تحديات وتداعيات الانتخابات السودانية

قررت مفوضية الانتخابات أخيرا الحادي عشر من أبريل/نيسان القادم موعداً للانتخابات العامة في السودان، وكان من المفترض حسب الدستور الانتقالي أن تقام هذه الانتخابات نهاية السنة الرابعة من الفترة الانتقالية أي في يوليو/تموز من العام الماضي (2009)، ولكن المفوضية أجلتها مرتين.







الطيب زين العابدين


مقدمة
الهدف من الانتخابات
التحديات التي تواجه الانتخابات
النتائج المتوقعة
تداعيات المرحلة القادمة
الخلاصة


مقدمة


وأخيراً قررت مفوضية الانتخابات، التي يرأسها السياسي الجنوبي والقاضي السابق أبيل ألير، الحادي عشر من أبريل/نيسان القادم موعداً للانتخابات العامة في السودان والتي تشمل انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب والمجلس الوطني الاتحادي (450 مقعداً) وولاة الولايات الخمسة والعشرين (خمس عشرة ولاية في الشمال وعشرا في الجنوب) والمجلس الإقليمي التشريعي في الجنوب (170 مقعداً) والمجالس التشريعية في كل الولايات (48 مقعداً عدا ولايتي الخرطوم وجنوب كردفان).


كان من المفترض حسب الدستور الانتقالي أن تقام هذه الانتخابات نهاية السنة الرابعة من الفترة الانتقالية أي في يوليو/تموز من العام الماضي (2009)، ولكن المفوضية أجلتها مرتين بسبب تأخير إجراء التعداد السكاني الذي تقوم على أساسه تحديد حصة كل ولاية من مقاعد المجلس الوطني وتوزيع الدوائر الجغرافية داخل كل ولاية.





تدل المؤشرات الحالية على أن الانتخابات العامة في السودان ستجري في الموعد المضروب لها نسبة لرغبة الحزبين الشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) في إقامتها، ولكن احتمال تأجيلها مرة ثالثة قائم أيضا.
وتدل المؤشرات الحالية على أن الانتخابات ستجري في الموعد المضروب لها نسبة لرغبة الحزبين الشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) في إقامتها، ولكن احتمال تأجيلها مرة ثالثة قائم أيضا بسبب عدم رضا الحركة عن نتيجة الإحصاء السكاني ومطالبتها بزيادة مقاعد الجنوب والمناطق الثلاث (جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيى) بستين مقعداً في البرلمان الاتحادي غالبيتها العظمى لولايات الجنوب العشر. وهو مطلب يؤيده مبعوث الرئيس الأمريكي أسكوت غرايشن ولكنه لا يستند إلى منطق أو إلى حجة قانونية؛ فالتعداد في الجنوب قامت به مفوضية كونتها الحركة الشعبية نفسها من أهل الجنوب، وتركز احتجاجها على تقليل عدد الجنوبيين في الشمال وزيادة عدد العرب الرحل في جنوب دارفور وقد أشرفت على التعداد بيوت خبرة عالمية من فرنسا وجنوب إفريقيا شهدت له بالدقة والمهنية. ورغم أن الإحصاء يؤثر على عدد المقاعد في كل ولاية لكن الاقتراع يتم بحسب السجل الانتخابي الذي تم تحت إشراف حكومة الحركة الشعبية في كل الجنوب واتهم المؤتمر الوطني حكومة الجنوب بتضخيم التسجيل لمصلحتها في بعض الولايات.

ويبدو أن هدف الحركة من زيادة عدد مقاعد الجنوب هو ضمان احتفاظها بنسبة 30% من مقاعد البرلمان الاتحادي التي أعطتها إياها اتفاقية السلام الشامل حتى تستطيع بهذه النسبة أن توقف أي تعديل للدستور في البرلمان ترى أنه في غير مصلحتها. ولطمأنة الحركة في هذا، عرض المؤتمر الوطني تعديل الدستور بحيث تتمكن الحركة من وقف أي تعديل للدستور بنسبتها الحالية التي أفرزها التعداد وهي 21% من السكان.


وهناك مشكلة الأمن في دارفور التي أعاقت التسجيل في عشر دوائر جغرافية بجنوب وغرب دارفور، وإذا لم تحل أزمة دارفور بالتوافق مع الفصائل المسلحة فإن ذلك سيهدد سلامة العملية الانتخابية في دارفور، وقد تلجأ هذه الفصائل لإعاقة العملية الانتخابية بالقوة. وليس من حسن السياسة أن تتخلف بعض مناطق دارفور عن المشاركة التامة في الانتخابات لأن ذلك سيعطي حجة قوية لمن يتهمون الحكومة "بتهميش" أهالي دارفور، وربما ترفع بعض الفصائل سقف مطالبها إلى "حق تقرير المصير" مثل ما حدث في الجنوب.


