العلاقات الهندية-الخليجية: هل تصبح الهند "الصين" الجديدة؟

تمثّل منطقة الخليج وجهة رئيسة للمنتجات الهندية، ويعتبر مجال الطاقة القوة الدافعة للعلاقات الخليجية- الهندية؛ فالهند رابع أكبر مستهلك للنفط في العالم، ويُتوقع أن تتقدم بقوة لتصبح ثاني أكبر سوق للصادرات الخليجية بعد الصين في العقد القادم، كما تبحث الشركات الخليجية عن فرص استثمارية كبرى بالهند.
502fd9d70b0b4241bc8390a1563b3ff8_18.jpg
العلاقات الهندية-الخليجية المتنامية مرشَّحة للتطور مع الصعود الاقتصادي المرتقَب للهند على مدى العقدين القادمين (الجزيرة)

تعتبر الهند ثاني أكبر دولة في العالم (بعد الصين) من حيث عدد السكان؛ حيث يقطنها نحو 1.26 مليار نسمة، من ضمنهم 150 مليون من المسلمين، حيث يُشكِّلون ثالث أكبر عدد من المسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان. كما أن البلاد تعد حاليًا ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم، وثالث أكبر مستورد للنفط، ورابع أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال؛ علاوة على أنها تملك قدرات عسكرية ونووية لا يستهان بها (1). في المقابل، تتربع دول مجلس التعاون الخليجي على عرش أكبر منظومة مُصدِّرة للنفط والغاز الطبيعي المسال في العالم. في هذا السياق، تطورت العلاقات بين الجانبين؛ حيث تبحث دول مجلس التعاون الخليجي عن أسواق مستقرة لصادراتها من الطاقة، واستثمارات جديدة لفوائضها المالية. في المقابل، تحتل منطقة الخليج مكانة استراتيجية بارزة في السياسة الخارجية للهند لعدة أسباب، أهمها: أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر في الوقت الحالي الشريك التجاري الأول للهند نتيجة تنامي اعتماد نيودلهي على واردات الطاقة، وتزايد صادراتها إلى أسواق الخليج، علاوة على وجود نحو 7 ملايين مواطن هندي يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي، ويحوِّلون إلى بلادهم مبالغ مالية تصل إلى نحو 40 مليار دولار سنويًّا. أضفْ إلى ذلك المخاوف الأمنية المشتركة التي تتعلق بالتهديد المتنامي للإرهاب، والقرصنة البحرية (2). هذه العلاقات المتنامية بين الطرفين مرشَّحة للتطور مع الصعود الاقتصادي المرتقَب للهند على مدى العقدين القادمين.

مقدمة

لقد شهدت العلاقات الهندية-الخليجية خلال فترة وجيزة تطورات متسارعة تدل على أنها ربما تتجه نحو شراكة بعيدة المدى؛ فقد جاءت بدايةً زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في أغسطس/آب 2015، والتي تعد الأولى لرئيس وزراء هندي إلى (أبو ظبي) منذ نحو 35 سنة، أي منذ زيارة إنديرا غاندي في عام 1981. وأعقب تلك الزيارة، الحوار السياسي التاسع بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي الذي عُقد على هامش أعمال الجمعية العامة الـ70 للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2015. ثم قام ولي عهد (أبو ظبي)، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بزيارة إلى الهند في شهر فبراير/شباط 2016، تمخضت عن التزام الطرفين بزيادة التبادلات التجارية بمقدار الثلثين، لتصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2020. جاء بعد ذلك إعلان وزير النفط الهندي، دارمندرا برادان، في 10 مارس /آذار 2016، أن بلاده تُجري محادثات مع عدد من الدول الخليجية حول كيفية تطبيق فكرة "النفط مقابل الغذاء". وأخيرًا وليس آخرًا، من المتوقع أن يزور رئيس الوزراء الهندي المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر مورِّد الهند الأول للنفط، والبلد الذي يستضيف أكبر جالية هندية في المنطقة، وذلك في الثاني من شهر إبريل/نيسان 2016.

