الوطن العربي 2014: المزيد من التفكك

تشير العوامل الهيكلية في البنية العربية والبنية الدولية إلى أن عدم الاستقرار هو الاحتمال الأرجح في المنطقة العربية، كما أنه مرشح للتوسع في مناطق أخرى خلال المدى الزمني القصير.
13 January 2014
20141129131158734_20.jpg
العالم العربي يتقلب بين السخط والرصاص (غيتي)

ملخص
لم يعد مشهد الربيع العربي لدى الرأي العام العربي بتلك الصورة الزاهية التي راودت مخيلته في المشهد الأول؛ فقد طغت النزعة العسكرية في أغلب الدول العربية التي شهدت بذور الربيع العربي؛ فالتغير (أو الانقلاب) في مصر، وتصاعد العنف في سوريا والعراق، واستمرار عمليات العنف في اليمن وليبيا، وتعثر العملية السياسية في تونس والتي يخالطها بعض أعمال العنف والاغتيال، ساهم في ذلك، إلى جانب تداخل مشهد الحركات الإسلامية ببعضها، إلى الحد الذي أصبح من المتعذر تتبع الانشطار داخل هذه الحركات بين الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين والصوفيين، ناهيك عن التضارب الحاد في الفتاوى من المرجعيات الدينية المختلفة والتي كانت تحظى بقدر من التبجيل في مختلف الدول العربية.

كل هذه العوامل تدفع نحو احتمالات التمزق والتشتت بدلا من التماسك والتوافق سواء على قواعد للعيش المشترك أو قيادات سياسية تمثل مصالح  أغلبية القوى الإجتماعية.

مقدمة

يبدو عام 2013 كما لو أنه "نقطة تحول" في التاريخ العربي المعاصر؛ إذ بدأت ثمار التفاعلات التي تلت أزمة الكويت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي تطل بتداعياتها تدريجيًا، بدءًا من احتلال العراق وانتهاء بربيع عربي يتجه تدريجيًا نحو فقدان آني لملامحه الطموحة التي لاحت في البداية للبعض من الذين نظروا للواقع العربي نظرة آنية محصورة بالبعد الداخلي، ولم يدركوا أن العوامل الخارجية أضحت أكثر عمقًا في تأثيراتها على التوجهات الاستراتيجية للبنى الداخلية للدولة المعاصرة، وحالت صورة الثورات التاريخية المستقرة في المنظومة المعرفية من إدراك التحولات في أوزان واتجاهات متغيرات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، بفعل متغيرات العولمة، وتراجع مكانة الدولة كفاعل مركزي في النظم الدولية التاريخية، وتحولت الحدود السياسية إلى حالة افتراضية أكثر منها واقعية، وتماهت الحدود الاجتماعية والثقافية، وأصبح الصراع بين منظومات تتحلل تدريجيًا من الروابط التاريخية لصالح روابط لا تزال خيوطها أقل وأضعف، لكن نسَّاجيها مصرون على استكمال النسيج وتوشيحه بأشكال لم يألفها النساجون القدامى.

ويبدو أن مراكز الدراسات والتفكير في المجتمعات المتطورة تستشعر ذلك بقوة، فبدأت أدبياتها السياسية تعبر عن هذا التحول بشكل لا لبس فيه.

ونظرًا للمكانة الاستراتيجية التقليدية للمنطقة العربية، فإن هذه المتغيرات الجديدة بدأت تعمل على تشكيل البنية العربية، وبدأت مفاصل حيوية في البنية العربية تستجيب بمستويات مختلفة لهذه المتغيرات، لكن إدراك طبيعة هذه العلاقة المعقدة للغاية بين البيئة الدولية والبيئة الداخلية يستدعي التوقف عند مؤشرات لكشف البنية العربية القائمة حاليًا والتي ستحدد نمط التكيف القادم بدءًا من الزمن الراهن -2014- وصولاً للزمن البعيد - 2035-.

