عمران.. انسحبت الدولة فتمدّدت الميليشيا

تؤكد تطورات الحالة الأمنية اليمنية: أن الحوار ليس بديلاً عن الدولة ولا يعني تخليها عن واجبها في حفظ السلم وفرض القانون، وأن مخرجات الحوار لا قيمة لها ما لم تتحول إلى برامج فعلية لا مجرد توصيات وأن مشاكل البلد لا تُحلّ عبر لجان الوساطة الرئاسية.
201481710649416734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
من الواضح أن سقوط محافظة عمران لم يكن نهاية غير متوقعة ولا حدثًا مفاجئًا وكأنه انهيار ثلجي أو خروج قطار عن طريقه كما توحي خطابات الرئيس اليمني عبد ربه منصور مثلاً، وإنما نتيجة منطقية لخمسة أشهر من الحصار والمعارك بين ميليشيات الحوثي المتمرسة على الحرب من جهة، واللواء "310 مدرع" التابع للجيش تسانده مجاميع قبلية مسلحة ينتمي معظمها للتيارين: الإخواني والسلفي. كان من الممكن تجنب ذلك لو أن السلطة الانتقالية حاصرت النيران باكرًا ولم تنتهج سياسة سلبية شجعت على تدهور الأوضاع وسبق أن تأكد بالتجربة نتائجها الكارثية من قبل أثناء حروب دماج وحاشد والعصيمات ومناطق التماس بين محافظتي عمران وصعدة. إنها سياسة النأي بالنفس والاكتفاء بإرسال لجان وساطة رئاسية وكأنها "فاعل خير" أو وسيط خارجي يحاول نزع الفتيل بين طرفين يقتتلان في دولة مجاورة.

في الوقت الذي كان الرئيس عبد ربه منصور هادي يلوّح بيده مُبتهجًا في اختتام جلسات مؤتمر الحوار بصنعاء في 25 يناير‏/كانون الثاني 2014، والمجتمع الدولي يشيد بتجربة اليمن المتفردة ضمن بلدان الربيع العربي لانتهاجها الحوار ونبذ العنف(1)؛ في ذلك اليوم كانت المعارك تدور بضراوة بالأسلحة الثقيلة في دماج وكتاف بمحافظة صعدة بين مكونيْن سياسييْن شاركا في مؤتمر الحوار وجلسا على طاولة واحدة والتقط أعضاؤهما صورًا تذكارية حميمية كأنهم أعضاء فريق كرة قدم؛ فمرةً وهم يصلّون معًا ومرة هم يتمازحون ومرة هم يتناولون وجبة الغداء. أعني: الحوثيين من جهة والسلفيين والإخوان من جهة أخرى.

هكذا هي السياسة في اليمن؛ قل شيئًا وافعل نقيضه، تاجرْ بالسلاح وادعُ إلى مؤتمر سلام عالمي، شرِّدْ 25 ألف نازح من سكان عمران ثم ترحّمْ على أطفال وشهداء غزّة. لهذا السبب لم يعد مهمًا سماع ما تقوله النخب السياسية، على اختلافها، وإنما النظر إلى سلوكها وما تفعله على الأرض.

سقوط عمران رغم طمأنة بنعمر لمجلس الأمن

في الوقت الذي كان الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن جمال بنعمر يقدم إفادته المقدمة للاجتماع الدوري لمجلس الأمن في 25 إبريل/نيسان 2014، ويتحدث بنبرة لا تخلو من تباهٍ عن منجز من مخرجات الحوار كانت مدينة عمران في تلك الليلة تتكلم لغة أخرى غير الحوار ولا صوت فيها إلا للبنادق والقذائف والمدافع الثقيلة.

وأثناء إفادته الأخيرة قال بنعمر لأعضاء مجلس الأمن: إن الرئيس هادي "شكّل للتوّ (بينما صدر قرارها قبل شهرين) لجنة للتحاور مع الحوثيين بهدف تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتحديدًا المسائل المتعلقة بنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج". ورغم أن لجنة نزع السلاح المشكلّة في 3 مارس/آذار 2014 فشلت في إحراز أي تقدم، أضاف المبعوث الأممي جازمًا: "وقد وافق الحوثيون على مبادرة الرئيس هادي للانخراط في هذه العملية"(2) بشيء من التعميم.

