الصومال بين أزمتين

فاز وزير المالية السابق شريف حسن بمنصب رئاسة البرلمان الصومالي، وسيوفَّر له ملاذًا آمنًا من العزل أو المحاسبة وسيضطلع في المستقبل بدور أكبر. ومن المتوقع اختيار رئيس وزراء جديد لن تجمعه مع الرئيس شريف شيخ أحمد إلا علاقة دستورية.
14 June 2010







 

مركز الجزيرة للدراسات





التحركات التي قام بها وزير المالية السابق شريف حسن أثارت مخاوف بعض الأطراف المنضوية في الحكومة، وتسببت في تأجيج أزمات دستورية أخرى.
وقَّعت الحكومة الانتقالية في أديس أبابا بتاريخ 13 فبراير/شباط 2010 اتفاق تفاهم مع تنظيم "أهل السنة والجماعة" صوفي التوجه، ينص على تقاسم السلطة في جميع المجالات، في الحكومة والجيش والشرطة وحتى في السلك الدبلوماسي وتعيين السفراء. ونصت الاتفاقية أيضا على منح أهل السنة والجماعة خمس حقائب وزارية تُحدَّد نوعيتُها بعد التفاهم مع الحكومة، على أن يراعي التنظيم في توزيعها التنوع العشائري التزاما بنص الميثاق الوطني.

وكان من المفترض أن يبادر رئيس الوزراء الحالي عمر عبد الرشيد شرماركى إلى تشكيل مجلس وزراء جديد، يتم فيه مراعاة توزيع السلطة على أساس قبلي من جهة، وعلى أساس أيديولوجي وفكري من جهة أخرى تطبيقا للاتفاقية آنفة الذكر، وعملاً بالميثاق الوطني، لكن التحركات التي قام بها وزير المالية السابق شريف حسن أثارت مخاوف بعض الأطراف المنضوية في الحكومة، وتسببت في تأجيج أزمات دستورية أخرى.


فقد سعى شريف حسن وهو وزير المالية آنذاك، في سياق تطبيق اتفاقية أديس أبابا، لإقناع رئيس الوزراء عمر عبد الرشيد بإقصاء عدد من الوزراء الاسلاميين من التشكيلة الحكومية الجديدة وأهمهم: وزير التخطيط والتعاون الدولي عبد الرحمن عبد الشكور، ووزير العدل عبد الرحمن جنقوا، وكذلك وزير الإعلام طاهر محمود جيلى، وأن يحل محلهم وزراء من أهل السنة والجماعة، وهو ما لا يتوافق مع الميثاق الوطني، لأن جميع هؤلاء الوزراء أولاً: من قبيلة واحدة هي قبيلة "الهُويَة"، وثانيا: هم إسلاميون وكانوا أعضاء في المحاكم الإسلامية، وهم كذلك شخصيات بارزة في الحركات الإسلامية؛ ما يعني أن هذا المسعى -كما يبدو- يخالف الشرطين الأساسيين لتشكيل الحكومة. وكذلك تسبب بتدهور الوضع السياسي للحكومة، حيث أن  الوزراء المستهدفين ذهبوا إلى القول بأن هناك خطة مدعومة من أثيوبيا، تريد عرقلة اتفاق جيبوتي الذي تمخضت عنه الحكومة الحالية.


أزمة انتهاء الفترة الدستورية لرئاسة البرلمان
في الوقت الذي تستمر فيه الأزمة المذكورة أعلاه، برزت إلى السطح أزمة دستورية أخرى، حيث قامت مجموعة من أعضاء البرلمان الانتقالي بتوقيع عريضة تقول بأن المدة الدستورية لرئيس البرلمان آدم مدوبي انتهت في شهر أغسطس/آب من العام الماضي وفقًا للدستور، ولا يجوز له الاستمرار في منصبه، لكن يحق له الترشح مرة أخرى لرئاسة البرلمان.


وقد لقيت هذه الدعوة رفضًا قاطعًا من قِبل رئيس البرلمان ومن إحدى الكتل البرلمانية التي وقفت إلى جانبه، وتدخلت الحكومة الجيبوتية ودعت إلى استمرار الوضع القائم على ما هو عليه دون المساس بأيٍّ من المناصب الكبرى، مثل: منصب الرئيس، ورئيس البرلمان، وكذلك رئيس الوزراء إلى حين انتهاء الفترة الدستورية للحكومة الحالية وفق اتفاق جيبوتي، وذلك لنزع فتيل الأزمة وخوفًا من المصير المجهول الذي ستواجهه الحكومة في حال حدوث انشقاقات فيما بين أطرافها.


