بعد مرور ستة أشهر على بدء النزاع المسلح في ليبيا، حُسِمَت معركة طرابلس بأقل الخسائر الممكنة، بعد أن كان المحللون يتوقعونها معركة أكثر دموية، إلا في حال تم اغتيال العقيد القذافي، أو قيام بعض من أنصاره بانقلاب عسكري والإطاحة به. وكانت عملية "فجر عروس البحر"، في إشارة إلى العاصمة طرابلس، التي تمت بالتنسيق بين المجلس الوطني الانتقالي المعارض والمقاتلين داخل طرابلس وحولها، و"الأطلسي" وفق ما أوضح المتحدث باسم المجلس الانتقالي محمود جبريل، بدأها الثوار الليبيون، بعد أن نجحوا في تطبيق إستراتيجية التطويق والمحاصرة للعاصمة الليبية طرابلس، عبر سلسلة من الانتصارات العسكرية الكبيرة التي حققوها، والتي عبَّدت لهم الطرق المفتوحة إلى قلب العاصمة طرابلس، فسقطت بذلك آخر قلعة كان يتمترس وراءها الديكتاتور الليبي معمر القذافي، بأسرع مما كان يتوقع الجميع، ومعها سقط نظام العقيد القذافي الذي حكم ليبيا لأكثر من أربعة عقود، قبل بضعة أيام من ذكرى "الفاتح من سبتمبر".
وكانت الانتفاضة الليبية انطلقت من شرق البلاد، يوم 17 فبراير/شباط 2011، مستلهمة في ذلك الثورتين في تونس ومصر لإنهاء حكم القذافي المستمر منذ أكثر من 42 عامًا، نظرًا لما يمثله ذلك التاريخ من ذكريات أليمة للشعب الليبي؛ حيث يصادف ذكرى اشتباكات وقعت في بنغازي في العام 2006، حين قتلت قوات الأمن العديد من المحتجين الذين كانوا يحاولون اقتحام القنصلية الإيطالية، وذكرى تنفيذ أحكام الإعدام بعدد من المعارضين لنظام العقيد القذافي في بنغازي أيضًا العام 1987.
في مقارنة مع الثورة الليبية، وما تعرضت له من هيستيريا القمع الدموي والوحشي الذي مارسته كتائب العقيد القذافي، وأجهزته الأمنية، وجزء من جيشه الذي ظل مواليًا له، تعتبر الثورات المدنية التي جرت في كل من تونس ومصر نزهة صحية في حديقة؛ فهنا الزعيم، لا يهرب كما فعل بن علي، ولا يتنحى عن السلطة تحت الضغط المزدوج من الثورة والجيش كما فعل أيضًا حسني مبارك، وإنما يمارس هوايته في قتل شعبه.
ضريبة الثورة وتوسيع المشاركة
مع انهيار نظام الديكتاتور الليبي معمر القذافي تبدأ المهمة الشاقة والعسيرة من جانب كل قوى المعارضة الليبية التي استلمت السلطة في ليبيا الجديدة من أجل إعادة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة من الفراغ؛ حيث إن ليبيا التي عاشت في ظل حكم القذافي، انعدم فيها وجود الدولة وأجهزتها؛ لأن شعار "القائد" القذافي، هو: أنا الدولة... والدولة أنا، بعد أن قضى على النخب الفكرية والثقافية في البلاد، وقتل رموز المعارضة، التي باتت مشتتة في المنافي.