غير أن ما حصل كان نقيض ما جزم به المبعوث الأممي؛ فبعد 7 أيام فقط من إفادة بن عمر أمام مجلس الأمن لم ينخرط الحوثيون في عملية تسليم السلاح، وإنما أسقطت ميليشياته عسكريًا مدينة عمران في 3 يوليو/تموز، كبرى مدن الشمال الواقعة على بعد 50 كيلومترًا من العاصمة صنعاء، بالكامل واقتحمت مقر قيادة اللواء 310 مدرع، أكبر ألوية ما كان يُعرف قبل هيكلة الجيش بالفرقة أولى مدرع، وسيطرت على كافة عتاده العسكري والحربي، وقتلت قائده اللواء حميد القشيبي.

لم يكن سقوط محافظة عمران نهاية غير متوقعة ولا حدثًا مفاجئًا وكأنه انهيار ثلجي أو خروج قطار عن طريقه كما توحي خطابات الرئيس مثلاً، وإنما نتيجة منطقية لخمسة أشهر من الحصار والمعارك بين ميليشيات الحوثي المتمرسة على الحرب من جهة، واللواء 310 مدرع التابع للجيش تسانده مجاميع قبلية مسلحة ينتمي معظمها للتيارين: الإخواني والسلفي. كان من الممكن تجنب ذلك لو أن السلطة الانتقالية حاصرت النيران باكرًا ولم تنتهج سياسة سلبية شجعت على تدهور الأوضاع وسبق أن تأكد بالتجربة نتائجها الكارثية من قبل أثناء حروب دماج وحاشد والعصيمات ومناطق التماس بين محافظتي عمران وصعدة. إنها سياسة النأي بالنفس والاكتفاء بإرسال لجان وساطة رئاسية وكأنها "فاعل خير" أو وسيط خارجي يحاول نزع الفتيل بين طرفين يقتتلان في دولة مجاورة.

مؤتمر الحوار واللجان الرئاسية كبديل عن الدولة

يتداول اليمنيون مثلاً شعبيًا شائعًا مفاده أنك "إذا أردت أن تميّع أية قضية فكل ما عليك فعله هو تشكيل لجنة"؛ وقد ثبت بالتجربة صحة المثل الشعبي.

لقد شكّل الرئيس هادي خلال العامين الماضيين عشرات اللجان الرئاسية كلجان التحقيق في هجمات القاعدة، أو لجنة حرب دماج، أو لجان عمران، أو لجنة وساطة الجوف، وكلها فشل في نزع فتيل القتال الدائر بضراوة في شمال اليمن.

على العكس، اتسعت رقعة القتال بعد أن كانت المعارك تدور في مساحة كيلو مترين في دماج بمحافظة صعدة وانتقلت الحرب تدريجيًا إلى محافظة عمران والمديريات المحاذية لها في حاشد وسفيان وخيوان قبل أن تصل إلى مدينة عمران.

هذه الانهيارات المتتالية إنما تؤكد ثلاث حقائق تغافلت عنها السلطة طوال المرحلة الانتقالية، الأولى: أن الحوار، سواء أثناء مؤتمر الحوار أو اللجان الرئاسية، ليس بديلاً للدولة وواجبها في حفظ السلم الاجتماعي وفرض القانون ومعاقبة منتهكيه من أي طرف. والثانية: أن مخرجات الحوار، التي لا يفوّت الرئيس هادي والمبعوث الأممي مناسبة إلا وتحدثا عنها، لا قيمة لها ما لم تتحول إلى برامج فعلية وقرارات إدارية لا مجرد توصيات ورقية. الحقيقة الثالثة: أن مشاكل البلد لا تُحلّ عبر لجان الوساطة الرئاسية.

إن تخلي الدولة عن واجباتها في إنفاذ القانون وحمايته وتحولها إلى طرف وسيط هو أحد أهم العوامل التي شجعت وسرّعت في سقوط محافظة عمران وفي اتساع رقعة الحرب من 2 كيلو متر مربع في دماج عام 2013 إلى مساحات شاسعة بين محافظتين.