وطبيعي أن إيقاع حركة الأحداث لا يتم طبقًا للفواصل الزمنية التي هي أدوات قياس لا أكثر، فما يحدث في عام 2014 قد تكون بذوره في عام 2010 أو قبلها، كما أن ما نتوقعه لعام 2014 قد يتجاوزها، ناهيك عن احتمالات التحولات غير المنظورة والتي قد تؤدي لتغير جذري في المشهد، لكن ذلك لا ينفي أن القسمات الهيكلية تبقى هي الأكثر قدرة على تفسير الاتجاهات العظمى، وهي التي سنُوليها العناية الأكبر في تقريرنا هذا.

البعد الداخلي: مؤشرات البنية العربية الراهنة

تشير معطيات البنية العربية كما هي في عام 2013 (الجدول) إلى ما يلي:

مؤشرات التفاعلات العربية الداخلية والخارجية عام 2013
  1. استنادًا إلى خمسين مؤشرًا تعتمدها مؤسسة مابليكروفت (Maplecroft) لقياس درجة الاستقرار السياسي للدولة يتضح من النتائج أنه لا يوجد دولة عربية واحدة في عام 2013 تدخل ضمن الدول المستقرة، وتتوزع الدول العربية على النحو التالي:
  • تسع دول تقع ضمن الدول متوسطة الاستقرار، لكن اللافت للنظر أن هذه الدول باستثناء دولتين (المغرب والسعودية) تقع ضمن الدول الصغرى، ويشكّل مجموع سكانها 24% من مجموع سكان الوطن العربي. 
  • ذلك يعني أن 76% من العرب يعيشون في دول تُعد غير مستقرة بنسبة عالية أو عالية جدًا، وحيث إن عوامل عدم الاستقرار هي عوامل هيكلية لا يمكن التخلص منها في فترات زمنية قصيرة، فإن عدم الاستقرار سيتواصل وبأشكال مختلفة، وقد يمتد عدم الاستقرار من الدول العالية أو العالية جدًا إلى الدول المتوسطة بفعل عوامل الاستطراق ( أي الانتشار) السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
  • تقيس مؤشرات العولمة تفاعل الدولة مع البيئة الدولية من خلال ثلاثة متغيرات، هي المتغيرات الاقتصادية (وتشتمل على قياس ثمانية مؤشرات)، والمتغيرات الاجتماعية (تشتمل على 11 مؤشرًا)، والمتغيرات السياسية (وتشتمل على أربعة مؤشرات)، وتُغطى المتغيرات الاقتصادية 36% من حجم الظاهرة، والمتغيرات الاجتماعية 37%، بينما السياسية 27%.(4)
    وتدل نتائج قياس العولمة على أن العولمة السياسية هي الأعلى في تفاعلات الدول العربية مع بيئاتها المختلفة، بينما تبدو المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية هي الأضعف؛ مما يعني أن البنية العربية تتكيف سياسيًا مع نتائج العولمة دون أن يتوازى ذلك مع تكيف اقتصادي واجتماعي، وهو ما يشير لتشوه في طبيعة التفاعل العربي مع شبكة الترابط الذي تنسجه العولمة.

    والملاحظ أن الدول العربية الكبرى (مصر، الجزائر، المغرب، السودان، العراق، سوريا.. إلخ) هي الأكثر وضوحًا في تغلب البعد السياسي على البعدين الاقتصادي والاجتماعي في مؤشرات التعولم، بينما دول الخليج بشكل خاص يتفوق فيها البعد الاقتصادي أو الاجتماعي على البعد السياسي؛ وهو ما يشير إلى شرخ في بنية التوجهات العربية الهيكلية؛ مما سيقود تدريجيًا إلى تباين في الخيارات الاستراتيجية لكل دولة عربية مما يزيد التفكك والتناحر الداخلي والإقليمي.

