لماذا كثفت واشنطن هجماتها على طالبان باكستان؟

تعهدت السي آي إيه بالانتقام والثأر لعناصرها إثر الهجوم الانتحاري الذي قتل فيه ثمانية من كبار رجال المخابرات المركزية الأميركية بأفغانستان، واعتبر هذا الهجوم مفصليا ومفسرا لتصعيد الهجمات والاستهدافات الأميركية لقادة وتجمعات حركة طالبان باكستان خلال الأسبوعين الأولين من الشهر الجاري.







 

أحمد موفق زيدان


خلال الأسبوعين الأولين من شهر يناير/كانون الثاني من العام الجديد 2010 تعرضت مقاطعة وزيرستان القبلية المتاخمة لأفغانستان لإحدى عشرة غارة أميركية نفذتها طائرة دون طيار ومستهدفة قادة وتجمعات حركة طالبان باكستان، مقارنة بأربعة وأربعين هجوما مماثلا طوال العام الماضي 2009، وهو ما يشير إلى تطورات لافتة حتّمت وفرضت على الأميركيين تصعيد الهجمات والاستهدافات لقادة طالبان باكستان.








همام محمد خليل البلوي، منفذ عملية خوست بأفغانستان (الفرنسية-أرشيف) 
يظل يوم الثلاثين من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2009 مفصليا ومفسّرا ربما لتكثيف الاستهداف الصاروخي الأميركي لقادة ومجاميع حركة طالبان باكستان، ففي ذلك اليوم نفذ الطبيب الأردني همام محمد خليل البلوي المكنى بأبي دجانة الخراساني هجومه الانتحاري على قاعدة "تشامبان" في ولاية خوست شرق أفغانستان والمتاخمة لوزيرستان القبلية الباكستانية، وقتل ثمانية من كبار رجال المخابرات المركزية الأميركية بمن فيهم ضابط الارتباط الأردني علي بن زيد بن شاكر، وجرح ستة آخرين، وهو ما شكل صفعة كبيرة للمخابرات المركزية الأميركية في قدرة طالبان باكستان والقاعدة على اختراق الجهازين الاستخباراتيين الأميركي والأردني حين أفلح البلوي في تضليلهما عبر إيهامهما في قدرته على اختراق القاعدة والوصول إلى الشخصية الثانية في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

عقب هذه العملية الانتحارية تعهدت السي آي إيه بالانتقام والثأر لمقتل عناصرها، ووصل الأمر إلى أن نقلت وسائل الإعلام الأميركية عن أحد مسؤولي الجهاز دون أن تكشف هويته قوله: "إن أشخاصا سيئين سيلقون أياما سيئة جدا"، ثم عاد المسؤولون إلى القول إن تكثيف الهجمات ليس بهدف الانتقام بقدر ما هو للدفاع عن النفس، كثفت واشنطن بعدها من الهجمات الصاروخية بدون طيار على مناطق القبائل الباكستانية.


الاستخبارات المركزية الأميركية الآن أمام تحد خطير لإنقاذ سمعتها التي تلطخت بالفشل والانهيار في أعقاب هجوم خوست، ولذا فهي تريد انتصارا رمزيا يتمثل بالقضاء على زعيم حركة طالبان باكستان الذي ظهر إلى جانب منفذ عملية خوست، لتقنع المشاهدين والعالم بأن من ظهر إلى جانب البلوي قتل وتم الانتقام منه، وهو ما قد يُعيد بعض السمعة للوكالة ولعناصرها المنهاري المعنويات على ما يبدو، لكن الهجوم الصاروخي الأميركي يوم الرابع عشر من الشهر الجاري فشل في اصطياد محسود على الرغم من التصريحات الباكستانية عن مقتله.


خلع تنظيم القاعدة حُلل عملية خوست على طالبان باكستان، وظهر محسود إلى جانب منفذ عملية خوست البلوي والذي قال في وصيته إن العملية جاءت للانتقام لمقتل زعيم حركة طالبان الراحل بيت الله محسود، وهو الأمر الذي أقنع الأميركيين أكثر بمسؤولية طالبان باكستان على هجوم خوست، وأدخل تنظيم القاعدة عدوا جديدا للأميركيين على مسرح العمليات ممثلا بحركة طالبان بعد أن كان عدوهم يقتصر على تنظيم القاعدة.


حلم استهداف طالبان باكستان للمصالح الأميركية ليس وليد هجوم خوست ففي مطلع عام 2009 كان بيت الله محسود يتبنى الهجوم على مركز للهجرة الأميركية في واشنطن والذي أوقع قتلى وجرحى دون أن يتم التحقق فيما إذا كان بالفعل من تنفيذ طالبان، وهو ما استبعدته المصادر الأميركية في حينه، لكنه بكل تأكيد فتح أعين الأميركيين على رغبة طالبان باكستان باستهدافها الأميركيين، أملا في الحصول على شرعية وسط الشارع الباكستاني أولا، وثانيا وسط الجماعات الجهادية الأخرى في أنها تمكنت من استهداف الأميركيين، وأصبحت في مصافّ القاعدة.