ونظرًا لطبيعة النظام الليبي القمعية لأية معارضة، فإنه من الصعب جدًا في الوقت الحاضر، تحديد الوزن الحقيقي للمعارضة الليبية على اختلاف انتماءاتها. وهناك خمس قوى حقيقية تشكل الآن المشهد السياسي الليبي، أولاً: القوى الملكية المنحدرة من الملك إدريس السنوسي، ثانيًا: القوى القومية العربية المتشكلة منذ السبعينيات من القرن الماضي، والتي خذلها القذافي عندما صادر الثورة لمصلحة بقاء حكمه الديكتاتوري، وإثراء عائلته وقبيلته. ثالثًا: القوى الإسلامية، وهي منقسمة إلى تيارين: التيار الأول وتمثله قوى الإخوان المسلمين، والتيار الثاني، وتمثله الحركات الجهادية (الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، والحركة الإسلامية للشهداء، ومجموعة أنصار الله)، وهي متمركزة بصورة أساسية في منطقة الجبل الأخضر. وتتخوف القوى الغربية من مدى تأثير الإسلاميين أو تشكيلهم لعنصر انقسام في أية صيغة للدولة الليبية المقبلة وسياساتها. رابعًا: قوى التحالف الديمقراطي الذي أسسه الزعيم الليبي المعارض منصور الكيخيا الذي اختطفته المخابرات الليبية من فندق بالقاهرة سنة 1993، وأعدمه القذافي، ولدى التحالف الديمقراطي تواجد قوي في الولايات المتحدة. أما القوة الأخيرة فتمثلها الحركة الشبابية الليبية التي قامت بتفجير الثورة؛ إذ يشكِّل الشباب في ليبيا 60% من مجموع السكان.
هل تستطيع هذه المعارضة الليبية أن تبني دولة مدنية ديمقراطية جديدة، بعد أن سقط نظام القذافي؟ إن هذا الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على النضج السياسي الذي يجب أن تتمتع به قوى المعارضة الليبية، وعلى مدى قبول هذه القوى المعارضة التي اكتسبت شرعية خارج البلاد، من قبل الذين صنعوا الثورة في الداخل، وعلى قدرة هذه القوى جميعها على بلورة مشروع سياسي وطني وديمقراطي يقدم أجوبة عقلانية وواقعية للتحديات التي ستواجهها السلطة الجديدة في طرابلس، لاسيما انتشار السلاح وطول فترة استخدامه في القتال، وهيمنة البنية القبلية المتوزعة بين طرفي الصراع الداخلي، واتساع مساحة البلاد التي تتيح فرصة للعقيد القذافي لكي يقود تمردًا مسلحًا جديدًا انطلاقا من الصحراء.
فالتحدّي الأول الذي يواجهه المجلس الوطني الانتقالي يتمثل في الدور الذي لعبته قبيلة الزنتان العربية القوية في تحرير منطقة الغرب الليبي، وبالتالي الإسهام في الزحف على طرابلس. وقد حرص الزنتان، رأس حربة ومشجعو الانتفاضة في الغرب، في الواقع على تجنيد وتشكيل وتجهيز كتائب تنتمي إلى المدن التي تصدوا لتحريرها (الزاوية وصرمان وغريان)، وقد قادت فيما بعد الهجوم المتزامن على تلك المدن الثلاث.
يقول الدبلوماسي الفرنسي السابق في السفارة الفرنسية في طرابلس (2001-2004)، باتريك حايمزاده، مؤلف كتاب: في قلب ليبيا القذافي، باريس 2011: إن إعادة التوازن هذه للواقع العسكري نحو الغرب لانتفاضة حقّقت انتصاراتها أولاً لجهة الشرق، باتت تطرح مسألة الصفة التمثيلية الفعلية للمجلس الانتقالي الوطني، الذي لا يضمّ حاليًا في صفوفه مسؤولين عن هذه الانتفاضة المنتصرة في الغرب. بتعبيرٍ آخر، يجب على المجلس الانتقالي، في حال أراد أن يستمرّ بالتباهي بصفة "الممثّل الشرعي للشعب الليبي"، التي تمّ الاعتراف له بها منذ شهر مارس/آذار من قبل فرنسا وبريطانيا، أن يلجأ بسرعة إلى تخصيص تمثيل سياسي لثوار الغرب، يتلاءم مع دورهم العسكري الأساسي في الانتصار النهائي، وإلا شهدوا ظهور بنى مستقلة في الغرب.
التحدي الثاني: ويتمثل في قدرة المجلس الوطني الانتقالي على دمج ممثّلين عن مناطق وقبائل طالما دعمت في غالبيتها نظام القذافي (مناطق سرت وترهونة وبني وليد وسبها وغات وغدامس) في السلطات الجديدة، وعدم فرض الثوار المنتصرين رغبتهم بقوة السلاح على هذه القبائل التي لا تزال تتمتع بقواعد إقليمية، تفاديًا لمنطق الحرب الأهلية، وعلى تقديم ضمانات حقيقية لمستقبل المسؤولين العسكريين وأعضاء اللجان الثورية الأقل تورطًا في النظام السابق.
