(الجزيرة) |
ملخص وفي مقابل الأسباب التي دفعت مصر للمشاركة في العملية العسكرية في اليمن، فإن الورقة تستعرض أيضًا المخاطر والمحاذير والأثمان السياسية والأمنية المحتملة لهذه المشاركة، ومدى استعداد القاهرة لتحمل تكاليفها. وتخلص الورقة إلى أن ما بين رغبتها في الدفاع عن الأمن الخليجي وسعيها لإنقاذ اليمن وتحجيم النفوذ الإيراني، وبين تخوفها من الاندفاع نحو صراع إقليمي واسع بين العرب وإيران، تكمن صعوبة الحسابات المصرية وهي تشارك في "عاصفة الحزم". كما تبدو مصر في هذا الإطار مكبلة سواء بأوضاع راهنة صعبة أمنيًّا واقتصاديًّا، أو بمخاوف تاريخية لما يمكن أن يقود إليه التدخل العسكري في اليمن، ومن ثم فإنها تبدو حريصة على أن تكون العملية العسكرية مقدمة لحل سياسي وليست بداية لمقامرة عسكرية مفتوحة. |
مقدمة
جاء الإعلان المباغت عن بدء عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد الحوثيين في اليمن من واشنطن وعلى لسان السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، عادل الجبير، ليثير تساؤلات حول ما إن كانت بقية الدول المشاركة في العملية قد أُبلغت بموعد هذه العملية أم أن التوقيت جرى بتنسيق وترتيب كامليْن بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة دون غيرهما، وأن بقية الدول الأخرى علمت بالموعد ربما قُبيل بدء الضربة بساعات فقط. وقد أثار توقيت بدء العملية قبل يومين من انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ والتي كان متوقعًا أن تبحث إمكانية التدخل العسكري في اليمن، تساؤلات فيما يتعلق بالموقف المصري بشكل خاص لاسيما وأن هناك رأيًا أن التوقيت لم يكن معبِّرًا عن حسابات مصر، التي كانت تريد استغلال منصة القمة العربية لاتخاذ قرار التدخل في اليمن، بقدر ما كان تعبيرًا عن الحسابات السعودية.
لكن وبغضِّ النظر عمَّا إذا كانت القاهرة ضمن الأطراف التي شاركت في الترتيبات لشنِّ العملية من عدمه، فالمهم هنا أنها سارعت إلى إعلان تأييدها ودعمها للعملية العسكرية واستعدادها للتدخل بقوات جوية وبحرية وحتى "قوات برية إن لزم الأمر" حسبما جاء في بيان للخارجية المصرية(1). جاء هذا الموقف رغم أن توقيت العملية العسكرية قد لا يكون الأنسب لظروف مصر الأمنية والاقتصادية وحتى السياسية، فمصر تبدو حاليًا محاطة ببؤر اشتعال كثيرة في ليبيا غربًا وفي سيناء شرقًا؛ ومن ثَمَّ فإن مشاركتها في "عاصفة الحزم" تضيف جبهة مواجهة جديدة بالنسبة لها، لكن رغم هذه الصعوبات فلم يكن أمام مصر، على ما يبدو، سوى المشاركة.
ما هي الأسباب والمحددات التي بنت مصر على أساسها قرار المشاركة في هذه العملية؟ وما الأهداف التي سعت لتحقيقها من وراء ذلك؟ وإلى أي حدٍّ تلتقي حسابات مصر في هذا الصدد مع حسابات الأطراف الأخرى المنخرطة في هذه العملية ولاسيما السعودية ودول الخليج؟ وإلى أي حدٍّ تبدو القاهرة مستعدة للاستمرار في هذا التحالف في حال توسيعه ليصبح تحالفا سنيًّا إسلاميًّا أكثر من كونه تحالفًا عربيًّا وخصوصًا مع انضمام باكستان واحتمال انضمام تركيا لهذا التحالف؟
دوافع ومحددات المشاركة المصرية في "عاصفة الحزم"
هناك جملة من المحددات والدوافع التي بدت حاكمة في قرار مصر بالمشاركة في هذا التحالف العشري لمساندة الشرعية في اليمن ولضرب الحوثيين:
-
المحدد الأول: يتعلق بإدراك القاهرة، وعلى ضوء تفاقم الأوضاع في اليمن، أن الرياض قد حسمت أمرها فيما يخص التدخل العسكري في مواجهة ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها، بغضِّ النظر عن مواقف الأطراف الأخرى؛ فرغم أن الرياض كانت بحاجة لدعم القاهرة وغيرها من الدول المشاركة من أجل توفير غطاء إقليمي للعملية العسكرية ولتوجيه رسائل لإيران وحلفائها بأنها ليست وحدها في هذه المعركة، فإنها بدت مستعدة للمواجهة حتى لو بمفردها. هذه المعطيات، على ما يبدو، لم تدعْ أمام القاهرة خيارًا سوى مساندة الموقف السعودي لاسيما أن عدم المشاركة كان سينعكس سلبًا على العلاقات بين البلدين ويدفعها نحو مزيد من التباعد في ظل القيادة السعودية الجديدة التي بدت أولوياتها مختلفة إلى حدٍّ بعيد عن القيادة السابقة في ظل قيادة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. كما لابد أن صانع القرار المصري وهو يتخذ قرار المشاركة كان يدرك أيضًا أن أي غياب لمصر عن هذه العملية ستملؤه أطراف أخرى تبدو جاهزة بل وراغبة في ذلك، مثل: تركيا وباكستان.
