اتفاق الإطار حول دارفور ومآل الانتخابات السودانية المقبلة

تشهد الساحة السودانية جدلا حول إجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها، و يغذي هذا الجدل عدم حسم أي من القضايا الجوهرية المتصلة بأزمات السودان ومنها قضيتا دارفور والجنوب، والتي ستنعكس تأثيراتهما وأشياء أخرى على موعد الانتخابات أو على طريقة إجرائها.
21 March 2010







 

المسلمي الكباشي


انفتحت في الثالث والعشرين من فبراير/شباط الماضي كوة من الأمل بقرب نهاية مأساة دارفور عبر توقيع "اتفاق الإطار" بين حركة العدل والمساواة – أكثر الحركات المسلحة فى دارفور فاعلية- والحكومة السودانية، واستبشرت بذلك خيرا مختلف الأطراف المعنية وسائر وسائل الأعلام معتبرة إياه أهم اختراق يسجل في مسالة دارفور منذ مايو/أيار 2006، تاريخ توقيع "اتفاق أبوجا" المتعلق بالسلام في دارفور، بين الحومة السودانية و"حركة تحرير السودان" بقيادة مني أركوي مناوي.


غير أن موجات التفاؤل أخذت في التراجع بعد مضى أكثر من أسبوعين دون الولوج إلى مفاوضات جادة تمس جوهر القضايا والمحاور التي تعرقل حل أزمة دارفور، مع العلم أن الاتفاق الإطار حدد الخامس عشر من مارس/آذار موعدا أخيرا للوصول إلى اتفاق سلام شامل.





إجراء انتخابات فى دارفور فى مثل هذه الظروف وقبل تحقيق الوفاق، يعتبر قفزا على واقع سياسي وأمني بالغ التعقيد، خاصة وأن مفوضية الانتخابات سبق أن اعترفت بعدم إجراء التعداد السكاني في أكثر من عشر دوائر بدارفور
والعقبة التي اعترضت سبيل التفاوض في الدوحة، كانت إصرار الوساطة المشتركة على فتح مسار تفاوضي مع حركة العدل والتحرير (التي يرأسها د. التجانى السيسي، وهى مجموعة حركات معارضة للحكومة اندمجت فى الدوحة مؤخرا) بالتوازي مع المسار التفاوضي الرئيسي الذي تجريه الوساطة مع حركة العدل والمساواة، حيث إن الأخيرة ترفض فتح مسار آخر مع سواها وتريد حصر التفاوض معها، حتى أنها هددت بمغادرة الدوحة في حال وقعت الحكومة السودانية اتفاق إطار آخر مع العدل والتحرير.

وبهذا الفيتو حالت حركة العدل والمساواة برئاسة خليل إبراهيم ، ولو إلى حين، دون تركيز الوساطة المشتركة على حركة العدل والتحرير، ودفع الوساطة إلى توزيع أسئلة للطرفين تحدد الإجابة عليها مواضع الاتفاق ودرجة الاختلاف، حتى تبني عليها لاحقا إستراتيجيتها في إدارة التفاوض.


ومهما يكن من أمر فإن الأثر الارتدادي على خطوة الدوحة، الاتفاق الإطار، كان هو ارتفاع  أصوات كثيرة من داخل المعارضة السودانية وغيرها بضرورة تأجيل الاستحقاق الأهم، ألا وهو الانتخابات التي جرت آخر مرة فى السودان منذ حوالي ربع قرن من الزمان. وذلك -كما يقولون- كي يتاح لدارفور الالتحاق "بالاستحقاق الانتخابي"، الذي غدا السبيل الوحيد لتولى السلطة السياسية والتشريعية.


