القوى السياسية المصرية: الأوزان والإستراتيجيات

فرص فوز التحالف الديمقراطي الذي يضم حزب الإخوان أكبر من غيرها في الانتخابات البرلمانية المصرية القادمة، وسيحتاج حزب الإخوان للحصول على الأغلبية البرلمانية إلى التحالف مع الوفد كأفضل خيار أو مع القوى السلفية تحت الاضطرار.
2011112084915295734_2.jpg

لم تعرف مصر انتخابات برلمانية كتلك التي ستبدأ مرحلتها الأولى في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. انتخابات تتفاوت التقديرات بشأنها أشد التفاوت، وتصل إلى حد التعارض. المتفائلون يعتبرونها المخرج الوحيد من عنق الزجاجة الذي باتت مصر مهددة بالاختناق فيه. والمتشائمون يخافونها وربما يضعونها في صدارة ما يؤرقهم.

وهم نوعان: أحدهما يخاف موجات عنف شديدة تجتاحها وقد تحول دون اكتمالها فتدخل مصر مرحلة المجهول. والنوع الثاني يخشى نتائجها وما قد تسفر عنه من تفوق كبير للتيارات الإسلامية على نحو يعتقدون أنه سيغير صورة الحياة على أرض مصر وليس فقط اتجاهات سياستها في الفترة القادمة.

وليس هذا إلا عاملا واحدا من عوامل عدة تجعل الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر غير مسبوقة. لم يعرف المصريون الأحياء الآن انتخابات حرة في حياتهم. كان آخر عهد للبلاد بانتخابات يمكن اعتبارها حرة بشكل مّا في عام 1950. ولذلك يراود الكثير منهم الأمل في أن تكون الانتخابات القادمة فاتحة عهد جديد من الحرية.

ولكن تشاؤم بعضهم ومخاوفهم يلقى بظلال ثقيلة على هذه الانتخابات التي ستجرى في ظل استقطاب حاد أُعيد إنتاجه منذ أول نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بين الإسلاميين ومعهم بعض الأحزاب والشخصيات الليبرالية والقومية من ناحية، وباقي الليبراليين ومعهم اليسار والنشطاء المسيحيون من الناحية الثانية. ويؤثر هذا الاستقطاب على الخريطة السياسية – الانتخابية التي نخصص الجزء الأول لتعريفٍ موجز بها ومحاولة لتقدير أوزان القوى المتنافسة، قبل أن ننتقل إلى تحليل إستراتيجياتها نحو السلطة.

أولا: القوى المتنافسة وأوزانها النسبية

بالرغم من أن خريطة القوى المتنافسة في الانتخابات البرلمانية القادمة تبدو معقدة، يمكن تحديد أهم معالمها في سبع قوى أساسية يمثل كل منها تحالفاً أو تكتلاً غير متماسك، ولكنه يعبر عن اتجاه واضح بدرجة أو بأخرى، وذلك على النحو التالي:

1- التحالف الديمقراطي من أجل مصر بقيادة حزب الإخوان المسلمين
تمخض هذا التحالف عن مبادرة كانت جماعة "الإخوان المسلمين" قد طرحتها قبيل ثورة 25 يناير تحت عنوان "مبادرة من أجل مصر" ثم أعادت طرحها في منتصف مارس/آذار 2011. وقامت تلك المبادرة على وثيقة تستهدف تحديد المشتركات بين مختلف ألوان الطيف السياسي المصري لبناء توافق وطني حولها. وقد أُعيدت صياغة تلك الوثيقة عدة مرات في ضوء حوار شارك فيه ممثلو بعض القوى السياسية بالتوازي مع اتفاق عدد كبير منها على إعلان قيام التحالف الديمقراطي من أجل مصر في أبريل/نيسان 2011.

وعندما صارت هذه الوثيقة موضع توافق بين معظم من تحاوروا حولها في بداية يوليو/تموز 2011 كان التحالف الديمقراطي قد ضم نحو 25 حزباً سياسيا تمثل تيارات إسلامية وليبرالية وقومية (ناصرية)، أو تعبر عن توجهات وطنية عامة. فكان بين مؤسسي هذا التحالف والمنضمين إليه في بدايته حزب الحرية والعدالة الذي أسسه الإخوان المسلمون، وأحزاب سلفية (النور والأصالة والفضيلة، ثم البناء والتنمية الذي أسسه بعض قادة الجماعة الإسلامية)، وأحزاب ليبرالية أهمها الوفد والغد الجديد (غد الثورة بزعامة أيمن نور)، وأحزاب قومية ناصرية أهمها حزب الكرامة والحزب العربي الناصري، إلى جانب نحو عشرين حزبا ما بين جديد واعد بحضور قوي أو ناشئ يحاول إثبات وجوده، وقديم يبحث له عن مكان.

