طالبان وأفغانستان في مرحلة ما بعد بن لادن

ستلجأ طالبان بعد بن لادن لتغيير سياستها تجاه القاعدة، باعتبار أن العلاقة الشخصية بين الملا عمر وبن لادن لم تعد قائمة، وسنرى استعدادا أكبر من واشنطن وطالبان للانخراط في جهود المصالحة، حيث كان بن لادن أحد العوائق التي تحول دونها.
1_1069157_1_34.jpg

 

ألكس فان لنشتن وفيلكس كوهين

إن وفاة بن لادن قد تكون لحظة فاصلة لتنظيم القاعدة، لكنها قد تكون تغييرا طفيفا بالنسبة للحرب في أفغانستان ولطالبان كذلك.

وهذا ليس تقليلا من أهمية الغارة الأميركية (مهما كانت رمزيتها)، بل لأن ظروفها جعلت علاقة الولايات المتحدة مع باكستان، والمبرر الرئيسي لتمديد وجود القوات الأجنبية داخل أفغانستان، موضع تساؤل.

يبدو أن بن لادن نفسه لم يكن يؤدي دورا رئيسيا في إدارة العمليات اليومية لمنظمته –إذ يعتقد بعض الخبراء أنه ربما أراد أن يكون الوضع هكذا- بيد أن قيمته كانت تتمثل في تقديم مستوى معين من التماسك الأيديولوجي لمختلف الجماعات المتباينة بالإضافة إلى القيمة الدعائية لاستمرار إفلاته من قبضة متعقبيه.

إن وفاة بن لادن قد تكون لحظة فاصلة لتنظيم القاعدة، لكنها قد تكون تغييرا طفيفا بالنسبة للحرب في أفغانستان ولطالبان كذلك.
وأما بالنسبة لقيادة حركة طالبان الأفغانية فإن وفاته تأتي في لحظة مناسبة؛ حيث كانت الولايات المتحدة والحكومات الأخرى تعيد النظر في موقفها من المفاوضات، بما يتيح إجراء تعديل في علاقاتها مع المنظمات المتشددة التي تتخذ من باكستان مقرا لها.  كما أنها تأتي في وقت تُبدي فيه كوادر طالبان السياسية العليا -وعلى نحو متزايد- إشارات مختلفة من الابتعاد عن المقاتلين الأجانب في تنظيم القاعدة وفروعها أو اعتماد الازدواجية في الموقف والخطاب تجاههم. مع العلم أن المزاج السياسي في الولايات المتحدة وأوربا أصبح أكثر ميولا لنوع من المصالحة السياسية مع قيادة طالبان المتمركزة في منطقة كويتا.

رد فعل طالبان على مقتل بن لادن
تأثير مقتل بن لادن على العمليات اليومية
القاعدة في أفغانستان بعد مقتل بن لادن
علاقة أميركا وطالبان بعد مقتل بن لادن
التداعيات المترتبة على إستراتيجية طالبان
الآثار المترتبة على المصالحة
استنتاج

رد فعل طالبان على مقتل بن لادن 

أصدرت حركة طالبان حتى مطلع يونيو/حزيران 2011 ثلاثة بيانات رسمية مكتوبة متعلقة بوفاة بن لادن (1)، ولم يعالج أي منها القضايا الموضوعية الرئيسية المثارة في أعقاب الحادثة، بل ركزت على صرف الانتباه مرة أخرى إلى الحرب في أفغانستان.

فقد صدر بيان أولي مقتضب جدا في 3 مايو/أيار، على ضوء عدم وجود تأكيد من المقربين من بن لادن حول وفاة الأخير، وأعلن المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد أنه سيكون "من السابق لأوانه" إصدار بيان رسمي حول هذا الموضوع، نظرا لعدم كفاية الأدلة المقدمة من الولايات المتحدة (2).

وصدر بيان ثان أطول يوم 7 مايو/أيار، أي بعد ما يقرب من أسبوع من وفاة بن لادن، ممهور بتوقيع  "مجلس القيادة" (3). ويبدو أن سبب التأخير ناجم جزئيا عن مشاكل في الحصول على توافق في الآراء من مختلف أعضاء المجلس -حيث كانت الاتصالات محجمة، والهواتف مغلقة في الأيام التي تلت وفاة بن لادن-. تضمن البيان اقتباسات قرآنية متوقعة، ولقَّب المجلس فيه بن لادن بـ"الشهيد الكبير"، و"الداعي إلى الجهاد الاسلامي ضد الكفار الغزاة". وهناك تذييل يشير إلى سيرته بأنه شارك في الجهاد ضد السوفييت "وقاتل جنبا إلى جنب مع الأفغان"، و"قدم التضحيات"، وكان "من المناصرين المتحمسين لفلسطين المحتلة"، وأنه قاتل ضد "الاعتداءات المسيحية واليهودية على العالم الإسلامي".