  • عند النظر في مؤشر جيني (Gini) لقياس مدى عدالة توزيع الدخل عام 2013، فإن الدول العربية تقع في وسط المجموعات الإقليمية من حيث العدالة، وإن تفاوتت نسبتها بين دولة عربية وأخرى، لكن الانتقال إلى مؤشر التنمية البشرية نجده عند نقطة (0,652) بينما المتوسط العالمي هو (0,694)، ويأتي العالم العربي في المرتبة الرابعة بين 6 أقاليم. أما نسبة الرضا عن نوعية التعليم فهي الأقل عالميًا (50%)، رغم مركزية المعرفة والتكنولوجيا في تحديد تطورات المجتمعات المعاصرة.(5)
  • تنامي النزعة الانفصالية في الدول العربية
    أدت الاضطرابات السياسية العربية منذ 2011 إلى تراخي قبضة السلطة العربية؛ الأمر الذي أوجد فرصة للأقليات المختلفة في الدول العربية لمحاولة التعبير عن ذاتها بكيفيات تتناسب وطبيعة بنية مجتمعاتها ونمط السلطة السياسية فيها، كما أن الثقافات الفرعية في النسق الاجتماعي العربي تأثرت بهذه الظروف، وتجسدت هذه المشاهد بنزعات انفصالية بنسب مختلفة، فبعضها وصل لحد الانفصال التام (جنوب السودان)، وبعضها شبه منفصل (كردستان العراق)، وبعضها غير منفصل لكنه خارج حدود السلطة السياسية (أكراد سوريا، بعض المناطق الليبية)، ناهيك عن توترات إثنية ومذهبية في اليمن (الحوثيين وقوى جنوبية) ومصر (الأقباط)، وتنامي نزعة النزوح الداخلي أو الخارجي بين مسيحيي المشرق العربي، واستمرار التوتر المذهبي الشيعي-السني في العراق والبحرين والسعودية، وهو ما يثير احتمال امتداده لدول عربية أخرى مثل موريتانيا التي سبق لها أن عرفت توترات من هذا القبيل بين الناطقين بالعربية من (البيضان والحراطين) وغير الناطقين بها (الهارلبولار والولوف والسونينكى والبمبارا)، ناهيك عن التجزؤ الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية حيث لا تخضع أي من السلطتين للأخرى.

    تزايد الصورة السلبية للربيع العربي
    بغض النظر عن الأسباب، فإن مشهد الربيع العربي لم يعد لدى الرأي العام العربي بتلك الصورة الزاهية التي راودت مخيلته في المشهد الأول؛ فقد طغت النزعة العسكرية في أغلب الدول العربية التي شهدت بذور الربيع العربي؛ فالتغير (أو الانقلاب) في مصر، وتصاعد العنف في سوريا والعراق، واستمرار عمليات العنف في اليمن وليبيا، وتعثر العملية السياسية في تونس والتي يخالطها بعض أعمال العنف والاغتيال، ساهم في ذلك، إلى جانب تداخل مشهد الحركات الإسلامية ببعضها، إلى الحد الذي أصبح من المتعذر تتبع الانشطار داخل هذه الحركات بين الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين والصوفيين، ناهيك عن التضارب الحاد في الفتاوى من المرجعيات الدينية المختلفة والتي كانت تحظى بقدر من التبجيل في مختلف الدول العربية.

    كذلك، فإن المواطن العربي يحدد موقفه استنادًا للمردود الاقتصادي السريع لهذا الربيع على دخله، وهو أمر لم يتلمسه في الغالب؛ مما جعله أقل حماسًا للانخراط في الحراك الدافع لتطور هذا الربيع نظرًا للمشهد الدامي الذي رافق أغلب ملامحه، ناهيك عن الدول العربية التي أثقلت كاهلها موجات اللاجئين من دول الربيع.

    تراجع مكانة القضية الفلسطينية لصالح الأولويات القُطرية
    إلى جانب ما أشرنا له عن التوجه الأميركي نحو عدم ترك الشرق الأوسط يحتكر الوقت الأكبر من النشاط الدبلوماسي الأميركي، فإن مراجعة بيانات اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا) منذ الشروع في عملها عام 2002، تدل على أن عدد بياناتها التي تصدرها حول جهودها يتراجع منذ تلك الفترة، نظرًا لعدم القدرة على تحقيق أية انجازات،كما أن تعثر المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي منذ عام 2010، ثم استئنافها في سبتمبر/أيلول 2013، واستمرار تعثرها أدى إلى تنامي الإحباط بين الفلسطينيين في هذا الجانب.

    وقد ازداد الموقف الفلسطيني ضعفًا بفعل انشغال الدول العربية بهمومها القُطرية في ظل تداعيات الربيع العربي، بل توترت بعض العلاقات العربية مع أطراف فلسطينية (حماس مع كل من سوريا ومصر)؛ مما زاد المأزق الفلسطيني تعقيدًا، وهو ما يوفر لإسرائيل أفضل الفرص لاستثمار الانكفاء العربي على الهموم القُطرية.

