أزمة شمال مالي.. انفجار الداخل وتداعيات الإقليم

تأتي أزمة مسلحي الطوارق بشمال مالي ودعوتهم الانفصالية بعد مقتل حليفهم العقيد القذافي وعودتهم من ليبيا بعتاد عسكري كثير لتلقي بظلالها على دول شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي... وسيكون لتطورات هذه الأزمة تأثيرات أمنية وسياسية على هذه الدول فضلا عن تأثيراتها الإنسانية.
201228131135450580_20.jpg
سيكون لأزمة مسلحي الطوارق بشمال مالي ودعوتهم الانفصالية تأثيرات أمنية وسياسية على دول شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي فضلا عن تأثيراتها الإنسانية (الجزيرة)

يأتي هذا الفصل الجديد من الصراع بين متمردي الطوارق والحكومة المالية في ظرف سياسي حساس يتمثل في سنة استحقاقات برلمانية ورئاسية من المتوقع أن تبدأ في 29 ابريل/نيسان 2012، وإن كان المجلس الدستوري المالي لم يحسم بعد فيما إذا كانت تلك الانتخابات ستقام في آجالها القانونية أم سيفرض الوضع الأمني المضطرب تأجيلها لأجل غير مسمى.

كما يأتي هذا الفصل الجديد من الصراع بين متمردي الطوارق ليكون الرابع في سلسلة حروب بعضها طاحن نشبت بين الطرفين كانت أولاها سنة 1963 ضد نظام موديبو كيتا الشيوعي، وهو أول رئيس لدولة مالي المستقلة، بينما كانت الثانية ما بين (1990-1996) وانتهت باتفاقية بين المتمردين الطوارق وحكومة موسى تراورى في تمنراست بالجزائر في يناير/كانون الثاني 1991، والتي استكملت بملحقات سميت بالميثاق الوطني بعد أن تجدد الصراع بين الطرفين بعد الاتفاقية الأولى. ثم في 23 مايو/ أيار 2006 اندلع الفصل الثالث من الصراع بعد أن أعلن كل من الزعيمين المتمردين إبراهيم أغ باهانغا والحسن فاغاغا الحرب من جديد ضد الحكومة المالية بعد فشل وساطة غير معلنة قام بها زعيم طارقي آخر هو إياد أغ غالي، وفشل فيها بإقناع الرئيس الحالي آمادو توماني تورى بالمطالب التي قدمها زعيما التمرد في لقاء جمع الاثنين في 22 مايو/أيار 2006 في قصر كولوبا الرئاسي.

انتهى هذا الفصل من الصراع بعد توقيع اتفاقية للسلام في الجزائر في يوليو/تموز 2006 التي أنهت رسميا تمرد الطوارق ولكن وكما في المرات السابقة اضطر الطرفان أيضا لقبول وساطة ليبية أسفرت عن ما سمي بـ"بروتوكول تفاهم" وقع عليه الطرفان في 20 مارس/ آذار 2008 في طرابلس بليبيا، وهو ما وضع حدا للأعمال العدائية التي سببها هجوم قام به المتمردون الطوارق على مركز عسكري للجيش المالي وقع على بعد 150 كلم شمال كيدال، كبرى مدن الشمال المالي وهو ما شكل خرقا لاتفاقية الجزائر.

الفاعلون الرئيسيون في التمرد الطارقي

ترتكز المطالب التي يقدمها مسلحو الطوارق في كل هذه الفصول المتقطعة من الحرب والاتفاقيات والسلام على رفع الغبن والتهميش الذي يقولون إن الحكومة المركزية في باماكو تمارسه عليهم. كما ترتكز الحركة الوطنية لتحرير أزواد على أربعة مكونات رئيسية تشكل القوة الضاربة عسكريا لها، وهي:

أولا: المجندون الماليون والنيجريون من أصول طارقية ممن كانوا يخدمون تحت إمرة الزعيم الليبي، وكانوا يعملون في وحدة خاصة تسمى الوحدة 32 يقودها نجل الزعيم الليبي الراحل خميس القذافي. وكانت آخر مجموعة من هؤلاء المجندين الماليين قد عادت في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2011 واضطرت السلطات الإقليمية في كيدال إلى استقبالهم لدمجهم في الجيش النظامي المالي.