تمت صياغة كل ذلك في خطاب يؤكد على الإسلام ووحدة الهدف، ويعترض فيه المجلس مرة أخرى على فكرة أن موت بن لادن والحزن عليه سوف يثني الناس في أفغانستان لأن "بذرة الجهاد دائما تنمو وتزدهر عندما يرويها المجاهدون بدمائهم الزكية". هذا الكلام يذهب بالمناقشة بعيدا عن أعمال بن لادن، ويعيد تركيز الاهتمام على الحرب داخل أفغانستان. وعلى نفس المنوال المعتاد كرروا القول بأن الغارة كانت "ضربة من قبل الاستعمار"، وأنها "ستستدر التعاطف وتدفع إلى الرد"، بما يعيد الخطاب للتركيز مرة أخرى على الوضع الأفغاني، ويرى أن "الحقائق على أرض الواقع تدل على أن استخدام القوة لا يأتي إلا بعواقب عكسية هنا"، وعليه فإن "الحركة الشعبية" سترد في الربيع المقبل بنفس القدر الذي تعرضت له من الضغط والحصار. خلاصة القول، من المتوقع أن يعطي هذا الحدث "زخما جديدا للجهاد".

لم يتطرق البيان في مجمله للمسائل الأساسية التي يمكن أن توضح وجهة نظر طالبان الأفغانية من تنظيم القاعدة، ويبدو أنه أخذ بالاعتبار الجهتين اللتين يتوجه الخطاب إليهما، وهما: الاسلاميون المتشددون الآخرون الذين دعموا بن لادن، والغرب بقيادة الولايات المتحدة. وحاول البيان لفت الانتباه مرة أخرى إلى أن الحرب في أفغانستان هي "حرب ضد الاستعمار"، أو "حرب ضد الغزاة".

ولكن المثير للاهتمام في البيان هو أن ما غاب عنه أكثر أهمية مما تطرق إليه؛ فعلى سبيل المثال لم يرد ذكر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، ولم يرد ذكر لباكستان ولا للادعاءات حول صلة حركة طالبان بتنظيم القاعدة.

ثم صدر بيان ثالث كمقال يعبر عن رأي الحركة فيما حدث يوم 11 مايو/أيار (4)، ولم يكن بالتالي ممهورا بتوقيع الحركة، وكان بطبيعة الحال أقل وزنا من البيانات السابقة، إلا أنه عكس موقف الحركة المتشدد، وأشار مرة أخرى إلى بن لادن بأنه "شهيد"، وأن مقتله جزء من "الحملة الصليبية المستمرة ضد الأمة الإسلامية على مدى سنوات العقد الماضي"، وأنه كان "قمة في الشجاعة ومناصرا للأمة الإسلامية"، وأمضى جزءا كبيرا من حياته "يسعى جهده لتخليص المسلمين من مخالب الكفر وإنجاز التحرير" (مع الإشارة بالتحديد إلى الأراضي "المحتلة")، وساعد بالتالي في "مهمة تربية وتدريب وتوعية وتجهيز المجاهدين".

ثم يتوسع البيان ليقول: إن الجهاد سيستمر طالما "الكفار الغزاة مستمرون في طموحاتهم الاستعمارية ضد الأمة الإسلامية". كل هذا -كما يقول الكاتب- جزء من التخلص من "الاحتلال"؛ ومن ثم التهيئة لإيجاد "الحكم الإسلامي".

