استهداف الفنادق الإفريقية: ملامح جديدة لاستراتيجية الجماعات المسلحة

يتناول الباحث النيجيري فريدوم أونوهوا في هذا التقرير التطور الحاصل مؤخرا ضمن نشاط الجماعات المسلحة والمتمثل في استهداف الفنادق الفاخرة بدول شمال وغرب إفريقيا، مبزرا تداعياته النفسية والاقتصادية ومقترحا جملة من التدابير التي من شأنها الوقوف في وجه هذا التطور في أعمال العنف.
201621411468345734_20.jpg
قوات أمن بوركينابية أمام فندق سبلانديد (الأوروبية)

ملخص
يستطلع هذا البحث الموجز آخر أربع هجمات استهدفت حديثًا فنادق فاخرة في إفريقيا، كما يناقش عدة أفكار من بينها استهداف الغربيين الذي وإن كان دافعًا مهمًّا في عملية استهداف تلك الفنادق، إلا أن قَصْرَ تفسير الأمر عليه وحده لا يمكن أن يصمد أمام حقيقة تنامي وتيرة الهجمات الأخيرة ومستوى درجة الفَتْك التي صاحبتها.

ويسعى الكاتب إلى تفسير تنامي الهجمات التي تبنتها تنظيمات مسلحة على الفنادق في إفريقيا في إطار سياق بروز توحيد عمل هذه الجماعات "العالمية والمحلية"، والفنادق الفاخرة في إفريقيا، التي يرتادها الغربيون، تدخل ضمن هذه الحسابات. مبينا من بين أمور عديد ة أن الفنادق الفاخرة في إفريقيا، التي يرتادها الغربيون، تدخل ضمن حسابات هذه الجماعات.

ويُلقي الضوء على تداعيات مثل هذه الهجمات التي بينت درجة حالة الفشل وعدم الفاعلية التي تطبع عمل أجهزة الأمن الوطني وأنظمة الاستخبارات، فضعف هذه الأجهزة كان من أسباب نجاح مثل تلك الهجمات، وغالبًا ما سيكون لذلك تداعيات وآثار قاسية على مجتمعات الدول المُستهدَفة.

ويخلص إلى اقتراح تدابير من شأنها الإسهام في تقليل فرص نجاح الهجمات على الفنادق، ذلك أن هناك حاجة ماسَّة لرفع مستوى المراقبة داخل وخارج محيط تلك الفنادق وهو أمر يتطلب تكثيف توحيد الجهود والتعاون الدولي من أجل إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة على أرض المعركة، وكذلك على المستوى الأيديولوجي؛ وتلك لعمري مهمة جبارة.

مقدمة

تنزع مختلف الجماعات المسلحة، سواء أكانت محلية أو دولية في تركيبتها، إلى استهداف أماكن التجمعات العامة كثيفة الازدحام، مثل المراكز التجارية الراقية ومحطات النقل الجماعي الكبرى والمواقع السياحية والفنادق، وذلك بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار فيها. فقد نفَّذت الجماعات المسلحة، خلال العام الأخير، عددًا من الهجمات "الجريئة" على فنادق أو منتجعات فاخرة في إفريقيا، كانت حصيلتها ثقيلة في الأرواح البشرية التي أَوْدَت بها، فضلًا عن تدمير منشآت ثمينة. وقد شهدت عدَّة دول مثل بوركينا فاسو ومصر وليبيا ومالي وتونس وقوع هجمات مسلحة مُميتة استهدفت فنادقها.

ويمثِّل هذا الخطر المتنامي اليوم مصدر قلق أمني متزايد لدى الغربيين والدول الإفريقية، وكذلك لدى المسافرين والسياح ومشرفي الفنادق وغيرهم من المعنيين به. فلماذا باتت الفنادق في إفريقيا أهدافًا ثمينة لدى المسلحين؟ وما التداعيات الناجمة عن تلك الهجمات؟ وهل من المرجَّح أن يستمر هذا التوجه في المستقبل القريب؟

يروم هذا البحث الخوض في هذه الأسئلة المركزية المتصلة بالقضية من منظور الخلوص إلى اقتراح تدابير يمكن أن تساعد في تقليص فرص نجاح الهجمات على الفنادق.