ثانيا: المجندون السابقون في تحالف 23 مايو/ أيار 2006 الذي كان يرأسه إبراهيم أغ باهانغا قبل موته الغامض في أغسطس/آب الماضي في حادث سيارة عائدا من ليبيا -حسب الرواية الرسمية المالية والجزائرية- سواء الذين انضموا للجيش النظامي المالي تطبيقا لاتفاقات السلام وملحقاتها والذين هربوا منه عند اندلاع الأزمة الأخيرة أو من لم يدخلوا الجيش النظامي أصلا وتمسكوا بسلاحهم بعد اتفاقية الجزائر 2006. وينحدر غالبية زعماء ومجندي هذه الحركات من قبيلة "أيفوغاس" وهي قبيلة طارقية قليلة العدد ولكن نفوذها السياسي في الشمال المالي واسع جدا.

ثالثا: حركة أنصار الدين الأزوادية التي يعتبر زعيمها الآن: إياد أغ غالي أقدم وأبرز زعيم للمتمردين الطوارق بعد رحيل أغ باهانغا ومقتل القائد بركة شيخ، العضو في التحالف الديمقراطي لـ23 مايو/أيار من أجل التغيير الذي يمثل تمرد الطوارق السابق، والذي عثر على جثته في 11 أبريل/نيسان 2008 قرب مدينة كيدال، وكاد مقتله يعجل بأتون الحرب التي اندلعت الآن. زعيم هذه الحركة هو رفيق سلاح للقادة التاريخيين للمتمردين الطوارق، وقد عينته الحكومة المالية قنصلا عاما لمالي في جدة في خطوة قيل إنها سعي من الرئيس المالي توماني تورى لإبعاد أغ غالي عن مركز قوته في كيدال قبل أن تطرده المملكة العربية السعودية لاتهامه بالقيام بمهام صنفتها المملكة "بالتخريبية".

وتسعى حركة أنصار الدين "التبليغية" حسب بعض المصادر في أزواد إلى "ضرورة إظهار الحالة الدينية الإسلامية للشعب الأزوادي" وذلك بتطبيق الشريعة وإقامة حكم إسلامي في أزواد. وقد توحدت مع الحركات الطوارقية الأخرى التي ليس لها توجه ديني نتيجة لالتقاء مصالح الطرفين إضافة لكون عدوهما واحد وهو الحكومة المالية.

رابعا: الدور الخفي الذي يلعبه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في توفير الدعم اللوجستي لبعض القيادات التي تنشط الآن في هذا الصراع، رغم حرص كل القيادات والمتحدثين باسم المتمردين الطوارق سواء في الداخل أو في دول الشتات في أوروبا على نفي أي صلة لهم بتنظيم القاعدة. ويحرص كل طرف على اتهام الطرف الأخر بالتعاون السري مع التنظيم الإرهابي لتسجيل نقاط عند الأطراف الإقليمية أو الدولية التي يشكل التحرك الحر للتنظيم في دول الساحل والصحراء تهديدا لمصالحها. إلا أن تقارير انفردت مصادر صحفية مالية بنشرها مؤخرا تؤكد مشاركة بعض قادة التنظيم المسلح في عمليات قتل بشعة استهدفت أفرادا من الجيش المالي.

طرف آخر خامس: وهو طرف أخير، ليس بالمسلح ولم يشارك ميدانيا في النزاع القائم، ويتمثل في بعض الأعيان والموظفين السامين في الإدارة الإقليمية للشمال المالي كالحكام وعمد البلديات أو الدبلوماسيين السابقين، وينحدرون في مجملهم من قبائل العرب والطوارق الذين يشكلون الغالبية العظمى لسكان الشمال المالي الذي يمثل حوالي 70% من مساحة البلاد المقدرة بـ 1 241 238 كلم مربع. من أبرز هؤلاء الرموز الوزير السابق في حكومة موسى اتراوري حمّه آغ محمد، وكذلك أحمد ولد سيد محمد وهو دبلوماسي موريتاني سابق، إضافة لشخصيات عسكرية ومدنية أخرى هربت من مناطق الصراع خوفا من التصفية من طرف القوات المالية أو المواطنين الماليين الزنوج الذين شاهدوا ما فعل متمردو الطوارق بأبناء جلدتهم من الزنوج.