    البُعد الدولي: التوجهات الجديدة للاستراتيجية الأميركية

    وتتمثل في:

    1. تنامي تيار إعادة النظر في التوسع الأميركي: لقد سبق لنا في غير هذا المقام أن أشرنا منذ أكثر من 15 عامًا إلى أن المؤشرات العامة واتجاهات مصادر القوة الأميركية تعرف تراجعًا وسينعكس ذلك على مكانة الشرق الأوسط العربي.(6) وقد فتح تنامي هذا التوجه المجال لمزيد من المساحة لحركة الدبلوماسية الروسية سواء في الأمم المتحدة (عبر الفيتو) أو إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن ضرب سوريا أو بتقارب خجول ومتردد بين مصر وروسيا واحتمال عقد صفقات عسكرية، بل وتردد العديد من المسؤولين السعوديين على العاصمة موسكو، وهو أمر يحمل في ثناياه تحولات قد تنعكس على البنية السياسية الداخلية لبعض الدول العربية خلال فترة قصيرة.
    2. التحول نحو منطقة الباسيفيكي الآسيوية: لقد أعلن الرئيس الأميركي أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون عن ضرورة التوجه نحو منطقة آسيا الباسيفيكية؛ وهو أمر يعني إعادة النظر في ترتيب مكانة الأقاليم الجيوستراتيجية في العالم، ولعل ما قالته مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي سوزان رايس في ذلك يعزز هذا الرأي؛ إذ قالت في إشارة للشرق الأوسط: "ليس بمقدورنا أن يستغرق إقليم واحد وقتنا كله، أيًا كانت أهميته، ويرى الرئيس أن الوقت مناسب لخطوة للوراء وإعادة التقييم، بطريقة نقدية وغير متزمتة حول كيفية إدراكنا لمكانة إقليم معين. وإن هدف الرئيس هو تجنب أن تبتلع الأحداث في الشرق الأوسط كل أجندة أعمالنا كما كانت عليه الحال مع الرؤساء قبله"؛(7) وهو ما يعني أن مكانة الشرق الأوسط ستتأثر بشكل سينعكس على المنطقة من خلال بعدين، الأول: تحول في طبيعة التحالفات من ناحية، وفتح المجال للقوى الإقليمية من ناحية ثانية لاستثمار هذا التحول طبقًا لمعطيات القوة فيها؛ وهو أمر قد ينعكس بمزيد من التوتر بين القوى الإقليمية.
    3. تعزيز نزعة الاستقلال الطاقوي: لقد تبنى الرئيس أوباما هذه الاستراتيجية، ورغم أنه تم تبنيها سابقًا في الأعوام 1974-1977، والأعوام 1984-1989، إلا أن النتائج لم تكن مشجعة، غير أن بعض المؤشرات الجديدة في هذا الحقل تشير لنزوع أميركي باتجاه مسألتين: تخفيف تدريجي من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، فقد انخفضت الواردات الأميركية من نفط الخليج من 1,007 مليون برميل عام 2001 إلى 789,082 برميل، أي بتراجع قيمته 218,725 برميل.(8) ثم من ناحية ثانية، تقليص واردات النفط بشكل عام، وقد كانت الولايات المتحدة تستورد 60% من حاجتها عام 2005، وهي تستورد حوالي 40% حاليًا، ويأتي أكثر من 50% منه من الأميركيتين (كندا وأميركيا الجنوبية والوسطى).(9)
    4. التغير في آليات القوة باتجاه مزيد من توظيف القوة الناعمة: لقد دفع التراجع الأميركي معظم الاستراتيجيين الأميركيين لإعادة النظر في "دبلوماسية الزوارق الحربية"، وبدء الميل نحو تخفيف الاعتماد على الحضور العسكري المباشر، ومع الانسحاب من العراق، والانسحاب المزمع من أفغانستان عام 2014، وإعادة النظر في بعض قواعدها العسكرية كتلك الموجودة في قرغيزيا، وتخفيض نفقات الدفاع، تكرس هذا التوجه، بخاصة عند مقارنة ثماره بنتائج الاستراتيجية الصينية بخاصة على صعيد التجارة الدولية؛ فقد نجحت نظرية الصعود السلمي للمفكر الصيني (Zheng Bigian)، أو التنمية السلمية للرئيس السابق هوجينتاو في أن تتمكن الصين من التفوق على الولايات المتحدة في حجم تجارتها مع المنطقة العربية عام 2012 دون أن يكون للصين أي جندي أو قطعة حربية أو قاعدة عسكرية في المنطقة.