النقطة المركزية في بيان طالبان مفادها أن هناك حملة صليبية جارية ضد الأمة، وهي الرؤية التي عمل بن لادن والقاعدة على إشاعتها منذ منتصف التسعينيات. وفي هذا السياق لابد من معرفة فهم حركة طالبان الأفغانية لمفهوم الجهاد كواجب -أي إلى أي مدى تشترك طالبان اليوم في العقيدة التي طرحها عبد الله عزام في منتصف الثمانينيات، والتي تؤطّر للجهاد كفرض عين على جميع المسلمين أينما تعرضت أراضي المسلمين للهجوم؟ (5)

يُظهر سجل حركة طالبان الأفغانية على مدى السنوات العشر الماضية التركيز الحصري على أفغانستان، وتشجيع الآخرين على الانضمام إلى "جهادهم" لإعادة جهاد الثمانينيات ضد الاتحاد السوفييتي. وبما أن المسائل العقائدية ليست ثابتة –كما هو واضح في تطور حركة طالبان على مدار السنوات العشر الماضية من التسعينيات إلى ما بعد 2001- فإن الموقف الذي ستتخذه طالبان بمجرد أن تسيطر على البلد بأكمله أو في أعقاب أي نوع من التسوية، سيكون مفتوحا للتكهنات.

إذن، أي من هذه البيانات لا يعالج معالجة حقيقية القضايا الرئيسية التي أثارها مقتل بن لادن، ولكن عودتنا طالبان أن تأخذ وقتا طويلا للرد على الحوادث الكبرى من هذا القبيل.

تأثير مقتل بن لادن على العمليات اليومية 

لن يترك مقتل بن لادن على العمليات الميدانية الجارية من قبل قادة طالبان والمقاتلين إلا آثارا ضئيلة، لأن طالبان مستقلة من حيث التمويل والتدريب والمراكز اللوجستية، كما أنه من الصعب أن نرى مآلات الأمور على المدى القصير. ومن الراجح أن الشخصيات الطالبانية الأفغانية لم تكن على اتصال مع بن لادن، على الرغم من ادعاء إحدى الشخصيات في الحركة خلاف ذلك (6).

بالنسبة لقيادة حركة طالبان الأفغانية فإن وفاة بن لادن تأتي في لحظة مناسبة؛ حيث كانت الولايات المتحدة والحكومات الأخرى تعيد النظر في موقفها من المفاوضات، بما يتيح إجراء تعديل في علاقاتها مع المنظمات المتشددة التي تتخذ من باكستان مقرا لها.
وكنا قد اتصلنا بقائد بارز في طالبان في إقليم هلمند خلال الساعات الأولى التي أعقبت إعلان الرئيس أوباما النبأ، وأجابنا بأنه لم يسمع بالخبر (7). ومع ذلك قال: إنه ليس معنيا بالأمر مرددا: "نحن نقاتل من أجل الملا محمد عمر... إنه أميرنا ولم نقاتل من أجل أسامة بن لادن، ووفاته لن تؤثر بنا، وسوف نستمر في كفاحنا".

كما تحدثنا إلى قادة طالبان ومقاتليها وغيرهم ممن ينتمون إلى الحركة، وكان ردهم جميعا مماثلا: إنهم لم يقاتلوا من أجل بن لادن في المقام الأول، وأن مساهمة بن لادن ومقاتلي تنظيم القاعدة متدنية جدا في العمليات اليومية داخل أفغانستان. وعلى كلٍّ فالأدلة التي بحوزتنا تؤيد حتى الآن هذه المزاعم: أن تدخل تنظيم القاعدة في القتال اليومي كان في حده الأدنى ويقتصر على بعض المناطق وبعض الجماعات الفرعية لطالبان. ومنذ وفاة بن لادن واصلت طالبان هجومها الربيعي الذي سبق أن أعلنت عنه يوم 30 إبريل/نيسان، وأسمته "بدر" تيمنا بغزوة بدر. علما أن ما يسمى "الهجوم الربيعي" وغيره من العمليات التي شنتها طالبان منذ انطلاقتها، شهدت تحولا في التركيز، وأثبتت قدرة الحركة على شن هجمات وعمليات معقدة. انظر الملحق للوقوف على قائمة بأبرز الأمثلة المتعلقة بهذا الشأن.

ثمة ديناميكيات مماثلة كانت تجري حتى خلال التسعينيات، فابن لادن ساهم بالمقاتلين وبعض الدعم اللوجستي لحركة طالبان خلال أواخر التسعينيات في محاولة لتقوية صداقته مع زعيم طالبان الملا محمد عمر، ولم يكن أكثر من مجرد دعم يتيم تلقته الحركة. وعلى الرغم من أن الاثنين لا يلتقيان وجها لوجه أيديولوجيا، كان بن لادن حريصا على دعم استمرار وجود طالبان -ولاسيما أنه قد استفاد منها بالاستمرار في البقاء في أفغانستان- غير أن العديد من داخل قيادة طالبان سعوا للحد من نفوذ بن لادن ومن وجوده في البلاد، إلى حد محاولة إيجاد وسيلة لحمله على مغادرتها. وعمل بن لادن أحيانا أيضا على استقدام علماء من الخليج إلى أفغانستان من أجل تدعيم مكانة طالبان الدينية، التي كانت موضع انتقاد متزايد في ذلك الوقت من قبل جماعات إسلامية كثيرة (8).