زعيم حركة طالبان باكستان حكيم الله محسود (وسط) (الجزيرة-أرشيف)
حتى هجوم خوست كانت التحليلات الباكستانية تأخذ على طالبان باكستان عدم تعرضها للمصالح الأميركية وقصر هجماتها على ضرب المصالح العسكرية والأمنية الباكستانية فجاءت ضربة خوست التي تبنتها حركة طالبان الباكستانية لتبدد تلك النظرة أولا ولتضيف عدوا جديدا لأميركا وتتخفف بالتالي باكستان من عبء وثقل الانتقام من حكيم الله محسود الذي ضرب مفاصل العصب العسكري والأمني الباكستاني خلال الأشهر الماضية تمثل في استهداف مقر قيادة الجيش الباكستاني "بنتاغون باكستان" في راولبندي العاصمة العسكرية لباكستان وكذلك مقر المخابرات العسكرية "ISI" في كل من بيشاور وملتان.

بكل تأكيد فإن دخول حكيم الله محسود على خط عملية خوست أشاع جوا من الارتياح النسبي لدى القادة الباكستانيين كون الأميركيين سيتولون مسؤولية الانتقام منه وتخليصهم من عدو عنيف وشرس، كما أشاع بالمقابل جوا من الارتياح والبهجة لدى قادة القاعدة الذين خلقوا عدوا جديدا للأميركيين مما سيوزع وسيوسع دائرة الانتقام الأميركي ليشمل الجميع من طالبان باكستان وأفغانستان ومعهم القاعدة.


على هذه الخلفية ليس هناك أسعد من القاعدة هذه الأيام لتصريحات وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في الهند من أنها وشقيقاتها من أمثال عسكر طيبة الكشميرية يعملون على إطلاق حرب منطقوية هندية-باكستانية.. فمنهج القاعدة منذ البداية هو السعي إلى اتساع دائرة الأعداء لأميركا وإيقاعها بشرَك وفخ توسيع قائمة الأعداء، ودفعها إلى ابتلاع الطعم وهو ما يحصل تماما في قبول وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس العرض الهندي من أن عسكر طيبة على علاقة مع القاعدة، بينما الكل يعرف أن أجندة عسكر طيبة كشميرية وصراعها محدود مع الهند، ولا علاقة تنظيمية مع القاعدة.


في نفس الوقت البعض يعتقد أن تكثيف الهجمات الصاروخية التي تنفذها طائرات تجسس أميركية بدون طيار يعود إلى استراتيجية أوباما الجديدة في التركيز على هذا السلاح وهو ما بدأ في اليمن أيضا، وذلك لتقليص الخسائر في الصفوف الأميركية، وإيقاع خسائر كبيرة في صفوف أعداء أميركا، هذا بالإضافة إلى افتقار الجيش الباكستاني السيطرة على مناطق القبائل التي تحولت إلى ملاذات وقواعد آمنة لتدريب المسلحين المقاتلين في أفغانستان، لكن الخبراء بالمقابل يعتقدون أن مثل هذه الغارات تزيد من حالات الاحتقان الشعبي الباكستاني ضد الأميركيين أولا وثانيا توفر وقودا حقيقيا لطالبان في تجنيد مقاتلين جدد.





يعتقد البعض أن تكثيف الهجمات الصاروخية التي تنفذها طائرات تجسس أميركية بدون طيار يعود إلى استراتيجية أوباما الجديدة في التركيز على هذا السلاح وهو ما بدأ في اليمن أيضا.
ففي استطلاع للرأي أجري في باكستان أخيرا تبين أن 80% من المشمولين بالاستطلاع يرون أن أميركا أشد زعزعة للاستقرار الباكستاني من الهند، وأن باكستان ستكون أكثر أمنا في حال ابتعدت عن حلف الحرب على ما يوصف بالإرهاب. خصوصا مع الضغط الأميركي على باكستان في شن عمليات عسكرية جديدة على شمال وزيرستان وهو ما يرفضه الجيش الباكستاني بذريعة عدم توفر الإمكانيات للعملية في غضون العام المقبل، بالإضافة إلى تذرعه بانهماكه في تعزيز الأمن في جنوب وزيرستان الذي بدأ عمليتها في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، بينما يرى الجيش أن أي عمليات في شمال وزيرستان سيؤدي إلى انهيار السلام في تلك المنطقة وهو ما سيخلق أعداءً خطرين جددا من أمثال القائدين المعروفين ملا نذير وغل بهادور.

التساؤل المطروح الآن هل نجحت هذه الضربات الصاروخية بطائرة دون طيار طوال الأعوام الماضية في عودة الاستقرار إلى مناطق القبائل؟؟ وهل قلصت قوة القاعدة وطالبان؟؟ وهل أضعف قتل بيت الله محسود أول زعيم لحركة طالبان في أغسطس/آب من عام 2009 في عدم اتساع طالبان عملياتيا وأفرادا؟


فما يُخشى الآن هو أن مردود الغارات الأميركية أقل من عدمها، وأن حديث الأميركيين عن توسيع الغارات إلى خارج مناطق القبائل في كويتا وغيرها من المدن غير القبلية ستُطلق ثورة اجتماعية باكستانية برأي بعض الخبراء، وسيزيد من الغضب على السياسة الأميركية، مما يصب ذلك كله في صالح المشروع المعادي للأميركيين.
_______________
متخصص في الشأن الباكستاني 

ABOUT THE AUTHOR