أزمة الصحراء الغربية: حلول غائبة وسياق أمني وإقليمي متغير

لم تتغير التوازنات الكبرى لأزمة الصحراء الغربية رغم الضغوط التي يفرضها المناخ الإقليمي، خاصة أزمة مالي والوضع في منطقة الساحل، وكذلك مبادرة المغرب لمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا ضمن السيادة المغربية. كما يفتقر المبعوث الأممي لوسائل ضغط تدفع الأطراف إلى تقديم تنازلات تجنب المنطقة أي اضطرابات أمنية مستقبلا.
2013418122851580734_20.jpg

قد تأتي المفاجأة الوحيدة في ملف الصحراء الغربية هذه السنة في ميدان حقوق الإنسان، حيث أشارت مؤسسة كينيدي لحقوق الإنسان إلى
مبادرة أمريكية تطالب فيها مجلس الأمن بوضع آليات جديدة لفرض احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية (الجزيرة)

يستعد كريستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المكلف بملف الصحراء الغربية، لتقديم تقريره السنوي يوم 22 أبريل/ نيسان 2013، وهو التقرير الذي سيستند إليه السيد بان كي مون لتحرير تقريره الرسمي لمجلس الأمن، الذي سيتخذ بدوره قرارات جديدة حول ملف الصحراء الغربية. وباستثناء الجانب المتعلق بحقوق الإنسان، يستبعد أن يحمل تقرير كريستوفر روس مبادرات كبرى، رغم الضغوط التي يفرضها المناخ الدولي، خاصة أزمة مالي والوضع في منطقة الساحل بصفة عامة، ورغم الضغوط التي يقوم بها المغرب وأصدقاؤه التقليديون لاقتراح حل جديد مبني على منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا ضمن السيادة المغربية مقابل صلاحيات كبيرة للإدارة الصحراوية.

وتشير كل التقارير في المنطقة إلى أن التوازنات الكبرى لأزمة الصحراء الغربية لم تتغير، مما يشير إلى أن مجلس الأمن سيعمل على احتواء الوضع بتمديد إجراءاته التقليدية، ومن أهمها تمديد مهمة القوات الأممية المكلفة بالمنطقة لسنة جديدة، إلى جانب بعض التوصيات حول ضرورة احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.

قام السيد كريستوفر روس بجولتين في منطقة المغرب العربي، قادته إلى كل من موريتانيا والجزائر والمغرب، إلى جانب زيارة قام بها لمخيمات اللاجئين الصحراويين بمنطقة تندوف في الصحراء الجزائرية. وقبل جولته في المغرب العربي، سبق لكريستوفر روس أن زار مختلف العواصم التي لها تأثيرعلى الوضع، والتي سماها بـ"الأطراف الدولية النافذة"، فزار واشنطن ليلتقي مسؤولين أمريكيين مكلفين بالملف، قبل أن يزور موسكو وباريس ولندن ومدريد، وهي فعلا العواصم التي تكسب مفاتيح النفوذ في هذا الاتجاه أو ذاك.

وما يلفت الانتباه أن المبعوث الأممي زار المغرب مرتين، الأولى نهاية شهر مارس/ آذار 2013، والثانية بداية شهر أبريل/ نيسان الجاري. والتقى خلال الزيارة الأولى بأعلى المسؤولين من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والخارجية ورؤساء غرفتي البرلمان، بينما التقى المرة الثانية بالملك محمد السادس. وقالت مصادر مغربية إن عدم لقاء الملك محمد السادس خلال الزيارة الأولى كان نتيجة لقضايا بروتوكولية فقط، حيث إن العاهل المغربي كان غائبا، بينما تؤكد مصادر أخرى على أن العلاقة بين السيد روس وملك المغرب ما زالت متوترة منذ أن انتقد الطرف المغربي ما أسماه حيادية روس السنة الماضية، لما أعرب المغرب عن قلقه من مبادرات الدبلوماسي الأممي الذي طالب في تقريره بتكليف القوى الأممية بفرض احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.

