مصر: قراءة أولية في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية

المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية عرفت نجاحا متوقعا للإخوان المسلمين، وتقدما مفاجئا للسلفيين، وهزيمة تاريخية للوفد، وانهيارا للتشكيلات التي خرجت من الحزب الوطني الذي كان يهيمن على الحياة السياسية في عهد نظام مبارك.
201112139453802734_2.jpg

العملية الانتخابية

انطلقت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية يومي 28–29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وأُجريت هذه المرحلة في 9 من محافظات مصر، بما في ذلك محافظتي الثقل السكاني: القاهرة (شرق القاهرة الكبرى)، والإسكندرية. وقد أشارت الأرقام الأولية للجنة العليا للانتخابات إلى أن زهاء ثمانية ملايين ونصف المليون مصري قد أدلوا بأصواتهم من إجمالي عدد الناخبين المقيدين في جداول الانتخابات البالغ سبعة عشر ونصف مليون ناخب؛ وبذلك تبلغ نسبة التصويت 52 بالمائة، وهي الأعلى منذ أكثر من ستين عامًا. ولكن هناك أكثر من نصف مليون ورقة انتخابية تعرضت للإلغاء لسبب أو لآخر، من بينها تعقيدات العملية الانتخابية والعدد الكبير للقوائم المتنافسة والعدد الأكبر من المرشحين على المقاعد الفردية.

جرت الانتخابات طبقاً لقانون أعطى ثلثي مقاعد مجلس الشعب المقبل، البالغة 498 مقعداً، لقوائم الإئتلافات الحزبية، والثلث للمقاعد الفردية. وقُسمت البلاد بالتالي إلى دوائر مختلفة، كبيرة للقوائم وأصغر للأفراد. ونظرًا لأن الأغلبية العظمى من المقاعد الفردية لم تُحسم في الجولة الأولى، فقد جرت الإعادة بين المرشحين الاثنين اللذين حققا أعلى الأصوات بعد أسبوع من إجراء الجولة الأولى.

وبالرغم من أن العملية الانتخابية كانت نزيهة وشفافة إلى حد مقبول، فقد شابتها نواقص عديدة، سواء من جهة المرشحين، الذين استمر بعضهم في حملته الانتخابية حتى يوم الانتخابات، أو من جهة اللجنة العليا للانتخابات، التي تفتقد الخبرة الكافية لإدارة عملية انتخابية هائلة كتلك التي تشهدها مصر. وربما جرى استخدام للمال من قبل بعض القوى الحزبية، لاسيما في المناطق الريفية والحضرية الفقيرة. وفي ما يتعلق بانتخابات القوائم على وجه الخصوص، لم تتوفر رقابة كافية على عملية فرز الأصوات وانتقال أرقام الفرز من المحطات الفرعية إلى المركز.

أدت هذه النواقص إلى صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء كل العملية الانتخابية في دائرة الساحل القاهرية، التي تعتبر واحدة من الدوائر الكبيرة في العاصمة، وفي دائرة واحدة بالإسكندرية واثنتين أخريين في أسيوط. وثمة توقعات بأن تُلغى الانتخابات في دوائر أخرى بمدينتي الإسكندرية وأسيوط. وهذا ما يجعل نتائج هذه المرحلة من الانتخابات غير نهائية، انتظارًا لإعادة الانتخابات في الدوائر الملغاة.

نتائج غير مكتملة

ليس من السهل، لاسيما بعد إلغاء نتائج الانتخابات في الدوائر الأربع، الجزم بنسبة الأصوات التي حصلت عليها كلٌّ من الكتل المتنافسة في الجزء المتعلق بالقوائم. ولكن نتائج المقاعد أصبحت واضحة، سواء في قسم نظام القوائم أو المقاعد الفردية، مع الأخذ في الاعتبار أن المقاعد المتنافَس عليها في هذه المرحلة 168 مقعدًا، ستُعاد الانتخابات في يناير/كانون الثاني المقبل 2012 على 18 منها في الدوائر الملغاة؛ ولذا، فإن كل النسب المعلنة تتعلق بـ 150 مقعدًا فقط.

