الجزائر والوضع المعقد في منطقة الساحل: منع الحرب ومكافحة الإرهاب

يشعر الجزائريون بقلق من التدخل الأجنبي المحتمل في مالي؛ إذ سيضاعف الأزمة، ويعتقد الجزائريون أن فصل حركات الطوارق المختلفة عن المجموعات الإرهابية أمر ضروري، فحوار بين أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير أزواد مع حكومة باماكو كفيل بعزل المنظمات الإرهابية وحلفائهم.
2012112895650783734_20.jpg
يشعر الجزائريون بقلق من التدخل الأجنبي المحتمل في مالي؛ إذ سيضاعف الأزمة، ويعتقد الجزائريون أن فصل حركات الطوارق المختلفة عن المجموعات الإرهابية أمر ضروري (الجزيرة)

مقدمة

أدخلت الأزمة في منطقة الساحل، وخاصة الوضع في الشمال المالي، الجزائرَ في تحدٍّ لم يسبق له مثيل منذ اندلاع الحرب في الصحراء الغربية في السبعينيات ثم الحرب الأهلية في التسعينيات؛ حيث أثار الوضع في مالي التي تمتلك حدودًا مع الجزائر تصل إلى حوالي ألف كلم مخاوف جديدة ليس فقط للجزائر وجيرانها ولكن أيضًا لأوروبا والولايات المتحدة. صحيح أن الحرب في ليبيا لم يكن لها دور مباشر في اندلاع هذا الصراع إلا أنها بالفعل أدت لتفاقم الوضع في منطقة كانت تشهد وضعًا مضطربًا منذ زمن.

منطقة الساحل: "ممر لكل الأخطار"

صرّح مسؤول جزائري في السابق بأن منطقة الساحل "ممر لكل الأخطار" خصوصًا بالنسبة لبلاده التي تشترك في حدود واسعة مع هذه المنطقة الكبيرة والسائبة، التي ينتعش فيها تهريب الأسلحة والسجائر والمخدرات والاتجار بالبشر. كما شهدت المنطقة عمليات اختطاف متعددة كان هدفها الرئيسي رعايا غربيين وذلك بغية تحصيل فِدى مالية كبيرة لشراء الأسلحة والعتاد إلا أنه في إبريل/ نيسان 2012 تم اختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين بمن فيهم القنصل العام الجزائري في مدينة غاو في الشمال المالي، وقد أُفرج عن ثلاثة منهم في يوليو /تموز 2012 وبقي أربعة منهم محتجزين (قيل: إن أحدهم أُعدم لأن الجزائر رفضت دفع فدية للخاطفين كانوا يطالبون بها)، والمعروف أن الجزائر تجرّم بشدة دفع الفدى المالية للخاطفين.

تُعتبر دول منطقة الساحل الإفريقي من بين أفقر بلدان العالم رغم ما تتوفر عليه من موارد طبيعية تشمل المعادن (الحديد، النفط، اليورانيوم...) وموارد طبيعية أخرى، وهذا ما يفسر الاهتمام الخاص الذي تُولِيه القوى الكبرى لهذه المنطقة. توجد عوامل عدة تفسر هذا الاهتمام بالمنطقة، منها: 

  1. الموارد الطبيعية التي تتنافس عليها القوى التقليدية والناشئة في العالم (الصين، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الهند، البرازيل). 
  2. وجود الحركات الجهادية وعلى رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وما يواجه هذا الحضور من ضعف وهشاشة للسلطة في دول الساحل. 
  3. إمكانية تحول المنطقة ملاذًا آمنًا للإرهابيين وتحولها لـ "ساحلستان" وهي تسمية بعيدة المنال نظرًا لاختلافات الجغرافيا السياسية بين أفغانستان ومنطقة الساحل حتى مع وجود حركات إرهابية مثل منظمة بوكو حرام النيجيرية التي يمكنها التدريب وإعداد عمليات إرهابية على المستوى الإقليمي والدولي. 
  4. قضية الطوارق الذين يمثلون أقليات في كل من الجزائر، وبوركينا فاسو، وتشاد، وليبيا، والنيجر، وهذه القضية مدعاة اهتمام كبير عند الجزائر.

