أفغانستان ساحة حرب بالوكالة بين الهند وباكستان

تُعتبر أفغانستان عنصرًا إستراتيجيًا مهمًا لكل من الهند وباكستان في المنطقة، ويُعد الهجوم الذي استهدف الفنادق التي تُؤْوِي العمال الهنود في كابول يوم 26 فبراير/شباط 2010 أحد مظاهر الحرب بالوكالة بين البلدين، والتي تجري وقائعها على الأرض الأفغانية.







 

رامناندا سينجوبتا


تُعتبر أفغانستان عنصرًا إستراتيجيًا مهمًا لكل من الهند وباكستان في المنطقة، ويُعد الهجوم الذي استهدف  الفنادق التي تُؤْوِي العمال الهنود في كابول يوم 26 فبراير/شباط 2010 أحد مظاهر الحرب بالوكالة بين البلدين، والتي تجري وقائعها على الأرض الأفغانية. مع الإشارة إلى أن هذا الهجوم هو الرابع من نوعه الذي يستهدف المصالح الهندية في أفغانستان منذ يوليو/تموز 2008.





الولايات المتحدة لا تريد لأي شيء أن يصرف انتباه باكستان عن حربها ضد حركة طالبان التي حشدت أغلب عناصرها في الأقاليم الحدودية المتاخمة لأفغانستان.
وقد عملت أفغانستان -قبل يوم واحد من وقوع الهجوم الأخير- على عقد اجتماع بين وزيري الخارجية الهندي والباكستاني في دلهي، وهو الأول من نوعه بين الهند وباكستان منذ هجمات مومباي التي حدثت في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، لكن الطرفين لم يعترفا بالطابع الرسمي للقاء، وقالا: إنه لا يعدو أن يكون لقاءً خاصًا حول قضية ذات اهتمام مشترك.

ورغم هذا الإعلان فإن واشنطن أخذت تمارس ضغوطًا كبيرة على إسلام آباد ونيودلهي لاستئناف المحادثات بينهما؛ لأن أي نزاع بين البلدين يؤثر بشكل مباشر على الحملة الأميركية الجارية في المنطقة الحدودية الأفغانية الباكستانية المسماة "أف-باك".


فالولايات المتحدة لا تريد لأي شيء أن يصرف انتباه باكستان عن حربها ضد حركة طالبان التي حشدت أغلب عناصرها في الأقاليم الحدودية المتاخمة لأفغانستان. ويُصرّ مسؤولو الجيش والمخابرات الأميركيين على أن المناطق القَبَلية الباكستانية الموجودة على طول الحدود الأفغانية تُستخدم من قِبَل حركة طالبان والقاعدة لشن هجمات في أفغانستان، ويعتقدون أن تعاون باكستان في مراقبة هذه المنطقة يعد أمرًا حاسمًا لكسب الحرب في أفغانستان.


تنبع أهمية أفغانستان من موقعها الجغرافي المتميز؛ فمن يحكم هذا البلد يسيطر ضرورةً على الطرق البرية بين إيران غربًا، ودول آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية (تركمنستان وأوزبكستان وطاجكستان) شمالاً، وجنوب آسيا شرقًا.


كما أن موقع البلاد الجغرافي قد صنع لشعبها تاريخًا طويلاً من المواجهة مع الأمم التي حاولت السيطرة عليها، وألحق الفشل بمعظم محاولات السيطرة هذه؛ فقد لعبت بريطانيا وروسيا أدوارا رئيسية من التدخل في أفغانستان وهي ما بات يوصف اليوم بـ"اللعبة الكبيرة"؛ وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين كما شهد هذا البلد أيضا عقدًا من الحكم السوفيتي إضافة إلى ست سنوات من حكم طالبان.


فأفغانستان كانت الجارة الغربية للهند البريطانية -قبل التقسيم أي قبل استقلال الهند عام 1947 ونشأة باكستان بعد الانفصال عنها-، وكان البشتون -وهم سكان الإقليم الحدودي الشمالي الغربي الذين يعيشون الآن في المنطقة التي تُعرف بمنطقة "أف-باك"- قد شاركوا بشكل كبير في حركة تحرير الهند.