-
المحدد الثاني: يتعلق باختبار مصداقية خطاب النظام السياسي المصري عن أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، فكانت المشاركة المصرية في "عاصفة الحزم" ضرورية لتأكيد مصداقية هذا الخطاب، كما أنها جاءت اتساقًا مع مقولة: "مسافة السكة" التي اعتمدها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أن كان مرشحًا في الانتخابات الرئاسية للتدليل على جاهزية مصر للتدخل في حال تعرض أمن أيٍّ من الدول العربية ولاسيما الخليجية منها للخطر. وعلى ضوء ذلك كان لابد من دعم ومساندة السعودية في مواجهة ما تعتبره خطرًا داهمًا على أمنها القومي نتيجة تمدد الحوثيين المدعومين من إيران سياسيًّا وعسكريًّا وسيطرتهم على مفاصل الدولة اليمنية؛ فالتمدد الحوثي يُطبق على الخاصرة الجنوبية للمملكة ويهدد حدودها، وكذلك بالنسبة لدول الخليج الأخرى فإن تصدع السعودية أو تعرضها للخطر يعني تصدع المنظومة الخليجية كلها وهو أمر تبدو مصر مدركة لخطورته على أمنها القومي استراتيجيًّا واقتصاديًّا(2).
-
المحدد الثالث: يرتبط بالدعم الاقتصادي والسياسي الضخم الذي قدمته السعودية لمصر لاسيما في مرحلة ما بعد 3 يوليو/تموز 2013؛ فقد كانت المشاركة في هذه العملية في أحد وجوهها، ردًّا لجميل الرياض تجاه نظام الرئيس السيسي أكثر ربما من كونها تعبيرًا عن قناعات مصرية كاملة، كما أنها كانت ترجمة لما يسمِّيه البعض مبدأ "الأمن مقابل المساعدات" الذي اعتمدته السياسة الخارجية المصرية منذ حرب تحرير الكويت(3).
-
المحدد الرابع: يتعلق بالمصالح المصرية المباشرة، وهو حماية وتأمين الملاحة البحرية في مضيق باب المندب في ضوء ما يمثله هذا الممر المائي من أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر وللملاحة في قناة السويس التي تشكِّل عائداتها مصدر الدخل الأجنبي الرئيسي لمصر بعد تحويلات المصريين في الخارج، وبالتالي فإن أية قلاقل عند هذا المضيق نتيجة سيطرة الحوثيين عليه تشكِّل تهديدًا مباشرًا لمصالح مصر الحيوية ولأمنها. ولعل ذلك يفسر إسراع مصر في إرسال عدد من القطع العسكرية البحرية صوب المضيق للمشاركة في التأمين والقيام بأي أعمال ضرورية في إطار تحقيق الأهداف المطلوبة من العملية العسكرية(4). ولابد من الإشارة هنا إلى أن تصريحات المسؤولين المصريين فيما يخص باب المندب كانت سابقة لعملية "عاصفة الحزم" بل ومنذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، حيث شدَّدت القاهرة على أنها لن تتواني عن فعل أي شيء لضمان أمنها القومي في منطقة باب المندب.