في حقيقة الأمر، هذه التطورات المتسارعة تؤكد على أن دول مجلس التعاون لا يمكنها تجاهل صعود القوة الاقتصادية لنيودلهي. لقد احتلت الهند المركز السابع ضمن أكبر الاقتصادات في العالم وفقًا لأحدث التقديرات من قِبل صندوق النقد الدولي. كما تدرك دول الخليج العربية أهمية الهند باعتبارها واحدة من أكبر وأسرع الاقتصادات نموًّا في العالم، ومن المحتمل أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وثاني أكبر مستورد للنفط خلال العقدين القادمين. في المقابل، تسعي نيودلهي إلى ضمان احتياجاتها من الطاقة بشكل دائم ومستقر، فضلًا عن إيجاد أسواق جديدة لصادراتها من السلع، والخدمات والعمالة أيضًا.

جدول 1: تصاعد الأهمية الاقتصادية للهند

2015

2020

2030

الترتيب عالميًّا

الدولة

الناتج المحلي (تريليون دولار)

الترتيب عالميًّا

الدولة

الناتج المحلي (تريليون دولار)

الترتيب عالميًّا

الدولة

الناتج المحلي (تريليون دولار)

1

الولايات المتحدة

17.9

1

الولايات المتحدة

22.3

1

الصين

34.3

2

الصين

11.3

2

الصين

17.1

2

الولايات المتحدة

32.9

3

اليابان

4.1

3

اليابان

4.7

3

الهند

10.1

4

ألمانيا

3.3

4

ألمانيا

4.0

4

اليابان

5.1

5

المملكة المتحدة

2.8

5

المملكة المتحدة

3.9

5

ألمانيا

4.7

7

الهند

2.4

6

الهند

3.4

6

المملكة المتحدة

4.6

المصدر: صندوق النقد الدولي لعامي 2015 و2020، ومركز أبحاث الاقتصاد والأعمال في لندن (CEBR) لعام 2030.

الهند: عملاق اقتصادي صاعد

خلال فترة التسعينات من الألفية الماضية، شرعت نيودلهي في انتهاج سياسة الانفتاح على العالم الخارجي. ونتيجة لذلك -وبالإضافة إلى الإصلاحات التدريجية أخرى- فقد أصبحت الهند واحدة من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم؛ حيث بلغ متوسط نمو ناتجها المحلي الإجمالي السنوي أكثر من 6.5 في المئة بين عامي 1990 و2014. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تستمر الهند في تحقيق معدلات نمو مرتفعة تزيد عن 7.5 في المئة، خلال الفترة 2015-2020، وهي معدلات تزيد عن تلك التي قد تسجِّلها الصين للفترة ذاتها. في نهاية المطاف، يتوقع مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال في لندن أن تتفوق الهند على اليابان قبل نهاية العقد القادم لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم (انظر الجدول 1).

إن نظرة فاحصة على العلاقات بين الهند ودول مجلس التعاون توضح أن التجارة والأعمال تشكِّل الجانب الأبرز في هذه العلاقات المتنامية؛ حيث تضاعف إجمالي التجارة البينية بين الجانبين عدَّة مرات خلال سنوات قليلة، (انظر الجدول 2). هذا النمو الكبير في التبادلات التجارية بين الطرفين يمكن أن يُعزى أساسًا إلى ارتفاع أسعار المواد الخام، خصوصًا أسعار النفط والغاز (رغم تراجعها على مدى العامين السابقين)، وزيادة الصادرات الهندية، وجزئيًّا إلى تكثيف الجهود السياسية المشتركة لدفع العلاقات الاقتصادية إلى مستويات أعلى.