ورغم الفاصل الجغرافي المتمثل في باكستان -والتي منعت باستمرار مرور البضائع المتوجهة أو القادمة من الهند إلى أفغانستان أو العكس- فقد كانت العلاقة بين نيودلهي وكابول متينة عمومًا، ما عدا الفترة التي حكمت فيها حركة طالبان المدعومة من قِبل باكستان، من سنة 1996 إلى 2001.


كانت الهند قبل ذلك تتمتع بعلاقات اجتماعية وثقافية واقتصادية جيدة مع مختلف الحكومات في كابول، بما في ذلك الأنظمة المدعومة من الاتحاد السوفيتي؛ فقد كانت منتجات الشال والسجاد والفواكه المجففة الأفغانية متوفرة في جميع أنحاء الهند، في حين أن الأفلام الهندية ونجومها السينمائيين كانوا -ولا يزالون- جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الأفغانية. وبعد انسحاب السوفيت سنة 1989 من البلاد، أيدت نيودلهي نظام محمد نجيب الله الذي كان الكثيرون يعتبرونه دمية في أيدي السوفيت.


لكن أعقب ذلك اندلاع الحرب الأهلية، ثم استيلاء حركة طالبان على الحكم في كابول، في حين دعمت الهند -سرًّا وعلنًا- التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود، الذي تمسك بشكل عنيد بقطعة صغيرة من شمال شرق أفغانستان، وأمدَّته الهند بمساعدات تناهز السبعين مليون دولار أميركي، كما قدمت للتحالف طائرتي هليكوبتر للشحن الثقيل ومساعدات طبية وغيرها من المساعدات الأخرى.





تنبع أهمية أفغانستان من موقعها الجغرافي المتميز؛ فمن يحكم هذا البلد يسيطر ضرورةً على الطرق البرية بين إيران غربًا، ودول آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية (تركمنستان وأوزبكستان وطاجكستان) شمالاً، وجنوب آسيا شرقًا.
قُتل أحمد شاه مسعود في 9 سبتمبر/أيلول 2001 على يد نشطاء يعتقد أنهم بالقاعدة انتحلوا صفة صحفيين، وبعد ذلك بيومين فقط أي في 11 سبتمبر/أيلول كانت التفجيرات الشهيرة في أميركا، والتي أعقبتها الحملة الأميركية على أفغانستان (عملية الحرية الدائمة) والتي شكَّلت تحالفًا دوليًّا ضد حركة طالبان التي يقودها الملا عمر، والقاعدة التي يتزعمها أسامة بن لادن.

ورغم أن قوة نيران هذا التحالف واسعة النطاق قد أجبرت حركة طالبان على الخروج من كابول؛ فإن ابن لادن والملا عمر مازالا طليقين. وسرعان ما تم عقد اجتماع بين زعماء القبائل الأفغانية، تحت رعاية الأمم المتحدة، لاختيار زعيم جديد لأفغانستان.


وتم تنصيب حامد كرزاي -الذي كان قد أكمل دراسته بالهند- رئيسًا مؤقتًا، ثم فيما بعد الرئيس الرسمي لأفغانستان، وانفتحت أفغانستان مرة أخرى على الهند، بل إن العديد من المسؤولين في إدارة كرزاي هم من أشد المناصرين للهند ويتهمون باكستان بإيواء وتمويل ما تبقى من قيادة حركة طالبان. ومن جانبها فقد سارعت نيودلهي إلى ضخ كميات من المساعدات لأفغانستان، إسهامًا منها في "إعادة إعمار البلد الذي مزقته الحرب"، بينما وقفت باكستان عاجزةً وأعلنت تبرؤها من طالبان "بسبب الضغوط الأميركية عليها".


وقدمت الهند لأفغانستان طائرات في محاولة لإعادة إحياء شركة الخطوط الجوية أريانا، وأسهمت في بناء الطرق، والمدارس، والمستشفيات، وشبكات الكهرباء والاتصال. كما أنها تدرب الدبلوماسيين الأفغان إلى جانب ضباط الجيش، ورجال الشرطة، والموظفين الإداريين، ورجال الأعمال. بالإضافة إلى ذلك فإن المبلغ الذي تعهدت به الهند لإعادة إعمار أفغانستان، والمتمثل في 1,2 مليار دولار أميركي، قد جعل منها أكبر الجهات المانحة للبلاد، في حين لم تظهر باكستان على قائمة المانحين العشرة الأوائل.


