الأردن: الطريق الصعب نحو الاصلاح

لم تتمكن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأردنية من امتصاص السخط الشعبي بل جعلت قوى المعارضة تتكاتف، رغم اختلافاتها الأيديولوجية، على مطلب الإصلاح الشامل.
2012121181955314734_20.jpg
لم تتمكن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأردنية من امتصاص السخط الشعبي بل جعلت قوى المعارضة تتكاتف، على مطلب الإصلاح الشامل (الجزيرة)

لا يختلف الوضع السياسي في الأردن عن غيره من الأقطار العربية التي شهدت انتفاضات ثورية خلال العامين الماضيين، من حيث الاستبداد السياسي، والحكم الفردي المطلق، ونشوء نخبة حاكمة سيطرت على اقتصاد البلاد وإدارتها، ومارست الفساد على أوسع نطاق، وفقدت صلتها بشعبها، وحدّت من الحريات العامة من خلال القوانين المؤقتة المخالفة لدستور البلاد نصًا وروحًا، وقمعت المعارضة السياسية، وسعت بمختلف الوسائل الإعلامية التي سخرتها للدفاع عن استبدادها وفسادها، إلى تشويه المطالبة بالإصلاح الشامل والتغيير ومعاقبة الفاسدين واسترجاع ما نهبوه من الأموال العامة، والإساءة إلى سمعة المطالبين بالإصلاح بعامة وقيادتهم بخاصة. ولجأت هذه النخبة الحاكمة إلى أساليب بالية باستدرار عطف العشائر الأردنية وحضها على إعلان ولائها للملك عبد الله الثاني، الذي لا خلاف عليه، في محاولة لإخفاء حقيقة ممارستها الاستبدادية والفاسدة.

قوى التغيير

يمكن إجمال هذه القوى فيما يلي:

  1. يأتي الإسلاميون في مقدمة هذه القوى، ويشملون "جماعة الإخوان المسلمين" وحزبها السياسي "جبهة العمل الإسلامي". من المعروف أن هذا الحزب قد حصل في أول انتخابات نيابية نزيهة أُجريت في البلاد سنة 1989 على نحو 20% من أصوات الناخبين، وعلى تمثيل في المجلس النيابي الأردني آنذاك بعدد من النواب مماثل لهذه النسبة المئوية.

    ولا شك أن أحداث العامين الماضيين في بعض البلاد العربية، ودور الإخوان المسلمين القيادي في المطالبة بالإصلاح الدستوري الذي يرمي إلى جعل الشعب الأردني مصدر السيادة والسلطات، وإلغاء قانون الانتخاب سيء الصيت المعروف "بقانون الصوت الواحد" الذي يعزز العشائرية ويشوه التمثيل الحقيقي للشعب، ومعاقبة الفاسدين واسترداد الأموال العامة التي نهبوها، قد قوَّى من شعبيتهم. وكان لصمودهم واستمرارهم في التظاهر والاحتجاج كل جمعة طوال العامين الفائتين أثر كبير في تقدير الناس لهم، واتساع نفوذهم في الأوساط الشعبية. وظلت جريدة "السبيل" اليومية تنطق بلسانهم وتعبر عن وجهات نظرهم. كما أن قناة "اليرموك" التليفزيونية الأردنية تنطق باسمهم وتروِّج لأفكارهم وللمطالب الشعبية التي ينادون بها.

    صحيح أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، والأخطاء التي ارتكبوها قد أثّرت إلى حد ما على شعبيتهم بصورة سلبية، كما ساهمت الحملات الاعلامية الشرسة التي شنتها الحكومات الأردنية المتعاقبة خلال العامين المنصرمين في إضعاف نفوذهم في الأوساط الشعبية، غير أنني أرى أن رصيدهم في هذه الأوساط لا يقل عن 30% منها.