وقد حاول المغرب السنة الماضية عزل الدبلوماسي الأمريكي بسبب ما اعتبره تحيزا إلى مطالب جبهة البوليساريو، خاصة لما ركز الممثل الأممي على انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية، وطلب من مجلس الأمن أن يدرس القضية، فرد المغرب بطلب سحب ملف الصحراء من السيد روس. واضطر الأمين الأممي بان كي مون إلى التدخل بقوة لتأكيد السيد روس في منصبه، بمساندة واشنطن التي عبرت عن غضبها تجاه الموقف المغربي، رغم أن الولايات المتحدة تتعاطف عادة مع الطرح المغربي. ومنذ تلك الأزمة، لم تتحسن علاقات السيد روس مع السلطات المغربية، مما يضع المغرب في وضع صعب لأن روس يشرف على تنظيم لقاءات دورية بين المغرب وجبهة البوليساريو في مانهاسات، قرب نيويورك، بحضور الجزائر وموريتانيا كمراقبين. وقد حاول السيد روس أن يقرب بين وجهات النظر خلال اجتماعات مانهاسات التي تجرى مرتين في السنة تقريبا، دون جدوى لحد الآن.

تحذير من خطورة الوضع

وجد المبعوث الأممي نفسه أمام  طريق مسدود، فطلب من الدول الكبرى أن تضغط أكثر على أطراف النزاع خلال جولته الأخيرة في الدول الكبرى. ولم يتقدم روس باقتراحات جديدة، لكنه أكد على خطورة الوضع الناتج عن المأزق الحالي، ودعا كل الأطراف إلى التعامل مع القضية بجدية. وفي هذا السياق قال روس إن تطور الأوضاع في منطقة الساحل يجعل من حل نزاع الصحراء الغربية "أمرا عاجلا ". وأعرب عن أمله في أن يعود المغرب وجبهة البوليساريو إلى " لقاءات فعالة"، وطلب من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن "يشجعوا طرفي النزاع على الدخول في مفاوضات جادة". ذلك أن الاكتفاء بالوضع الحالي يشكل "خطأ كبيرا"، مضيفا "إذا تواصل الانسداد الحالي، فإنه سيؤدي إلى تضاعف حالة اليأس، مما سيفرز عنفا جديدا تكون له آثار مأساوية على المنطقة".

وقد تجنب السيد روس الكلام بطريقة مباشرة عن الإرهاب وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وعن حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وغيرها من التنظيمات التي أصبحت تشكل خطرا واضحا على بلدان الساحل بعد أن كادت تقضي على دولة مالي. لكنه من الواضح أن السيد روس يعبر عن تخوفات واشنطن من أن غياب الحلول الكفيلة بمعالجة أزمة الصحراء الغربية، قد يؤدي يوما ما إلى ظهور تنظيمات إسلامية جهادية في الصحراء الغربية، شبيهة بتلك التي ظهرت في بلدان الساحل، مع احتمال إقامة تنسيق بين تنظيمات مسلحة في تلك المساحات الشاسعة من الصحراء.

ويتخوف السيد روس من تطور شبيه بما حدث مع الطوارق، وزعيم تنظيم "أنصار الدين" إياد غالي، الذي كان في بداية الأمر يطالب بحقوق الطوارق وإعادة الاعتبار لهم، قبل أن يغير خطابه تدريجيا ليتحول إلى تنظيم إسلامي جهادي يتحالف مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ورغم الضمانات التي تحاول الجزائر أن تعطيها، ورغم تحكم جبهة البوليساريو في الوضع، إلا أن واشنطن تعتبر أن كل شيء وارد في هذه المنطقة إذا غابت الحلول السياسية.

اتهامات البوليساريو للمغرب

تنفي جبهة البوليساريو أي احتمال لوجود الإرهاب في صفوف الصحراويين. وقال مسؤول في البوليساريو، وهو محمد سالم ولد السالك، إن المغرب يحاول أن يروج لخطاب يربط البوليساريو بالإرهاب للحصول على مساندة البلدان الغربية في قضية الصحراء. وقال إن تنظيم "حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، الذي شارك مع حركة "أنصار الدين" ومع تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" في الاستيلاء على شمال مالي، كان "من صنع المخابرات المغربية". وحسب السيد ولد السالك، فإن المغرب يريد أن "يخلط الأوراق" بإنشاء " تنظيم إرهابي يعمل في الحقيقة بأوامر من الرباط".