ولا شك أن وجود حكومة أفغانية مؤيدة لنيودلهي في كابول تعمل على تجديد العلاقات مع الهند الخصم اللدود لباكستان، أسهم في رفع حالة الطوارئ لدى إسلام آباد التي عادة ما تنظر إلى أفغانستان على أنها حديقتها الخلفية. أما الهند، فقد دأبت من جانبها على اتهام الاستخبارات الباكستانية باستغلال "المتطرفين الإسلاميين" من أجل إثارة الاضطرابات في إقليم كشمير المتنازَع عليه، في الوقت نفسه الذي تواصل فيه دعم حركة طالبان من أجل وقف النفوذ الهندي في أفغانستان.


وكذلك تبدو باكستان قلقة من النشاط الدبلوماسي الهندي لاسيما إقامتها لأربع قنصليات هندية في مدن هيرات، وجلال أباد، وقندهار، ومزار الشريف –بالإضافة طبعًا إلى سفارة نيودلهي في كابول-. وتعتقد إسلام آباد أن الهند تستخدم بعثاتها الدبلوماسية لإثارة الاضطرابات بالمناطق الحدودية لبلوشستان والمناطق القبلية وإقليم الحدود الشمالية الغربية، حتى إن بعض المسؤولين الباكستانيين اتهموا الهند بطباعة وترويج عملة باكستانية مزيفة، بالإضافة إلى تجنيد أفغان للقيام بأعمال سرية في باكستان. غير أن الهند تنفي كل هذه الاتهامات، مؤكدة أن الأمر يعود للحكومة بكابول في تقرير عدد البعثات الهندية أو غيرها التي يمكن أن تقام في أفغانستان، معللة ذلك بأن تلك البعثات تعمل على تسهيل عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار التي تقوم بها في أفغانستان.


وتتهم الهند بدورها باكستان بالهجمات المتكررة على هذه القنصليات وعلى سفارتها في كابول؛ حيث تعرضت هذه القنصليات لهجمات بالقنابل اليدوية، إضافة إلى هجمات استهدفت عمال الإغاثة الهنود. كما تعرضت سفارة الهند بكابول في 7 يوليو/تموز 2008 "لهجوم انتحاري" لقي نتيجته 58 شخصًا مصرعهم -من بينهم أربعة هنود- وأصيب 141 آخرون على الأقل. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2009 تعرضت السفارة لهجوم مماثل قُتل نتيجته 17 شخصًا، وأصيب 63 آخرون لكن خارج الجدار المحيط بالسفارة. وبعد ذلك بشهرين، وبالضبط في 15 ديسمبر/كانون الأول، هاجم "انتحاري" آخر فندق هيتال الكائن بحي وزير أكبر خان، قرب بيت ضيافة كان يُؤوي 40 هنديًا يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث لقي ثمانية أشخاص -بمن فيهم خمسة هنود- حتفهم، في حين أصيب خمسة آخرون بجروح.


ومن جهة أخرى تبدو باكستان قلقة أيضًا من الطريق الرابط بين زارانج وديلارام البالغة مسافته 218 كيلومترًا، الذي أنشأته هيئة الطرق الحدودية الهندية، واستطاعت أن تتم إنجازه في يناير/كانون الثاني 2009 رغم الهجمات الصاروخية المتعددة التي كانت تهدف لوقف تنفيذ المشروع. فهذا الطريق يرتبط بميناء شاباهار الإيراني، وبالتالي فإنه سيقلص من اعتماد أفغانستان شبه الكلي على الميناءين الباكستانيين: كراتشي وجوادار، وهذا الأخير بناه الصينيون الذين ينافسون للحصول على مكان إستراتيجي بالمنطقة.


وعلى كل فإن هناك حوالي 4000 عامل هندي وموظف أمن يعملون في مشاريع مختلفة تتعلق بإغاثة وإعادة إعمار أفغانستان، كما أن هناك 500 عضو من شرطة الحدود الهندية-التبتية قامت الهند بنشرهم في أعقاب سلسلة الهجمات على المصالح الهندية في العام 2006، وذلك لحماية مصالحها بأفغانستان. ومن المرجح أن يكون هذا التواجد قد ارتفع بعد آخر هجوم على الفنادق التي تُؤوي العمال الهنود بكابول.