  2. الفئات الإسلامية الأخرى من تنظيمات سلفية وحزب الوسط الإسلامي التي لا يتجاوز رصيدها الشعبي 5%.
  3. "الجبهة الوطنية للإصلاح" التي يتولى رئاستها المحامي أحمد عبيدات، رئيس الوزراء الأسبق، تضم حزب جبهة العمل الإسلامي، الممثل لجماعة الإخوان المسلمين، والأحزاب القومية التالية: حزب البعث العربي التقدمي، وحزب العمل القومي، والحركة القومية الديمقراطية الشعبية، والأحزاب اليسارية التالية: الحزب الشيوعي الأردني، والحزب الديمقراطي الوحدوي الأردني، وحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، وحزب الوحدة الشعبية الديمقراطية الأردني والحزب التقدمي. وتمثل هذه الجبهة النقابات المهنية في البلاد وقوى اجتماعية مستقلة غير حزبية. ومنذ إنشاء هذه الجبهة في 19 مايو/أيار2011 حتى اليوم، لم تتوان عن التظاهر والاحتجاج في العاصمة الأردنية والمدن الكبرى الأردنية: الزرقاء وإربد والسلط والكرك ومعان والطفيلة كل يوم جمعة بعد صلاة الظهر.

وازدادت وتيرة هذه المظاهرات اتساعًا وحدّة منذ 14 نوفمبر/تشرين الثاني2012، إثر رفع حكومة الدكتور عبد الله النسور أسعار المشتقات النفطية وعزمها المعلن على زيادة أسعار الكهرباء والمياه؛ فقد انضم عشرات الآلاف من الفقراء والمتضررين من موظفي الدولة من رفع هذه الأسعار إلى هذه المظاهرات مطالبين بالتراجع عنها. غير أن وقوع ضحايا في هذه المظاهرات واشتداد وتيرتها واتساعها، لم يجعل الحكومة تتحرك قيد أنملة عن قراراتها المجحفة. وتذرّعت بالعجز الكبير في الموازنة العامة للدولة، وتراجع دول الخليج العربية عن وعودها بدعم الأردن ماليًا. وأدى هذا الموقف الحكومي إلى مطالبة الجماهير الغاضبة بإسقاط الحكومة، وتناول الملك عبد الله الثاني بألفاظ نابية، مما أدى إلى اعتقال العشرات من المحتجين وإيداعهم السجون في مختلف مدن المملكة وقراها.

القوى المناهضة للإصلاح

يمكن تصنيف هذه القوى كما يلي: 

  1. الزعامات العشائرية: من المعروف أن الأردن، كغيره من أقطار المشرق العربي، مجتمع مؤلّف من قبائل وعشائر وعائلات متنفذة. ولهذه العشائر شيوخ اعتاد معظمهم، منذ عدة عقود من الزمن، على استلام منح شهرية، هي بمثابة رواتب، من الديوان الملكي، لضمان ولائهم للعرش الهاشمي، وللاستعانة بهم عند الحاجة. وقد اعتاد هؤلاء الشيوخ على الإعراب عن ولائهم كلما واجه نظام الحكم أزمة، منذ الخمسينيات من القرن العشرين حتى اليوم. والواقع أن هذه الزعامات لا تتمتع برصيد شعبي كبير حتى بين قبائلهم وعشائرهم، ولكن السياسات الحكومية تحاول دومًا نفخ روح الحياة في القبلية والعشائرية بمختلف الوسائل والسبل.
  2. المتقاعدون العسكريون الذين يُعدّون بالآلاف ويلتقون في نوادٍ خاصة بهم في المدن الرئيسية الأردنية. وقد انقسم هؤلاء إلى فريقين: فريق انضم إلى المطالبين بالإصلاح الشامل والتغيير ومكافحة الفساد، وكان له دور بارز في حركات الاحتجاج والمظاهرات الشعبية خلال العامين المنصرمين. أما الفريق الآخر من المتقاعدين العسكريين فمعظمهم من المنتفعين الذين حصلوا على وظائف في الدولة من خلال الواسطة والمحسوبية والضغوط العشائرية. واحتل كبار المتقاعدين مواقع مهمة في الدولة، مثل: المحافظين والسفراء وإدارة المؤسسات المستقلة إداريًا. وقد اعتاد هؤلاء الإدلاء بالتصريحات وإصدار البيانات الصحفية المؤيدة للملك وللتدابير التي تتخذها الحكومات المختلفة. 
  3. الجماعات المنتفعة من حالة الاستبداد والفساد في البلاد، وتضم معظم رؤساء الحكومات والوزراء الذين تولوا هذه المناصب في عهد الملك عبد الله الثاني منذ سنة 1999 حتى اليوم. كما تضم العديد من أعضاء مجلسي النواب والأعيان الذين تم انتخابهم خلال هذه المدة بدعم من الديوان الملكي والمخابرات العامة أو بالتزوير، كما اعترف بذلك مدير المخابرات العامة الأردنية الأسبق الفريق محمد الذهبي، أو عُيِّنوا في مجلس الأعيان بتوصية من المخابرات العامة.