الهجمات المسلحة الأخيرة على فنادق في إفريقيا

للفنادق موقعها الخاص والفريد في النسيج الاقتصادي لأية دولة؛ فبالإضافة إلى استقبالها السياح ورجال الأعمال والمموِّلين، فإنها توفر أيضًا أجواء ومرافق مناسبة لعقد الاجتماعات والمؤتمرات وغيرها من الفعاليات الحيوية. ولذلك نجد أن الفنادق الفاخرة التي تجلب إليها الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية تمثِّل أهدافًا مُميَّزة وسهلة "ناعمة" للمسلحين حول العالم. ومنذ يناير/كانون الثاني من العام 2015، سُجِّلت هجمات مُميتة على فنادق فاخرة، خاصة في شمال وغرب إفريقيا. يرصد الإحصاء -المرفق في الجدول المرفق في نهاية التقرير، الذي أُجري حول آخر أربع حوادث، عن الاتجاه الجديد لتلك الهجمات وثِقَل الأضرار الناجمة عنها.

الهجوم على فندق "كورينثيا" في ليبيا: في الساعات الأولى من صباح يوم 27 يناير/كانون الثاني 2015، هاجم عدد من الأشخاص المسلحين، وهم يهتفون "الله أكبر" فندق "كورينثيا" في طرابلس، وبوصفه أحد الفنادق الفاخرة في المدينة، فإن هذا الفندق يستضيف السيَّاح الأجانب ورجال الأعمال الذين يزورون ليبيا، وهو أيضًا مقر إقامة، عمر الحاسي، رئيس وزراء الحكومة الليبية المُعلَنة من جانب واحد (المسماة :حكومة الإنقاذ)، بالإضافة إلى جملة من مقرات السفارات الأجنبية. فتح المهاجمون النيران على الضيوف المتواجدين في البهو وتبادلوا إطلاق النار مع حراس الفندق. قُتل في الهجوم تسعة أشخاص على الأقل، بمن فيهم أحد الرعايا الأميركيين وفرنسي وثلاث رعايا من طاجيكستان.

لقي اثنان من المهاجمين مصرعهم في الهجوم على أيدي قوات رجال الأمن، في حين يُشَكُّ في أن مهاجمًا ثالثًا قتل نفسه بتفجير قنبلة يدوية أو بتفجير حزامه الناسف. وقد تبنَّت ولاية طرابلس التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن الهجوم، وادَّعت أنه ردٌّ على اختطاف أحد المنتسبين لتنظيم القاعدة: نزيه عبد الحميد الرقيعي (الملقب بأبي أنس الليبي) على يد فريق كوماندوس أميركي في العام 2014. ثم نشر التنظيم لاحقًا أسماء وصور مقاتليْن اثنيْن، على الأقل، قال: إنهما قُتلا خلال الهجوم، كان أحدهما تونسيًّا والثاني سوداني(1).

الهجوم على منتجع شاطئ البحر في تونس: في 26 من يناير/كانون الثاني 2015، نفَّذ مسلح هجومًا على منتج شاطئ بحري شهير في مدينة سوسة الساحلية التونسية. وتعتبر شواطئ سوسة من أشهر المنتجعات الشاطئية التي يرتادها سيَّاح أوروبيون وآخرون قادمون من بلدان الجوار في شمال إفريقيا. أفاد أحد شهود العيان أن المهاجم فتح نيران رشاشه على المتواجدين داخل مساحة الشاطئ الواقعة بين فندقي "سوفيفا" و" إمبريال مرحبًا"، قبل أن يواصل إطلاق النار وهو يمر أمام مسبح مفتوح ثم داخل بهو الفندق. بعد حصار دام خمس دقائق في موقف سيارات الفندق، تمكَّن رجال الأمن من قتل المهاجم. خلَّف الهجوم مقتل ما لا يقل عن 38 شخصًا وجرح أكثر من 39 آخرين. من بين القتلى، تم إحصاء رعايا من السياح البلجيكيين والبريطانيين والألمانيين والإيرلنديين، بالإضافة إلى رعايا تونسيين. تبنَّى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا مسؤوليته عن الهجوم، ثم أتبعه بنشر صورة المهاجم المزعوم، الذي قالت عنه السلطات التونسية: إنه شاب يبلغ الرابعة والعشرين من العمر ويُدعى سيف الدين الرزقي، وهو من مدينة قعفور (الواقعة في الشمال الغربي للجمهورية التونسية)(2).