وكان أول عمل قام به هذا التنظيم هو اختطاف موظفين أجانب في منظمة إنسانية كانوا يشتغلون بمخيمات اللاجئين الصحراويين بمنطقة تندوف، جنوب الجزائر. وقد أعرب كل المحللين عن استغرابهم من هذه العملية، حيث أنها وقعت في منطقة عسكرية محروسة، من المفروض أنه لا يمكن الوصول إليها إلا بوثائق خاصة، ولا يمكن أبدا التحرك فيها بدون علم السلطات العسكرية.

تعمل جبهة البوليساريو من أجل التحكم في مخيمات اللاجئين، رغم ظهور أجيال جديدة من الشباب الذين ولدوا في المخيمات، وهم يختلفون في تكوينهم عن الجيل الأول، الذي عاش شبابه في الأراضي الصحراوية. وتحاول جبهة البوليساريو أن تؤكد على أنها تحمل مشروعا وطنيا يحمي الصحراء الغربية من التطرف الديني، وأنها قادرة على مواجهة أي عنصر جديد، خاصة أنها تعرف جيدا تخوف الولايات المتحدة من انتشار ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل، فيحاول الصحراويون إقناع الممثل الأممي كريستوفر روس أنهم يتحكمون في الوضع وأنهم يشكلون أكبر ضمان لتجنب أي انزلاق.

المغرب ومساندة أصدقائه التقليديين

لمواجهة الموقف الذي يعتبره غير عادل من طرف السيد روس، يستفيد المغرب من المساندة التقليدية لحلفائه، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا. وبينما تلعب جبهة البوليساريو ورقة الشرعية الدولية، خاصة احترام لوائح الأمم المتحدة التي تطالب بتنظيم استفتاء حر حول تقرير مصير الشعب الصحراوي، يفضل المغرب استعمال العلاقات الثنائية مع الدول الكبرى، حيث استطاع المغرب تشكيل شبكات نفوذ قوية في الأوساط الحاكمة في أوربا، وبصفة خاصة في فرنسا.

وقد عبرالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن مساندة فرنسا التقليدية للموقف المغربي، حيث قال خلال زيارة للمغرب بداية شهر أبريل/ نيسان الحالي أنه يفضل الخطة المغربية التي ترفض فكرة استقلال الصحراء الغربية وتقترح بدلها الحكم الذاتي للصحراويين في إطار السيادة المغربية. واستطاع المغرب أن يفرض تاريخ زيارة فرانسوا هولاند هذه، وهي زيارة رسمية قام بها بداية أبريل/ نيسان، أسبوعين فقط قبل دراسة الملف الصحراوي في مجلس الأمن، مما يضمن للمغرب مساندة فرنسا ومنع أي تطور قد لا يخدم الرباط في مجلس الأمن. هذا وقد عاد الرئيس هولاند إلى الموقف التقليدي الفرنسي المساند للمغرب في قضية الصحراء، رغم أنه كان معروفا بميوله أكثر إلى الجزائر التي زارها بصفة متكررة قبل وصوله إلى السلطة.

أما الولايات المتحدة، فإنها تتبنى الموقف الرسمي الأممي المطالب بضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عن طريق استفتاء شعبي. لكن إلى جانب هذا الموقف الرسمي، يفضل المسؤولون الأمريكيون تنازلات من الطرفين، للوصول إلى حل وسط يخدم مصلحتهما. وقد قال السفير الأمريكي المنتهية عهدته في المغرب إن بلاده رحبت بالاقتراح المغربي بإقامة حكم ذاتي لصالح الصحراويين ضمن السيادة المغربية. وقال أصدقاء المغرب إن هذا الاقتراح جديد، ويجب التعامل معه بجدية، رغم أن تقارير الأمم المتحدة صريحة في الموضوع وتعتبر أن الاستفتاء هو الطريق الأمثل لحل الأزمة.