جدول2: التجارة بين الهند ومجلس التعاون الخليجي (2006-2015، مليار دولار)

 

2015

2014

2013

2012

2011

2010

2009

2008

2007

2006

إجمالي التجارة بين الهند ودول مجلس التعاون (مليار دولار)

العالم

654.7

776.7

802.7

778.5

763.9

570.4

443.2

497.6

364.5

299.4

مع مجلس التعاون

101.1

145.2

157.6

156.7

141.2

106.2

80.8

86.8

57.9

41.1

صادرات الهند إلى دول مجلس التعاون (مليار دولار)

العالم

264.0

317.5

336.6

289.6

301.5

220.4

176.8

181.9

145.9

121.2

إلى مجلس التعاون

41.9

51.3

52.2

49.1

46.2

35.4

31.9

27.1

19.9

15.4

% مجلس التعاون من الإجمالي

15.9%

16.2%

15.5%

16.9%

15.3%

16.1%

18.0%

14.9%

13.6%

12.7%

واردات الهند من مجلس التعاون (مليار دولار)

العالم

390.7

459.4

466.0

488.9

462.4

350.0

266.4

315.7

218.6

178.2

من مجلس التعاون

59.1

93.9

105.4

107.6

95.0

70.7

48.9

59.7

38.1

25.7

%مجلس التعاون من الإجمالي

15.1%

20.4%

22.6%

22%

20.6%

20.2%

18.4%

18.9%

17.4%

14.4%

المصدر: كومتريد-الأمم المتحدة.

في عام 2014، كانت دول مجلس الخليجي مجتمعةً أكبر شريك تجارى للهند، وعلى مستوى الدول، جاءت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضمن أكبر 5 شركاء تجاريين للهند. وفي المقابل احتلَّت الهند الترتيب الرابع كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي (انظر الجدول 3)، ورابع أكبر سوق لصادراتها بعد اليابان، الصين، وكوريا الجنوبية؛ ما شكَّل أكثر من 10% من إجمالي صادراتها إلى العالم. وإذا بقي هذا الاتجاه سائدًا، فإن التجارة بين الطرفين قد تتضاعف مرة أخرى في المستقبل القريب (3).

جدول 3: أكبر 5 شركاء تجاريين للهند ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2014

الهند

مجلس التعاون الخليجي

الترتيب

الدولة

% من إجمالي التجارة الخارجية

الترتيب

الدولة

% من إجمالي التجارة الخارجية

1

مجلس التعاون الخليجي

18.6%

1

الاتحاد الأوروبي

13.5%

2

الاتحاد الأوروبي

12.9%

2

الصين

13.1%

3

الصين

12.8%

3

اليابان

11.6%

4

الولايات المتحدة

8.2%

4

الهند

10.5%

5

سويسرا

2.9%

5

كوريا الجنوبية

8.5%

المصدر: صندوق النقد الدولي.

إن منطقة الخليج تمثِّل وجهة رئيسة للمنتجات الهندية؛ حيث استقبلت أسواق دول مجلس التعاون الخليجي نحو 16% من إجمالي الصادرات الهندية في عام 2015. من بين أمور أخرى، تصدِّر الهند الزيوت المعدنية، والمواد الكيميائية العضوية، والحبوب واللحوم والفواكه والخضروات، ومنتجات المنسوجات، والحديد والصلب والآلات والمعدات الكهربائية، والأجهزة الميكانيكية الأخرى إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، يميل الميزان التجاري بشكل كبير لصالح دول مجلس التعاون الخليجي بسبب استيراد الهند كميات كبيرة من النفط الخام والغاز الطبيعي.

الطاقة: مفتاح العلاقات

التعاون في قطاع الطاقة هو القوة الدافعة في العلاقات الخليجية-الهندية؛ حيث تعتبر الهند رابع أكبر مستهلك للنفط في العالم (بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان)، وثالث أكبر مستورد للنفط، بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين (4). وهنا يمكن القول: إن شهية الهند المتزايدة لاستهلاك النفط هي نتاج الطفرة الاقتصادية في البلاد على مدى العقود الماضية، والتي شهدت خلالها نموًّا اقتصاديًّا قويًّا، وتوسعًا في التجارة الخارجية، وارتفاعًا في معدلات الدخل الفردي والنمو السكاني، فضلًا عن التصنيع والتوسع العمراني.