-
المحدد الخامس: دعم وحدة واستقرار اليمن والحيلولة دون انزلاق البلاد إلى أتون حرب أهلية طاحنة ستكون لها تداعياتها على المنطقة ولاسيما فيما يخص مضيق باب المندب وما يمثله، كما أشرنا، من أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر. وقد كان ذلك واضحًا في الأهداف التي أعلنت مصر أنها تهدف لتحقيقها بمشاركتها ضمن عملية "عاصفة الحزم"، وتتمثل في الوقت الراهن في "دعم الشرعية هناك، والحفاظ على وحدة الدولة، ومنع الدخول في حرب أهلية"(5).
-
المحدد السادس: المقايضة السياسية؛ فقد سعت مصر من خلال المشاركة في العملية العسكرية إلى مقايضة مشاركتها مقابل حصولها على دعم ومساندة السعودية المقتَرَح الخاص بتشكيل قوة عربية مشتركة بهدف محاربة الإرهاب وحماية أمن الدول العربية، خصوصًا أن الرياض لم تُبدِ حماسًا واضحًا لهذا المقترح في البداية قبل أن تعود وتوافق عليه خلال القمة العربية. ومن هنا فقد أرادت مصر بمشاركتها أن ترسل رسالة للسعودية ولغيرها من الدول المترددة أو المتحفظة على المقترح، بسبب الغموض الذي يحيط بأهدافه وأولوياته، مضمونها أن مهمة هذه القوة ستكون مواجهة أي خطر يواجه أيًّا من الدول العربية أيًّا كان نوعه ومصدره.
تبعات وتكاليف المشاركة سياسيًّا وأمنيًّا
في مقابل المكاسب المهمة التي سعت لتحقيقها والمصالح الحيوية التي تحاول الدفاع عنها من خلال مشاركتها في "عاصفة الحزم"، فإن المشاركة في حدِّ ذاتها تفرض على القيادة المصرية تبعات وتكاليف سياسية وأمنية عديدة، سواء فيما يمس ثوابت العقيدة السياسية للسلطة الحالية في مصر، أو فيما يتصل باحتمالات التورط في حرب واسعة؛ وذلك على ضوء تطورات العملية العسكرية وحسابات المشاركين فيها والنتائج المحتملة لها، والتي تتناقض في بعض جوانبها إلى حدِّ التصادم مع الحسابات المصرية. وفي هذا الإطار يمكن التوقف عند عدد من التكاليف والمخاطر التي تمس المصالح المصرية نتيجة المشاركة في "عاصفة الحزم":
الحسابات المتناقضة
تكشف التقديرات السابقة أن كون مصر جزءًا من عملية "عاصفة الحزم" لا يعني أن حساباتها في اليمن تتطابق مع الحسابات السعودية والخليجية بقدر ما أنها تتعارض سواء في الدوافع وراء المشاركة أو الأهداف المنشودة من العملية العسكرية، ما يجعل هذه المشاركة محفوفة بكثير من المحاذير والعقبات. ويفاقم من وطأة ذلك غياب القاعدة السياسية الصلبة التي تجمع دول التحالف العسكري في اليمن، بل إن الكثير من الملفات يبدو في هذه اللحظة موضع اختلاف وتباين بين مصر من ناحية وغالبية الدول المنخرطة في هذه التحالف من ناحية أخرى سواء فيما يخص حدود وطبيعة المواجهة مع إيران أو الموقف من الدور التركي وصولًا إلى الموقف من ملفات أخرى كالملف السوري والليبي.
الأمر الأخر هو أن مصر تشارك في هذه العملية على وقع حاجتها الواضحة للدعم السياسي والاقتصادي السعودي، وهو ما يجعلها تقبل أن تكون شريكًا صغيرًا في تحالف تقوده السعودية، وهو أمر يبدو مفارقًا لرؤية مصر لمكانتها ودورها الإقليميين باعتبارها دولة قائدة في منطقتها، ما يطرح السؤال حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه فيما يخص بقاءها فاعلا في هذا التحالف الذي ربما يتناقض مع خطابات السيسي الذي يبشر بعهد جديد تستعيد فيه مصر دورها القائد في محيطها العربي والإقليمي. وقد برز ذلك بوضوح في الكثير من المقالات والتصريحات لقوى سياسية مؤيدة للسيسي ولكنها بدت منزعجة مما اعتبرته مشاركة مصر في معركة لم تشارك في رسم أجندتها ولا أهدافها، بينما رأى آخرون أن مشاركة مصر بالرغم من أهميتها، فإنها تحرمها من هامش المناورة وتفوِّت عليها الفرصة في أن تكون وسيطًا مقبولًا في أية تسويات محتملة.
خلاصة