غير أنه عندما اقترب موعد الانتخابات وبدأ النقاش حول المشاركة فيها لم يكن سهلاً أن يخوضها التحالف الديمقراطي بكل مكوناته هذه بالرغم من توافقها على معايير لاختيار المرشحين تجمع بين ثلاثة أهداف هي: الشعبية اللازمة للحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات، والكفاءة التي يتطلبها الارتقاء بدور البرلمان، فضلا عن تمثيل نحو 25 حزباً. وتبين عند إعداد قوائم المرشحين صعوبة، بل استحالة، تحقيق الأهداف الثلاثة، وخصوصا عندما بدأت خريطة المعركة الانتخابية في التبلور حاملة مقدمات معركة صعبة بل ضارية، مما أدى إلى طغيان الهدف الأول وهو ضمان القوة التنافسية عبر تفضيل المرشحين الأكثر شعبية، وتراجع الهدف الثاني وهو ترشيح أكبر عدد ممكن من أصحاب المعرفة والكفاءة، والعدول عن الهدف الثالث وهو تمثيل أحزاب التحالف كلها أو معظمها فلم تتسع القوائم سوى لثمانية منها، وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة، الذي نال نصيب الأسد لأن لديه أكبر عدد من المرشحين الأكثر قوة.

وتضمنت قوائم مرشحي التحالف أيضا مرشحين لحزب الغد الليبرالي وحزب الكرامة القومي، حيث جاءا في المرتبة الثانية من حيث عدد المرشحين وبفرق كبير عن حزب الحرية والعدالة. وجاء بعدهما حزبان جديدان واعدان هما حزب الحضارة وحزب الإصلاح والنهضة، اللذان يجمعان بين المرجعية الإسلامية والتوجهات الليبرالية، ثم حزب العمل الذي كان له شأن كبير بين قوى المعارضة المصرية في ثمانينيات القرن الماضي، قبل قرار السلطات حله وتعرُّضه لأكثر من انشقاق، وأخيرا حزبا الجيل ومصر العربي الاشتراكي، وهما من الأحزاب القديمة الصغيرة.

ويبدو هذا التحالف الأثقل وزنا بين القوى المتنافسة في الانتخابات بفعل قوة الحزب الرئيسي فيه (الحرية والعدالة) ووقوف تنظيم الإخوان المسلمين الأكثر انتشاراً وتغلغلاً في المجتمع وراءه. ولذلك فهو يستمد وزنه المميز من قوة الإخوان وحزبهم بالأساس. غير أن وزنه المميز هذا قد لا يتيح له الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان (النصف + 1 بواقع 250 مقعدا من أصل 498) بسبب حدة المعركة الانتخابية، وتعدد القوى المتنافسة فيها، بالرغم من أنه هو التحالف الوحيد المرشح لأن ينال هذه الأغلبية إذا كان هناك من يمكن أن يحصل عليها. غير أنه في هذه الحالة، ستكون أغلبية طفيفة. وعندها سيكون لحزب الحرية والعدالة ما بين 40 و42 في المائة من المقاعد، فيما تتوزع النسبة الباقية على أحزاب التحالف الديمقراطي بواقع نحو 3% (أو أقل أو أكثر قليلاً) لكل من حزب الغد وحزب الكرامة، وفي حدود 1% للأحزاب الخمسة الأخرى.

2- التحالف الإسلامي ذو الاتجاه السلفي
لم ينشأ هذا التحالف من خلال تحرك منظَّم أو رؤية محددة، بخلاف حالة التحالف الديمقراطي، بل بحكم الأمر الواقع الذي ترتب على انسحاب حزب النور (أكبر الأحزاب السلفية) من التحالف الديمقراطي عندما اقترب موعد الانتخابات، حيث قرر أن يخوضها منفرداً.