    هذا وقد ألّف بعض هذه الجماعات أحزابًا سياسية من أبرزها "الحزب الوطني الدستوري" الذي يُعد من أكبر التجمعات لهذه الفئات. ويندرج في هذه الجماعات أعداد من الأحزاب السياسية المدعومة ماليًا من نظام الحكم الأردني. وهي قليلة الأنصار ولا رصيد لها في الأوساط الشعبية. وتعتمد على دعم المخابرات العامة في حملاتها الانتخابية وعلى تزوير هذه الانتخابات.

  4. قوات القهر والقمع الرسمية، وتشمل دائرة المخابرات العامة وقوات الأمن العام وقوات الدرك والقوات المسلحة. وهي قوات وأجهزة مضمونة الولاء للعرش، ولا تتردد في قمع أي حراك شعبي إذا طُلب منها ذلك.

ومن الجدير بالذكر أن هذه القوات قد تصرفت بعقلانية طوال السنتين الماضيتين، دون أن تُظهر ضعفًا أو تقاعسًا في القيام بواجباتها إزاء المحتجين الذين أظهروا تمسكًا شديدًا بالطابع السلمي لحراكهم، وأبدوا حرصًا شديدًا على عدم الصدام مع قوات الشرطة والدرك. وعلى الرغم من ذلك، فقد لجأت هذه القوات إلى تخويف المحتجين وإرهابهم، بالاعتداء عليهم من خلال جماعات موالية لنظام الحكم، أو محاولة فك الاعتصامات الشعبية العديدة في العاصمة وبقية المدن الأردنية. وكانت حصيلة ذلك عددًا محدودًا من القتلى من الجانبين لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وأعدادًا كبيرة من الجرحى.

إصلاحات السلطة ومطالب التغيير

منذ اعتلاء الملك عبد الله الثاني العرش الأردني سنة 1999 حتى اليوم (ديسمبر/كانون الأول 2012)، وهو يؤكد في كتب التكليف الموجهة إلى رؤساء الحكومات على الإصلاح الشامل ومكافحة الفساد، دون أن يتحقق على أرض الواقع تقدم ملموس في ذلك.

بدأ الحراك الاحتجاجي في الأردن مطالبًا بالإصلاح الشامل والتغيير منذ مطلع سنة 2011. استجابت حكومة الدكتور معروف البخيت للمطالب بتشكيل "لجنة الحوار الوطني" برئاسة طاهر المصري، رئيس مجلس الأعيان. وكُلّفت اللجنة بمناقشة قانون الانتخابات وقانون الأحزاب. وقد رفض حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، المشاركة في اللجنة، لأنه اعتبرها التفافًا على المطالب الشعبية وتلهية للناس. وتعرضت اللجنة للنقد من قادة الرأي العام الأردني من حيث تشكيلها ونوعية أعضائها وبُعدها عن تمثيل القوى السياسية الأردنية بعامة وقوى الإصلاح والتغيير بخاصة.

وتلا هذه اللجنة تشكيل "اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور" برئاسة أحمد اللوزي، أحد رؤساء الوزارات في عهد الملك حسين، في أواخر إبريل/نيسان2011، على أن تأخذ بعين الاعتبار ما سيصدر عن لجنة الحوار الوطني من توصيات متعلقة بالتعديلات الدستورية الخاصة بقانوني الانتخاب والأحزاب. قدمت لجنة الحوار الوطني مقترحاتها في 5 يونيو/حزيران2011، وتضمنت مشروع قانون الأحزاب السياسية ومقترحات للحياة النيابية تفترض إلغاء بعض التعديلات الدستورية التي تتعارض والديمقراطية.

وفي هذه الأثناء تم الاتفاق بين قوى الإصلاح والتغيير على تكوين "الجبهة الوطنية للإصلاح" في 19 مايو/أيار2011، والاتفاق على لجنتها التنفيذية المؤلفة من (25) عضوًا ممثلين للأحزاب السياسية والنقابات المهنية والقوى السياسية والاجتماعية المستقلة. وقد انتقد رئيسها المحامي أحمد عبيدات، في بيان صحفي في 10أغسطس/آب2011، التعديلات الدستورية التي اقترحتها اللجنة الملكية لمراجعة الدستور والتي نُشرت في الصحف المحلية، واعتبرها تعديلات شكلية لا تمس جوهر سلطة الحكم الفردي المطلق، وغير كافية، ولا ترقى لطموحات الشعب الأردني.

