حوار الحركات الإسلامية مع الغرب

ناقشت الندوة الثلاثين لمركز الجزيرة للدراسات دعوة الغرب إلى فتح حوار مباشر مع الحركات الإسلامية، ودوافع الغرب من هذه الدعوة، ومعيقات الحوار بين الطرفين ومآلاته، وانتهت إلى استعداد الحركات الإسلامية للحوار من منطلق قوة، وعلى الغرب التخلي عن شروطه المسبقة.
10 August 2009







من اليسار: د. إبراهيم الموسوي، أسامة حمدان، د. عمرو حمزاوي، د. مصطفى المرابط (الجزيرة نت-أرشيف)

مركز الجزيرة للدراسات


عرفت الآونة الأخيرة تطورات مهمة فيما يخص العلاقة بين الغرب والحركات الإسلامية، تتمثل أساسا في الدعوة إلى فتح حوار مباشر بين الطرفين، بعد سنوات من القطيعة والتجاهل والعداء المتبادل، وقد انطلقت هذه الدعوة بادئ الأمر من طرف بعض المراكز البحثية والمؤسسات الإعلامية، وما فتئت أن تحولت إلى توجه عام تتبناه بعض الدول الغربية على مستوى الخطاب على الأقل.





يمثل الصراع العربي الإسرائيلي وتحول الحركات الإسلامية إلى عناصر فاعلة في إدارة هذا الصراع عاملا رئيسيا لدعوة الغرب الحركات الإسلامية إلى الحوار.
لا أحد يشك في أهمية هذه الدعوة وفي ضرورتها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الصعود المتنامي للحركات الإسلامية في مختلف مناحي الرقعة الإسلامية، فضلا عن التطورات السياسية والإستراتيجية والأمنية التي تعرفها مناطق الاحتكاك بين العالم العربي والإسلامي والغرب من جهة (العراق، لبنان، فلسطين، أفغانستان، باكستان، إيران، السودان، الصومال...).

ومن جهة أخرى تنامي الوعي عبر العالم بضرورة إشراك كل القوى الفاعلة في إيجاد مخرج للمأزق التاريخي الذي يعيشه النظام الدولي (طبيعة النظام الدولي، إصلاح مؤسساته، النظام الاقتصادي، الديمقراطية وحقوق الإنسان، البيئة ومعضلات التنمية وغيرها).


فما هي الخلفيات التي تقف خلف مساعي الحوار بين الغرب والحركات الإسلامية؟ وما هي الأسباب والدوافع وراء مبادرة الغرب إلى فتح حوار مع الحركات الإسلامية؟ وهل هنالك إرادة جدية لفتح جسور حوار متكافئ فعلا أم  مجرد محاولة للالتفاف على القوى الإسلامية واحتوائها عبر التلويح بالحوار والتفاوض؟


ما هي تصورات ومواقف كل طرف من مبادرة الحوار؟ وما هي الملفات ذات الأولوية في هذا الحوار لدى كلا الطرفين، وما مداخله؟ هل هناك معيقات تهدد مبادرة الحوار بالفشل؟ وما هو مستقبل مبادرة الحوار بين الغرب والحركات الإسلامية وآفاقها؟


هذه الأسئلة وغيرها ناقشتها الندوة الشهرية الثلاثين لمركز الجزيرة للدراسات التي عقدت في 3 يونيو/ حزيران 2009 تحت عنوان "حوار الحركات الإسلامية مع الغرب: مناورة سياسية أو تحول إستراتيجي؟"، وأدارها الدكتور مصطفى المرابط مدير المركز، وشارك فيها:



  • د. إبراهيم الموسوي (مسؤول العلاقات الإعلامية بحزب الله).
  • أسامة حمدان (قيادي في حركة حماس).
  • د. عمرو حمزاوي (كبير الباحثين في معهد كارنيجي للسلام). 
  • أليستر كروك (مدير ومؤسس "منتدى الصراعات" والمستشار السابق للاتحاد الأوروبي لشؤون الشرق الأوسط).