 الجزائر وقضية الطوارق

منذ فترة طويلة كانت منطقة الساحل الشغل الشاغل للحكومات الجزائرية لأسباب متعددة حيث كانت الجزائر قلقة جدًا إزاء تطور الأحداث فيما يتعلق بقضية الطوارق وارتباطها بالأحداث في الشمال المالي في أعقاب سقوط نظام القذافي في ليبيا. قضية الطوارق ليست جديدة إلا أنها اتخذت أبعادًا خطيرة منذ خريف 2011. أدى الاستعمار الفرنسي للمنطقة إلى إعادة رسم حدود دول المنطقة ثم تقسيمها وبالتالي شتّت السكان الطوارق في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي والساحل.

ورغم تشتت الطوارق في المنطقة إلا أنه بقيت بعض الروابط تجمعهم نظرًا لحركة الانتجاع الموسمية في أنحاء دول المنطقة. وقد اعترفت الحكومة الجزائرية بحقوق الطوارق في أواخر الستينيات وشعرت بالاستياء من تصرفات القذافي الذي سمح بإنشاء معسكرات تدريب للطوارق وتشجيعه ظهور حركة طارقية مستقلة بل وحتى دولة مستقلة للطوارق؛ وذلك كوسيلة لتوسيع نفوذه في المنطقة على حساب منافسيه وخصوصًا الجزائر. لعل أبرز تداعيات الحرب الأهلية في ليبيا كان العودة الجماعية للمقاتلين الطوارق في أغسطس/آب 2011 والمجهزين تجهيزًا جيدًا ويتمتعون بخبرة قتالية متطورة، وقد رجعوا إلى كل من مالي والنيجر مما زاد المخاوف الأمنية عند الجزائر التي طالما كانت الإدارة الفعالة للقضية الطارقية إحدى ركائز إستراتيجيتها في المنطقة. وهذا ما يفسر عدم الرضا في الجزائر العاصمة عن الطموح الطارقي في إنشاء كيان مستقل في المنطقة.

بينما ينظر صانعو القرار في الجزائر بتعاطف مع الطوارق في مالي إلا أنهم ينظرون بريبة لمطالب الطوارق بحكم ذاتي أو الاستقلال؛ لذلك لم يكن من المفاجئ الموقف السلبي للجزائر بعد إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن استقلال إقليم أزواد عن دولة مالي في إبريل/نيسان الماضي رغم هذا التعاطف الذي أشرنا إليه. وهذا الموقف متسق مع سياسة الجزائر التي ترفض التعامل مع الحركات الانفصالية أو أي تكتل سياسي، أو اجتماعي أو عِرقي يحمل مطالب يمكن أن تهدد الوحدة الوطنية أو الحوزة الترابية المعترف بها دوليًا لدول المنطقة. نجحت الجزائر ومنذ الستينيات في دمج مواطنيها الطوارق في العملية السياسية من خلال تمثيل الوجهاء في البرلمان أو هياكل جبهة التحرير الوطني، وتوطين السكان في المدن الجنوبية، وتوفير البني التحتية الحديثة اللازمة، وتحسين ظروفهم المعيشية لأن مغريات الانفصال تهدد بالفعل الأمن القومي الجزائري ووحدة أراضيها. ولهذا السبب لعبت الجزائر دورًا رئيسيًا في الوساطة بين الطوارق في الشمال المالي والحكومة المركزية في باماكو في 1990، و2006 وأخيرًا في 2012. 