الهجوم على فندق "راديسون بلو" في مالي: في حدود الساعة السابعة صباحًا، وبينما كان النزلاء يتناولون فطورهم الصباحي، شنَّ مجموعة من الأشخاص المدججين بالسلاح هجومًا على فندق "راديسون بلو" في العاصمة باماكو وهم يصرخون: "الله أكبر" . فتح المسلحون نيران أسلحتهم على حراس الأمن، وفجروا قنابل يدوية داخل مجمع المبنى، ثم أخذوا ما يقرب من 170 رهينة(3). بلغت حصيلة ضحايا الهجوم 21 قتيلًا على الأقل وجرح عديد من الأشخاص الآخرين. كان من بين القتلى ثلاثة صينيين وأميركي وبلجيكي. بعد ساعات من بدء الهجوم، تمكَّنت تشكيلات من الفرق الأمنية الخاصة المالية، بمشاركة نظرائهم من أميركا وفرنسا، من السيطرة على الوضع في الفندق بعد قتل اثنين من المهاجمين على الأقل. تبنَّى الهجوم تنظيم "المرابطون" بمشاركة مجموعة مرتبطة بالقاعدة، وقد ادَّعى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أن الهجوم كان ردًّا عقابيًّا على عدوان الحكومة على شمال مالي. كما طالب التنظيم أيضًا بالإفراج عن سجناء في فرنسا(4). وتنظيم "المرابطون" هو مجموعة جهادية إفريقية يتزعمها المقاتل السابق في صفوف القاعدة، مختار بلمختار. وكان نفس التنظيم قد أعلن مسؤوليته عن هجوم مُميت استهدف، في وقت سابق، مصنعًا للغاز بعين أميناس بالجزائر في شهر يناير/كانون الثاني عام 2013 خلَّف 39 من العاملين في الموقع.

الهجوم على فندق "سبلانديد" في بوركينا فاسو: كان حصار فندق "سبلانديد"، في 15 يناير/كانون الثاني 2016، آخر هجوم ضمن سلسلة الهجمات المسلحة "عالية المستوى" التي استهدفت فنادق في إفريقيا؛ إذ في حدود الساعة الثامنة والنصف مساءً شنَّت مجموعة من أشخاص مُدججين بأسلحة ثقيلة هجومًا مُزدوجًا استهدف الفندق ذا النجوم الأربعة ومقهى "كابتشينو" المجاور له وسط العاصمة واغادوغو، وأحدثت فيهما عدَّة انفجارات. بعد عملية حصار دامت ساعات طويلة، تمكَّنت القوات الخاصة البوركينابية والفرنسية من قتل ثلاثة من المهاجمين وتحرير أكثر من 126 شخصًا كانوا محتجزين داخل الفندق، أمَّا المسلح الرابع فقد تمت تصفيته على أيدي قوات الأمن خلال عملية تمشيط لفندق آخر. وكان ذلك أول هجوم من نوعه تنفذه مجموعة مسلحة داخل العاصمة البوركينابية. لقي حوالي 29 ضحية مصرعهم في الهجوم، وكانوا ينحدرون من 18 جنسية مختلفة، بمن فيهم كنديون وفرنسيون وهولنديون وبرتغاليون وسويسريون وأوكرانيون وأميركيون(5). أصدر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بيانًا، في حينه، تبنَّى فيه المسؤولية عن الهجوم، ونشر صورًا لثلاثة أشخاص يظهرون في لباس عسكري وهم يحملون أسلحة، قيل: إنهم منفذو الهجوم.

فهم تنامي الهجمات المسلحة على الفنادق

تسبَّبت هذه الهجمات الحديثة في تزايد القلق حول غموض الدوافع وراء تحول الفنادق إلى أبرز الأهداف المحورية على قائمة الضربات المسلحة. لكن دعونا نقول: إن الهجمات على الفنادق في إفريقيا ليست جديدة أو غير مسبوقة.