رغم سقوط نظام الديكتاتور الليبي، فإن المحللين العرب والغربيين العارفين بطبيعة المجتمع الليبي الذي تهيمن عليه الهوية القبلية، ويفتقد كليًّا إلى التقاليد الديمقراطية، ويعاني من الانقسامات الناجمة عن استخدام القذافي أسلوب "فرِّقْ تسد"، ويفتقد لأية مؤسسة من طبيعة مستقلة، سواء في مجال الإعلام، أو القضاء، أو في تكوينات المجتمع المدني الحديث، ينتابهم القلق من مرحلة ما بعد العقيد القذافي، للأسباب التالية: الخوف من عمليات الثأر التي يمكن أن يلجأ إليها الثوار بعد سقوط طرابلس، ضد الأشخاص الذين ظلوا موالين للعقيد القذافي، وشاركوا في ارتكاب مجازر بحق الشعب الليبي، ومدى قدرة المجلس الوطني الانتقالي على ممارسة السلطة، باعتباره إطارًا ائتلافيًا غير متجانس وغير مؤطَّر، ويضم في صفوفه إسلاميين ومعارضين مخضرمين وعلمانيين، ناهيك عن جزء متنام من البورجوازية الليبية والملتحقين المتأخرين بالثورة. وجميعهم منقسمون بحسب نزاعات قبلية قديمة ومعقدة.
مثل هذه الرؤية التشاؤمية لمرحلة ما بعد القذافي يتبناها الباحث الأميركي في معهد "كاتو" للدراسات تيد كاربنتر؛ إذ يقول: إن "التوقعات لمرحلة ما بعد القذافي تقع في منتصف الطريق بين الواقعية والإحباط"، مضيفًا أنه "من الممكن أن تقبل الأطراف المتنازعة بتقسيم فعلي للبلاد بين قبائل الشرق وقبائل الغرب، لكن احتمالاً كهذا يبقى مستبعدًا". لكنه يعتبر أن "تقسيمًا غير رسمي لليبيا سيكون أكثر تناغمًا مع المعطيات الديموغرافية، السياسية والتاريخية، من الإصرار على المحافظة على ليبيا بشكلها الحالي"، ويؤكد أن "البديل الأكثر احتمالاً للتقسيم السلمي للأراضي، سيكون حربًا أهلية متواصلة أو انتصارًا ثوريًا سيولِّد امتعاضًا في الجزء الغربي من البلاد، ويهيئ لجولة جديدة من القتال خلال أعوام من الآن". ويرى كاربنتر أن قوى الـ"ناتو" ستواجه سؤالاً حول مدى استعدادها لمساندة الثوار في الحفاظ على السيطرة على ليبيا الغربية بعد رحيل القذافي، معتبرًا أن "التوقعات ليست إيجابية في ما يتعلق بقدرة قوات الثوار على إقناع عدد ولو متواضع من أبناء القبائل الغربية بالانضمام إليهم، كما أن هناك قضية إصلاح البنية التحتية المتضررة من القتال، وإعادة تعبئة خزائن الدولة. فأية حكومة جديدة في طرابلس لن تتمكن من التعويل على العائدات النفطية في المديين: القصير أو المتوسط لحل مشاكلها، لأن الخبراء يقدرون أنها ستحتاج إلى 3 أعوام على الأقل قبل أن يعود الإنتاج النفطي إلى مستويات ما قبل الحرب".
رغم هذه النظرة التشاؤمية من جانب بعض المحللين الغربيين لمرحلة ما بعد العقيد القذافي، والتي تتمحور حول سيناريو إمكانية ظهور انقسامات في صفوف المعارضة الليبية تقود إلى حرب أهلية، فإن القيادات داخل المجلس الانتقالي الوطني ترفض مثل هذه التوقعات، مؤكدين أنه قد تم تضخيم تأثير الهوية القبلية في البلاد، وأن مناصري المجلس الانتقالي الوطني ينفون صحة الحديث عن ضعف المجلس وعدم قدرته على فرض الأمن والنظام في طرابلس.