الهدف من الانتخابات 


لم يكن الشريكان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) إبان مفاوضات نيفاشا في كينيا عام 2004 يرغبان في عقد انتخابات أثناء الفترة الانتقالية (عشر سنوات)، ولكن الدول الغربية الضامنة لاتفاقية السلام الشامل، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، رفضوا مبدأ استمرار الشريكين في السلطة لعشر سنوات دون تفويض شعبي. لذلك تضمنت الاتفاقية ومن بعدها الدستور الانتقالي إجراء الانتخابات بنهاية السنة الرابعة من بداية الفترة الانتقالية وأصبح لا مناص من الوفاء بذلك الشرط الدستوري.


ومن ناحية أخرى فإن المؤتمر الوطني الذي ظل يحكم لعقدين من الزمان دون عقد انتخابات ديمقراطية تعددية، يعتقد أنه قادر على اكتساح الانتخابات القادمة بحكم تنظيمه وإمكاناته الهائلة وهيمنته على السلطة في الشمال وسيعطيه ذلك شرعية سياسية لم ينلها منذ استيلائه على الحكم بانقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989 وستضطر عندها القوى الداخلية والخارجية للاعتراف به حكومة شرعية ديمقراطية للبلاد.


وبالنسبة للحركة الشعبية فإن الانتخابات تمثل شرطاً ضرورياً لإجراء استفتاء تقرير المصير الذي تحرص أن يتم في وقته بحلول شهر يناير/ كانون الثاني 2011، فاتفاقية السلام الشامل تشترط إجراء الاستفتاء على تقرير المصير بواسطة حكومة منتخبة في جنوب السودان. ومن ناحية أخرى فإن قوى المعارضة السودانية (حزب الأمة القومي، الاتحادي الديمقراطي، المؤتمر الشعبي، الحزب الشيوعي) تريد أن تثبت وجودها في الساحة السياسية التي أبعدت عنها منذ انقلاب 1989 وتظن أن الانتخابات ستتيح لها هذه الفرصة، ولكنها تطالب بتعديل القوانين المقيدة للحريات وإلغاء قانون الطوارئ في دارفور وتقديم ضمانات لعدم تسخير المؤتمر الوطني إمكانيات الدولة لمصلحته في الانتخابات حتى تجيء نزيهة وحرة وعادلة، وإلا فإنها ستقاطع الانتخابات ولو في المرحلة الأخيرة.


وتأمل القوى الغربية المؤيدة للانتخابات أن تؤدي نتيجتها لإضعاف هيمنة المؤتمر الوطني الطاغية على مقاليد الأمور وحبذا لو أبعدت الرئيس عمر البشير من السلطة الملاحق من محكمة الجنايات الدولية مما يضطر أمريكا وبعض الدول الأوربية أن تتجنب التعامل معه أو الترحيب به في بلادها، ويمكن القول إن القوى الخارجية والداخلية ترغب في إجراء الانتخابات السودانية في موعدها "لحاجة في نفس يعقوب" وإن لم تتحقق تلك "الحاجة" فقد تندم بعض هذه القوى على تأييد الانتخابات أو المشاركة فيها!


التحديات التي تواجه الانتخابات 





أخطر التحديات التي تواجه الانتخابات هو مقاطعتها من الحركة الشعبية أو أحزاب المعارضة مجتمعة، مقاطعة الحركة تعني عملياً إلغاء الانتخابات لأنها تستطيع منع إجراءها في الجنوب الذي تسيطر عليه ولا يجرؤ المؤتمر الوطني على عقدها في الشمال وحده لأن ذلك يعطي الحركة حجة سياسية وقانونية بفصل الجنوب قبل الاستفتاء على تقرير المصير
أخطر التحديات التي تواجه الانتخابات هو مقاطعتها من الحركة الشعبية أو أحزاب المعارضة مجتمعة، مقاطعة الحركة تعني عملياً إلغاء الانتخابات لأنها تستطيع منع إجراءها في الجنوب الذي تسيطر عليه ولا يجرؤ المؤتمر الوطني على عقدها في الشمال وحده لأن ذلك يعطي الحركة حجة سياسية وقانونية بفصل الجنوب قبل الاستفتاء على تقرير المصير؛ وقد هدد بعض قيادات الحركة بالمقاطعة عندما حاول نواب المؤتمر الوطني في وضع شروط متشددة لإجازة قانون استفتاء جنوب السودان. أما مقاطعة أحزاب المعارضة الشمالية فلن توقف المؤتمر الوطني من إجراء الانتخابات في موعدها ولكنها ستضعف من شرعية الحكومة السياسية وستظل تلك الأحزاب تتهم الحكومة بأنها وصلت إلى السلطة على ظهر دبابة، الأمر الذي يشوش على المناخ السياسي ويخلق حالة من التوتر والاستقطاب.