القاعدة في أفغانستان بعد مقتل بن لادن 

على المدى القصير، لا شك أن كبار أعضاء القاعدة وفروعها ستعمل على الحد من تحركاتها، خاصة أنهم لا يعرفون ما إذا كانت أجزاء كبيرة من الشبكة قد انكشفت خلال العملية التي تم فيها قتل بن لادن، أو ما إذا كان هناك أي معلومات بيانية -عن الاتصالات والمواقع- مخزنة في مجمع بن لادن.

وبالنسبة لباكستان، فإن تنظيم القاعدة الباكستاني وخاصة على مستوى المقاتلين العاديين، سيكون تأثير مقتل بن لادن عليه محدودا؛ فقد شاهدنا بالفعل على سبيل المثال، تزايدا لمشاركة مقاتلي عسكر طيبة في نورستان خلال الأسابيع الأخيرة (9).

على المدى البعيد، سيكون المقاتلون الأجانب أكثر عرضة للخطر في كل من أفغانستان وباكستان، لاسيما القيادات منهم؛ فالغارات التي تشن بطائرات بدون طيار تمضي بلا هوادة –حيث لقي إلياس الكشميري مصرعه الأسبوع الماضي (10) - ولا يزال من الممكن أن تشن أميركا غارات عسكرية منفردة ومن جانب واحد فحسب (11). ومع ذلك، تظل باكستان الخيار الأكثر أمانا للمقاتلين الأجانب؛ مع الإشارة إلى الضربات الجوية التي استهدفت معاقل هؤلاء المقاتلين في ولاية زابل الشهر الماضي، وأوضحت مقدار صمودهم في مواقعهم داخل أفغانستان.

إن أكبر تهديد لتنظيم القاعدة هو التعهد بالتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض مع حركة طالبان الأفغانية وحركة حقاني(**) أو مع الأخيرة فحسب، إضافة إلى التهديد الضمني لهؤلاء من قبل شخصيات إسلامية باكستانية (12).

ووفاة بن لادن تعني أيضا القليل نسبيا من حيث التأثير على الصلات والاتصالات القائمة بين مختلف الجماعات الجهادية المسلحة على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان، لأن هذه الصلات أصبحت في مرحلة ما بعد 2001 شخصية إلى حد كبير أكثر من كونها نتيجة ولاء لمجموعة بن لادن نفسها أو لتنظيم القاعدة، ولن تؤثر على قدرة حركة طالبان الأفغانية أو الحقانيين على العمل كمجموعة.

وبهذا المعنى، كانت وفاة إلياس الكشميري أكثر أهمية في أنه كان "العقدة" التي تربط مختلف المجموعات ببعضها البعض، وإن لم يكن دائما بطريقة نشطة.

ميدانيا على أرض الواقع، تشهد أماكن محددة فحسب داخل أفغانستان زيادة في التواصل -على الرغم من أنه يتم أساسا عن طريق أتباع تنظيم القاعدة الباكستاني وليس تنظيم القاعدة نفسه- مثل ولايات زابول، ونورستان ووارداك، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

علاقة أميركا وطالبان بعد مقتل بن لادن 

أفسحت وفاة بن لادن أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما مساحة أكبر للمناورة (على الأقل من حيث أفغانستان، وعدد القوات التي يمكن سحبها في يوليو/ تموز). كما اتسعت مساحة التفاوض أيضا، وأصبح المسؤولون الأميركيون أكثر استعدادا لقبول وجود مثل هذا النوع من المناقشات، وشهدنا استمرارا لها على سبيل المثال، مع مسؤولين كبار من طالبان في ألمانيا مؤخرا.

وعزز نجاح هذا النوع من العمليات الذي استُخدم ضد بن لادن من احتمال اعتماده وتكراره في المستقبل، لاسيما ضد أهداف كبيرة جدا، مثل القائمة التي قدمتها هيلاري كلينتون خلال زيارتها لباكستان &