يُعتبر الموقف الجزائري الرافض لأي تدخل أجنبي في المنطقة موقفًا مبدئيًا في السياسة الخارجية الجزائرية، ولكنه في نفس الوقت ناتج عن التخوف من أن يؤدي هذا التدخل لنتيجة عكسية مثل تعزيز الفكر الجهادي للحركات الإسلامية وتوحيد المشاعر الانفصالية. لذلك سيكون السيناريو المثالي كما تراه الجزائر في إيجاد حل سياسي يضمن فصل كل من جماعات الطوارق ممثلين في الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة أنصار الدين من جهة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد من جهة ثانية. الأساس المنطقي لهذا السيناريو هو أن هذا الفصل سيمكّن دول المنطقة من ضرب عصفورين بحجر واحد فمن جهة سيمكّن من معالجة المطالب المشروعة للطوارق ومن جهة أخرى سيمكّن من ضرب الحركات الإرهابية بمساعدة ممكنة من الحركات الطارقية. إضافة لذلك يمكن لأي تدخل أجنبي أن يزعزع الاستقرار في المنطقة المضطربة أصلاً على الحدود الشاسعة للجنوب الجزائري. تعتبر الجزائر في إحدى ركائز سياستها المتعلقة بقضية الطوارق أنه على دول وحكومات المنطقة معالجة المطالب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية المشروعة للأقلية الطارقية في كل منها. وفي الحقيقة كان عدم التزام الرئيس المالي أمادو توماني تورى بالتطبيق الحرفي للاتفاقات التي توسطت فيها الجزائر بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق سببًا رئيسيًا في تفجير الأحداث بين الطرفين في بداية 2012 والتي أدت لتقهقر الجيش المالي ومن ثم الانقلاب العسكري الذي أطاح بتوماني توري نفسه.

مما لا شك فيه أن الانقلاب الذي أدخل مالي في أزمة سياسية مستعرة أجبر الجزائر على إعادة تقييم سياساتها الأمنية على طول الحدود الجنوبية المتسعة مع مالي ومن ثم السعي للتوصل لحل سلمي لهذا النزاع. تسعى الجزائر لاستيعاب مطالبة طوارق مالي بالاستقلال خوفًا من تأثير دومينو الانفصال على شعوب الطوارق المنتشرة في مالي، والنيجر، وليبيا، والجزائر. إضافة لذلك سيؤدي أي تدخل أجنبي إلى تدفق مزيد من اللاجئين على الجزائر التي تستضيف الآن ما يربو على 20,000 لاجئ دخلوا البلاد منذ بداية العام عند اندلاع هذه الموجة من الصراع. ومنذ أن قررت فرنسا ضرورة التدخل العسكري في الشمال المالي للحفاظ على مصالحها في منطقة الساحل سعت الجزائر لإقناع شركائها الأفارقة باستعادة الحوزة الترابية لمالي من خلال الحوار مع الطوارق.

مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل تحت القيادة الجزائرية

مع إدراك السلطات في الجزائر لأهمية حل الصراع الطوارقي فإنها تأخذ أيضًا بعين الاعتبار التحدي الذي يمثله تطور الإرهاب في المنطقة، مثل النشاط المتزايد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الجنوب الجزائري إضافة لحركة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا التي شنّت مؤخرًا هجمات في الجنوب الجزائري. كانت الجزائر تعتقد أن التهديد الذي يمثله الإرهاب قد تم تضخيمه لكنها في الوقت الحالي تعترف بكونه حقيقة واقعة لا يمكن التغاضي عنها سيما مع ظهور حركات عابرة للحدود الوطنية تنشط في الإرهاب وتجارة المخدرات، خصوصًا أن هذه الحركات بدأت في التواصل والتنسيق فيما بينها. مما لا شك فيه أن إمكانية التحالف بين المنظمات الإرهابية والطوارق كما حدث في وقت سابق بين تنظيم أنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على سبيل المثال سيؤثر بشكل واضح على جهود الوساطة الجزائرية لحل قضية الطوارق، وهذا هو السبب الكامن وراء محاولات الجزائر الدءوبة لفصل حركات الطوارق عن الجماعات الإرهابية.