رحيل العقيد القذافي وأولى تجلياته الإقليمية

يأتي تجدد الصراع بين الطرفين في هذه المرحلة في سياق تداعيات سقوط نظام القذافي وما نتج عنه من عودة لآلاف المسلحين الطوارق الذين وظفهم الزعيم الليبي الراحل داخليا في قوات الشعب المسلح، أو خارجيا في حروبه المباشرة مع التشاد أو في مناطق اشتباك خارجة كليا عن منطقة الساحل مثل لبنان.

كانت بداية هذا الفصل من الصراع بين الطوارق والنظام المالي في منتصف شهر يناير/كانون الثاني 2012 ويشبه في بدايته بداية تجدد الصراع عام 2008 حيث هاجمت الحركة الوطنية لتحرير أزواد القوات العسكرية المالية في 17 من يناير/كانون الثاني 2012 في مدينة "مناكا"، التي تعد ثالث أهم مدينة في إقليم "أزواد"، من حيث الكثافة السكانية والأهمية الإستراتيجية بعد مدينتي تمبكتو وغاوه.

وتعد هذه الحركة -حسب المتابعين للشأن الطوارقي- أكبر تجمع مسلح أنشأه الطوارق على الإطلاق: إذ يندمج فيه لأول مرة جل العرب والطوارق تحت لواء تنظيم واحد يمثل الأقاليم الثلاثة المسماة بـ"أزواد" والتي تضم كلا من تمبتكو، غاوه، وكيدال. ويضم هذا التكتل الجديد أسماء مغمورة ليست من القيادات التاريخية للمتمردين الطوارق مثل بلال أغ شريف، الأمين العام للحركة، ومحمود أغ عالي رئيس مكتبها السياسي، وعبد الكريم أغ متافا رئيس مجلسها الثوري، وربما يعود ذلك لكونهم من العناصر الجديدة للحركة المتمردة.

تاريخيا كانت مطالب المتمردين الطوارق تقتصر على تحسين ظروف العيش وتشجيع التنمية في الشمال المالي وهو ما كانت الحكومات المالية تجادل فيه بدعوى محدودية الموارد الاقتصادية للبلد كله. هذا عدا مسألة الهوية والتمثيل في الحكومة والإدارات الحكومية وهو ما بذلت فيه الحكومة المالية جهودا معتبرة. إلا أن عودة المقاتلين الطوارق من ليبيا وسط أجواء الربيع العربي جعلهم –وهم الممثلون في الحركة الوطنية لتحرير أزواد- يرفعون سقف مطالبهم عاليا ويطارحون مسألة "تقرير المصير" و"الاستقلال" علنا لأول مرة. حيث جاء في أول بيان تصدره الحركة أن الحركة قامت بالهجوم على القوات المالية كرد على الاستفزازات التي تقوم بها الحكومة في باماكو المتمثلة في عسكرة إقليم "أزواد" وبناء الثكنات وإرسال المزيد من القوات العسكرية للإقليم بدل التركيز على مستحقات السلام التي بموجبها التزمت الحكومة المالية ببناء الطرق والمدارس وتحسين ظروف عيش سكان الإقليم. ولهذا "تختلف مطالب الحركة عن سابقاتها في تسعينيات القرن الماضي التي تمكن النظام المالي من إخمادها، وكذا عن تلك التي أطلقها منتصف العام 2006 القائد العسكري الأزوادي إبراهيم أغ باهانغا، لكونها استفادت من كل التجارب ولن تقبل الالتفاف مرة أخرى على مطالبها" كما جاء في تصريحات لرئيس مكتبها السياسي محمود أغ عالي. حيث أكد أغ عالي أن المطلب الرئيسي للحركة هو الانفصال عن دولة مالي لأن "سكان الإقليم يختلفون عرقيا وثقافيا عن بقية سكان البلاد".