قاذفات قنابل ورؤوس حربية متقدمة

لدى الحوثيين الآن سلاحان: قديم وجديد. الأول: استولوا عليه أثناء حروب صعدة الست (2004-2010)، والثاني: من حرب عمران. ويبدو، من خلال تصريحات قادة الجماعة وسلوكها على الأرض وبناء على قراءة موضوعية وواقعية لمجريات الأحداث، أن الجماعة لن تسلّم للدولة سلاحها لا القديم (الذي يحلّ ضمن مخرجات الحوار مع القوى الآخر) ولا الجديد. 

لنرتب الأحداث بشكل تسلسلي:

عندما بدأ مؤتمر الحوار أعماله بصنعاء عام 2012 عقب تنحي الرئيس السابق علي صالح كان لدى اليمنيين ملفان أساسيان يهددان مستقبل واستقرار البلد ما لم يتم علاجهما بشكل جذري: القضية الجنوبية وقضية حروب صعدة. الآن وبعد اختتام مؤتمر الحوار، الذي تقول السلطة وشركاؤها والمجتمع الدولي إنه حقق ناجحًا باهرًا، هل حُلّت هذه القضية؟

على العكس تعقّدت. لدى اليمنيين الآن ضحايا إضافيون وحروب جديدة تفرعت عن الأولى: حرب دماج، حرب حاشد، حرب عمران، مجزرة الضالع، فضلاً عن معارك متقطعة لا تكاد تنتهي. تتوقف في دماج فتندلع في الجوف. تهدأ بالجوف فتتجدد في ذمار. تعلن مبادرة وقف إطلاق النار في عمران فتنتقل المعارك إلى أرحب وهمدان على تخوم العاصمة صنعاء أو مدينة تعز.. وهكذا.

أفضى مؤتمر الحوار إلى وثيقة مرجعية توافقية تُدعى مخرجات الحوار الوطني من بينها بند "نزع السلاح الثقيل من الميليشيات والجماعات"، وفي طليعتها جماعة الحوثيين. والمقصود هنا: السلاح القديم. لكون الجماعة استولت، خلال الحروب الست في عهد الرئيس السابق، على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة من معسكرات الجيش، بينما استولت، إنما بدرجة أقل، مجاميع قبلية تابعة لحزب الإصلاح الذراع السياسية للإخوان المسلمين على كميات مختلفة من الأسلحة أثناء مواجهات عسكرية ضد معسكرات أخرى أثناء ثورة فبراير/شباط 2011.

بحسب الباحث في معهد واشنطن الاستراتيجي باراك سلموني فإن "الحوثيين مسلحون جيدًا، وقد تمكنوا أيضًا من الاستيلاء على أسلحة حكومية في كل مرحلة من مراحل الحرب، بما في ذلك أسلحة وفرتها أوروبا أو الولايات المتحدة حسب المعايير المستعملة في حلف شمال الأطلسي"، فضلاً عن "معدات سعودية للرؤية الليلية وأجهزة تعيين المدى عن طريق أشعة الليزر" استولوا عليها في الحرب السادسة التي اشتركت فيها المملكة السعودية.

والحوثيون ليسوا بحاجة إلى السعي للحصول على أسلحة خفيفة من إيران، "لأن مثل هذه الأسلحة متوفرة بسهولة في اليمن" يقول سلموني مشيرًا إلى مقاطع فيديو مفتوحة المصدر على موقع يوتيوب لمقاتلين حوثيين تُظهر قاذفات قنابل جديدة تدفعها الصواريخ، بما في ذلك رؤوس حربية متقدمة لصواريخ "آر. پي. جي. 29"(3). وكل هذه الأسلحة تندرج ضمن أسلحة جماعة الحوثيين "القديمة" التي تحلّ مع أسلحة خصومهم ضمن مخرجات الحوار، بخلاف أسلحة لواء عمران.