دوافع الغرب للحوار مع الحركات الإسلامية
معيقات الحوار ومآلاته


دوافع الغرب للحوار مع الحركات الإسلامية 


طرح المشاركون عدة أسباب ووجهات نظر أدت إلى اتجاه الغرب للحوار مع الحركات الإسلامية، ومن تلك الرؤى:


خلفية تاريخية للحوار
1- دفعت الفاعلية السياسية والاجتماعية المتنامية للتيارات الإسلامية في العالم العربي منذ نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية سبعينياته الغرب الحكومي وغير الحكومي إلى الاقتناع بجدوى الحوار مع تلك التيارات والحركات. فالحركات الإسلامية حاضرة بقوة في مجتمعاتها، وتتمتع بولاء قطاعات واسعة من المواطنين، وتحولت تلك الحركات تصاعديا إلى حركات المعارضة الأهم في العالم العربي بما يجعل من تجاهلها أو محاولة إقصائها نهائيا من المعادلة السياسية خيارا فاشلا.


ووجد الغرب نفسه أمام مشهد سياسي مجتمعي عربي يزخر بحركات إسلامية فاعلة لا يملك الغرب تجاهلها لأن له مصالح خاصة في الرقعة العربية الإسلامية لا يمكن التفريط فيها.


2- الفاعلية الإقليمية المتنامية للحركات الإسلامية مع الغرب، خاصة في السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق، فضلا عن لبنان وفلسطين وغيرها.


3- قد تكون هناك علاقة بين انتصار الثورة في إيران وطبيعتها الإسلامية وبين تحول الغرب من موقفه السلبي الرافض للحوار مع الحركات الإسلامية إلى المبادرة بفتح جسور الحوار، حيث شعر الغرب أن المنطقة بدأت بالتحول  نحو الاتجاه الإسلامي، مما يهدد أهم مصلحة للغرب في المنطقة وهي وجود إسرائيل وبقائها.


الأسباب والدوافع



الدافع الأساسي لدعوة الغرب للحوار هو تحقيق مصالح سياسية وليس تغيرا إستراتيجيا أو من باب الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية.
4- الدافع الأساسي لدعوة الغرب للحوار هو تحقيق مصالح سياسية وليس تغيرا إستراتيجيا أو من باب الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية. فهو يسعى للحوار إما من أجل ضمان أبواب خلفية تحسبا لأي مفاجآت سياسية أو من أجل احتواء الحركات الإسلامية والحد من تأثيرها.

5- قناعة الغرب بأن قوة الإسلاميين في الميدان تفرض الحوار معهم، وأن المستقبل في الدول والمنطقة العربية هو للإسلاميين، ولابد للغرب من التفاهم مع الإسلاميين قبل وصولهم إلى السلطة.


6- فشل الغرب في القضاء على حزب الله وحماس وإبادتهما، وقناعته باستحالة الحل العسكري، فجاء الحوار للاستعاضة عما فشل في تحقيقه بقوة السلاح.


7- يمثل الصراع العربي الإسرائيلي وتحول الحركات الإسلامية إلى عناصر فاعلة في إدارة هذا الصراع عاملا رئيسيا لدعوة الغرب الحركات الإسلامية إلى الحوار.


8- ظهور فريق إسلامي عنفي يرفض الحوار مع الغرب ويعلن الحرب عليه ويرى الحل في تدمير هذا النظام العالمي الذي يقيم منظومة ظالمة للمنطقة ولمصالح شعوبها، وعبر هذا الفريق عن نفسه في أحداث متعاقبة ضد مصالح غربية داخل دوله أو خارجها، ما أشعر الغرب أن هذا النمط من السلوك ربما يصبح جاذباً مع الوقت لبعض القطاعات من الشباب الإسلامي الغاضب، بما دفع بعض دوائر التفكير والقرار الغربيين  للبحث عن آليات للحوار مع حركات إسلامية أقدر على التفاهم مع الغرب، وفي نفس الوقت مقبولة لدى شعوبها، ويمكن أن تترجم برامجها السياسية إلى برامج عملية في الواقع المعيش.


9- كلما كانت العلاقة بين الحركة الإسلامية المعنية وبين نظام الحكم في الدولة العربية علاقة استقطابية وكان هناك تنافس مباشر وعلاقة استبدالية بين الطرفين، كلما ارتفعت حساسية الغرب وزادت مخاوفه من الحوار، خاصة عندما يكون نظام الحكم المعني حليفا للغرب.


ازدواجية ونفاق






أسامة حمدان (يمين)، ود. إبراهيم الموسوي (الجزيرة نت-أرشيف)
وأجمع المشاركون على أن الحوار مع الغرب لا زال في البدايات ومقتصرا على مؤسسات الرأي ومراكز الأبحاث والدراسات أو عبر سفراء سابقين، ولكنه لم يصل إلى حوار حقيقي ومعلن  تتقدم به حكومة غربية بشفافية.