يشكل ارتفاع سقف المطالب لمتمردي الطوارق لحدود "تقرير المصير والاستقلال" خطرا كبيرا يهدد وحدة وانسجام الدول المجاورة بل وحتى غير المجاورة لمالي: (السنغال، موريتانيا، الجزائر، التشاد، النيجر، ساحل العاج، غينيا، المغرب، ليبيا...). فلو اعتبرنا "الاختلاف العرقي والثقافي" -كما ورد في بيان المتمردين- مبدأ للانفصال لانشطرت كل دولة من دول الساحل الصحراوي والشمال الإفريقي إلى دولتين على أقل تقدير. وذلك نظرا لتداخل الهويات الإثنية والثقافية بل وحتى الدينية كما في حالة الجوار الجنوبي والغربي لمالي. ولعل هذا ما دفع دول الجوار الإقليمي عدا موريتانيا تسعى جاهدة لاحتواء هذه الأزمة بين الطرفين، آملة أن تكون هذه الأزمة سحابة عابرة كما في السابق. إنسانيا سبب الصراع الأخير بين الطرفين أزمة كبيرة ما زالت تداعياتها تتوسع كل يوم بسبب تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الماليين، وقد قدرتهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيان أصدرته بهذا الشأن بأزيد من عشرين ألف لاجئ توزعوا على النيجر (10.000)، موريتانيا (9.000)، بوركينافاسو (3.000).

السنغال... الجار قبل الدار
في انعكاسات الأزمة على دول الإقليم تنشغل الساحة السياسية في السنغال الواقع غرب مالي بأزمة داخلية يسقط فيه الضحايا بشكل يومي تقريبا في مظاهرات يومية تخوضها حركة 23 يونيو/ حزيران المعارضة لإعادة ترشح الرئيس الحالي عبد الله واد لفترة رئاسية ثالثة كما أفتى بذلك المجلس الدستوري السنغالي الذي لم يقر ترشح المغني الشهير يوسو اندور الذي يعده البعض أبرز منافس له في الانتخابات التي ستجرى جولتها الأولى في 26 فبراير/شباط 2012.

ورغم هذه الانشغالات فقد عبرت الحكومة السنغالية عن مساندتها الفعلية لجارتها مالي وأرسلت تعزيزات عسكرية لمساعدة القوات المالية في دحر قوات المتمردين الطوارق التي كبدت الجيش المالي خسائر معتبرة وطردته من مواقعه الرئيسية في الشمال كما أوردت مصادر صحفية موريتانية.

مفاوضات في الجزائر
وفي الجزائر التي ظلت ترعى بشكل حصري جميع اتفاقيات السلام السابقة الموقعة بين الطرفين، دعت الحكومة  الجانبين لوقف إطلاق النار ودعتهما للجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للأزمة. وهذا ما استجابت له حكومة باماكو سريعا وأرسلت بالفعل وفدا برئاسة وزير الخارجية المالي سومايلو بوباي مايغا الذي حل بالجزائر العاصمة في 2 فبراير/شباط 2012 للقاء ممثلين عن حركات التمرد الأزوادية ومنهم ممثلين عن تحالف 23 مايو والحركة الوطنية لتحرير أزواد.

تأتي دعوة الجزائر السريعة للطرفين المتصارعين للجلوس على طاولة التفاوض تخوفا من أي انفصال قد يحدث في جارتها الجنوبية الذي سيؤثر بلا شك على وحدتها الترابية نتيجة للروابط الإثنية والتاريخية بين المكون الأمازيغي الذي ينتشر في بلدان المغرب العربي الخمسة. لهذا يعقد المراقبون آمالا كبيرة على المبادرة التي تقدمت بها الدبلوماسية الجزائرية مبكرا لحل أتون هذه الأزمة التي لا تكاد تنطفئ حتى تشتعل من جديد.