ولم يسع حزب النور إلى تأسيس تحالف، وإنما قبل انضمام حزبين آخرين إليه لم يُرضهما عدد المرشحين الذي أتيح لكل منهما على قوائم التحالف الديمقراطي الذي التحقا به أولا، وهما حزب الأصالة، وحزب البناء والتنمية، بالإضافة إلى حزب التوحيد العربي (تحت التأسيس) (أحد الأجنحة التي انقسم بينها حزب العمل القديم)، وحزب السلامة والتنمية (تحت التأسيس أيضا) والذي يسعى بعض كوادر تنظيم الجهاد الذين راجعوا أفكارهم إلى إقامته.

ولا يتمتع هذا التحالف بوزن انتخابي ثقيل بالرغم من قوة تأثيره السياسي، لأنه يفتقد التنظيم القوي والخبرة الكافية، فضلاً عن أن منافسه الأساسي في أهم معاقله هو التحالف الديمقراطي وبالتالي الإخوان.

3- تحالف إسلامي صغير معتدل
أقيم هذا التحالف بشكل ضمني ودون سابق ترتيب نتيجة موافقة حزب الوسط على إدراج مرشحي حزبين إسلاميين صغيرين تحت التأسيس على قوائمه الانتخابية، وهما حزب النهضة وحزب الريادة اللذان يؤسسهما الآن قادة وأعضاء سابقون في جماعة الإخوان المسلمين على رأسهم محمد حبيب النائب السابق لمرشدها العام.

وتكون أطراف "تحالف الوسط" خرجت كلها من رحم الإخوان في فترات مختلفة، بدءاً من منتصف تسعينيات القرن الماضي.

ولا تختلف توجهات هذا التحالف عما يتبناه التحالف الديمقراطي بشكل عام ولكنه يختلف عنه في وزنه الانتخابي، لأن تحالف الوسط أضعف بكثير وقد يكون حصوله على 5 في المائة من المقاعد إنجازاً له.

4- الكتلة المصرية
بخلاف التحالف الديمقراطي من أجل مصر الذي تم تأسيسه باعتباره تحالفا سياسيا قبل التفكير في الانتخابات، أُنشئت الكتلة المصرية، لتكون تحالفا انتخابيا على أسس سياسية، ليعبر عن توجهات الأطراف الليبرالية واليسارية التي يجمعها شعار "الدولة المدنية".

ولكن ما جعل هذا الشعار- الذي لا يختلف عليه أحد في مصر بخلاف قطاع كبير من القوى السلفية - جامعاً لمكونات "الكتلة المصرية" هو أنها تلتقي أساساً على أرضية مخاصمة التيارات الإسلامية دون تمييز بينها، إلا فيما ندر وعدم قبول أي تعاون معها.

وضمت هذه الكتلة عند تأسيسها في سبتمبر/أيلول 2011 أحزاباً جديدة أنشئت بعد الثورة، أهمها المصريون الأحرار (ليبرالي علماني)، والمصري الديمقراطي الاجتماعي (يسار وسط يعبر عن توجهات ديمقراطية اشتراكية)، والتحالف الشعبي الاشتراكي (يساري انشق أبرز مؤسسيه عن حزب التجمع اليساري القديم)، والوعي (ليبرالي بادر بتأسيسه عدد من مؤسسي ائتلاف شباب الثورة)، والمساواة والتنمية (ليبرالي يعتمد على شهرة مؤسسته الفنانة تيسير فهمي)، وحزب التحرير المصري (أسسه قادة إحدى الطرق الصوفية التي استثارها الحضور المتزايد للتيارات السلفية في المشهد السياسي وهجوم بعضها على الأضرحة)، وأحزاب قديمة هي: حزب التجمع اليساري، حزب الجبهة الديمقراطية ذو التوجه الليبرالي، الحزب الشيوعي الذي ظل يعمل تحت الأرض لعقود حتى أعلن عن نفسه بعد الثورة ولكنه لم يؤسس رسميا، وثلاثة أحزاب تحت التأسيس هي الحزب الاشتراكي المصري (ماركسي)، ومصر الحرية (ليبرالي)، و "المستقلون الجدد" الذي لم تعرف له هوية بعد، فضلا عن مكونات مجتمعية مثل نقابة الفلاحين المستقلين.

وقد واجهت "الكتلة المصرية" المعضلة نفسها التي عانى منها "التحالف الديمقراطي من أجل مصر"، بالرغم من أن عدد مكوناتها أقل منه. فقد اختلفت أحزابها بشأن عدد مرشحي كل منها وترتيبهم في القوائم الانتخابية، وتبادل بعضها الاتهامات بضم أعضاء سابقين في الحزب الوطني المنحل (الحاكم سابقا) ممن يطلق عليهم "الفلول".