عادة ما يذهب المحلِّلون الأمنيون إلى ربط تطور تلك الهجمات بوجود غربيين في مثل تلك الفنادق. لكن، وعلى الرغم من أن وجود أجانب غربيين، في حدِّ ذاته، دافعٌ مهم وراء استهداف الفنادق، إلا أن هذا التفسير لا يصمد أمام حقيقة تنامي وتيرة تلك الحوادث وقوة أثر فتكها.

لا يبدو تنامي الهجمات على الفنادق منفصلًا عن تأثير عمليات التحالف الدولي ضد الجماعات المسلحة العالمية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والذي دفعها إلى توسيع جبهات "انعدام الأمن" داخل البلدان الهشة، وتلك التي تعيش صراعات أو تمر بمرحلة ما بعد الصراع. فالنجاحات التي حققتها ضربات قوات التحالف الدولي الموجهة ضد هذه الحركات المسلحة العالمية دفعت إلى ازدياد حاجة هذه الحركات إلى التنسيق فيما بينها وبين الجماعات المسلحة المحلية التي تتبنَّى نفس الأيديولوجيا. وقد نبعت تلك الحاجة من سعي تلك الحركات إلى إضعاف تركيز حملة قوات التحالف على معاقلها الرئيسية.

أدَّى هذا التهديد إلى تكثيف التعاون بين الإرهاب العالمي والمحلي. وتعكس هذه الظاهرة بروز التهديد المُتأتِّي من الجماعات المسلحة العالمية التي باتت تبني لها علاقات تحالف/تعاون مع الجماعات المسلحة المحلية، أو تقبل بإعلانها ولاءها لها، بحيث يمكِّنها ذلك من توفير الدعم وتعزيز إمكانات الجماعات المسلحة المحلية حتى تقوم بتنفيذ هجمات تُسهم في توسيع دائرة انتشار اسم أو أهداف الجماعات المسلحة العالمية. يوصف هذا التحالف/التعاون بـ "الشراكة" لأنه يحقق مصالح الطرفين.

بإعلانها ولاءها للحركة الجهادية العالمية والانضواء تحت لوائها، فإن الحركات الجهادية المحلية تستفيد من دعم خارجي على مستوى التمويل والمدد بالمجنَّدين والأسلحة والدعاية والتدريب، وفي الوقت ذاته تُحافظ على أجندتها الخاصة المختلفة وتُبقي على طابعها الذاتي(6).

من جهتها، فإن الحركة المسلحة العالمية تستفيد مما يُتيحه ذلك التعاون من توسيع دائرة تأثيرها ومساحة مجال عملها وتمدد حجمها، بالإضافة إلى ما يمكنها أن تجنيه من إكساب سرديتها في الدفاع عن قضية الإسلام مصداقية أكبر.

يزيد تنظيم الدولة الإسلامية من فرص تحقيق هدفه هذا عن طريق قبوله إعلانات الولاء الصادرة عن الجماعات المسلحة المحلية الناشطة داخل البلدان الإفريقية الهشَّة أو التي تعيش حالة من الصراع وأيضًا تلك التي تمر بمرحلة ما بعد الصراع. وهي أيضًا تُلهم الشباب، سريعي التأثر بإنجازاتها، لتنفيذ العمليات الموصوفة بعمليات "الذئاب المنفردة"؛ وذلك باسم الإسلام. ومع أن بعض الجماعات المسلحة المحلية لها تاريخ طويل من التواجد والعمل داخل إفريقيا، إلا أنه بات ملحوظًا تزايد إعلان ولاءاتها إلى التنظيمات المسلحة العالمية القائمة مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.

هكذا، فإنه من الطبيعي أن تكون الأماكن المستهدفة، التي تضم مصالح غربية هائلة (رعايا غربيين، أصولًا أو مصالح تجارية)، جالبة لانتباه تلك الجماعات المسلحة. والفنادق الفاخرة في إفريقيا، التي يرتادها الغربيون، تدخل ضمن هذه الحسابات. في مصر وتونس، نجد أن الأشخاص أو الجماعات التي تقف وراء الهجمات المُميتة على الفنادق كانوا إمَّا من المُتأثرين بأيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو ممن أعلنوا ولاءهم للتنظيم. وبالمثل، فإن الجماعات التي نفَّذت الهجمات على فنادق في بوركينا فاسو كانت من الجماعات التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة.

