إسرائيل والانتفاضة السورية: الرهان على أقل الخيارات سوء

توازن القيادات الإسرائيلية بين فوائد بقاء نظام الأسد ومضار ذهابه، وتميل الحكومة الحالية إلى الموقف الأول، لكن الفريقين يتفقان على فقدان الثقة في النظام السوري.







 

صالح النعامي


بقلق شديد تراقب الطبقة السياسية والقوى الحزبية والنخب العسكرية في إسرائيل مجريات الانتفاضة السورية، وتحاول أن تستشرف تداعياتها وإسقاطاتها المختلفة على البيئة الإستراتيجية للكيان الصهيوني. ويمكن القول أن الإسرائيليين باتوا معنيين بتلافي مظاهر التخبط وتأثير الصدمة التي اتسم بها السلوك الإسرائيلي في أعقاب اندلاع الثورة المصرية التي أفضت إلى السقوط المدوي لنظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. من هنا فإنه يمكن القول أن القوى الإسرائيلية تحاول أن تبلور تصورات إزاء الواقع السوري المستجد، وتجتهد في تشخيص خارطة المصالح الإسرائيلية بناءً على قراءة "موضوعية". ومن خلال الجدال الداخلي الدائر في إسرائيل إزاء ما يحدث في سوريا، تطرح القوى الإسرائيلية ثلاث تساؤلات رئيسة، وهي:


هل ما يجري في سوريا حالياً يشكل تهديداً حقيقياً على نظام بشار الأسد؟ وهل سقوط هذا النظام يمثل مصلحة إسرائيلية؟ وما يتوجب على إسرائيل عمله في حال سقط النظام أو تجاوز الأحداث؟.


يتصدى للإجابة على السؤال الأول القائمون على محافل التقدير الاستراتيجي "الوطني" ممثلة في مراكز الأبحاث التابعة لجهازي الاستخبارات العسكرية والموساد ووزارة الخارجية ونخبة من المستشرقين المرتبطين بمؤسسة الحكم، حيث يجمع هؤلاء على إنه طالما ظلت مدينتا دمشق وحلب خارج دائرة الاحتجاجات والمظاهرات، فإنه بإمكان النظام حسم الانتفاضة بالوسائل الأمنية.


مصالح إسرائيل بين بقاء الأسد ورحيله



بقلق شديد تراقب الطبقة السياسية والقوى الحزبية والنخب العسكرية في إسرائيل مجريات الانتفاضة السورية، وتحاول أن تستشرف تداعياتها وإسقاطاتها المختلفة على البيئة الإستراتيجية للكيان الصهيوني.
وفي المقابل فإن هناك استقطابا واضحا بين القوى الإسرائيلية المختلفة إزاء تقييم المصلحة الإسرائيلية في بقاء نظام الأسد أو سقوطه، ولم يبرز هذا الاستقطاب بناءً على خلفية أيديولوجية أو حزبية، بل على أسس "موضوعية"، عبر محاولة تلمس المصالح الإسرائيلية العليا في بقاء النظام أو سقوطه، ولو أخذنا على سبيل المثال مواقف وزراء الحكومة من القضية، لوجدنا أن كلاً من وزير الدفاع إيهود براك، الذي يمثل "يسار الوسط"، ووزير التعليم جدعون ساعر، ووزير الاستخبارات دان مريدور اللذين ينتميان لحزب لحزب الليكود اليميني يرون مصلحة إسرائيل في بقاء نظام الأسد، في حين أن نائبي رئيس الوزراء موشيه يعلون وبني بيغن المنتميان لليكود ووزير الجبهة الداخلية متان فلنائي، الذي يمثل يسار الوسط يرون أن سقوط النظام السوري يمثل مصلحة إسرائيلية. وفي داخل المؤسسات الحزبية والكنيست فإنه تتم مقاربة المسألة على ذات الاعتبارات "الموضوعية". وفي المؤسسة الأمنية، هناك تباين "مهني" تقليدي شبه دائم بين تقديرات الجيش، ممثل في شعبة الاستخبارات العسكرية وبين جهاز الموساد، فيما يتعلق بالشأن السوري، حيث أن معظم قادة الجيش يرون أن بقاء نظام الأسد يمثل مصلحة إسرائيلية، في حين يرى الموساد أن البيئة الإستراتيجية لإسرائيل ستتحسن بشكل كبير في حال سقط النظام الحالي في دمشق. وقبل الخوض في موازنة تأثير كل من الفريقين على دائرة صنع القرار، فإننا سنتناول المسوغات التي يسوقها كل طرف لتبرير وجهة نظره، والقواسم المشتركة في استنتاجاتهما.