وقد ناقش مجلسا النواب والأعيان مقترحات اللجنة الملكية لمراجعة الدستور وأقرّاها كما هي دون تعديل أو تغيير، ورفعاها إلى الملك الذي صادق عليها ونُشرت في 1أكتوبر/تشرين الأول2011.

ركز الحراك الشعبي منذئذ على مكافحة الفساد، وشرعت الأجهزة الأمنية بإرهاب القائمين بالحراك الاحتجاجي، كما حدث في مهرجاني سلحوب والمفرق.

في 17أكتوبر/تشرين الأول2011، استقالت حكومة البخيت، وكلف الملك عون الخصاونة، القاضي في محكمة لاهاي الدولية، بتأليف حكومة جديدة. وأكد الملك في كتاب التكليف على الأولوية لإنجاز التشريعات والقوانين الناظمة للحياة السياسية، وفي مقدمتها قانونا الانتخاب والأحزاب. أقرّ مجلس الوزراء الجديد مشروع قانون الهيئة المستقلة للانتخاب الذي نص على مجلس مفوضين مؤلّف من خمسة أعضاء يعينون من الملك لهذه الغاية في 27ديسمبر/كانون الأول2011، وأرسلت الحكومة إلى مجلس النواب مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 2012، الذي نشرته الصحف المحلية في 2 فبراير/شباط2012، وقُدّم مشروع قانون الانتخاب لمجلس الأمة فأقره في 18مارس/آذار2012 ونُشر في الصحف المحلية في 20 مارس/آذار2012.

أصدرت الجبهة الوطنية للإصلاح بيانًا في 9 إبريل/نيسان2012، جاء فيه أن قانون الانتخاب الذي أقره مجلس الأمة يجهض فكرة الإصلاح، ورفضته جبهة العمل الإسلامي في بيان لها صدر في 10إبريل/نيسان2012.

استقالت حكومة الخصاونة في أواخر إبريل/نيسان2012 بسبب الضغوط التي تعرضت لها من القصر الملكي، وكُلّف الدكتور فايز الطراونة بتشكيل حكومة جديدة. ردت حركة الاحتجاج على ذلك بالمطالبة برحيل مجلس النواب وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإجراء تعديلات جذرية على الدستور تجعل الشعب مصدر السلطات، ومجلس النواب الأساس في تشكيل الحكومات، ومسؤوليتها أمامه وليست أمام الملك. تألّفت حكومة الطراونة في 2 مايو/أيار2012، وعلى إثر ذلك نشرت الصحف الأردنية تصريحات لرئيس الحكومة الأردنية المستقيل عون الخصاونة قال فيها بوجود ثلاث حكومات في البلاد تتصارع على السلطة التنفيذية، هي: حكومة الديوان الملكي، وحكومة المخابرات العامة، والحكومة الرسمية.

وفي عهد حكومة الطراونة، عيّن الملك مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب في 7مايو/أيار2012، وصادق على قانون المحكمة الدستورية والأحزاب السياسية في  6 يونيو/حزيران2012، كما صادق على قانون الانتخاب في 28 يونيو/حزيران2012. وعلى إثر ذلك، اندلعت الاحتجاجات الشعبية الواسعة في البلاد، وشنَّ المعارضون لهذه القوانين حملة إعلامية قوية في الصحف المحلية وفي قنوات التلفزة المحلية والعربية. وانتقد عون الخصاونة، رئيس الوزراء المستقيل، قانون الانتخاب في حديث صحفي في  4 يوليو/تموز2012، وقال: إن الإصلاح في الأردن يُدار بطرق أمنية. وانضم بذلك إلى المنادين بالإصلاح الشامل والتغيير.