حل الأزمة مدخل لبناء المغرب العربي

على صعيد آخر، يشكل موسم الربيع، خاصة شهر مارس/ آذار وأبريل/ نيسان، موسم توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب بسبب نزاع الصحراء الغربية. ومع اقتراب دراسة الملف في الأمم المتحدة، يؤدي هذا الملف كل سنة إلى نفس السيناريو، الذي يبدأ عادة بانتقادات مغربية تجاه الجزائر بسبب دعمها لجبهة البوليساريو. وتأتي الاتهامات المغربية المتكررة على نفس الطريقة، وهي مبنية على نفس الحجة، حيث يقول مسؤولون مغارية إن قضية الصحراء مفتعلة من طرف الجزائر، ويجب حلها في إطار ثنائي، وأنها تعرقل كذلك عملية بناء المغرب العربي الكبير. ويردد المسؤولون المغاربة هذا الخطاب للمطالبة بفتح الحدود بين البلدين، مؤكدين أن غلق الحدود يضر اقتصاد البلدين، ولا مبرر إطلاقا لبقاء هذه الحدود مغلقة، خاصة أن كل بلدان المنطقة تؤكد في خطابها الرسمي أن بناء المغرب العربي يشكل أسمى هدف تعمل من أجله شعوب المنطقة. وتركز الصحافة المغربية على هذا الخطاب، فتجعل منه حملة ترد عليها الصحافة الجزائرية في عملية أصبحت روتينية.

وترد الجزائر بنفس الطريقة دائما، لتؤكد أن قضية الصحراء قضية تصفية استعمار، وأن الجزائر ليست طرفا فيها، وأنه على المغرب أن يحترم الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة التي تطالب بتنظيم استفتاء حر لتقرير مصير الشعب الصحراوي. ورغم هذا التصعيد في الكلام، إلا أن الطرفين تمكنا في السنوات الماضية من احتواء الخلاف وحصره في إطار تبادل للتهم، دون أن يتأزم الوضع أكثر.

رغم ذلك، فإن جولة كريستوفر روس إلى المنطقة أدت هذه السنة إلى توتر أكبر من السنوات الماضية. ومع اقتراب موعد الجولة، أطلق المغرب حملته تحضيرا لاجتماع مجلس الأمن، فقال رئيس الحكومة المغربي عبد الإله بن كيران إن الجزائر ترفض فتح الحدود، وأن ذلك يشكل موقفا سلبيا، في وقت يبذل المغرب كل ما في وسعه لتطبيع العلاقات. وأضاف بالخصوص أنه لو أرادت الجزائر فتح الحدود لاستطاعت أن تحل المشكل في "بضعة أيام أو بضعة أسابيع".ورد وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أن هذه التصريحات "في غير محلها"، وهي"تتناقض مع المساعي التي يقوم بها البلدان لتطبيع العلاقات الثنائية". وفي نفس السياق رد الناطق باسم الخارجية الجزائري عمار بلاني قائلا إن قضية الصحراء لا يمكن احتواؤها بمنح الصحراويين صلاحيات إدارية في إطار الدولة المغربية، وأنه "من غير المقبول أن يقول المغرب إن هذا النزاع مفتعل من طرف الجزائر". واتهم الناطق باسم الخارجية الجزائرية المغرب بمحاولة "استغلال الوضع المتأزم في منطقة الساحل لفرض ما أسماه "أطروحات كاذبة". وركز مرة أخرى على ضرورة العودة للشرعية الدولية التي "لا مفر منها".

واضطر وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي بدوره إلى التدخل في القضية، ليقول إن "قضية الحدود قضية ثنائية لا علاقة لها بملف الصحراء الغربية"، وأضاف إن "الظروف غير ملائمة لتنظيم قمة مغاربية" كانت تونس تطالب بانعقادها منذ السنة الماضية. وازداد التوتر بين الجانبين بعد حكم القضاء المغربي على شاب جزائري يبلغ خمسة عشر عاما بالسجن بتهمة الاعتداء الجنسي على شاب مغربي خلال زيارة وفد رياضي جزائري إلى المغرب، وهو ما اعتبرته الصحافة الجزائرية "عملية استفزاز"، مما زاد تعكير الأجواء خلال الفترة التي كان كريستوفر روس يقوم فيها بجولته في المنطقة.

البوليساريو وورقة حقوق الإنسان

ترفع جبهة البوليساريو راية حقوق الإنسان، التي أصبحت تشكل نقطة حساسة بالنسبة للمغرب. وقد استنجد الصحراويون بتقارير المنظمات الدولية، مثل "هيومن رايتس وتش" Human Rights Watch  وأمنيستي إنترناشيونال Amnesty International اللتان سجلتا انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، من أشهرها أحداث تفكيك مخيم اللاجئين "كديم إزيك"، الذي أقامه الصحراويون في نواحي مدينة العيون، فأقدمت قوات الأمن المغربية على تفكيكه، مما أدى إلى سقوط ضحايا. ومنذ سنتين، أصبح هذا الملف حساسا حيث يعود إلى الواجهة مع محاكمة المتظاهرين، مما دفع السلطات المغربية إلى التشدد في السماح  بدخول الصحافة والمراقبين الدوليين إلى المنطقة.