في الوقت الراهن، تعتمد نيودلهي على دول مجلس التعاون الخليجي في استيراد أكثر من ثلث احتياجاتها من النفط ونحو ثلثي وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، (انظر الشكلين 2، 3). وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر البلدان المصدِّرة للنفط إلى الهند، في حين تتربع دولة قطر على عرش الدول المصدِّرة للغاز الطبيعي المسال للهند.

شكل1: المورِّدون الرئيسيون من النفط الخام إلى الهند
المصدر: كومتريد-الأمم المتحدة.

 شكل2: المورِّدون الرئيسيون من الغاز الطبيعي المسال (LNG) إلى الهند

المصدر: كومتريد-الأمم المتحدة.
هذا ويحمل المستقبل آفاقًا واعدة للعلاقات الهندية-الخليجية؛ فمن وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي، يعتبر منطقيًّا النظر إلى الهند باعتبارها سوقًا رئيسة لمنتجات الطاقة؛ حيث يمكن للهند أن تصبح ثاني أكبر مستورد للنفط على مدى العقدين المقبلين، بالتالي، فمن المتوقع أن تتزايد واردات النفط من دول الخليج. من جهةٍ أخرى، تبحث الشركات الخليجية عن فرص استثمارية كبرى في الهند، خصوصًا في قطاعات مثل التكرير والبتروكيماويات. كما تسعى الشركات الخليجية أيضًا إلى تعزيز المهارات التقنية والهندسية في الشركات الوطنية عن طريق تشجيع الشركات العالمية للعمل مع الشركاء المحليين. وفي هذا السياق، يمكن للشركات الخليجية الاستفادة من دول مثل الهند لتلبية احتياجاتها من المهارات التقنية والكوادر المتخصصة.

في سياق الحديث عن المستقبل، تضم الهند نحو خمس سكان العالم، إلا أن البلاد تستهلك فقط 6% من الطاقة الأولية العالمية، ونحو 4% من النفط الخام، و5% من الغاز الطبيعي المسال (5). لكن البلاد تشهد نموًّا سريعًا، وتضع سياسات طموحة للمضي قدمًا في تحديث البلاد وتوسيع التصنيع، وهو ما قد يعني بالمحصلة زيادة الاستهلاك في مجال الطاقة. هنا، تتوقع شركة "بريتش بتروليوم-بي بي" في تقريرها السنوي "توقعات الطاقة 2016" أن يرتفع الطلب العالمي على النفط (بما في ذلك الوقود الحيوي، والسوائل الأخرى) بنحو 20 مليون برميل يوميًّا إلى 112 مليون برميل يوميًّا بحلول عام 2035. الصين والهند مجتمعتان من المتوقع أن تستهلكا أكثر من نصف تلك الزيادة. وتتوقع "بي بي" أن تسجِّل الهند أسرع معدل نمو استهلاك طاقة بين جميع الاقتصادات الكبرى؛ حيث من المرتقب أن ترتفع واردات النفط وحدها بنسبة 161% (6). من جهة أخرى، تتوقع بيزنس مونيتور إنترناشيونال (BMI) أن تتضاعف واردات الهند من الغاز الطبيعي المسال إلى نحو 25 مليون طن سنويًّا بحلول عام 2020، لتصل إلى نحو 40 مليون طن في منتصف العقد القادم (7).