تتمثل التحديات الأخرى في تزوير الانتخابات، وتعقيد عملية الاقتراع، وقلة نسبة المشاركين في العملية الانتخابية. تتهم كثير من القوى السياسية المعارضة المؤتمرَ الوطني بأنه سيزور الانتخابات في الشمال، وكذلك الحركة الشعبية في الجنوب وإن لم يصرحوا بذلك علانية أملاً في تحالف انتخابي مع الحركة ضد المؤتمر الوطني، وشاهدهم على ذلك أن المؤتمر الوطني قد فعلها من قبل في انتخابات رئاسة الجمهورية والمجلس الوطني لعام 1996م و2000م التي قاطعتها أحزاب المعارضة وفي كثير من انتخابات الاتحادات المهنية والطلابية والنقابات الفئوية. ولا يخلو ذلك الاتهام من وقائع وأدلة تعضده! وأحسب أن الأمر مختلف هذه المرة لأن الانتخابات تجري بمشاركة معظم الأحزاب السياسية مما يجعلها تحت مراقبة شديدة من مندوبي الأحزاب في مراكز الاقتراع، ولم يسبق في انتخابات السودان الخمس التي جرت في الفترات الديمقراطية (54، 58، 65، 68، 86) أن اتهمت حكومة بأنها قامت بتزوير الانتخابات.


وتقوم على إدارة الانتخابات بصورة كاملة هذه المرة مفوضية مستقلة مكونة من شخصيات وطنية معروفة بعدم انتمائها الحزبي واستقلاليتها الفكرية، ولأن قانون الانتخابات سمح لجهات كثيرة داخلية وخارجية أن تراقب العملية الانتخابية من أولها إلى أخرها دون عراقيل من أية جهة، وتطوع الاتحاد الأوروبي ومركز كارتر في الولايات المتحدة بإرسال مئات المراقبين للعملية الانتخابية في السودان. والبلاد تزخر في الفترة الانتقالية بكثافة الوجود الأجنبي على مستوى القوات الدولية في الجنوب وفي دارفور والمراقبين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وعدد من الدول الغربية والإفريقية، وكل هؤلاء يراقبون عن كثب مجرى العملية الانتخابية.


لا أحسب أن هناك خوفاً من تزوير الانتخابات بصورة منظمة، ولكن هناك احتمال كبير أن تستغل إمكانات الدولة المالية والإعلامية في الشمال لمصلحة المؤتمر الوطني وفي الجنوب لمصلحة الحركة الشعبية. أما صعوبة عملية الاقتراع في هذه الانتخابات، بالنسبة لجمهور تزيد نسبة الأمية فيه عن 50% من السكان، فهي احتمال واقعي إلى حد كبير؛ لأن العملية معقدة بصورة غير مسبوقة في كل الانتخابات السابقة، فالناخب في الشمال يصوت على ثماني بطاقات لكل من (رئيس الجمهورية، والي الولاية، مرشح الدائرة الجغرافية الفردية للمجلس الوطني الاتحادي، قائمة النساء للمجلس الوطني، القائمة الحزبية للمجلس الوطني، وتتكرر ذات البطاقات الثلاث في المجلس التشريعي للولاية)، ويصوت الناخب بالجنوب في البطاقات الثمانية السابقة بالإضافة إلى أربعة أخرى هي: رئيس حكومة الجنوب، الدائرة الجغرافية للمجلس الإقليمي التشريعي، قائمة المرأة للمجلس الإقليمي، والقائمة الحزبية للمجلس الإقليمي.