سارعت نيودلهي إلى ضخ كميات من المساعدات لأفغانستان، إسهامًا منها في "إعادة إعمار البلد الذي مزقته الحرب"، بينما وقفت باكستان عاجزةً وأعلنت تبرؤها من طالبان "بسبب الضغوط الأميركية عليها".
وقد كتب الصحفي الأميركي روبرت د. كابلان، في مناظرة إلكترونية بشأن حرب أميركا ضد الإرهاب في مجلة سليت؛ وذلك في شهر يناير/كانون الأول 2002، قائلاً: "لماذا يتدخل الباكستانيون في أفغانستان؟ لأنهم يريدون دولة أفغانية طيّعة تعمل على توفير عمق إستراتيجي لهم في صراعهم ضد الهند. ولذلك، فإن منع باكستان من جعل أفغانستان قاعدةً للتطرف في المستقبل سوف يتطلب مشاركةً مستمرةً للولايات المتحدة الأمريكية في إدارة التنافس الهندي الباكستاني".

وأضاف: "كما قلت، إن الفوضى في أفغانستان كانت المشكل الأقل مقارنةً "بالتطرف"؛ فتدخُّل الباكستانيين هناك كان ضروريًا بسبب التهديد الذي تتلقاه من الهند... أما بالنسبة للتنافس الهندي الباكستاني، فنحن بحاجة لأن نضع نصب أعيننا التالي: بالرغم من تصريحات الهند الرسمية، فإنها قد ترغب فعليًا في نظام متطرف في باكستان، يكون منبوذًا دوليًا وضعيفًا داخليًا. الذي تجد الهند صعوبةً أكثر في التعامل معه هو في الواقع حكومة قوية في باكستان تقمع "المتطرفين"، وبالتالي تكسب المزيد من الأصدقاء والدعم من الخارج".


في كلمة لها بمركز وودرو ويلسون، وهو معهد أبحاث سياسية بواشنطن، أعلنت وزيرة الخارجية الهندية نيروباما راو يوم 15 مارس/آذار 2010 أنه في الوقت الذي لم تتخلَّ فيه الهند عن "طريق الحوار"، فإنها تمتلك القدرة على "التعامل بفعالية مع أولئك الذين يتبنون سياسات مدمرة" ضد البلاد. وقالت: "بالرغم من الاستفزازات التي نواجهها باستمرار من قِبل الإرهابيين الذين وجدنا أن لهم صلة بالتراب الباكستاني، فنحن لم نتخل عن طريق الحوار".


وفي إشارة إلى لقائها الأخير مع وزير الخارجية الباكستاني سلمان بشير، في إطار محاولات الهند لبناء الثقة مع باكستان، قالت راو: إن بلادها تبذل "جهودًا حقيقية لاستعادة الثقة"، وإن بلادها قامت "بمحاولات حقيقية لمعالجة القضايا المعلقة، وعلى رأسها معالجة قضية الإرهاب، عن طريق الحوار مع باكستان".


وأشارت راو إلى أن نيودلهي استأنفت الحوار المتعدد الأطوار (composite dialogue) مع إسلام آباد بعد أن قامت القيادة الباكستانية بتقديم تعهدات في هذا الشأن في يناير/كانون الثاني 2004، لكنها أضافت: "تدَّعي باكستان اليوم أنها ليست في موقف يسمح بتقديم ضمانات لنا عن إمكانية سيطرة سلطاتها على الإرهاب. وفي حالة كهذه، فإن الشعب الهندي لا يمكن أبدًا أن نتوقع منه الدعم الكامل لمواصلة هذا الحوار المركب مع باكستان".
_______________
رئيس تحرير موقع www.sify.com. وهذا التقرير مستخلص من ورقة بالإنجليزية أعدها الكاتب خصيصا لمركز الجزيرة للدراسات. وترجم النص الأصلي منير البغدادي. ولقراءة النص الأصلي باللغة الإنجليزية، إضغط هنا