يُمكِّننا سياق هذا الإرهاب المركَّب التكوين من فهمٍ أفضل لتنامي وتيرة الهجمات على فنادق في إفريقيا ومستوى شدة الفتك الناجم عنها. وسيستمر وجود عديد من الفنادق الفاخرة، التي يرتادها غربيون في دول إفريقية عديدة، في جعلها أهدافًا رئيسية للجماعات المسلحة العالمية-المحلية في المستقبل القريب. كما ستُسهم حالة الفشل وعدم الفاعلية التي تطبع عمل أجهزة الأمن الوطني وأنظمة الاستخبارات في زيادة نسب نجاح مثل تلك الهجمات، وغالبًا ما سيكون لذلك تداعيات وآثار قاسية على مجتمعات الدول المُستهدَفة. 

تداعيات وآثار الهجمات المسلحة المُستهدِفة للفنادق

أحد أكثر تلك التداعيات وضوحًا هو الخسارة التي تُحدثها الهجمات المسلحة بشكل مباشر في الأرواح البشرية وفي الممتلكات ذات القيمة، وكذلك ما تُخلِّفه من جروح لدى الضحايا. فقد قُتل في الهجمات المسلحة الأربع الأخيرة، التي استهدفت فنادق في إفريقيا، ما لا يقل عن 97 شخصًا من أكثر من عشرين دولة على أيدي ما لا يزيد عن 12 مسلحًا. وبالإضافة إلى الخسارة الفادحة في الأرواح، فإن الهجمات المسلحة على الفنادق تُنتجُ، على الأقل، ثلاثة تداعيات أو آثار جدية تستحق منَّا الوقوف عندها لتفصيلها، وهي تداعيات نفسية-سيكولوجية ودعائية واقتصادية.

التداعيات السيكولوجية: تُصنَّف الآثار النفسية-السيكولوجية إلى أشكال متنوعة تختلف من شخص لآخر. فبالنسبة للناجين من تلك الهجمات أو من كانوا فيها شهود عيان، فإنهم يعانون من صدمة عميقة لأنهم يظلُّون معرَّضين باستمرار لاستعادة ذكريات تلك التجربة المروعة. أمَّا بالنسبة للأشخاص المعرَّضين لتداعيات تلك الهجمات عبر تقارير وسائل الإعلام، والخوف والقلق، فإن حماسهم ورغبتهم في قضاء إجازاتهم في المناطق التي تعرضت لهجمات مسلحة سيَخْفُت. هذا بالإضافة إلى أن مقتل أي عضو من أية عائلة في مثل تلك الهجمات سيكون من شأنه إحداث شرخ عميق في تكوين تلك العائلة. فقدْ فَقَدَ العديد من الأطفال آباءهم، وفقد أزواج زوجاتهم وفقدت زوجات أزواجهنَّ. وبالنسبة لكل شخص قُتل أو جُرح خلال هجمات مسلحة، فهُناك أشخاص آخرين كُثُر سيكون عليهم التعايش مع الأثر النفسي الذي تخلِّفه لديهم تلك الحادثة.

أثر الدعاية: يُضيف النجاح الذي تُحققه الهجمات على الفنادق الفاخرة والمنتجعات الواقعة داخل العواصم أو المدن الكبرى قيمة إضافية إلى الدعاية العنيفة للإرهاب. ذلك لأن مواقع تلك الأهداف التي تعرضت للهجمات ستجلب إليها تغطية إعلامية واسعة، سواء أكان على المستوى المحلي أم العالمي. والأكثر أهمية من ذلك، هو أن تلك المواقع تسمح لوسائل الإعلام ببلوغ مسرح تنفيذ العملية المسلحة بيُسر كما تُتيح لها فرصة نقل حي ومباشر على الهواء لتلك الأحداث، خاصة إذا أدَّى الحصار الأمني للمسلحين إلى حالة حجز رهائن. وبهذا، فسيكون لأثر الدعاية أهمية أكبر في صفوف المشاهدين في الداخل والخارج على حدٍّ سواء. أمَّا من جانب الجماعات المسلحة، فإن مثل هذه الهجمات يمكن توظيفه، عن طريق مُنظِّري الجماعات الأيديولوجيين، لمزيد إبراز مفهوم الاستشهاد في تغذية التطرف لدى المجندين المحُتملين. ويمكن أيضًا توظيفها لتشجيع العناصر التي تعمل بشكل منفرد "الذئاب المنفردة" على القيام بتنفيذ هجمات. بالنسبة لجمهور المشاهدين في الخارج، فإن تلك الدعاية تخلق صورة ذهنية لديهم عن الجماعة المسلحة التي لديها القدرة وإمكانية الوصول إلى نشر حملتها العنيفة لتطول حدودًا جديدة وأهدافًا حساسة.

