


وفي الختام يمكن القول بأن كرة الأحداث كلما تدحرجت أكثر كلما ساهمت في رسم ملامح أيديولوجيا جديدة للمعارضة. فهذه الأحداث الأخيرة اتجهت مطالبها نحو تعديل مبدأ ولاية الفقيه بوضوح، ومن ثم أدخلت هوية النظام في الصراع السياسي من أوسع أبوابه.


وهناك من يرى أن هذه التطورات في الداخل الإيراني إنما جاءت نتيجة للضغوط الخارجية، ومما يؤكد ذلك أن بعض الجهات المخالفة للتيار الإصلاحي تتهمه بأنه يخفي نواياه فيما يخص مستقبل النظام الإيراني القائم، وأن الإصلاحيين بدافع الولاء أو الخوف من الخارج يريدون التضحية بولاية الفقيه للحفاظ على إيران الجمهورية بصبغة إسلامية ظاهرية، أي  إيران القومية المغلفة بغطاء إسلامي بدل إيران القائمة على الأيديولوجيا الشيعية الأممية.


انتهى.