      إن التحول في المفهوم الأميركي لمتغيرات القوة سيقود إلى تغير في أدوات إدارة التنافس الدولي على المنطقة العربية في المدى المتوسط والبعيد، لكن ذيول الاستراتيجية القديمة ستبقى في المدى الزمني القصير تلوح بين الحين والآخر من بين مؤشرات التوجهات الجديدة. 

    البعد الإقليمي: تنامي المكانة الإيرانية

    رغم ثقل العقوبات الاقتصادية والحصار السياسي والإعلامي لإيران من قبل الدول الغربية بسبب برنامجها النووي إلا أنها نجحت في انتزاع إقرار من القوى الكبرى بأن لها الحق في برنامج نووي من ناحية، وبإقرار ضمني قد يتزايد ولو بتذبذبات متعددة بأن لإيران دورًا إقليميًا من ناحية أخرى، وهو ما سعت له منذ وضع مجلس تشخيص مصلحة النظام ما أطلق عليه "رؤية 2025" في عام 2005.

    ذلك يعني أن إيران سيصبح لها دور في التسويات لنزاعات المنطقة؛ وهذا يغير قواعد التفاعل بينها وبين دول المنطقة لاسيما دول الخليج؛ الأمر الذي يعني أن الدور الإيراني القادم قد يكون سببًا في مزيد من تشقق جدران مجلس التعاون الخليجي باتجاه خرائط تعاون أو تكامل جديدة، ولا شك أن طبيعة العلاقات السعودية-الإيرانية ستكون مثار جدل أكثر حدة في المناقشات الدبلوماسية والإعلامية الخليجية خلال عام 2014.

    التداعيات المستقبلية

    إن مصفوفة التأثير المتبادل بين المتغيرات القُطرية والإقليمية والدولية تنبئ في تصورنا بما يلي:

    1. أن العوامل الهيكلية في البنية العربية والبنية الدولية تشير إلى أن عدم الاستقرار هو الاحتمال الأرجح في المنطقة العربية، كما أنه مرشح للتوسع في مناطق أخرى خلال المدى الزمني القصير.
    2. من الأرجح أن يبقى الجيش المصري القوة الأكثر تأثيرًا في تحديد خيارات الدولة الاستراتيجية في ضوء تعزيز الدستور المقترح لدور مجلس الدفاع الوطني والمجلس العسكري، ويبدو أن الإخوان المسلمين سيواجهون ضغوطًا داخلية (داخل الحزب) وضغوطًا من التيارات الإسلامية الأخرى، وقد تتسع دائرة أزمة الحركات الإسلامية بشكل نسبي.
    3. أن الأزمة السورية تشير إلى تحسن نسبي في مركز النظام السوري بواقع 116 نقطة مقابل 88 نقطة للمعارضة طبقًا لدراسة قمت بإعدادها مؤخرًا؛(10) وهو ما يعني أن الضغوط على المعارضة السورية ستزداد ثقلاً، وكنا في التقارير السابقة(11) قد أكدنا على هذه النتائج رغم سيل التقارير العربية والدولية التي توقعت سقوط النظام؛ ذلك يعني أن الفترة القصيرة القادمة قد تشهد تصاعدًا في العمليات العسكرية لاسيما من قبل القوات الحكومية لجعل مفاوضي المعارضة في موقف حرج عند الذهاب إلى مؤتمر جنيف2 المقترح، لكن المكانة السورية في التفاعلات الإقليمية ستتراجع بفعل الانهيار لأغلب مقومات البنية الداخلية.
    4. أن بعض الدول العربية مثل الجزائر تختمر فيها احتمالات الأزمة في حالتين: تغيب الرئيس بوتفليقة بسبب المرض أو أي سبب آخر، والثاني تصاعد الأزمة مع المغرب حول موضوع الصحراء في ظل مؤشرات التصاعد الواضح للنفقات الدفاعية للدولتين؛ ومما يثير القلق أن حجم الإنفاق الدفاعي لكل من البلدين يتصاعد بشكل يوحي وكأنهما يستعدان لجولة صراعية؛ فقد ارتفع معدل إنفاق الجزائر من 3,6 مليار دولار عام 2006 إلى 9,8 مليار عام 2012، بينما ارتفع الإنفاق في المغرب من 2,4 مليار إلى 3 مليار دولار.(12)
    5. سيتواصل الاستيطان الإسرائيلي، وقد تزداد وتيرته خلال الفترة القادمة تحت ستار استرضاء غربي لإسرائيل في ظل التفاوض الغربي مع إيران وفي ظل احتمال تصاعد الاضطراب العربي. 
    6. ستتراوح العلاقات البينية الخليجية مضطربة، وقد يمتد الاضطراب لبعض دوله مع صعوبة في تحديد شكل ذلك الاضطراب المتوقع، ويعود ذلك للتحولات في البعدين الدولي والإقليمي المشار لهما أعلاه. 
    7. تواصل التغير في الثقافة السياسية العربية بخاصة في صورة الحاكم في الذهن الشعبي، وهي صورة تعرضت لهزة عنيفة بعد الربيع العربي، وستترك آثارها على السلوك السياسي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ونعتقد أن الصورة "المهيبة" للحاكم سيصيبها المزيد من التآكل، وهو ما يهيئ المسرح لمزيد من التمرد الشعبي والنخبوي.