وسيكون التصويت عن طريق علامة يضعها الناخب مقابل الرمز الذي يمثل المرشح أو القائمة التي يريدها من بين خيارات عديدة لا تقل عن عشرة في معظم الحالات. وقد حددت مفوضية الانتخابات ثلاثة أيام للاقتراع في كل من الشمال والجنوب وهذا أمر جيد مقارنة بقانون الانتخابات الذي اقترح يوماً واحداً لإكمال عملية التصويت والفرز بكل أنحاء البلاد. وتعمل المفوضية على توفير 21 ألف مركز اقتراع، ثلثاها في شمال السودان وثلثها الباقي في الجنوب، وتقدر أن المركز الواحد سيصوت فيه على مدى الأيام الثلاثة حوالي 900 شخص في الشمال وأقل من ذلك في الجنوب مما يعني أن الناخب الواحد في الشمال سيستغرق في المتوسط حوالي 3 دقائق للتصويت لكل البطاقات الثماني وحوالي 4 دقائق للناخب في الجنوب ليصوت على 12 بطاقة. ويبدو هذا التقدير متفائلاً إلى حد بعيد، وبناءً على تجارب محدودة قامت بها بعض منظمات المجتمع المدني اتضح أن الناخب في الشمال يحتاج إلى أربعة أو خمسة أضعاف هذا الزمن.


وبالنسبة لمشاركة الناخبين في التصويت فلا يبدو أنها ستقل عن 50% أو 60% لأن الإقبال على التسجيل كان عاليا بما يقارب الـ 70% من الأشخاص المؤهلين وقد شاركت في التعبئة له كل الأحزاب السياسية. وبما أن كل الأحزاب الكبيرة قدمت قياداتها الأولى للترشيح في المواقع المختلفة فالمتوقع أن تكون المعركة الانتخابية حامية بين الفرقاء السياسيين، والسودانيون مولعون بالمنافسات الساخنة في كرة القدم أو السياسة! وقد يحدث قدر من العنف غير معتاد في هذه الانتخابات، خاصة في الجنوب وفي دارفور وجنوب كردفان، بسبب المنافسة الساخنة بين القوى المختلفة أو بسبب المقاطعة للعملية الانتخابية ومحاولة تعطيلها. ولا أتوقع أن يصل العنف إلى درجة تؤدي إلى وقف العملية الانتخابية أو إلغائها فلم تشهد كل الانتخابات الديمقراطية السابقة في السودان درجة من العنف تخدش نتيجة العملية الانتخابية.


النتائج المتوقعة 





من الصعوبة بمكان التكهن الدقيق بمخرج العملية الانتخابية في هذه المرحلة الأولية لأن البلد انقطع عن الممارسة الديمقراطية أكثر من عشرين سنة وغابت الأحزاب السياسية عن الساحة طيلة تلك المدة، ولحدوث تغييرات عميقة ديموغرافية واجتماعية وسياسية في تكوينات المجتمع السوداني.
لقد دخلت الأحزاب الكبيرة (المؤتمر الوطني، الحركة الشعبية، الأمة القومي، الاتحادي الديمقراطي، المؤتمر الشعبي، الحزب الشيوعي) بثقلها في الترشيح للانتخابات على مستوى قياداتها الأولى خاصة لموقع رئاسة الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وولاة الولايات والقوائم النسائية والحزبية، وهذا يعني جدية الأحزاب في خوض المنافسة بالرغم من اعتراضها على درجة الحرية المتاحة وخشيتها من استغلال الأحزاب الحاكمة لسلطة الدولة مما يؤثر على حظوظها في الكسب.

وجاءت المنافسة شديدة بين الإسلاميين الذين تفرقوا بين المؤتمر الوطني والشعبي وحزب العدالة والمستقلين، فقد ترشح منافساً للبشير على رئاسة الجمهورية كل من عبد الله دينق نيال من الشعبي ومحمود أحمد جحا مستقلاً، وعلى منصب والي الخرطوم ترشح عبد الرحمن الخضر (وطني) وآدم الطاهر حمدون (شعبي) وبدر الدين طه (مستقل) وعبد الرحيم عمر (مستقل) وأمين بناني (العدالة القومي) وهكذا في قوائم النساء والقوائم الحزبية والدوائر الجغرافية الفردية.


فقد تصدر علي عثمان قائمة الوطني للأحزاب بولاية الخرطوم كما تصدرها حسن الترابي عن الشعبي وتصدرت سعاد الفاتح قائمة النساء للوطني في العاصمة وتصدرتها أم كلثوم يوسف عن الشعبي.