التداعيات على الاقتصاد: لا شك في أن الفنادق تمثِّل عُنصرًا رئيسيًّا بالنسبة لقطاع السياحة الذي يُدرُّ عوائد على البلدان السياحية. والهجمات المسلحة على الفنادق في إفريقيا أثَّرتْ وتؤثِّر بالسلب على اقتصادات الدول المُتضررة. وعلى سبيل المثال، فإن صناعة السياحة في تونس تُشكِّل حوالي 7% من اقتصاد البلاد، وقد قادت الهجمات على الفنادق في تونس إلى انخفاض مستوى الرعاية متسبِّبة في إغلاق 70 فندقًا من بين 600 في العام 2015 بفعل تناقص الطلب.

في أعقاب الهجوم الذي استهدف فندق "سبلانديد"، توقَّع المراقبون أن يكون القطاع السياحي في بوركينا فاسو أكثر القطاعات تضررًا، وأن يقود إلى تراجع أعداد الجمهور الذي يتابع فعاليات المهرجان الشهير للسينما الإفريقية، والذي يُقام مرتين في السنة(7).

الخاتمة

لا شك في أن ارتياد غربيين للفنادق الفاخرة في إفريقيا يجعل منها أهدافًا رئيسية سهلة "ناعمة" للهجمات المسلحة. وعلى الأرجح، فإن الاندماج والتعاون القائم حاليًا بين جماعات الإرهاب العالمية والمحلية سيزيد من تفاقم التهديدات.

نستشهد في هذا السياق بما قاله "ستايكلباك" من أن هذا التوجه الجديد بات يمثِّل المخطط المسلح الرئيسي المرجح على المدى القصير؛ والذي يستدعي تطبيقه على نطاق ضيق، وتُوظَّف فيه تقنيات بسيطة ومنخفضة التكلفة لتنفيذ هجمات جهادية فعَّالة وذات أثر بالغ على أهداف سهلة(8). وبناءً على ما تقدم، فستكون قضية معالجة المخاوف المتعلقة بأمن الفنادق في إفريقيا من القضايا الملحَّة والضاغطة خلال الأعوام المقبلة.

هناك حاجة ماسَّة لرفع مستوى المراقبة داخل وخارج محيط تلك الفنادق، ولتطوير حزمة إجراءات أمنية وقائية صارمة خاصة بالفنادق، وكذلك لتوسيع نطاق تدريب فرق الحماية الأمنية العاملة على توفير أمن الفنادق في مجالات تنمية الوعي المبكر بالتهديدات وتطوير قدرات سرعة الاستجابة لديها في التعامل مع حالات الخطر الداهم.

أمَّا على مستوى الحل الدائم لهذه القضية الأمنية، فهو لا محالة، يتطلب تكثيف توحيد الجهود والتعاون الدولي من أجل إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة على أرض المعركة، وكذلك على المستوى الأيديولوجي؛ وتلك لعمري مهمة جبارة.

ملحق

الهجمات المسلحة الأخيرة على الفنادق في شمال وغرب أفريقيا

المُحفِّز/الدافع

الجنسيات المتضررة

الإصابات/الأضرار

المنفِّذون

الموقع

الهدف

التاريخ

الرقم

الردُّ على اختطاف أحد عناصر تنظيم القاعدة على يد فريق كوماندوز أميركي عام 2014، ويُدعى: نزيه عبد الحميد الرقيعي، والمعروف أيضًا باسم أبي أنس الليبي.

من بين القتلى: أميركي واحد وفرنسي واحد وثلاثة طاجيكيين.

مقتل 9 أشخاص على الأقل وإصابة الكثيرين بجروح.

5 مسلحين ينتمون إلى ولاية طرابلس.

طرابلس (ليبيا).