    ______________________________
    وليد عبد الحي - خبير في الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية

    المصادر
    1- -Maplecroft's Political Risk Atlas 2013.
    يشتمل هذا التقييم لدرجة المخاطر على قياس (50) مؤشرًا مثل: سيادة القانون، والعنف السياسي بما في ذلك الإرهاب، بيئة الاقتصاد الكلي، ونزع الملكية، وتأميم الموارد واستقرار النظام، والمخاطر الهيكلية طويلة الأجل، والتنوع الاقتصادي، وأمن الموارد، وتطور البنية التحتية، وحقوق الإنسان... إلخ.
    2- http://globalization.kof.ethz.ch/media/filer_public/2013/03/25/rankings_2013.pdf.
    3- http://www.quandl.com/demography/gini-index-all-countries.
    https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/rankorder/2172rank.html.
    http://www.economist.com/news/china/21570749-gini-out-bottle.
    http://data.worldbank.org/indicator/SI.POV.GINI.
    4- http://globalization.kof.ethz.ch/media/filer_public/2013/03/25/variables_2013.pdf
    5- United Nations Development Programme -Human Development Report 2013.p.25
    6- انظر التفاصيل في: وليد عبد الحي: المكانة المستقبلية للولايات المتحدة على سلّم القوى الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 126، السنة 1996. أيضًا: وليد عبد الحي: مستقبل المكانة الاستراتيجية للوطن العربي، مجلة قضايا استراتيجية، العدد 4، ديسمبر/كانون الأول 2000.
    7- Mark Lander- Rice Offers a More Modest Strategy for Mideast, The New York Times.Oct.26,2013
    8http://www.eia.gov/dnav/pet/hist/LeafHandler.ashx?n=pet&s=mttimuspg1&f=a
    9- http://www.eia.gov/energy_in_brief/article/foreign_oil_dependence.cfm
    10- وليد عبد الحي: سوريا إلى أين؟ بحث قدم لندوة المنتدى العربي، عمان، ديسمبر/كانون الأول 2013.
    11- وليد عبد الحي: المشهد السياسي العربي: إقليم مضطرب، مركز الجزيرة للدراسات، 15 يناير/كانون الثاني 2012. أيضًا: وليد عبد الحي: العالم العربي في 2013: الاتجاهات السياسية، مركز الجزيرة للدراسات، 10 يناير/كانون الثاني 2013.
    12- http://sahara-question.com/en/content/algerian-moroccan-arms-race

    ABOUT THE AUTHOR