وقد احتدم الجدل بين القوى السياسية حول هذه النقطة، حيث ترى المعارضة المكونة مما يسمى (لقاء جوبا) في التأجيل أمرا بدهيا إن أريد تجاوز مشكلة دارفور إلى حل مستديم وثابت، غير أن المؤتمر الوطني اعتبر ما تدعو إليه المعارضة ضربا من ضروب الهروب من المواجهة الانتخابية، مع الإشارة إلى أن الرئيس السوداني عمر البشير قد قال بإمكانية إجراء انتخابات تكميلية في دارفور إن تم التوقيع على اتفاقية سلام.


وعلى العموم فإن منطق تأجيل الانتخابات يستمد قوته من عدد من العناصر أهمها:


1- تجنب انتهاك الدستور
وتفصيل ذلك أنه إذا كانت الانتخابات هي السبيل الوحيد لكسب الشرعية السياسية للقوى التي ينتظر أن تحكم البلد، وبالتالي تحقيق غاية الاستقرار السياسي، فإن دارفور التي تعتبر أحد أهم مواقع الاضطراب في السودان ولسنوات، هي الأولى بالمشاركة في الانتخابات. خاصة وأن هذه المرحلة هي مرحلة انتقال من نظام الانفراد السياسي بالحكم إلى مرحلة يغدو فيها صندوق الانتخاب هو السبيل الوحيد لتولى السلطة السياسية والتشريعية، وعليه ليس من المناسب اعتماد سبيل آخر بإشراك أو إلحاق آخرين بهذه المواقع دون انتخاب، وبالتالي انتهاك الدستور بدلا من تعزيزه.


2- الضعف الأمني وعدم تحقق التوافق
حيث أن إجراء انتخابات فى دارفور فى مثل هذه الظروف وقبل تحقيق الوفاق، يعتبر قفزا على واقع سياسي وأمني بالغ التعقيد، خاصة وأن مفوضية الانتخابات سبق أن اعترفت بعدم إجراء التعداد السكاني في أكثر من عشر دوائر بدارفور، إضافة إلى أن ضمانات الأمن خارج المدن الرئيسية مما لا تستطيع أن تقطع به أية جهة، حيث أن الاضطراب الأمني لا ينقطع ومن ذلك على سبيل الإشارة، الاشتباك الذي وقع مؤخرا مع دورية من قوات (اليوناميد) في منطقة جبل مرة من قبل قوى مسلحة مجهولة استطاعت أن تستولي على كميات من الأسلحة الثقيلة والخفيفة.


3- رغبة الأحزاب الكبيرة بالتأجيل
من الواضح أن الأحزاب السياسية المعارضة وخاصة الكبيرة منها (حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي) ليست على استعداد لمواجهة المؤتمر الوطني لأسباب عدة، أهمها:



  • أنها ترى في مفوضية الانتخابات –كما في الأجهزة الأخرى- رديفا لمؤسسات المؤتمر الوطني وتشكك باستقلالها عنه، خاصة وأن المفوضية المذكورة قد اشترطت على الأحزاب الاستئذان من الأجهزة الأمنية – الشرطة – لممارسة أنشطتها الدعائية.


  • وترى هذه الأحزاب أن توزيع الزمن الدعائي في وسائل الإعلام الرسمية غير عادل، حيث منحت ثلث ساعة في اليوم، في حين أن أنشطة الحكومة تنقل على مدى ما تبقى من زمن البث. كما أن هذه الأحزاب تشكو أصلا من ضعف التمويل وأنه يحول دون قدرتها على توفير آليات الدعاية ونفقات التطواف على جماهيرها في بلاد شاسعة، وبالتالي لن تستطيع أن تواجه الدعاية الانتخابية للحزب الحاكم.

4- أزمة "الحركة الشعبية" الانتخابية
هناك من يعتقد أن هناك أسبابا قد تدفع الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب لتأجيل الانتخابات أو للقبول بتأجيلها ضمنا. فالحركة من المتوقع أن تعانى آثارا انتخابية قد تهدد تماسكها المستقبلي: حيث ترشح للانتخابات أكثر من 360 من قادتها على لائحة المستقلين بعد أن ضاقت بهم قوائم مرشحي الحركة، واتجاهات الرأي ترجح فوز غالبيتهم. وقد واجه المكتب السياسي للحركة هذه الظاهرة بفصل هؤلاء وبطردهم من صفوف الحركة، الأمر الذي اعتبره المراقبون مؤشرا على إمكانية تشظي الحركة الشعبية على خلفية هذا الإجراء.