ووجه بعض المعنيين بالأزمة من السياسيين أصابع الاتهام إلى شريف حسن، لا سيما أولئك الوزراء الذين سبق لشريف حسن أن سعى للإطاحة بهم؛ فكان أن قام هؤلاء بتأييد استمرار مدوبي في منصبه كرئيس للبرلمان، بغية تخفيف تأثير وزير المالية شريف حسن على الرئيس شريف شيخ أحمد حسب اعتقادهم، وللحؤول دون تنفيذ اتفاق أديس أبابا وفق الطريقة التي يرغب بها شريف حسن والتي ستذهب بهم وبرئيس البرلمان مدوبي. وحاول هؤلاء الوزراء إقناع الرئيس شريف شيخ أحمد بأن لا يدعم مشروع ورؤية شريف حسن لكيفية تنفيذ اتفاقية أديس أبابا، لكن الرئيس لم يتخذ قرارا واضحا بشأن هذه الأزمة كما هي العادة له في أكثر الملفات والأزمات، ولم يقف بجانب زملائه الإسلاميين الذين اتهموه بأنه يؤيد توجهات شريف حسن، وإن بطريقة خفية.


مآل أزمة رئاسة البرلمان



ممثلي المجتمع الدولي يطمحون لاختيار السيد "محمد عبد الرزاق أشكر" لمنصب رئيس الوزراء، وهو شاب متزوج من سيدة أمريكية وموظف في الأمم المتحدة.
أخيرًا، وبعد انتهاء جلسة برلمانية صاخبة كانت قد خُصِّصت للنقاش حول دستورية رئاسة آدم مدوبي للبرلمان، عُقِدت جلسة بين الرئيس شريف شيخ أحمد ورئيس البرلمان آدم مدوبي، اقتنع فيها الأخير بتقديم استقالته من رئاسة البرلمان طواعية. وتقول بعض المصادر المقربة إن جهات معنية بالملف الصومالي متواجدة في نيروبي -منها السفارة الأمريكية في نيروبي ومبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال أحمدوا ولد عبد الله- أرسلت برقية مكتوبة صباح اليوم السابع عشر من مايو/أيار، تنص على إقالة رئيس البرلمان ورئيس الوزراء دفعة واحدة، وهو ما تم تنفيذه خلال ساعات ومنذ الصباح الباكر للتاريخ المذكور، إلا أن الرئيس الصومالي تراجع عن قرار إقالة رئيس الوزراء وحكومته بدعوى أن قراره هذا لم يكن متطابقا مع الدستور. وكانت استقالة رئيس البرلمان مدوبي من منصبه نصرا لشريف حسن، مهدت له الطريق ليكون المرشح الأقوى بين المتنافسين على رئاسة البرلمان، وهو ما تحقق له بالفوز بها وبأغلبية مريحة.

لماذا ترشح شريف حسن لمنصب رئاسة البرلمان؟
ويُعزَى سبب ترشح شريف حسن لمنصب رئاسة البرلمان، إلى إدراكه أنه يصعب عليه الحفاظ على منصبه في وزارة المالية، وأنه قد ساءت علاقته مع المجتمع الدولي، كما ازدادت علاقته سوءًا مع الإسلاميين في الحكومة وقد تتسبب بخروجه من الحكومة الحالية، لأنه لم يبقَ له سوى الصداقة مع الرئيس شريف شيخ أحمد، إضافة إلى الاعتماد على الحليف الجديد بالنسبة له ألا وهو أثيوبيا.


وبالنسبة لعلاقته مع المجتمع الدولي، فقد علم شريف حسن أن هناك جهات من ممثلي المجتمع الدولي المعنيين بالملف الصومالي قد طلبت من الرئيس شريف شيخ أحمد تعيين رئيس وزراء جديد يتم ترشيحه من قبل مبعوث الأمم المتحدة، كما أعلنت عن رغبتها بإقصاء وزير المالية شريف حسن عن منصبه، وأن لا يكون ضمن التشكيلة الجديدة. وهذا التوجه الدولي مرده إلى اعتقادهم أن شريف حسن متورط في "الفساد المالي"، وأن هناك شكوكًا حول نزاهته المالية، وأنه يستخدم علاقته مع الرئيس بشكل مفرِط للوصول إلى مآربه وغاياته. ورأت هذه الأطراف من المجتمع الدولي أن إقصاء شريف حسن من الحكومة سيحسن من وضع الحكومة في الملف المالي، وسينعكس شفافية على السيولة المالية، وسيمكنها من معرفة الأماكن التي تُصرف فيها نفقات الحكومة.