مسوغات المتحمسين لبقاء النظام السوري
تحذر هذه النخب من التداعيات "الخطيرة" لسقوط نظام الأسد، وهي تشير لجملة "المزايا" الكامنة في بقاء النظام، وتحديداً تلك التي خبرتها من خلال التجربة العملية:



  1. الحدود بين إسرائيل وسوريا حالياً هي الحدود الأكثر هدوءًا مقارنة مع الحدود مع الدول العربية الأخرى، على الرغم من أن سوريا في حالة حرب مع إسرائيل من ناحية رسمية. وليس اعتباطا أن تستقطب هضبة الجولان أعداداً كبيرة من المستوطنين اليهود الجدد للإقامة فيها بفعل الهدوء التام على جانبي الحدود.


  2. عدم وضع النظام السوري في عهد بشار ووالده مسألة تغيير ميزان القوى الاستراتيجي الذي يميل لصالح إسرائيل على الأجندة الوطنية السورية بشكل جدي. وفي المقابل فإن كل ما يعني النظام هو الحفاظ على حكم الأقلية العلوية، مع كل ما يعنيه هذا من حشد موارد سوريا لمتطلبات الأمن الداخلي التي تضمن استقرار الحكم ومواجهة المعارضة من الداخل. وقد أسهم هذا الواقع في تمكين إسرائيل من تطوير قدراتها الحربية والتقنية لمواجهة تهديدات أخرى.


  3. يمثل النظام السوري نموذجاً للنظام العربي الذي نجحت إسرائيل في مراكمة قوة الردع  تجاهه بشكل واضح، والدليل على ذلك عدم محاولة هذا النظام الرد على الاستفزازات الإسرائيلية التي تمثلت في قصف المنشأة البحثية النووية السورية في شمال شرق سوريا أواخر عام 2006، وقيام الموساد بتصفية عدد من المسؤولين عن البرنامج النووي السوري، علاوة على تصفية قائد الذراع المسلح لحزب الله عماد مغنية.


  4. سقوط النظام القائم يعني المخاطرة بصعود الإسلاميين للحكم، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار أنها أكثر جماعات المعارضة السورية تنظيماً، ويسهم هذا السيناريو في تغيير البيئة الإستراتيجية لإسرائيل بشكل سلبي للغاية، لأنه سيتزامن مع الصعود المتوقع لتأثير نفس الجماعة على دائرة صنع القرار في مصر.


  5. سيؤدي سقوط النظام أو إضعافه إلى إيجاد حالة من عدم الاستقرار الخطيرة في المنطقة، قد تفضي إلى حروب لا ترغب بها إسرائيل. وهناك من يذكر أن أحد أهم أسباب اندلاع حرب عام 1967 كان عدم استقرار الأوضاع في سوريا عشية هذه الحرب، مما دفع حكامها للتحرش بإسرائيل. وهناك خشية أن يلجأ النظام السوري إلى تسخين الجبهة مع إسرائيل، أو أن يضغط على حزب الله وحركة حماس للقيام بذات المهمة كمخرج أخير لتفادي السقوط.


  6. اندلاع حرب أهلية أثناء الانتفاضة أو بعد سقوط النظام يحمل في طياته خطر تشكل عصابات مسلحة، ستتجه للعمل المسلح ضد إسرائيل، وسيكون من الصعب جداً على إسرائيل الضغط عليها عسكرياً لعدم وجود عنوان سلطوي واحد وجامع، كما هو الحال مع النظام الحالي.


  7. في حال سقط النظام، فإن هناك خطرا داهما يتمثل في إمكانية سيطرة جماعات " غير مسؤولة " على الترسانة العسكرية السورية، لاسيما المخزون السوري من الصواريخ، التي يغطى مداها جميع المدن في إسرائيل. ومما يفاقم هذا الخطر تأكد إسرائيل من أن الكثير من هذه الصواريخ مزودة برؤوس كيماوية.


  8. حتى لو تأسس نظام ديمقراطي في سوريا في أعقاب الأسد، فإن هذا سيضاعف الضغوط العالمية على إسرائيل للانسحاب من هضبة الجولان، كجزء من تسوية شاملة للصراع.