5- احتمال الانفصال وتداعياته



كلما ساد الاعتقاد أن تطورا إيجابيا ما قد حصل وقد يشكل ومضة أمل في اتجاه حل الأزمة السودانية، يولد عنصر جديد أو أكثر ليخلق تعقيدات أخرى.
يلقي احتمال الانفصال وقيام دولة فاشلة في جنوب السودان بثقله الأمني على دول الجوار والإقليم، مما حمل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى أن يطلب من الرئيس السوداني، عند زيارته الأخيرة لأسمرا، تأجيل الانتخابات. ووعد الرئيس الإريتري بحمل ذات الطلب إلى الحركة الشعبية فى الأسبوع القادم، وذلك على الرغم من أن المؤتمر الوطني الحاكم لا يزال يعلن تمسكه برفض التأجيل. ولا يستبعد أن طرح الرئيس الإريتري جاء مدعوما بضوء أخضر -وإن كان خافتا- من المؤتمر الوطني، وربما كان هذا الضوء من أطراف داخل المؤتمر الوطني ترى أن هذا الطرح، أي التأجيل وبالكيفية التي يمكن أن يتحقق بها، قد يعطي المؤتمر شرعية ما في المرحلة المقبلة من عمره في الحكم.

6- الاتفاقيات المتصلة بالانتخابات
وكذلك كانت تأمل مجموعة الإيغاد التي انعقد مؤتمرها منذ أيام أن يتم تأجيل الانتخابات، بيد أنها اصطدمت بالموقف المتشدد للمؤتمر الوطني المطالب بالانتخابات وبالرغبة العارمة للحركة الشعبية فى الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب فى موعده. حيث أكد سلفاكير ميارديت رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة جنوب السودان أمام القمة الطارئة للايغاد بنيروبي يوم 9 مارس/آذار 2010 أن تقرير المصير للجنوب يمثل أولوية مطلقة، وأن تأجيل الانتخابات يجب ألا يؤثر على الاستفتاء المرتقب فى يناير/ كانون الثاني 2011، الأمر الذي يعني أن الحركة الشعبية ليست معنية بالدرجة الأولى بالانتخابات إلا إذا كانت بمثابة خطوة ضرورية للاستفتاء، ويرى سلفاكير "أنها ليست شرطا مسبقا للاستفتاء"، مع العلم أن شرط أسبقية الانتخابات للاستفتاء نصت عليها اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي وهو ما يتمسك به المؤتمر الوطني وبقوة.


وأمام إصرار شريكي الحكم على إنفاذ أجندتهما لم تجد قمة الإيغاد بدا من تشجيع الطرفين على المضي قدما في تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاقية نيفاشا، ومن ذلك إجراء الانتخابات في موعدها في أبريل/نيسان القادم، وإجراء الاستفتاء في موعده المقرر في يناير/كانون الثاني من العام القادم، بل ودعمت هذه التوجهات بالتوجه والإسراع في تكوين مفوضية الاستفتاء، وهكذا لم تجد مطالبات حركة العدل والمساواة والقوى السياسية المعارضة كافة بتأجيل الانتخابات صدى في قمة الإيغاد.


وهكذا كلما ساد الاعتقاد أن تطورا إيجابيا ما قد حصل وقد يشكل ومضة أمل في اتجاه حل الأزمة السودانية، يولد عنصر جديد أو أكثر ليخلق تعقيدات أخرى، وإن كانت الجهود الأخيرة لا تزال مثابرة ولن تعدم الأمل بتحقيق خرق مهم في جدار أزمة دارفور.
_______________
مدير مكتب الجزيرة بالسودان