حياد موريتانيا.. بين التصريحات الرسمية والتسريبات الصحفية

في موريتانيا، الجار الشمالي لإقليم "أزواد" المضطرب، نأت الحكومة الموريتانية على لسان وزير خارجيتها حمادي ولد حمادي بنفسها عن الصراع المتفجر في الشمال المالي واصفة الصراع بأنه: "شأن داخلي مالي لا علاقة لدول الجوار به". وجاء هذا التصريح في ختام اجتماع دوري لدول الساحل المعنية بمكافحة نشاط تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في المنطقة والمعروفة بدول الميدان عقد في نواكشوط الثلاثاء 24 يناير/كانون الثاني 2012.

لكن وزير الخارجية الموريتاني، الذي شغل مأمورية طويلة في وزارة الدفاع، صرح تصريحا ثانيا في حديث له مع إذاعة فرنسا الدولية أربعة أيام بعد تصريحه الأول قائلا: "إن الطوارق لم يحاربوا دولة أجنبية، ولديهم مطالب واضحة بشأن الهوية". كان الوزير هنا يقارن بين وضع المتمردين في الشمال المالي وبين وضعية وأهداف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لكن هذا التصريح الثاني اعتبر مثيرا للجدل إن لم يكن مساندا ومتفهما لأهداف المتمردين الطوارق وهم طرف في الأزمة المالية التي صرح أمام وزير خارجيتها أنها مسألة داخلية.

قبل أخذ النظام الحالي الذي يقوده الجنرال محمد ولد عبد العزيز للسلطة كان تقليد الدبلوماسية الموريتانية هو أن تنأى بنفسها ما أمكن عن التدخل –سلبيا- في الصراعات الإقليمية العربية منها أو الإفريقية لكن مع قدوم الجنرال ولد عبد العزيز، الذي تتهمه المعارضة الموريتانية باختزال كل صلاحيات أعضاء الحكومة في شخصه، تغير الوضع بشكل جذري ليقود الجنرال نفسه مبادرات تسوية في كل من ساحل العاج وليبيا.

لكن تصريح وزير خارجيته، المقرب جدا من الدوائر العسكرية الموريتانية، جاء ليعزز الشكوك التي تطرحها وبقوة أطراف داخلية، سياسية وإعلامية، بخصوص دعم لوجستي وإعلامي قوي يقدمه الجنرال شخصيا للمتمردين الطوارق وهذا ما سيكون سابقة في تاريخ كل الأنظمة الموريتانية السابقة.

وخلاصة هذه الاتهامات، التي تستفيض الصحف المالية في تقديم تفاصيلها، تتمثل في مخطط قدمته المؤسسة العسكرية والأمنية الموريتانية للمتمردين الطوارق من أجل إقامة كيان مستقل في منطقة "أزواد" وتعكف أطراف أمنية وعسكرية موريتانية بالتنسيق مع بعض الوجوه السياسية من الطوارق والعرب لتحقيق هذا الهدف حسب المصادر الإخبارية المالية.

وما زالت حدود هذا المخطط ومراميه رهينة التسريبات والتحقيقات الصحفية المالية ولم تعلق الحكومة في باماكو رسميا على هذه التسريبات، إلا أن انعكاسها ميدانيا كان سريعا حيث تعرضت الجالية الموريتانية في مالي بداية فبراير/شباط 2012 لهجمات من غوغاء مالية بسبب هذه التقارير الصحفية. كما لم تعلق الحكومة الموريتانية بالنفي أو التأكيد على مثل هذه التقارير.

إلا أن زيارة  الوزير الفرنسي للتعاون الدولي هينري دي رينكور لنواكشوط يوم العاشر من فبراير/ شباط 2012 ضمن زيارة إقليمية تقوده لكل من مالي والنيجر وموريتانيا يمكن قراءتها على أنها محاولة لاحتواء هذا التوتر قبل أن يأخذ شكلا علنيا خصوصا بعد ما نقلت إذاعة فرنسا الدولية أن الوزير الفرنسي سيطلب من النظام الموريتاني تخفيف لهجته تجاه الجارة مالي وأن تقوم نواكشوط أيضا بتوظيف علاقاتها مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، بهدف تسهيل حوار بين أطراف النزاع في مالي.