وإزاء إصرار الملك وحكومة الطراونة على إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد، أعلنت الجبهة الوطنية للإصلاح في 23 يوليو/تموز 2012 مقاطعتها للانتخابات النيابية القادمة. وقدمت (500) شخصية وطنية وحزبية ونقابية أردنية مذكرة للملك في 28 يوليو/تموز 2012، طالبته فيها بإلغاء قانون الانتخاب، وإصدار قانون انتخاب عصري يمثل الشعب تمثيلاً حقيقيًا، لكن الملك لم يُعِر بالاً للمذكرة ولما جاء فيها. وفي 9 سبتمبر/أيلول 2012، أدانت الجبهة الوطنية للإصلاح النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الرسمي. وفي "جمعة إنقاذ الوطن" في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2012، شارك (74) حزبًا وتنظيمًا سياسيًا واجتماعيًا ونقابيًا للاحتجاج على لا مبالاة نظام الحكم تجاه المطالب الشعبية.

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول 2012، عيّن الملك أعضاء المحكمة الدستورية التسعة برئاسة القاضي طاهر حكمت. واستقالت حكومة الطراونة أو أُقيلت فعلاً، وكلّف الملك الدكتور عبدالله النسور بتشكيل الحكومة الجديدة في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012. وكان من المفاجآت إعلان خمسة من الأحزاب القومية واليسارية (الحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي التقدمي، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والحركة القومية، وحزب الشعب الديمقراطي الأردني: حشد) عن عزمها على المشاركة في الانتخابات النيابية في 11نوفمبر/تشرين الثاني 2012. ويُعزَى هذا الموقف إلى خلاف هذه الأحزاب مع الحركة الإسلامية حول ما يجري في سوريا.

ولمّا أعلنت حكومة النسور رفع أسعار المشتقات النفطية في 14نوفمبر/تشرين الثاني2012، اجتاحت البلاد مسيرات ومظاهرات احتجاجية في اليوم التالي. طالب المحتجون بإسقاط الحكومة، والتراجع عن قرارها. وبالمقابل شنّت وسائل الإعلام الرسمية هجومًا على جماعة الإخوان المسلمين والجبهة الوطنية للإصلاح. ورافق حركة الاحتجاج الهجوم على الدوائر والمنشآت الحكومية، وحرق بعضها، وتدمير بعضها الآخر، وتحطيم ممتلكات خاصة. وتم اعتقال (45) من الإخوان المسلمين وعشرات غيرهم من المشاركين في المسيرات الاحتجاجية. واتهم المحتجون الأجهزة الأمنية والقوى المؤيدة لنظام الحكم وبعض الشباب العاطل عن العمل بهذه الاعتداءات والهجمات. كما اتهموهم بالاعتداء على مقرات جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في العاصمة والمدن الرئيسية الأردنية.

ومن أطرف ما حدث أن أصدر "الملتقى الوطني لمتقاعدي المخابرات العامة" مساء 28نوفمبر/تشرين الثاني2012، بيانًا أشار فيه إلى الأوضاع الحرجة في البلاد نتيجة الفساد المستفحل بمؤسسات الدولة، وهو فساد سياسي في المقام الأول، وفشل ذريع في إدارة الدولة التي تسودها "الشللية".

وزاد الطين بلّة إعلان الحكومة عن إجراء الانتخابات النيابية في 15يناير/كانون الثاني2013. وعلى إثر الاحتجاجات على رفع أسعار المشتقات النفطية، أعلنت الأحزاب القومية واليسارية الخمسة عن مقاطعة الانتخابات النيابية والرجوع عن قرارها السابق.

والحاصل من خلال متابعة الأحداث في الأردن أن هناك توجهًا لدى نظام الحكم للتعامل مع الحراك الشعبي بتجاهل مطالبه، ومجابهته بشيء من الشدة والصرامة من خلال الاعتقالات والاستعانة بشيوخ العشائر والبلطجية. وينمّ هذا التوجه عن تضليل وخداع له آثاره الخطيرة على المجتمع الأردني وعلى مستقبل الأردن كشعب ودولة.

مسارات التغيير

من المعروف في الأردن أن ليس للشعب ولممثليه دور في تشكيل الوزارات وفي رحيلها قبل تعديل الدستور وبعده. تأتي الحكومات وتذهب، ولا أحد يعرف لماذا جاءت ولماذا رحلت! يزعم المعارضون للإصلاح ولمكافحة الفساد أنهم موالون للعرش وأنهم حماته، وهم في الحقيقة موالون لمصالحهم الخاصة، وعاجزون عن حماية العرش، بل إنهم يسيئون إليه، لأنهم حماة الفساد والمفسدين. وهم أكبر خطر على العرش.