  9. الخشية من أن يؤدي سقوط نظام الأسد إلى التأثير سلباً على استقرار نظام الحكم في الأردن، الذي يعتبر أوثق حلفاء إسرائيل في المنطقة، والذي ينطوي سقوطه على تهديد وجودي لإسرائيل، لدوره الحاسم في تأمين الحدود الطويلة جداً التي تفصل الأردن عن فلسطين، والتي يتطلب تأمينها دفع كل ألوية المشاة المختارة في الجيش الإسرائيلي لتنفيذ هذه المهمة، في حال غاب التعاون الأردني.


  10. سقوط النظام السوري، بعد سقوط نظام مبارك، وفي حال تبعه تغيير صيغة الحكم في الأردن عبر تحوله إلى ملكية دستورية، يعني مواجهة تل أبيب خطر " القوس السني "، الذي سيضم حزاما من الأنظمة المعادية لإسرائيل، ابتداءً من مصر وانتهاءً بتركيا.

مسوغات المتحمسين لسقوط النظام
أما المتحمسون لسقوط النظام السوري، فيرون أن غياب هذا النظام عن الساحة سيعوض إسرائيل بعضاً من خسائرها الناجمة عن سقوط نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وتتمثل " الفوائد "  التي ستجنيها إسرائيل – حسب هذا الفريق – في التالي:






  1. حتى لو تأسس نظام ديمقراطي في سوريا في أعقاب الأسد، فإن هذا سيضاعف الضغوط العالمية على إسرائيل للانسحاب من هضبة الجولان، كجزء من تسوية شاملة للصراع.
    إسقاط النظام السوري يمثل ضربة قوية للمحور الإيراني في المنطقة، حيث ستفقد طهران موطأ قدم هام جداً يسمح لها بالتواصل مع حلفائها الآخرين: حزب الله وحركة حماس. فموانئ سوريا ومطاراتها تستخدم في نقل السلاح الإيراني لحزب الله، علاوة على أن سوريا تمنح الغطاء السياسي لحركات المقاومة الفلسطينية عبر السماح لها باتخاذ دمشق مقراً لقياداتها، مع العلم بأن إيران تمثل في الوقت الحالي أكبر تهديد إستراتيجي لإسرائيلي.


  2. سيؤدي سقوط النظام السوري إلى حدوث تغيرات جوهرية في موازين القوى داخل الساحة اللبنانية وسيعزز من مكانة فريق الرابع عشر من آذار القريب من الغرب، في الوقت الذي سيتقلص فيه هامش المناورة أمام حزب الله، وسيتخلى عنه كثير من حلفائه، لاسيما أولئك الذين اقتربوا منه بسبب وقوف سوريا خلفه. وسيؤدي هذا التطور إلى طرح مسألة سلاح حزب الله بقوة في الجدل الداخلي اللبناني، وسيكون بالإمكان تطبيق بنود قرار مجلس الأمن 1701، المتعلقة بمنع تهريب السلاح إلى حزب الله عبر الحدود مع لبنان، وهذا يمثل مصلحة إسرائيلية من الطراز الأول.


  3. على الرغم من مخاطر حالة الفوضى التي قد تنشب في أعقاب سقوط النظام، فإنه مما لا شك فيه أن هذا الحدث يمثل تحولاً إيجابياً هائلاً في البيئة الإستراتيجية لإسرائيل، على اعتبار أن هناك احتمالا كبيرا أن تتفكك الدولة السورية وتصاب مؤسساتها بالشلل، مما يعني أن أي نظام سيخلف النظام الحالي سيجد نفسه مضطراً لقضاء وقت طويل في محاولات استعادة الاستقرار والعافية.


  4. على الرغم من أن النظام الحالي يتجنب التصادم المباشر مع إسرائيل، إلا أنه في المقابل معني ببقاء حالة الصراع، ويتهرب من التسوية السياسية له، على اعتبار أن بقاء الصراع يساعد في صرف أنظار السوريين عن الاهتمام بالشأن السياسي الداخلي، لاسيما قضية استئثار الأقلية العلوية بالحكم.


  5. لا يوجد أساس متين للاعتقاد بأن الإخوان المسلمين هم الذين سيتولون مقاليد الأمور بعد سقوط النظام، فالجماعة لم تتعاف من الضربة القاصمة التي تلقتها مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. في نفس الوقت، فإن 40% من السوريين ينتمون لأقليات مذهبية ودينية وقومية، فلا يوجد للإخوان عليهم أي تأثير، فضلاً عن وجود تأثير قوي للعلمانيين داخل صفوف السنة.


  6. حاجة النظام الجديد للمساعدات الخارجية ستجعله أكثر اعتدالاً تجاه إسرائيل.