وبعد هذه المنافسة الحامية بين الإسلاميين يصعب عليهم الصدع بشعارهم المشهور الذي عرفوا به تحت اسم الجبهة الإسلامية القومية في انتخابات 1986م "هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"!


ومن الصعوبة بمكان التكهن الدقيق بمخرج العملية الانتخابية في هذه المرحلة الأولية لأن البلد انقطع عن الممارسة الديمقراطية أكثر من عشرين سنة وغابت الأحزاب السياسية عن الساحة طيلة تلك المدة، ولحدوث تغييرات عميقة ديموغرافية واجتماعية وسياسية في تكوينات المجتمع السوداني، ولأن التحالفات الانتخابية بين القوى السياسية ما زالت مفتوحة وقابلة للتحرك في عدة اتجاهات وسيكون لها تأثيرها الكبير على نتيجة الانتخابات خاصة في المناصب التنفيذية. ومع ذلك نقول إن المؤتمر الوطني سيكون له الحظ الأوفر من الولاة والنواب على المستوى الاتحادي والولائى في شمال السودان، وستفوز الحركة الشعبية بمنصب رئاسة حكومة الجنوب وبمعظم حكام الولايات الجنوبية وأغلبية النواب على المستوى الاتحادي والإقليمي والولائي.


وبالنسبة لمنصب رئاسة الجمهورية الذي تشتد عليه المنافسة من كل الأحزاب الكبيرة فقد لا يحسم من الجولة الأولى لأن المطلوب للفوز هو حصول المرشح على 50% من الأصوات زائد واحداً، وإذا تحالفت الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني فسيكون الموقع من نصيب الرئيس البشير من الجولة الأولى وهذا ما كان يريده المؤتمر الوطني ومن أجله تنازل عن ترشيح منافس للفريق سلفاكير في منصب رئيس حكومة الجنوب. ولكن ذلك لم يؤثر حتى الآن على خطة الحركة في ترشيح ياسر عرمان منافساً للبشير في رئاسة الجمهورية، بل إنها قالت (ربما لأسباب تكتيكية) بأنها ستتحالف مع أحزاب المعارضة الشمالية ضد المؤتمر الوطني.


وما زال المؤتمر الوطني يأمل في عقد صفقة انتخابية مع الحركة الشعبية والاتحادي الديمقراطي حتى يدعمان ترشيح البشير، ولكن هل يستطيع تقديم الثمن المطلوب؟ وقد تتعرض الحركة الشعبية لضغوط من الدول الغربية حتى لا تدعم ترشيح البشير المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية وسيكون صعباً عليها مقاومة تلك الدول التي تطمع في تمويلها لخطط الإعمار في الجنوب.


وقد كان حسن الترابي أول من نادى "بتشتيت" الأصوات بين عدة مرشحين من كل حزب حتى لا يفوز البشير من الجولة الأولى ويضطر لخوض جولة ثانية أمام المرشح الأكثر أصواتاً من المنافسين وعندها ينبغي على كل القوى السياسية أن تتحد ضده. وفي حالة عدم التحالف سيكون ترتيب المرشحين على النحو التالي: الرئيس البشير أولاً ثم الصادق المهدي ثم ياسر عرمان وقد يأتي ياسر عرمان في المرتبة الثانية بدلاً من الثالثة نسبة للتأييد المكثف من أهل الجنوب له ثم حاتم السر مرشح الاتحادي الديمقراطي، وستحسم الجولة الثانية بالمرشح الذي يجذب تحالفاً أوسع من منافسه.


ومن المتوقع في الجولة الثانية أن يقف كل من حزب الأمة والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي وربما الحركة الشعبية ضد البشير، وقد يقف مع البشير الاتحادي الديمقراطي وبعض الأحزاب الصغيرة المشاركة مع المؤتمر الوطني في حكومة الوحدة الوطنية. وفي ظل هذه الصورة المعقدة تظل حظوظ البشير أحسن من غيره في الفوز برئاسة الجمهورية، ولا يعني هذا أن احتمال سقوطه غير وارد!


تداعيات المرحلة القادمة 





رغم النتائج الايجابية المتوقعة من الانتخابات، إلا أن المشكلات المتراكمة منذ انقلاب 1989 وتمخضت عن الأوضاع المضطربة في الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيى لن تختفي بسبب مجيء حكومة منتخبة وقد تكون أضعف من سابقتها.
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات التي لا يتوقع أن تحدث تغييراً جذرياً في موازين القوى السياسية عدا رئاسة الجمهورية؛ ولكن بحكم التفويض الشعبي والمرجعية الانتخابية ستكون الحكومة القادمة –خاصة إذا ما ذهب الرئيس البشير- أكثر استقلالية عن قيادتها العسكرية السابقة، وأقل تماسكاً فيما بين عناصرها الحزبية المختلفة، وأكثر استعداداً لمعالجة مشكلتي الجنوب ودارفور بتنازلات مقدرة، وأكثر انفتاحاً لإصلاح العلاقات الإقليمية والدولية.