اللجنة الرئاسية لنزع السلاح وُلدت ميتة

مع الانتصارات الميدانية التي حققتها جماعة الحوثي في حرب دماج ضد السلفيين، وفي قبيلة حاشد ضد آل الأحمر تزايدت الضغوط السياسية على الرئيس هادي من أجل وضع حد لسلاح الجماعة والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات. وبالفعل صدر القرار، وإن متأخرًا، بتشكيل لجنة للتباحث مع الحوثيين من أجل نزع سلاحهم؛ وهو إجراء كان من المفترض أن يسبق الحوار وأن يُنفّذ بالتزامن مع النقاط العشرين لا أن يليه، وكأنهم وضعوا العربة أمام الحصان.

غير أن اللجنة الرئاسية وُلدت ميتة؛ فبخلاف اللجان الأخرى التي يتراوح عدد أعضائها عادة بين خمسة إلى سبعة أشخاص ضمّت لجنة نزع السلاح عددًا كبيرًا من الأعضاء غير المتجانسين، وهم: "رئيس وأعضاء اللجنة الأمنية العليا ووزراء الخارجية والتربية والتعليم والأوقاف وأمين العاصمة وعبد الكريم الإرياني نائب رئيس حزب المؤتمر وأبو بكر باذيب الأمين المساعد للاشتراكي ومحمد قحطان قيادي حزب الإصلاح وسلطان العتواني أمين التنظيم الناصري"(4) السابق.

تنبّه الحوثيون إلى أن قضية سلاحهم باتت تتصدر المشهد السياسي ونقاش الرأي العام، فنقلوا المعركة من غرف السياسة إلى ساحتهم المفضلة: ساحة المعركة؛ من خلال تبني استراتيجية هجومية مضادة تمثلت بمطلب تغيير محافظ عمران وقائد اللواء وحصار المدينة وتطويقها بالمتظاهرين والساخطين والمقاتلين، وقد شجعهم انهيار جبهة حاشد ونجاحهم في إسقاط معظم قرى ومديريات عمران باستثناء المدينة واللواء. وهكذا، وقبل أن تتمكن لجنة نزع السلاح من التقدم خطوة إلى الأمام اقتحم الحوثيون مدينة عمران وأسقطوا اللواء 310 مدرع ومعه اللجنة الرئاسية لنزع السلاح. 

من نزع جميع أسلحة الحوثي إلى استرجاع سلاح لواء عمران

كان الطرح السياسي يدور قبل سقوط عمران حول تسليم الحوثيين سلاحهم الثقيل، عملاً بمخرجات الحوار التي كانوا طرفًا أساسيًا في صياغتها(5). بعد سقوط عمران انخفضت المطالب السياسية من تسليم السلاح "القديم" إلى سلاح اللواء 310 مدرع "الجديد" فقط، ومن تسليم سلاح الحروب الست (2004-2010)، إلى تسليم ما يمكن وصفه بسلاح "مخرجات الحوار الوطني".

هذا ما يُفهم بوضوح من خطب الرئيس هادي في أكثر من مناسبة بعد سقوط عمران؛ حيث قال: "لا مجال للمساومة على خروج الحوثيين بأسلحتهم من عمران وكذا كافة الأطراف المسلحة الأخرى من غير أبناء عمران، وتسليم كافة الأسلحة والمعدات والذخائر التي تم الاستيلاء عليها من قبل الحوثيين"(6).

وفي واحدة من مفارقات السياسة اليمنية وتناقضاتها المحيرة وصف ناطق وزارة الدفاع معارك عمران في وقت سابق (5 يونيو/حزيران) بأنها "أطراف متصارعة والجيش لم يتدخل". بينما، وعلى النقيض منه، وصف الرئيس الذي هو القائد الأعلى للجيش سقوط عمران بأنه "ليس استهدافًا لطرف معين أو للواء معين بل هو استهداف للدولة وأجهزتها الأمنية وقواتها العسكرية ومؤسساتها المدنية، واستهداف للعملية السياسية والمرحلة الانتقالية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وانقلاب عليها"(7). واتهام الرئيس هادي هنا الحوثيين بالالتفاف على مخرجات الحوار والانقلاب عليها بدوره، يناقض بالجملة ما قاله المبعوث الأممي جمال بن عمر في إفادته لمجلس الأمن حول موافقة والتزام الحوثيين بمخرجات الحوار الوطني وبندها المتعلق بنزع سلاح الميليشيات على سبيل الحصر لا العموم.