يعتقد صانعو القرار في الجزائر أن منطقة الساحل ليست فقط منطقة حرجة لأمنهم القومي بل أيضًا منطقة نفوذ طبيعي للجزائر، وهو أمر معترف به من قبل الفاعلين الإقليميين في المنطقة الذين لا يمكن مقارنة جيوشهم أو مقدراتهم المالية بجيش أو مقدرات الجزائر، وتلقى الجزائر نفس الاعتراف من القوى الخارجية، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. قام الجزائريون بإشراك البلدان الأساسية في المنطقة (مالي، موريتانيا، النيجر وحتى نيجيريا) في إستراتيجية إقليمية منسقة لاحتواء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكان الهدف من ذلك هو قطع الإمداد والدعم عن الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة. من جهة أخرى سعت الجزائر بدرجة نجاح نسبية لانتزاع التزام من دول المنطقة برؤيتها لحل مشاكل المنطقة والتي ترتكز على تسوية مشاكل المنطقة دون تدخل أجنبي عدا في مجالات قطاعية محددة. لعبت الجزائر دورًا بارزًا في خلق بعض المنظمات الإقليمية مثل لجنة أركان العمليات المشتركة التي يقع مقرها في تامنراست ثم وحدة الاندماج والاتصال التي تُعتبر الذراع الاستخباراتية للهيئة. واجهت هذه الإستراتيجية الطموحة عقبات كبيرة ليس أقلها العلاقات القوية التي تربط بين دول مثل مالي، وموريتانيا والنيجر مع فرنسا، وهو ما يفسر جزئيًا الشكوك التي توجد بين الدول الأساسية في المنطقة. يمكن المجادلة بأن هذه الشكوك والتعامل المزدوج بين الدول الأعضاء في لجنة أركان العمليات المشتركة تشكّل العائقين الأساسيين أمام اتخاذ قرارات أكثر فعالية. إضافة لذلك يشكّل تدخل مجموعة دول غرب إفريقيا "الأكواس" وقربها من فرنسا، وموقفها الساعي للحرب سحبًا للبساط من الجزائريين الذي دفعوا لقبول مبدأ التدخل العسكري في الشمال المالي كملاذ أخير لحل الأزمة ولكن ليس قبل فصل حركات الطوارق عن الإرهابيين ومجموعات التهريب.

على الرغم من كون صانعي القرار في الجزائر لا يرفضون مبدأ التعاون الإقليمي الموسع إلا أن الجزائر تنظر بريبة لمحاولة بعض الأطراف ضم المغرب للجنة أركان العمليات المشتركة أو المنظمات الإقليمية الأخرى؛ وذلك لكون المغرب ليس دولة من منطقة الساحل نظرًا لكون الاعتراف بكون المغرب دولة من منطقة الساحل يشكّل اعترافًا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية التي تقع على حدود منطقة الساحل. علاوة على الصراع القائم بين المغرب والجزائر حول الزعامة الإقليمية وعلاقاتهما المتوترة على أكثر من صعيد وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية مما يعوق توثيق العلاقات الأمنية والعسكرية بينهما.

خاتمة

يشعر الجزائريون بقلق من التدخل الأجنبي المحتمل في مالي؛ لأنه -من وجهة نظرهم- سيزيد من زعزعة الاستقرار وتفجير الأوضاع المتأزمة أصلاً في منطقة الساحل. ويعتقد الجزائريون أن الفصل بين حركات الطوارق الذين لديهم مطالب مشروعة عن المجموعات الإرهابية هو أمر ضروري، كما يرون بضرورة بدء حوار بين منظمة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير أزواد من جهة والحكومة المركزية في باماكو من جهة أخرى. وهذا السيناريو -حسب وجهة نظر الجزائريين- كفيل بعزل المنظمات الإرهابية وحلفائهم من مهربي المخدرات. كما يصرّ الجزائريون على وحدة الحوزة الترابية لمالي، ويرون أنه على السلطات المالية العمل على حل مشاكلها الداخلية. سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الجزائر تعارض بشكل كلي التدخل العسكري في المنطقة أو أنها تتعامل بتراخٍ في مكافحة الإرهاب لأن الجزائريين يجادلون -وبشكل مقنع- بأنهم كانوا -ولسنوات عدة- الضحايا الرئيسيين للمجموعات الإرهابية، ولكنهم يرغبون في إعطاء فرصة للسلام قبل الدخول في حرب من شأنها زعزعة الاستقرار ليس فقط في الجزائر وبلدان الساحل ولكن أيضًا في دول أخرى، مثل: تونس، وليبيا، ومصر التي تشهد تحولات معقدة. يبقى لنا أن ننظر ما إذا كانت جهود الوساطة التي تبذلها الجزائر وبوركينا فاسو بين الطوارق والحكومة المركزية في باماكو ستُكلّل بالنجاح وبالتالي تتجنب المنطقة أتون حرب لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبها.
______________________________________
يحيى زبير - أستاذ العلاقات الدولية في المدرسة العليا للتجارة، مرسيليا، فرنسا

ABOUT THE AUTHOR