وأدى ذلك إلى انسحاب قسم كبير من مكوناتها بحيث لم يبق منها إلا ثلاثة أحزاب هي: المصريون الأحرار، المصري الديمقراطي الاجتماعي، والتجمع. وبالرغم من ضعف هذه الأحزاب، واعتمادها حملة انتخابية سلبية ضد كل من التحالف الديمقراطي والتحالف الإسلامي، فهي تراهن على الصوت القبطي، وبالتالي يتوقف نصيبها المحتمل في البرلمان على مدى إقبال المسيحيين على الاقتراع. ولكنها قد لا تحصل في كل الأحوال على أقل من 8 إلى 10 في المائة، وقد ترتفع هذه النسبة في حال ازدياد المشاركة القبطية.

5- تحالف "الثور مستمرة"
بدأ تأسيس هذا التحالف عقب تفكك "الكتلة المصرية" بدءا بقرار حزب الجبهة الديمقراطية الانسحاب من هذا التحالف وخوض الانتخابات منفرداً، ثم انسحاب عدة أحزاب بشكل جماعي وإقامة تحالف آخر اختارت له اسم "الثورة مستمرة"، وعلى رأسها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي المصري، وحزب المساواة والتنمية، وحزب مصر الحرية، وحزب المستقلين الجدد.

وانضم إلى هذا التحالف حزب جديد تحت التأسيس بادر عدد من شباب الإخوان المسلمين الذين انشق بعضهم عن الجماعة وأُبعد البعض الأخر منها بعيد الثورة بإنشائه بالتعاون مع آخرين، ويحمل اسم "التيار المصري". ويبدو هذا التحالف خفيف الوزن انتخابيا، وقد لا يحصل على أكثر من 5 في المائة من مقاعد البرلمان.

6- تحالف ناصري صغير
أدى انسحاب الحزب العربي الناصري من "التحالف الديمقراطي" بسبب عدم رضاه عن عدد مرشحيه وترتيبهم في القوائم الانتخابية إلى إرباكه، وخصوصا عندما لم يجد الوضع أفضل بالنسبة إليه في تحالف "الثورة مستمرة"، فاضطر إلى تأسيس تحالف آخر صغير ضم حزبا من الأحزاب القديمة ذا توجهات قومية عربية، وهو حزب الوفاق القومي، وحزبا تحت التأسيس منذ أكثر من عقدين وهو المؤتمر الشعبي الناصري، بالإضافة إلى جناح من الأجنحة المتنازعة على حزب العمل. ويبدو هذا التحالف أقرب إلى "ضيف شرف" في الانتخابات البرلمانية، فضلا عن ضعف حضوره في الساحة السياسية. وفي الوقت الذي بقي حزب الكرامة الناصري في "التحالف الديمقراطي" فضمن بالتالي تمثيلاً في البرلمان المصري القادم، فإن حزب "العربي الناصري" وغيره من أحزاب هذا التحالف يرجح أن تخرج من انتخابات 2011 - 2012 صفر اليدين أو بتمثيل رمزي.

7- أحزاب "الفلول"
يخوض نحو خمسمائة من قادة الحزب الوطني المنحل وأعضائه في الصفين الثاني والثالث هذه الانتخابات، إما عن طريق أحد الأحزاب الجديدة التي أسسها بعض كوادره، أو من خلال المقاعد الفردية باعتبارهم مستقلين.

وقد أدى تأخر السلطة الانتقالية في الاستجابة لأحد مطالب الثورة، وهو إصدار قانون لعزل من أفسدوا الحياة السياسية في العقود الأخيرة، إلى إتاحة الفرصة لتأسيس عدة أحزاب تعبر عنهم مثل حزب الحرية وحزب المواطن المصري وحزب الاتحاد والحزب القومي المصري، فضلا عن حصولهم على أحد الأحزاب القديمة وهو حزب المحافظين. وتخوض هذه الأحزاب الانتخابات على المقاعد المخصصة لنظام القوائم الحزبية. ويخوض آخرون ممن يُطلق عليهم في الشارع السياسي "الفلول" هذه الانتخابات مستقلين على المقاعد المخصصة للنظام الفردي.

وبالرغم من الضجة التي أثارتها كثافة مشاركتهم في الانتخابات، فهم لا يمثلون قوة كبيرة، لكنهم قد يحصلون مجتمعين على ما بين 5 و10 في المائة من مقاعد البرلمان.