ولا شك أن فوز شريف حسن بمنصب رئاسة البرلمان وفَّر له ملاذًا آمنًا من كثير مما سبق ذكره، فهو في مقعد آمن (رئاسة البرلمان) لا يمكن عزله بسهولة منه حتى لو اختلف لاحقا مع الرئيس شريف شيخ أحمد، مع الإشارة إلى أن الدول المعنية بالملف الصومالي وكذلك الأمم المتحدة لم تقم بتهنئة شريف حسن علنا بمناسبة انتخابه رئيسا للبرلمان الصومالي. وتقول المصادر المقربة من شريف حسن إنه يبحث حاليا بكل جدية مع مستشاريه وخبراء آخرين وضع خطة مستقبلية تضمن له تشكيل تحالفات جديدة للمرحلة القادمة، والرجل يشار إلى ذكائه الشديد الذي يمهد له ترتيب ملامح المرحلة اللاحقة، على الأقل بما يضمن له البقاء في داخل السلطة.


آفاق تطور الوضع خلال الأشهر القادمة
وفقا لجريان الأحداث فإن هناك عدة سيناريوهات متوقعة، وقد تبدو هذه السيناريوهات متضاربة فيما بينها، لكنها على الأغلب تتجه نحو هدف واحد:



  1. أول ما يُتوقع أن يقوم به الرئيس الجديد للبرلمان، هو تنفيذ اتفاق أديس أبابا مع تنظيم أهل السنة والجماعة بالطريقة التي تسمح بإقصاء الإسلاميين الذين عارضوا انتخابه رئيسا للبرلمان، ولن يتأتَّى له هذا إلا بإقناع رئيس الوزراء بتشكيل مجلس وزراء جديد لا يضم هؤلاء الاسلاميين، وذلك في حال تأخر ملف إقالة رئيس الوزراء.


  2. إقالة رئيس الوزراء الحالي عمر عبد الرشيد شرماركى بكل السبل، وهو ما طالب به المسؤولون الأميركيون بعد لقائهم مع الرئيس شريف شيخ أحمد، وتعيين رئيس وزراء جديد يشكل مجلس وزراء لا يزيد عدده عن عشرين وزيرا فقط، وقد وصل الإصرار على تغيير رئيس الوزراء الحالي إلى أن مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال اشترط تعيين رئيس وزراء جديد مقابل التعامل والاعتراف برئيس البرلمان الجديد شريف حسن.





  3. ولعل المجتمع الدولي حاليا يرغب في عزل الرئيس شريف شيخ أحمد سياسيا، كخطوة أولى نحو التخلص منه لاحقا إذا ما خالف توجيهاتهم المتعلقة بكيفية إدارة الدولة.
    يُتوقّع أن تكون علاقة رئيس الوزراء الجديد مع الرئيس شيخ أحمد علاقة دستورية فقط، وسيعمل على الحد من تدخل الرئيس في كثير من الملفات التي اعتاد أن يتدخل بها في ظل رئيس الوزراء الحالي عمر عبد الرشيد. كما من المتوقع أن يكون رئيس الوزراء الجديد مستمعا جيدا وبشكل مباشر لتوجيهات "المجتمع الدولي" خاصة أميركا، والأمم المتحدة، وكذلك أثيوبيا بصفتها المعنية بالملف الصومالي أكثر من دول الجوار الأخرى. مع الإشارة إلى أن ممثلي المجتمع الدولي يطمحون لاختيار السيد "محمد عبد الرزاق أشكر" لمنصب رئيس الوزراء، وهو شاب متزوج من سيدة أمريكية وموظف في الأمم المتحدة، وكانت أميركا قد رشحته من قبل لهذا المنصب بعد انتخاب شريف شيخ أحمد رئيسا للصومال.


  4. قد يكون الإصرار الدولي على ترشيح رئيس وزراء جديد، هو سعي لتكرار تجربة الرئيس السابق عبد الله يوسف أحمد مع رئيس وزرائه نور عدي؛ فهذا الأخير تم اقتراح ترشيحه دوليا، ولما استلم قام بتضييق الخناق على الرئيس عبد الله يوسف أحمد مما اضطره إلى تقديم استقالته أمام البرلمان، وذلك بعد أن لمس الأخير أن المجتمع الدولي لا يرغب في التعامل معه كرئيس للصومال، إضافة إلى أن دول الإيغاد حينها أصدرت قرارا بمنع سفر الرئيس عبد الله يوسف في حال عدم القبول بمفاوضات جيبوتي التي كان يديرها رئيس الوزراء نور عدى آنذاك. ولعل المجتمع الدولي حاليا يرغب في عزل الرئيس شريف شيخ أحمد سياسيا، كخطوة أولى نحو التخلص منه لاحقا إذا ما خالف توجيهاتهم المتعلقة بكيفية إدارة الدولة.