ويذهب أحد الآراء إلى أنه لا يوجد حوار حقيقي بين الغرب والحركات الإسلامية، وذلك لأن الغرب يتعامل بـ "الازدواجية والنفاق"، ووضع نفسه منذ البداية في موقع العداء والخصومة مع تلك الحركات بدعمه الواضح والمعلن لإسرائيل، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي القضية الأساسية والجوهرية بين الحركات الإسلامية والغرب، وهو يتراجع عن الحوار عند أدنى إشارة أميركية، ويضع شروطا عديدة.


ويتطلب الوصول إلى نتيجة إيجابية بين الطرفين تحضيرات كبيرة، ولكن الواقع يسير في اتجاه عكسي للتحضيرات، فازدواجية الولايات المتحدة واضحة في تحالفها مع إسرائيل، وهي تعادي إيران ولم تفتح قنوات للحوار معها أو مع سوريا.


معيقات الحوار ومآلاته 


اتفق الجميع على استعدادهم وانفتاحهم من حيث المبدأ على الحوار مع الغرب، وأكدوا على أن قبولهم ينطلق من موقع قوة وتمسك بالقضية الفلسطينية، وليس من موقع تهديد أو ترغيب.


وأوضحوا أن الشروط المسبقة التي يفرضها الغرب على الحركات الإسلامية تهدف إلى منع الحوار وليس استمراره، وأهمها الإصرار على اعتراف الحركات الإسلامية بالاحتلال الإسرائيلي وتخليها عن عامل المقاومة.


وإن أراد الغرب الحوار مع الإسلاميين فعليه:



  1. التعامل مع الحركات الإسلامية من منطق المكافأة والندية وليس من منطق السيد والعبد.


  2. إدراك أن هناك واقعا عليه التعامل معه اليوم قبل أن يجد نفسه مجبرا على التعامل معه غدا.


  3. فهم أن هناك حدودا للمنطقة العربية والإسلامية ولمجتمعاتها، وبالتالي لا يجب أن يضغط باتجاه الاعتراف بالكيان الصهيوني في المنطقة.





  4. الشروط المسبقة التي يفرضها الغرب على الحركات الإسلامية تهدف إلى منع الحوار وليس استمراره، وأهمها الإصرار على اعتراف الحركات الإسلامية بالاحتلال الإسرائيلي وتخليها عن عامل المقاومة.
    إدخال الحركة التي تحظى بمصداقية وشرعية بين شعبها إلى العملية السلمية بغض النظر عن وجود أطراف مسلحة لتلك الحركة.


  5. بناء ترتيبات تبادل الثقة، والبدء في محاولة فهم ما يقوله الطرف الآخر، وفهم الأفكار التي تكمن وراء ما يقوله.


  6. تخلي الغرب عن ممارسة المعايير المزدوجة والاعتراف بالواقع كما هو، فقد حاولت الولايات المتحدة دفع العالم ككل إلى عدم الاعتراف بانتصار حماس في انتخابات هي الأكثر نزاهة في العالم بشهادة مراقبين دوليين وعرب وفلسطينيين.


  7. عدم تغليب المصالح على المبادئ التي ينادي بها الغرب والتي غالبا ما يتم خرقها وتجاوزها انطلاقا من لعبة المصالح.


  8. التدرج في الحوار، وتقديم مقاربة شاملة تنظر إلى عموم القضايا والهموم التي تطرحها الحركات الإسلامية.

باختصار، لم ينظر المشاركون نظرة تشاؤمية لمستقبل الحوار فالغرب له برجماتية شديدة عندما يتعلق الأمر بمصالح إقليمية ومصالح إستراتيجية قوية، كما أنهم لم يرفضوا الحوار من حيث المبدأ وإن أثاروا كثيرا من التحفظات حول السياسات الغربية إزاء التيارات الإسلامية،وعليه  توجد مساحات فعلية يستطيع الغرب استغلالها إن رغب  فعلا في التفاهم مع الحركات الإسلامية التي باتت تمثل حركات رئيسية في مجتمعاتها ولا يمكن تخطيها أو شطبها بسياسات أمنية أو عنفية.


وإذا  أراد الغرب الدخول في حوار جدي  فيجب عليه الاستماع للطرف الآخر، إضافة إلى قراءة سلوك الإسلاميين قراءة صحيحة، وعدم قياسها على تجارب تنظيمات سابقة.
_______________
النص خلاصة لما ورد في الندوة ولا يعبر بالضرورة عن رأي آحاد المشاركين فيها أو مجموعهم.