إذن يمكن القول تقديريًا بأن كتلة الحرية والعدالة حصلت على 38-40 بالمائة من الأصوات في نظام القوائم. ولكن نتائجها في المقاعد الفردية كانت كبيرة بالتأكيد، بل وأكثر من المتوقع، وساعدت على زيادة الحصة النهاية للحرية والعدالة من المقاعد. طبقًا لحسابات أولية، حازت الحرية والعدالة على 69 مقعدًا من الـ 150 مقعدًا التي تم التنافس عليها؛ مما يعني أن القائمة حصلت على 46 بالمائة من المقاعد.

ويُقدَّر لقائمة حزب النور السلفي الحصول على 22–24 بالمائة من أصوات القوائم، ولكنها حصلت على 5 مقاعد فردية فقط؛ مما يعطيها ما مجموعه 31 مقعدًا، أو زهاء 21 بالمائة من المقاعد.

أما الكتلة المصرية فحصلت على زهاء 10 بالمائة من الأصوات التي أُدليت لصالح القوائم، وفازت بمقعد فردي وحيد، وبذلك تحصل على ما مجموعه 14 مقعدًا. وحازت كتلة حزب الوفد على أقل من 8 بالمائة من أصوات القوائم ومقعد من الفرديات؛ مما يؤهلها للحصول على ما مجموعه 11 مقعدًا. وقد تساوى كل من كتلتي حزب الوسط والثورة مستمرة في الحصول على 4 مقاعد، أو ما يقل عن 3 بالمائة من مجموع المقاعد. وما تبقى من المقاعد ذهب لمستقلين أو أحزاب صغيرة.

وكان حزب العدل قد حصل على مقعد فردي واحد لرئيس الحزب، بينما لم تحصل الثورة مستمرة على أي من المقاعد الفردية. ولكن ما أظهرته النتائج على أية حال كان الفشل الذريع الذي مُنيت به الأحزاب التي وُلدت من رحم الحزب الوطني، وشكَّلت مصدر قلق لكافة أطراف الساحة السياسية في الفترة السابقة على الانتخابات.

دلالات ومؤشرات

بخلاف الحسابات المبكرة للكتل الليبرالية وللإخوان المسلمين، التي بُنيت على أساس أن الانتخابات ستكون في جوهرها ساحة صراع بينهما، برزت الكتلة السلفية بقيادة حزب النور باعتبارها مفاجأة المرحلة الأولى. ويرجع سبب الإنجاز غير المتوقع الذي حققته القائمة السلفية ليس إلى عمق المشاعر الإسلامية لدى المصريين وحسب، ولكن أيضًا إلى قدرة السلفيين الفائقة على الحشد الشعبي. كما يرجع إلى أن حملتي الدعاية الانتخابية لليبراليين والإخوان كانت موجَّهة بشكل كبير إلى أنصارهما، مع إهمال أو تجاهل واضح للسلفيين.

ولكن المؤكد أن أغلبية الأصوات التي حازتها الكتلة السلفية جاءت من أوساط شعبية موالية للتيار السلفي وشيوخه، وأن هذه المرحلة من الانتخابات جرت في عدد من المحافظات المصرية التي عُرفت بوجود معاقل سلفية تقليدية، مثل الإسكندرية والقاهرة وكفر الشيخ ودمياط. بيد أن الانتشار الإعلامي الواسع للقيادات السلفية في الأسبوع الفاصل بين جولة الانتخابات الأولى وانتخابات الإعادة، التي جرت على معظم المقاعد الفردية، أضرَّ بالسلفيين وأثار المخاوف لدى الناخب المصري من تصورهم للكيفية التي يمكن أن تدار بها البلاد؛ ولذا، فقد جاءت نتائج السلفيين في المقاعد الفردية متواضعة إلى حد كبير، ولا يمكن مقارنتها بالنتائج التي حققتها كتلة الحرية والعدالة.