وستظل هذه التحديات ضاغطة على السلطات الجديدة في طرابلس إلى أن يتم بناء دولة ديمقراطية فيدرالية حديثة في ليبيا قابلة للحياة. ضمن هذا السياق بدا أن المعارضة الليبية، ومعها العديد من حكومات العالم، ماضية في تعاملها مع التطورات الليبية كما لو أن حقبة معمر القذافي طويت نهائيا؛ ولهذا فقد شرعوا سريعًا في الإعداد لمرحلة ما بعده، على كافة المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية؛ حيث أعلن المجلس الوطني الانتقالي خريطة طريق لانتقال السلطة في غضون 20 شهرًا.
خريطة طريق سياسية
كان المجلس الوطني الانتقالي قد أعد "الوثيقة الدستورية" وهي نسخة معدلة ومفصلة من "خريطة الطريق" التي تبناها المجلس الوطني الانتقالي في مارس/آذار الماضي. وتتضمن الوثيقة 37 مادة في نحو 10 صفحات تحدد المراحل المختلفة للفترة الانتقالية بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي. ويؤكد المجلس الوطني الانتقالي في الوثيقة أنه "أعلى سلطة في الدولة، والممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي، ويستمد شرعيته من ثورة 17 فبراير/شباط"، مؤكدًا أنه سينتقل من بنغازي إلى طرابلس بعد إعلان التحرير، ووقتها سيعين في مهلة 30 يوما كحد أقصى مكتبًا تنفيذيًّا مؤقتًا، أو حكومة انتقالية مكلَّفة بتصريف شؤون البلاد.
وستُكلَّف الحكومة بتنظيم انتخابات لاختيار "مجلس وطني" في مهلة أقصاها ثمانية أشهر اعتبارًا من تاريخ سقوط النظام. وسينسحب "الانتقالي" من السلطة فور تولي المجلس الوطني مهامه، على أن ينتخب المجلس رئيسًا للحكومة خلال مهلة 30 يومًا. كما سيشكل "لجنة مهمتها صياغة الدستور الجديد" خلال مهلة 60 يومًا، على أن يتم عرضه على استفتاء خلال مهلة 30 يومًا ويتم تبنيه بأغلبية الثلثين.
في هذا الوقت، أعلن المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي جمعة القماطي أن الغالبية العظمى من الأراضي الليبية باتت مؤمنة، مشددًا على أن اعتقال القذافي أو قتله ما هو إلا مسألة وقت. ولعل المعطيات الميدانية تلك تفسر بشكل أو بآخر إسراع المجلس الانتقالي الليبي والقوى الغربية في وضع قواعد اللعبة في ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية. أما فيما يتعلق بالترتيبات السياسية؛ فقد أعلن جمعة القماطي أنه سيتم انتخاب مجلس تأسيسي في ليبيا في غضون ثمانية أشهر، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون 20شهرًا. وقال القماطي مفصِّلاً الجدول الزمني الانتخابي للمجلس الانتقالي: "وضعنا خريطة طريق بفترة انتقالية من 20 شهرا". وأوضح أن "المجلس الانتقالي سيدير ليبيا لمدة ثمانية أشهر قبل أن يتولى مجلس منتخب من الشعب" السلطة لصياغة دستور، و"في غضون عام (من ذلك) سيتم تنظيم انتخابات"، مشيرًا إلى أن "أمامنا ثمانية أشهر وعامًا قبل الانتخابات النهائية التشريعية والرئاسية. ومع قليل من التوفيق سينتخب الشعب الليبي في غضون نحو 20 شهرًا القادة الذين يرغب بهم".
ناهيك عن كل ذلك، من الذي سيدير عجلة الاقتصاد الليبي، بعد الهجرة القسرية لمعظم العمال الأجانب من ليبيا منذ بداية الثورة؟ حيث تشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح ما بين 3 و 4 ملايين عامل، موزعين على النحو التالي: 1.5 إلى 2 مليون مصري وسوداني، ومليون إفريقي من بلدان جنوب الصحراء الكبرى، و200.000 مغربي، و100.000 تونسي، و60.000 فلسطيني، و10.000 جزائري، وعشرات الآلاف الأخرى من عمال وكوادر قدمت من تركيا وبلدان آسيوية أخرى.