هادي والحوثي.. اتهامات متبادلة

اتهمت اللجنة الأمنية العليا الحوثيين بأنهم "هاجموا اللواء 310 بعد ساعات من اتفاق نصّ على إخلائهم للمقار الحكومية مقابل تسليم اللواء 310 للشرطة العسكرية"(8). بينما طالب الرئيس بـ"خروج كل الجماعات المسلحة من غير أبناء محافظة عمران وعودة الحوثيين إلى صعدة وتسليم كافة الأسلحة والمعدات والذخائر التي تم الاستيلاء عليها"(9).

لكن خصوم الحوثيين اعتبروا "تهديدات" السلطة مجرد أحاديث إعلامية ومناورة سياسية لا أكثر، خاصة وأنها تأخذ طابعًا توسليًا وكأنها صادرة عن منظمة بيئية لا عن أعلى سلطة في البلد.

في الحالتين، المهم ليس ما قاله ويقوله الرئيس هادي وإنما ما سيفعله ويتخذه من قرارات خاصة وأنه سبق أن حذر الحوثيين قائلاً: "عمران خط أحمر" فجاء الرد: "بل خط أخضر". كما أنه دعا، في وقت سابق، عند استقباله وزير التنمية الدولية البريطاني آلن دنكن (21 يونيو/حزيران) "الحوثيين إلى الالتزام بمخرجات الحوار والتهدئة وعدم التجاوز للخطوط الحمراء"(10)؛ فهل حال ذلك دون انهيار الهدنة؟ 

على غير المتوقع صعّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي نبرته، ورد على التصعيد الرئاسي، الذي جاء بعد شهور من الاكتفاء بإرسال لجان الوساطة، باتهام الرئيس هادي صراحة في خطاب متلفز بعدم المصداقية ومحاباة واسترضاء من أسماهم: "الدواعش". فقال في كلمته بذكرى استشهاد الإمام علي: "اكتفى الرئيس بخطابات الاسترضاء لحزب الإصلاح، ودواعش الإصلاح، وقال في خطابه الكثير والكثير من الكلام المجانب للحقيقة، البعيد عن المصداقية، وهو مجرد استرضاء يسترضي به أولئك الذين استرضاهم أيضًا بمعسكرات، واسترضاهم بوزارات، واسترضاهم على حساب شعبٍ بأكمله"(11). وهذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها الحوثي شخص وأداء الرئيس منذ توليه في فبراير/شباط 2012.

 الناطق باسم الحكومة يطالب وزارة الدفاع بإصدار بيان!

لم يصدر حتى الآن عن رئاسة الجمهورية أو الحكومة أي تعليق على اتهامات الحوثي الذي تجنّب الحديث عن أسلحة اللواء 310 مدرع في عمران.

وما لم يقله عبد الملك الحوثي في خطابه أكمله، بنبرة تصعيدية أيضًا، الناطق الرسمي باسم الجماعة محمد عبدالسلام؛ فقال ل"السياسة" الكويتية: "إن الموجودين في مدينة عمران هم من أبنائها ومن مديريات محافظة عمران وليسوا من خارجها". مشددًا "على ضرورة عودة الأوضاع إلى طبيعتها في عمران وليس التعامل مع أبناء اليمن باعتبار الانسحاب وكأنهم غزاة"(12). في رد على دعوة الرئيس لـ"خروج كل الجماعات المسلحة من غير أبناء محافظة عمران".

وبينما نفى ناطق الحكومة راجح بادي انسحاب الحوثيين من عمران، منتقدًا صمت وزارة الدفاع وعدم صدور بيان عنها(13) مع أنها جزء من الحكومة التي هو ناطقها! أصدر المجلس السياسي لجماعة الحوثي في 20 يوليو/تموز بيانًا ضم قائمة بما ادعوا أنها مواقع عسكرية وحكومية وبنوك سلّمت لممثلين عن الحكومة، دون أية إشارة إلى الأسلحة(14).