ثانيا: إستراتيجيات القوى المتنافسة تجاه السلطة

مستقبل السلطة والنظام السياسي هو العنصر الرئيس في الصراع المحتدم الآن في مصر، ما ظهر منه وما خفي. فمن الطبيعي أن تحدد الانتخابات سمات طبيعة السلطة ومكوناتها واتجاهاتها، حتى وإن كان النظام المعمول به لا يتيح للبرلمان الحق في تشكيل الحكومة. فليس في إمكان أي حكومة أن تعمل، ولا يمكن أن تباشر هذا العمل أصلا، إلا إذا حصلت على ثقة البرلمان الذي يستطيع تحديد اتجاهاتها من هذه الزاوية.

ولعل هذا هو ما يثير مخاوف بعض القوى خصوصا الليبرالية واليسارية وغيرها من إمكان حدوث تغيير في طبيعة السلطة التنفيذية، وليس فقط السلطة التشريعية، فضلا عن نوع الدولة نفسها على أساس أن البرلمان القادم هو الذي سينتخب الجمعية التأسيسية التي ستضع مشروع الدستور الجديد.

وتبدو هذه المخاوف مبالغة، في ضوء الخريطة الانتخابية التي تفيد مؤشراتها الأساسية حتى الآن أنه سيكون صعبا أن تنتهي الانتخابات بحصول أي من القوى المتنافسة على أغلبية مطلقة (50 + 1)، وأن القوة الوحيدة التي يُحتمل أن تحصل على مثل هذه الأغلبية بالكاد هي التحالف الديمقراطي. وبالرغم من أن هذا التحالف يقوده حزب الحرية والعدالة، وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين، فلن يتمكن هذا الحزب من الحصول على أكثر من 40% من المقاعد إلا بقليل، لأن باقي المقاعد ستذهب إلى أحزاب مثل الغد والكرامة والحضارة والإصلاح والنهضة والعمل في هذه الحالة، كما سبق توضيحه.

غير أن ثمة سيناريو آخر قد يمكن تصوره، بالرغم من أنه لا يبدو قويا أو راجحا، وهو أن يتفكك "التحالف الديمقراطي" بعد الانتخابات ويحدث تكتل بين حزب الحرية والعدالة وأحزاب التحالف الإسلامي السلفية بالرغم من المسافة التي تفصله عنها، والتي قد تزداد اتساعا نتيجة حدة تنافسهما في المعركة الانتخابية.

1- إستراتيجية التحالف الديمقراطي تجاه السلطة
إذا حافظ التحالف الديمقراطي على تماسكه في حالة فوزه بأغلبية (طفيفة في الأغلب كما سبقت الإشارة)، فالأرجح أنه سيتبنى إستراتيجية للتغيير وفق برنامجه المتضمن في "وثيقة التحالف" الموثقة في بداية يوليو/تموز 2011. وتقوم هذه الإستراتيجية على تحقيق أكبر مقدار ممكن من التعاون في حمل تركة ثقيلة لا يستطيع أحد أن يحملها منفردا، وفي إعادة بناء دولة مفككة ومجتمع تعرض لتجريف سياسي شديد على مختلف المستويات.

والأرجح، في هذه الحالة، أن يسعى التحالف الديمقراطي إلى تشكيل حكومة تغيير بالتعاون مع أحزاب أخرى، وخصوصا حزب الوفد الذي انسحب منه نتيجة الخلاف على عدد مرشحيه في الانتخابات.

ومن الطبيعي أن يكون حزب الحرية والعدالة هو القوة الرئيسة في هذه الحكومة، كما في البرلمان. ولكن الأرجح أنه لن يسعى إلى تصدر المشهد، بل سيحرص على تجنب ذلك حتى لا يوضع في اختبار شديد الصعوبة، في ظروف تتطلب إنجازات سريعة قد يدفع من يضع نفسه في الصدارة ثمنا فادحا في حالة عدم تحقيقها.

ولذلك ربما يجوز القول إن السلطة ستأخذ في هذه الحالة شكلا ليبراليا وقوميا واضحا، ولكن بمضمون أو محتوى إسلامي.