المجلس الوطني الانتقالي بحاجة ماسَّة إلى المال لإدارة أمور الدولة، ودفع الرواتب للموظفين، بيد أن المال يأتي من خلال بيع النفط الليبي. والسؤال الذي يطرحه المحللون: كيف سيتم منح العقود للشركات النفطية العالمية؟
الرأي المتداول هو أن الدول الغربية التي دعمت الثوار الليبيين، لاسيما فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، هي التي ستحصل على نصيب الأسد من الكعكة الليبية في المجال النفطي. غير أن المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي في لندن جمعة القماطي قال: "لن تكون هناك محسوبيات سياسية"، موضحًا أن "النظام الجديد سيعمل بكل شفافية". وأضاف: إن "العقود ستُمنَح على أساس الجدارة"، مخالفًا بذلك تصريحات رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل الذي قال: إنه سيتم تغليب الدول الحليفة.
بعد 18 سنة من العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، عادت الشركات النفطية الأميركية: أوكسيدنتال وشيفرون للتنقيب عن النفط، وتحديث البنية النفطية المتداعية في ليبيا، على حساب الشركات الأوربية. وتُقدَّر الاحتياطات النفطية في باطن الأراضي الليبية بنحو 44 مليار برميل من النفط، ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى في إفريقيا متقدمة على نيجيريا. وتطمح طرابلس باعتمادها على الشركات الغربية، العاملة في ليبيا إلى رفع مستوى إنتاج النفط من 1.8 مليون برميل يوميًا في سنة 2008 إلى عتبة 3 ملايين برميل يوميًا في سنة 2013 وهو المستوى الذي كان عليه الإنتاج الليبي في عام 1970 قبل تأميم القطاع النفطي؛ وذلك من خلال ضخ استثمارات في هذا القطاع الحيوي بقيمة 30 مليار دولار. وكانت العائدات المالية من مبيعات النفط والغاز قد ارتفعت قيمتها من 8 مليار دولار في سنة 2002، إلى 29 مليار دولار عام 2005، وإلى 56 مليار دولار في سنة 2007. وتملك ليبيا في الوقت الحاضر ثروة تقدر بنحو 136 مليار دولار من مبيعاتها النفطية.
السيادة والديمقراطية
هناك شبه إجماع عربي و دولي على أن سقوط نظام الديكتاتور الليبي معمر القذافي بعد 42 سنة من الحكم في ليبيا يعتبر تحريراً كبيراً للشعب الليبي، ودعماً معنويا ً وسياسياً لربيع الثورات الديمقراطية العربية الذي يشق طريقه في ظل التضاريس الوعرة جداً التي يتشكل منها المشهد السياسي العربي. وقد آن الأوان في ظل انتصار ثورة الشعب الليبي الحالية، أن تدخل ليبيا عالم المجتمع المدني الحديث، و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. من هنا فإن التحدّي الحقيقي الذي سيواجه الحكومة الليبية الجديدة التي ستقود هذه المرحلة الانتقالية الصعبة من عملية بناء هياكل و مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد، هو وضوح الرؤية، سواء في تحقيق التحولات الديمقراطية عبر إجراء مصالحة وطنية حقيقية، أو في عدم الخضوع لمشروع الوصاية الجديدة الغربية على ليبيا، و بالتالي المضي قدماً في الدفاع عن الاستقلال و السيادة الوطنية، لاسيما في ظل وجود النفط و الغاز، وتكالب القوى العظمى الغربية والشرقية على استغلاله.
في ظل هذا الوضع الانتقالي الصعب الذي تمر به الثورة الليبية، لاسيما في ظل غياب مؤسسات الدولة، تتصاعد الأصوات المحذرة من غياب سيطرة السلطة الانتقالية في ليبيا على كامل التراب الليبي، وتحض على تحرك الثوار في سرت وبني وليد لتحرير كامل التراب الليبي من بقايا سيطرة بقايا النظام المخلوع معمر القذافي، إذ يقول سياسيون ومراقبون إن العوامل الجهوية والقبلية والشخصية ستلعب دوراً أكبر في ليبيا في المرحلة المقبلة، وإن الإسلاميين سيلعبون أيضاً دوراً محوريا طالما انتهجوا موقفاً معتدلاً وليس راديكالياً.
_______________
كاتب في الشؤون السياسية والاقتصادية