القواسم المشتركة بين الفريقين
هناك عدد من القواسم المشتركة التي يتفق عليها المحذرون من سقوط النظام السوري والمتحمسون له، وتتمثل في التالي:



  1. سواءً تمكن النظام السوري من تجاوز الانتفاضة الشعبية المنادية بالحرية، أم أدت إلى سقوطه، يتوجب على إسرائيل التراجع نهائياً عن فكرة الموافقة على الانسحاب من هضبة الجولان مقابل أي اتفاق تسوية بين إسرائيل وسوريا، بسبب حالة انعدام اليقين التي ستسود هذا القطر لفترة طويلة.


  2. التراجع نهائياً عن فكرة عقد اتفاقيات تسوية مع أنظمة استبدادية في العالم العربي، على اعتبار أنه لا يوجد احتمال أن تحترم الأنظمة التي ستحل محلها هذه الاتفاقيات.


  3. سقوط الرهانات على عقد اتفاقية تسوية مع سوريا يستوجب إحداث تغيير جوهري على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، يستجيب للمخاطر والفرص التي تنطوي عليها التحولات في الإقليم.

موقف دائرة صنع القرار



يمكن القول أن الزخم الذي بات يميز الثورات الهادفة لفرض بيئة مواتية للتحول الديمقراطي في العالم العربي يجعل إسرائيل غير قادرة على التقاط أنفاسها.
بخلاف الملفات الأخرى التي يوجد للمستوى العسكري تأثير كبير في بلورة المواقف بشأنها، مثل الملفين الفلسطيني واللبناني، فإنه من ناحية تقليدية احتكر ديوان رئاسة الوزراء البت في مسألة التعاطي مع سوريا.

وعلى الرغم من أن نتنياهو لم يحرص فقط على عدم إبداء موقف علني مما يجري في سوريا، بل إنه وبّخ الوزراء الذين تفوهوا بشأن ما يجري هناك، وأصدر قراراً يلزم الوزراء وكبار موظفي الدولة بعدم الإدلاء بأي تصريحات بهذا الخصوص. لكن هذا القرار تحديدا، ضمن مؤشرات أخرى، يدلل على أن نتنياهو يميل بشكل واضح للفريق الذي يرى نظام الأسد " الأفضل ضمن خيارات سيئة".


وبكل تأكيد يأخذ نتنياهو بعين الاعتبار حقيقة أن الأصوات الصادرة عن ذوي الاختصاص المهني من جنرالات ورجال استخبارات في الاحتياط وفي الخدمة، وكبار المستشرقين المؤسساتيين تبدي حماساً لبقاء نظام الأسد. والذي يجعل نتنياهو يميل لهذا الخيار حقيقة أن ما حدث في سوريا، وبغض النظر عن نتائجه النهائية يمثل مسوغاً لتبرير رفضه الانسحاب من هضبة الجولان في أي تسوية مع سوريا؛ ثم إن النظام السوري إن تمكن من البقاء سيكون ضعيفاً مما  يضفي " صدقية " أكبر على هذا الرفض.


آليات التحرك الإسرائيلي لتقليص الأضرار
من الواضح إن دوائر صنع القرار في تل أبيب لا تكتفي بتوصيف الأضرار المحتملة والناجمة عن سقوط النظام السوري، بل هي قد شرعت بالتحرك بالفعل لضمان تقليص هذه الأضرار. وعلى الرغم من أن التحركات الإسرائيلية الرسمية تتسم بالسرية الشديدة، فإن إسرائيل الرسمية شرعت بالفعل بإجراء اتصالات سرية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لثنيها عن اتخاذ موقف صارم تجاه نظام الأسد. بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قد رصدت معالم هذا التحرك الإسرائيلي الرسمي، رغم غطاء السرية الكثيف الذي يتم فيه. فنتنياهو لا يريد تكرار تجربة تدخله الفج والعلني عند اندلاع الثورة المصرية، عندما أرسل البرقيات والموفدين على عجل للولايات المتحدة وأوروبا تحمل طلب الإبقاء على مبارك. ويدركون في محيط نتنياهو الآن أن هذا التدخل العلني بالذات قد أساء كثيراً لمبارك ونظامه، لدرجة جعلت الإدارة الأمريكية ترسل برسالة شديدة اللهجة لنتنياهو. والذي يساعد نتنياهو في تحركه الخفي هذا حقيقة أن جميع قادة الدول الأوروبية يشيرون بهذا الشكل أو ذاك إلى نفس المحاذير التي رصدها الفريق الإسرائيلي المتحمس لبقاء الأسد.