وكانت المفاجأة الثانية في هذه الانتخابات هي الخسارة الكبيرة التي مُنِي بها حزب الوفد، الذي يعد من أعرق وأقدم الأحزاب المصرية؛ إذ تؤشر نتائج المرحلة الأولى إلى تراجعه إلى المركز الرابع بعد الحرية والعدالة والنور والكتلة المصرية. ويرجع السبب في تراجع شعبيته إلى قراره خوض المعركة الانتخابية منفردًا بعد خروجه من التحالف الديمقراطي الذي يقوده الحرية والعدالة، وإلى عدم اتفاقه مع الكتلة المصرية، وخسارته نسبة كبيرة من أصوات الأقباط الذين اعتادوا تاريخيًّا أن يصوتوا له وتحولوا إلى حزب المصريين الأحرار الذي يقود الكتلة المصرية، بأوامر من الكنيسة القبطية، كما ورد في تقارير. وبالرغم من أن قطاعًا من قيادات الوفد يمتلك إمكانيات مالية كبيرة، لم يستطع الوفد مجاراة رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، الذي يقف خلف الكتلة المصرية، في الإنفاق على الحملة الانتخابية.

كما فشلت كتلة الثورة مستمرة -التي تضم أحزابًا يغلب عليها الطابع اليساري الجديد، مثل حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي المصري، وحزب المساواة والتنمية، فضلاً عن حزب التيار المصري الذي أسسه بعض شباب الإخوان المسلمين المنشقين عن الجماعة وعُرفوا بدورهم البارز في تنظيم وقيادة الثورة الشعبية- في تحقيق نتائج ملموسة؛ فلم تحصل قائمة هذا الائتلاف أو مرشحوه على أي من المقاعد الفردية، ولا يُعتقد أنها ستحصل على أكثر من مقاعد معدودة في نظام القوائم. ويعود بعض أسباب هذا الإخفاق إلى ضعف التنظيم وقلة التمويل المخصص للدعاية الانتخابية، وإلى قلة الخبرة في إدارة المعركة الانتخابية. كما يرجع إلى تعليق القيادات الشابة لهذه الكتلة حملتها الانتخابية طوال الأسبوعين الفاصلين بين اندلاع موجة الثورة الثانية وانطلاق العملية الانتخابية.

المنتصر الرئيس في المرحلة الأولى من الانتخابات، باختصار، كان كتلة الحرية والعدالة، التي خاضت معركة انتخابية منظمة وحِرفية، وتقدمت بمرشحين يتمتعون بثقة ومصداقية. وقد أفادت الحرية والعدالة من رغبة الناخب المصري، كما في كل بلدان الثورات العربية، في القطيعة مع النظام السابق وميراثه؛ ولأن الإخوان المسلمين كانوا الجهة المعارضة الأبرز للنظام، فقد توجه الناخبون تلقائيًا للتصويت لمرشحيهم. وربما يمكن الاستنتاج أيضًا أن الناخب المصري تحرك أيضًا بدافعين رئيسيين: الرغبة في إعطاء الإسلاميين فرصة الحكم، والاعتقاد بأن الإسلاميين الأقدر في هذه المرحلة على إنقاذ البلاد من الهوة التي دُفعت إليها خلال العقد الأخير على وجه الخصوص.

والأرجح أن معدلات التصويت لقائمة الحرية والعدالة ستزداد خلال المرحلتين القادمتين، نظرًا لأن الإخوان المسلمين وجدوا دائمًا صعوبة في تعزيز وجودهم في عدد من أحياء محافظتي القاهرة والإسكندرية، ذات الكثافة السكانية، من محافظات المرحلة الأولى للانتخابات. كما أن تحدي التيار السلفي هو الأكبر في محافظات هذه المرحلة الأربع: القاهرة، الإسكندرية، دمياط، وكفر الشيخ.
_____________________
بشير نافع-مؤرخ وخبير في الشؤون العربية

ABOUT THE AUTHOR