فندق كورينثيا

27 يناير/كانون الثاني 2015.

1

هجوم منفرد بإلهام من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.

أغلب القتلى كانوا بريطانيين وألمانيين وأيرلنديين وفرنسيين.

مقتل 38 على الأقل وإصابة 39 بجروح.

شاب عمره 24 عامًا:

سيف الدين الرزقي.

سوسة (تونس).

الشاطئ الواقع ما بين فندقي سوفيفا" و"إمبريال مرحبًا".

26 يونيو/حزيران 2015.

2

ادَّعى "المرابطون" أن الهجوم الذي نُفِّذ بالاشتراك مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كان ردًّا على التدخل العنيف للحكومة في شمال مالي.

من بين القتلى: 3 صينيين وأميركي وبلجيكي.

مقتل 21 شخصًا، بمن فيهم مُقاتِلان اثنان، وأكثر من 7 إصابات بجروح.

3 مسلحين تابعين لتنظيم "المُرابطون".

باماكو (مالي).

فندق راديسون بلو.

20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

3

ادَّعى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أن الهجوم كان "لمعاقبة عَبَدة الصليب على ما ارتكبوه من جرائم في حق إخواننا في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وغيرهما من أراضي المسلمين".

قُتل في الهجوم مواطنون من كندا وفرنسا وهولندا والبرتغال وسويسرا وأوكرانيا وأميركا.

مقتل 29 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 33 بجروح.

3 مقاتلين تابعين لتنظيم "المُرابطون".

واغادوغو

(بوركينا فاسو).

فندق سبلنديد

15 يناير/كانون الثاني 2016.

4

______________________________
الدكتور فريدوم س.أُونُووها: رئيس قسم الصراعات وحفظ السلام والدراسات الإنسانية، معهد البحوث الاستراتيجية والدراسات، كلية الدفاع الوطني، نيجيريا.

الإحالات
1 – انظر:
SA Zway and DD Kirkpatrickjan, ‘Group Linked to ISIS says It’s Behind Assault on Libyan Hotel’, New York Times, 27 January, http://www.nytimes.com/2015/01/28/world/middleeast/islamic-state-tripoli-libya-terror-attack.html?_r=0  (accessed 21 November 2015).
2 – انظر:
L Smith-Spark, NP Walsh and P Black (2015) “Tourists flee Tunisia after Resort Attack”, CNN, 28 June, http://edition.cnn.com/2015/06/27/africa/tunisia-terror-attack/  (accessed 21 January 2016).
3 – انظر:
M Tapily, (2015) ‘Mali Attack: More than 20 Dead after Terrorist raid on Bamako Hotel, The Guardian, 21 November 2015, http://www.theguardian.com/world/2015/nov/20/mali-attack-highlights-global-spread-extremist-violence  (accessed 14 January 2016).
4 – انظر:
J Hanna, E Payne and S Almasy (2015) ‘Deadly Mali hotel attack: 'They were shooting at anything that moved', CNN, 21 November, http://edition.cnn.com/2015/11/20/africa/mali-shooting/  (accessed 21 January 2016).
5 – انظر:
BBC, (2016) ‘Burkina Faso attack: Al-Qaeda 'names' hotel attackers’, 18 January, http://www.bbc.com/news/world-africa-35342908?ocid=socialflow_twitter  (accessed 21 January 2016)
6 – انظر:
L Vidino, R Pantucci and E Kohlmann (2010), “Bringing Global Jihad to the Horn of Africa: Al Shabaab, Western fighters, and the Sacralisation of the Somali Conflict”, African Security Vol 3, No.4, p. 224.
7 – انظر:
D Eizenga and L Villalón, (2016) ‘Taking stock of Burkina Faso’s Democracy after al-Qaeda attack’, Washington Post, 21 January, https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2016/01/21/taking-stock-of-burkina-fasos-democracy-after-al-qaeda-attack/  (accessed 27 January 2016)
8 – انظر:
E Stakelbeck, (2015) ‘US Citizen among 9 killed in Libya hotel attack, official says’
Fox News, 27 January, http://www.foxnews.com/world/2015/01/27/gunmen-kill-at-least-3-guards-take-hostages-at-triploli-hotel-libyan-official.html  (accessed 12 August 2015)

ABOUT THE AUTHOR