2- إستراتيجية حزب الحرية والعدالة في حال تفكك التحالف الديمقراطي
ربما يكون حزب الحرية والعدالة هو الخاسر الأول إذا تفكك التحالف الديمقراطي، في حال فوزه بأغلبية برلمانية ما، لأنه سيوضع في اختيار بالغ الصعوبة بين التحالف مع أحزاب سلفية على نحو يعطي السلطة (التشريعية على الأقل، إن لم تكن التنفيذية أيضا) طابعا محضَ إسلامي، ويؤدي إلى استقطاب خطير في الداخل وقلق شديد في الخارج، والبقاء في وضع مضطرب نتيجة تعذر تشكيل أية أغلبية في البرلمان، وبالتالي استمرار السلطة كاملة بين يدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وسيكون هذا الخيار صعبا على حزب الحرية والعدالة، لأن إقامة تكتل يجمعه والأحزاب السلفية سعيا إلى إيجاد أغلبية برلمانية سيفقده القيادة الفعلية لهذا التحالف، بالرغم من أنه قد يكون لديه أربعة أضعاف ما لدى هذه الأحزاب مجتمعة من مقاعد. فإذا اختار حزب الحرية والعدالة إقامة تكتل إسلامي سيكون استمرار هذا التكتل متوقفا على إرضاء كل حزب من أحزابه السلفية التي لم ينضج معظمها بعد، وتبدو متعجلة وتريد تحقيق تحول ملموس في مقومات الدولة والمجتمع. والأرجح أن يسعى حزب الحرية والعدالة إلى ضم حزب الوسط وتحالفه إلى هذا التكتل، بالرغم من حساسية العلاقة معه، للحد من قدرة الأحزاب السلفية على فرض توجهاتها.

وتزداد صعوبة موقف حزب الحرية والعدالة حال تفكك التحالف الديمقراطي إذا لم يحصل حزب الوفد على نسبة تتيح تحقيق أغلبية برلمانية في حال إقامة تحالف ثنائي بينهما. أما إذا نال حزب الوفد هذه النسبة (أي نحو 10% من المقاعد)، فسيكون لدى حزب الحرية والعدالة خيار أقل تكلفة بالنسبة إليه مقارنة بخيار التكتل الإسلامي.

فقد كان هذان الحزبان هما حجر الأساس في بناء التحالف الديمقراطي قبل أن ينسحب الوفد منه لأسباب تتعلق بالحصص الانتخابية وليس بالمواقف السياسية. ولذلك حرصت قيادة الوفد حينئذ على تأكيد أن الحزب باقِ في الإطار السياسي لهذا التحالف، ولكن ليس في وعائه الانتخابي. ولن تكون هناك صعوبات كبيرة، على الأرجح، في إقامة تحالف ثنائي بين حزبي الحرية والعدالة والوفد، في ضوء العلاقة القوية التي تجمع قيادتي الحزبين.

3- إستراتيجيات قوى الأقلية البرلمانية تجاه السلطة
يصعب تصور إستراتيجيات قوى مثل "الكتلة المصرية" و"الثورة أولا" مسبقا، لأن الأمر سيتوقف على طبيعة الأغلبية البرلمانية، فإذا كانت مثلا للتحالف الديمقراطي، فإلى أي مدى يمكن لهذا التحالف أن يستمر؟ و ما هي إمكانات تشكيل أغلبية برلمانية في حال تفككه بين حزب الحرية والعدالة وطرف من أطراف أخرى مثل التحالف الإسلامي السلفي أو حزب الوفد؟

ولكن الأرجح أن "الكتلة المصرية"، التي بنت حملتها الانتخابية على مهاجمة القوى الإسلامية ومخاصمة التحالف الديمقراطي بكل مكوناته بما فيها الليبراليون والقوميون، ستتبنى إستراتيجية تقوم على تعويق عملية بناء نظام سياسي جديد، وترفض أية مشاركة إيجابية حتى إذا دُعيت إليها أو أُتيحت الفرصة لها، بسبب موقفها العدائي ضد القوى الإسلامية التي ستقود هذه العملية.

أما تحالف "الثورة مستمرة" فقد تتراوح إستراتيجيته بين ممارسة ضغوط متنوعة داخل البرلمان وخارجه، من أجل منع أو تقليص أي تغيير في مقومات الدولة ومقاومة أية جرعات جديدة من "الأسلمة" في المجتمع.

وهكذا يبدو أن إستراتيجيات القوى المتنافسة تجاه السلطة تتوقف بالأساس على نتائج الانتخابات التي قد تقرر مصير مصر لفترة طويلة، وعلى تركيبة البرلمان الجديد وميزان القوة في داخله.
__________________
وحيد عبد المجيد-خبير بالسياسة المصرية

ABOUT THE AUTHOR