قنوات سرية إسرائيلية: مقترح "ثوري"
لكن هناك من المقربين لدوائر الحكم من يقدم مقترحات "ثورية" للتعاطي مع الأوضاع السورية الحالية، وبعض هؤلاء يقترحون على نتنياهو أن يستغل الوضع القائم ومحاولة فتح قناة اتصال سرية مع النظام السوري، وأن يعرض عليه صفقة قوامها التالي: أن تساعد إسرائيل النظام بشكل سري على البقاء عبر علاقاتها الدولية والإقليمية، مقابل فك النظام ارتباطه بإيران والمقاومة الفلسطينية وحزب الله، دون أن يتم تضمين الصفقة أي التزام بشأن مصير هضبة الجولان. أحد الذين يقفون وراء هذا الاقتراح هو إيتمار رابينوفيتش، سفير إسرائيل الأسبق في واشنطن، والذي رأس الوفد الإسرائيلي المفاوض مع سوريا عام 1998، وأحد مراجع الاستشراق الهامة، لاسيما فيما يتعلق بسوريا.


وحسب رابينوفيتش فإن هناك احتمالا بأن تغري الصفقة الأسد الذي يعي أنه لا يقاتل من أجل عدم إسقاط نظام حكم، بل يحرص على عدم سقوط طائفة بأكملها، على حد توصيفه.


معضلة الترسانة السورية
في حال سقط النظام السوري، فإن أكثر الأسئلة أهمية التي تطرح إسرائيليا: كيف بإمكاننا تفادي انتقال الترسانة العسكرية الكبيرة السورية لأيدي جماعات وتنظيمات مسلحة معادية لإسرائيل، لاسيما وأن هذا قد يمثل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل. وعلى الرغم من أن المداولات التي تجرى بهذا الشأن تتم داخل أكثر أروقة صنع القرار ومحافل التقدير الإستراتيجي سرية، إلا أنه يمكن القول أن إسرائيل ستلجأ للتالي لمواجهة هذه المعضلة:



  1. تستغل إسرائيل حالة الفوضى المرتقبة بعد سقوط النظام في تدمير مخازن السلاح ومنظومات الصواريخ، ومرابض الطائرات السورية، مستغلة المعلومات الاستخباراتية التي بحوزتها، وعبر عمليات سرية، لا يظهر أثرها فيها.


  2. يحاول الموساد تصفية الأشخاص المرتبطين بتطوير برامج تطوير الأسلحة، سواءً الصواريخ التقليدية أو الكيماوية، وهذا سيمثل تكرارا لما حدث في العراق بعيد سقوط نظام صدام حسين.


  3. استغلال الظروف الطارئة وتوجيه ضربات قاصمة لقيادات المقاومة الفلسطينية في دمشق.






العسكرية الإسرائيلية أمام واقع الجديد



قدرة الكيان الصهيوني على تلافي مخاطر التحول الديمقراطي في العالم العربي محدودة للغاية، وهي في كل الأحوال أقل بكثير من الطاقة الكامنة في هذه التحولات.
مما لاشك فيه أن سقوط النظام السوري سيفرض على المؤسسة العسكرية والاستخباراتية في إسرائيل خطط عمل جديدة لمواجهة التحديات الناجمة عن الواقع الجديد. وإن كان الجيش يطالب بإضافة عشر مليارات دولار على موازنته العامة بشكل عاجل لمواجهة التحديات الناجمة عن سقوط نظام مبارك، فإنه يمكن القول أن الجيش سيطلب مبلغاً مماثلاً في أعقاب سقوط نظام الأسد، وهذا سيثقل كاهل الخزانة الإسرائيلية، وسيؤثر على مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمستوطنين، ناهيك عن التحولات في نشر القوات في شمال إسرائيل.

خلاصة
يمكن القول أن الزخم الذي بات يميز الثورات الهادفة لفرض بيئة مواتية للتحول الديمقراطي في العالم العربي يجعل إسرائيل غير قادرة على التقاط أنفاسها، وهي باتت تعيش حالة عصف ذهني متواصل في سعيها لتقليص الأضرار الناجمة عن هذه التحولات. لكن مما لا شك فيه أن قدرة الكيان الصهيوني على تلافي مخاطر التحول الديمقراطي في العالم العربي محدودة للغاية، وهي في كل الأحوال أقل بكثير من الطاقة الكامنة في هذه التحولات.
___________________
باحث في الشؤون الإسرائيلية





ABOUT THE AUTHOR