وتستغل جبهة البوليساريو هذا الجانب الذي يلقى صدى كبيرا لدى الرأي العام الغربي، بعدما قررت أن تتخلى مرحليا عن السلاح، لتفتح باب المفاوضات للبحث عن حل سلمي. ومنح ذلك الجبهة نتيجة لم تكن في الحسبان بعد قضية أمينة حيدار، المناضلة الصحراوية لحقوق الإنسان، التي قامت بإضراب عن الطعام تجاوب معه الرأي العام الدولي لما رفضت السلطات المغربية أن تسمح لها بالعودة إلى مدينة العيون عاصمة إقليم الصحراء.

وقد تأتي المفاجأة الوحيدة في ملف الصحراء الغربية هذه السنة في ميدان حقوق الإنسان، حيث أشارت مؤسسة كينيدي لحقوق الإنسان إلى مبادرة أمريكية تطالب فيها مجلس الأمن بوضع آليات جديدة لفرض احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وتأتي هذه المبادرة لمعالجة وضع خاص، حيث إن القوات الأممية الموجودة في الصحراء الغربية لم تتمكن من وضع حد لما تعتبره حالات انتهاك لحقوق الإنسان ولم تتمكن من حماية المدنيين الذين يشاركون في عمليات احتجاج، رغم وجودها في الأراضي الصحراوية، مما أثار غضب البوليساربو وأنصاره. ومن المحتمل أن تتم مشاورات بين الولايات المتحدة وفرنسا قبل دراسة هذا الاقتراح في مجلس الأمن، مع العلم أن فرنسا تتحفظ تقليديا على اللوائح التي لا ترضي المغرب. وإذا صادق مجلس الأمن على هذه النقطة، فإن الوضع سيتغير ميدانيا، لأن قوات الأمن المغربية ستجد نفسها مضطرة للخضوع لقواعد جديدة في تعاملها مع الصحراويين، مما يغير الوضع السياسي في الصحراء الغربية.

طريق مسدود

تراكمت الملفات الشائكة تزامنا مع الجولة الأخيرة للسيد كريستوفر روس، سواء في العلاقات الجهوية، أو في المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، أو حتى في العلاقات الجزائرية-المغربية التي تعيش موسم التوتر. ولم يأت المبعوث الأممي بمقترحات جديدة، ولا توجد بين يديه وسائل الضغط التي من الممكن أن تغير ميزان القوى في المنطقة لدفع مختلف الأطراف إلى تقديم تنازلات يمكن أن تفتح بابا لحل النزاع. عكس ذلك، يستعمل المغرب ورقة الصحراء لتعزيز فكرة الوحدة الوطنية، خاصة لما يتزايد الغليان الشعبي وتقترب عدوى "الربيع العربي". أما البوليساريو، فإنها تتشكل من رجال الصحراء الذين يعرفون أن الوقت سلاح، لا يجب محاربته، وأن التسرع من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقعوا فيها، مثلما حدث مع الطوارق وتنظيم أنصار الدين حين أرادوا أن يستولوا على السلطة في باماكو فخسروا كل شيء.

وينتظر قادة البوليساريو أن تتبلور الأمور لتفرز معطيات جديدة تسمح لقضيتهم أن تخطو خطوة جديدة، بينما يراهن المغرب على تطبيع الوضع في الصحراء الغربية لصالحه. وتحرك كل هذه الأطراف في مرحلة لم تتغير فيها المعطيات الأساسية لقضية الصحراء الغربية، مما يؤكد أن الوقت لم يصل بعد لحل الأزمة، وأن ما يحدث يقتصر على احتوائها في إطار تفاوضي سلمي إلى أن تتدخل عوامل جديدة تغير طبيعة القضية أو تؤثر على ميزان القوى.
______________
* كاتب وباحث جزائري

ABOUT THE AUTHOR