ناطق الحوثي مبررًا: "الشعب اليمني كله لديه سلاح"

عشية وبعد سقوط عمران صدرت بيانات تنديد وإدانة من مختلف عواصم العالم، أبرزها بيان مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي(15). وطالبت جميعها الحوثيين بتسليم الأسلحة المنهوبة من اللواء، لكن ناطق الجماعة نفى استيلاءهم على أية أسلحة كما لو أنهم سيطروا على مكاتب إدارية وليس لواء عسكريًا بقوة وعتاد اللواء 310 مدرع الذي قدّر عسكريون لوسائل إعلامية أن فيه "45 دبابة و60 مدرعة"(16).

وقال عبدالسلام: "إن أي حديث عن سلاح اللواء 310 أو غيره غير مقبول, لأن السلاح الذي كان في اللواء 310 نُهبت كميات كبيرة منه إلى مواقع في مديرية أرحب, حيث نقلت سيارات في الأيام الأخيرة من الأحداث ولمدة ثلاثة أيام الأسلحة إلى مديرية أرحب واتجهت لمنافذ مختلفة تابعة للتكفيريين وحزب الإصلاح واللواء علي محسن الأحمر مستشار الرئيس".

وأضاف: "الشعب اليمني كله لديه سلاح سواء اشتراه البعض من السوق السوداء" وكأنه يبرر ما قاموا به. ويناقض نفيه السابق بالإشارة إلى هجمات خصومهم على معسكرات الجيش في 2011 "هناك أطراف أخرى نهبت معسكرات الدولة ومخازنها وصواريخها سواء كانوا محسوبين على النظام السابق أو ما يتم نهبه من معسكرات الدولة حاليًا, ونطالب هؤلاء بإعادة ما نهبوه من أسلحة وتسليمه لوزارة الدفاع"(17) وكأنه يغفل أن كل عمليات الاستيلاء تلك تمت قبل مؤتمر الحوار ومخرجاته التوافقية وأن وضعها مختلف كليًا عن سلاح عمران.

الآن، وفي ضوء ما سبق، بات في حكم المؤكد أن اليمن مقبل على أزمات سياسية عاصفة، شبيهة بالأزمة اللبنانية رغم الفروق، سيكون عنوانها الأبرز سلاح حزب الله، أعني: سلاح أنصار الله.
________________________________
محمد عبده العبسي - محلل وكاتب يمني

إحالات وهوامش
1) اختتام مؤتمر الحوار، موقع الجزيرة الإخباري: http://www.aljazeera.net
2) نص الإيجاز الصحفي لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، عن صفحته على فيسبوك.
https://www.facebook.com/101605280002086/photos/a.216430225186257.1073741830.101605280002086/305854302910515/?type=1
3) معهد واشنطن الاستراتيجي، باراك سلموني
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/yemens-forever-war-the-houthi-rebellion
4) تشكيل لجنة نزع سلاح الحوثي/الرياض http://www.alriyadh.com/914870
5) الوثيقة النهائية مخرجات الحوار- فريق صعدة http://www.ndc.ye/ar-issue.aspx?show=2
6) الرئيس هادي: http://www.alyompress.com/news.php?id=2109#sthash.iGOjwmDm.dpuf
7) الرئيس هادي  http://www.alriyadh.com/948254
8) بيان اللجنة الأمنية العليا http://nbaonline.org/proccess-newss-178924.html
9) الرئيس يرفع الاستعداد القتالي:
http://www.barakish.net/news.aspx?cat=12&sub=23&id=130064
10) الرئيس هادي  http://www.alriyadh.com/946089
11) كلمة عبد الملك الحوثي:
 http://www.ansaruallah.com/news/9368#sthash.HSzx29Pv.dpuf
12) ناطق الحوثيين، السياسة الكويتية: - http://al-seyassah.com/
13) ناطق الحكومة: http://www.almashhad-alyemeni.com/f
14) المجلس السياسي للحوثي http://www.barakish.net / 7
15) بيانات الإدانة الدولية:
- بيان مجلس الأمن، وكالة سبأ للأنباء http://www.sabanews.net/ar/news360784.htm
- بيان جامعة الدول http://www.alyompress.comf
- بيان التعاون الخليجي http://www.alriyadh.com/951488
16) تقديرات أسلحة اللواء 310 http://nbaonline.org/proccess-newss-178924.html
17) مرجع 12 السابق.

ABOUT THE AUTHOR