وستشهد المرحلة القادمة الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي تدل كل المؤشرات على أنه سيكون لمصلحة الانفصال بنسبة عالية، وسيكون من مهام الحكومة القادمة أن تصل إلى اتفاق مع الحركة الشعبية حول قضايا ما بعد الانفصال وهي: مياه النيل، عائدات البترول، الجنسية، العملة، القوات المدمجة، أصول الحكومة وديونها، علاقات الدولتين الخ ... وهناك مشكلة ترسيم منطقة أبيى وفقاً لقرار محكمة لاهاي، واستفتاء أهل المنطقة حول انضمامهم لجنوب السودان أم لشماله، وسيغضب الانضمام للجنوب قبائل المسيرية العربية المحاربة كما سيغضب الانضمام إلى الشمال قبائل دينكا نقوك الذين كانوا جزءًا من الجنوب حتى عام 1905م حين ضمهم المدير الانجليزي إلى مديرية كردفان الشمالية ووقفت الحركة الشعبية موقفاً صلباً في مفاوضات نيفاشا حتى انتزعت للدينكا استفتاء حق تقرير المصير.


وهناك قضية "المشورة الشعبية" التي منحت في اتفاقية السلام الشامل لأهل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق عبر مجلسيهما التشريعيين بعد الانتخابات، ويفسر بعض قادة الحركة الشعبية أن ذلك يعني حق تقرير المصير لهاتين الولايتين بالانضمام إلى الشمال أو إلى الجنوب وهذا ما لا يخطر على بال سياسيي الشمالي من أعضاء المؤتمر الوطني أو غيره.


ويعني هذا أن بعض المشكلات الخطيرة ستظل باقية ومهددة للأوضاع الأمنية حتى بعد الانتخابات، ولعل هذا ما حدا بالسناتور دان فورث المبعوث الأمريكي السابق للسلام في عهد جورج بوش والجنرال الكيني لازرارس سومبيو وسيط محادثات السلام لكتابة مقال في صحيفة "إيست أفريكان" الكينية يحذران فيه من خطورة عودة حرب شاملة في السودان بسبب الفشل في الوصول إلى حل نهائي ودائم لمشكلة دارفور، وقد يعرض ذلك السودان للانهيار في حال الفشل في اتخاذ خطوات عاجلة لإنقاذه، وما لم يتعزز الدعم الدولي لمساعدة شمال وجنوب السودان للاتفاق على القواعد الأساسية لمستقبلهما فإن الخشية أن تجر انتخابات أبريل 2010م واستفتاء 2011م البلاد مرة أخرى في براثن حرب مدمرة.


وكتب الرئيس السابق جيمي كارتر مقالاً يحذر فيه أيضاً من تداعيات أزمة دارفور التي لم تجد حلاً حتى الآن ومن غياب سيادة حكم القانون وأوضاع النازحين السيئة في دارفور. ورغم نبرة المبالغة في المقال الأول إلا أن الخشية من الحرب والفوضى بعد الانتخابات لا يمكن أن تستبعد في ظل الخلافات الكبيرة والاستقطاب الحاد بين القوى السياسية وعدم القدرة على معالجة المشكلات العالقة.


الخلاصة 


رغم النتائج الايجابية المتوقعة من الانتخابات والتي ذكرت أعلاه، إلا أن المشكلات المتراكمة منذ انقلاب 1989 وتمخضت عن الأوضاع المضطربة في الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيى لن تختفي بسبب مجيء حكومة منتخبة وقد تكون أضعف من سابقتها. والأمل أن تكون قيادات القوى السياسية قد استوعبت الدروس الماضية وأصبحت أكثر استعداداً لتقدير مصلحة الوطن العليا ومن ثم السعي الجاد في الوصول إلى حلول وفاقية لمشاكل البلاد المعقدة وإرساء نظام ديمقراطي مستقر يجد الجميع أنفسهم تحت ظله دون ظلم أو تهميش.
_______________
جامعة الخرطوم

ABOUT THE AUTHOR