مآلات الصراع.. الجوار المالي وإيقاع أزمة الطوارق

سيفتح استقلال إقليم "أزواد" –لو تم- الباب واسعا أمام سيناريوهات عديدة بالنسبة لدول المنطقة كلها ابتداء من مالي مرورا بموريتانيا والجزائر وانتهاء بالسنغال، فبوركينافاسو والنيجر.

إن مسألة الهوية والأقليات الإثنية والدينية تشكل خطرا داهما على وحدة واستقرار جميع دول الساحل الإفريقي ودول شمال إفريقيا.

ففي السنغال مثلا يتجدد الصراع التاريخي بين الحكومة السنغالية وانفصاليي حركة القوات الديمقراطية في منطقة كازامانس جنوب البلاد، وسيشكل أي انفصال في دولة مجاورة حجة قوية لمطالب هذا الإقليم الملتهب.

أما في موريتانيا التي تربطها حدود تقدر بألفي كيلومتر بمالي فسيطرح انفصال إقليم "أزواد" تحديا جديدا بخصوص الهوية الغير منسجمة بين المكونين العربي والزنجي، وحتى داخل المكون العربي نفسه الذي يضم شريحة "البيضان" وشريحة "الحراطين" وهم مجموعة هجينة ذات أصول زنجية وثقافة عربية. حتى ولو خفت حدة التوتر الاجتماعي فإنه في حالات التوتر العرقي التي تشهدها البلاد بسبب ما يسمى في موريتانيا "الإرث الإنساني" وهي المجازر والإعدامات الخارجة عن القانون التي تعرض لها مئات الجنود والضباط الزنوج في تسعينات القرن الماضي، تظهر من حين لآخر دعوات تطرح اختلاف الهوية والتهميش السياسي والاجتماعي كمبرر لانفصال الزنوج عن الكيان الموريتاني الهش.

وتجد هذه الدعوات مصداقيتها في الإحصاء المثير للجدل الذي تقوم به الحكومة الموريتانية حاليا والذي تنشط حركة زنجية لم ترخص لها الحكومة الموريتانية حتى الآن وتعرف باسم "لا تلمس جنسيتي" في معارضة هذا الإحصاء. هذا عدا عن ما يشاع عن دعوات أطلقتها منظمة مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" وهي منظمة حقوقية موريتانية ناشطة في مجال مكافحة الرق، لعقد مؤتمر إقليمي لشريحة الحراطين يسمى الكونغرس العالمي للحراطين على غرار الكونغرس الأمازيغي العالمي نهاية هذا العام 2012.

في النهاية تبقى جدية ومصداقية هذه التخوفات الانفصالية مرهونة بمآل الأزمة المستمرة التداعيات عسكريا وإنسانيا في الشمال المالي وطبيعة الحلول التي سيخرج بها الطرفان اللذان دخلا في مفاوضات اعتمادا على أوضاع مازالت تتغير كل يوم.

ويبقى الأمل منحصرا في جدية الطرفين المتصارعين في إيجاد رؤية ترضي الطرف المالي الذي اعتبر رئيسه في خطاب وجهه للجنود الماليين في جبهات القتال نهاية الشهر الماضي أن وحدة التراب الوطني التي يدافعون عنها مسألة لا رجعة فيها عارضا استعداد حكومته التعامل مع كل المطالب التي يطرحها المتمردون الطوارق عدا مسألة الانفصال. ومن جهة أخرى لا بد أن تستجيب باماكو للمطالب المشروعة لسكان الشمال المالي الذين وجدوا في عودة آلاف المجندين الليبيين من ليبيا ورقة رابحة لاستخدامها في هذه المرحلة من صراعهم التاريخي مع الحكومة المركزية في باماكو.
_____________________
الحاج ولد إبراهيم-صحفي وباحث موريتاني في شؤون الإعلام والاتصال

ABOUT THE AUTHOR