ويُلاحَظ في قضايا الفساد التي تنظر فيها "هيئة مكافحة الفساد" محاولات لخلط الحابل بالنابل، والتركيز على صغار الموظفين، واللعب بشروط العطاءات وغير ذلك من الأمور الصغيرة، مما خلق إحباطًا شديدًا لدى المواطن الأردني الذي ينتظر بفارغ الصبر بحث قضايا الفساد الكبرى، مثل: تفويض تسجيل أراضي الدولة، وخصخصة شركة الفوسفات وشركات التعدين والكهرباء والمياه والاتصالات، وتبييض الأموال، وبيع الجنسية، وبيع أراضي العبدلي ودابوق في عمّان.

وبالنسبة إلى سيناريوهات المستقبل يحتمل ما يلي:

  1. سيناريو استمرار الوضع الراهن القائم على عدم الاستجابة للمطالب الشعبية في الإصلاح ومحاربة الفساد. إن إصرار الملك وحكوماته المتعاقبة على هذا الموقف من شأنه أن يهدد استقرار الأردن وأمنه، وحين تُجرَى الانتخابات النيابية في مطلع العام القادم، فمن المتوقع أن تسفر عن مجلس نيابي ضعيف عاجز عن ممارسة أية رقابة على أية حكومة وعن تلبية المطالب الشعبية في الإصلاح الدستوري والإداري والاقتصادي ومكافحة الفساد والفقر ومواجهة البطالة واسعة الانتشار. وعندها لن تتوقف حركة الاحتجاج. وقد يلجأ الملك إلى استعمال القوة والعنف لقمع هذه الحركة متجاهلاً حقوق الإنسان ومتحديًا أحكام الدستور. وسوف يكون لذلك آثار سلبية على سمعة نظام الحكم على الصعيدين العربي والدولي. وقد يشجع الملك على اتخاذ هذا الموقف تصريح السفير الأميركي في الأردن قبل شهر ونيف بأن ما تم في الأردن من تعديلات على الدستور الأردني كاف ويلبي مطالب الشعب الأردني.
  2. سيناريو الإقدام على تعديلات مقبولة على الدستور الأردني إذا أسفرت الانتخابات النيابية القادمة عن وصول عدد من النواب المؤثّرين الذين قد يساهمون في الضغط على الملك وحكومته لإجراء تعديلات مقبولة لا تلبي جميع مطالب حركة الاحتجاج الشعبية، ولكنها تُعد تسوية مقبولة، ولاسيما إذا تزامنت مع تقديم بعض كبار الفاسدين إلى القضاء، واستعادة بعض الأموال العامة المنهوبة. وقد يساعد على التوصل إلى هذه التسوية وصول المعونات المالية الموعودة من بعض دول الخليج العربية التي قد تساهم في التخفيف من حجم البطالة في البلاد وانخفاض نسبة الفقر فيها.

    ولعل رسالة الملك عبد الله الثاني التي وجهها إلى رئيس وزرائه الدكتور عبد الله النسور في 8 ديسمبر/كانون الأول 2012 بتأليف "لجنة ملكية لتعزيز منظومة النزاهة" برئاسة النسور وتضم إحدى عشرة شخصية، هي مؤشر في اتجاه حل للأزمة الأردنية في إطار هذا السيناريو.

  3. سيناريو تحقيق جميع المطالب بالإصلاح الشامل ومكافحة الفساد. ويعتمد هذا السيناريو على استمرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن في العام القادم، وإجراء انتخابات نيابية وبلدية تأتي بأنصار النظام من الفاسدين، فيتصاعد الاحتجاج الشعبي ويتسع نطاقه بحيث يتعذر على القوى الأمنية السيطرة على الوضع الداخلي، ويضطر الملك إلى تلبية المطالب الشعبية وإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة، وإصدار قانون عصري للانتخاب يتيح للشعب تمثيلاً حقيقيًا في مجلسي النواب والأعيان. وتُشكَّل حكومة في أعقاب انتخابات حرة ونزيهة، تتولى تقديم الفاسدين إلى القضاء العادل لاسترداد الأموال التي نهبوها وردّها إلى خزينة الدولة، وإقامة دولة القانون والمواطنة الحقة، وينعم الأردن بالأمن والاستقرار.

________________________________
علي محافظة - مؤرخ ومفكر أردني

ABOUT THE AUTHOR