وفي الوقت الذي تركز الأسواق على تباطؤ الطلب الصيني، فقد ارتفع استهلاك النفط الهندي في عام 2015 بشكل قياسي إلى نحو 300 ألف برميل يوميًّا، مقارنة مع متوسط 100–150 ألف برميل يوميًّا على مدى العقد الماضي. وللمرة الأولى يتجاوز الطلب على النفط في الهند نظيره الصيني. وهنا يتوقع العديد من المؤسسات الدولية أن يجعل نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي، إلى جانب تعميق الإصلاحات الداخلية، الهندَ المحرِّك الجديد للطلب العالمي على النفط (8). ووفقًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية، فقد تحتاج الهند إلى استيراد نحو 4.3 ملايين برميل من النفط يوميًّا مع نهاية العقد الحالي، لتضيف إلى ذلك نحو مليون برميل أخرى بحلول عام 2030 (9). لكن دراسة حديثة نشرها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، في منتصف شهر مارس/آذار 2016، تبدو أكثر تفاؤلًا تجاه الطلب على النفط في الهند؛ حيث تشير الدراسة إلى أنه بالإضافة إلى الدفعة التي منحها التراجع في أسعار النفط، فإن التغيرات الهيكلية في الاقتصاد الهندي ربما تؤدي إلى طفرة في الطلب على النفط بطريقة مشابهة لما حدث في الصين في أواخر التسعينات من الألفية الماضية (10).

شكل3: واردات الهند من النفط الخام* (العالم، دول مجلس التعاون، 2006-2015، مليون برميل يوميًّا)

* تم تحويل الواردات من الطن إلى البرميل على أساس طن واحد = 7.33 براميل (حسب حساباتBP)

المصدر: وزارة التجارة والصناعة الهندية.

شكل 4: توقعات الطلب على النفط الخام (دول مختارة، 2015-2021)
المصدر: وكالة الطاقة الدولية، إدارة معلومات الطاقة الأميركية

آفاق واعدة، ولكن!

بالمحصلة، ونظرًا لهيكل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المتمحور حول الطاقة، يتوجه أغلب الصادرات نحو المستهلكين الرئيسيين في العالم خصوصًا في آسيا، مثل: اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، والهند. في عام 2015، احتلَّت الهند المركز الرابع، في ترتيب أكبر أسواق الصادرات الخليجية، لكن من المتوقع أن تتقدم الهند بقوة، لتصبح ثاني أكبر سوق للصادرات الخليجية (بعد الصين) في العقد القادم وفقًا لتوقعات بنك (HSBC) (11). ولعل الأهم، أن الهند تُجري محادثات ثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي، لضمان أمن الطاقة، وأيضًا لزيادة صادراتها إلى الدول الخليجية خصوصًا الأرز والقمح في إطار خطة يمكن من خلالها تبادل النفط الخام مقابل الغذاء. في إطار الخطة المقترحة، تعتزم نيودلهي زيادة صادراتها من الأرز البسمتي والقمح لدول مجلس التعاون الخليجي، وفي حال تم التوصل إلى اتفاقية من هذا النوع، فإن ذلك من شأنه أن يعزِّز العلاقات ويدفعها نحو مستويات استراتيجية (12). تجدر الإشارة إلى أن الهند تحتاج أكثر من تريليون دولار من الاستثمارات في قطاع الطاقة (منها 133 مليار دولار في قطاعي النفط والغاز) وذلك خلال الفترة 2015-2025، وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (13). هذا الأمر إذا ترافق مع تحسن البيئة الاستثمارية وتقديم مزايا مجزية للمستثمرين الأجانب، ربما يفتح المجال لدخول الشركات الخليجية إلى السوق الهندية بقوة.

 

شكل 5: صادرات الهند من المواد الغذائية إلى دول مجلس التعاون الخليجي

المصدر: كومتريد–الأمم المتحدة 

رغم تلك الخلفية المتفائلة؛ فقد أشار صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي الأخير عن الهند، إلى أن نيودلهي أحرزت تقدمًا في الإصلاحات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، إلا أنها مع ذلك، تحتاج إلى تسريع عجلة الإصلاحات الهيكلية المهمة لتحقيق نمو أقوى (14). من جهة أخرى، أشارت بيزنس مونيتور الدولية (BMI) إلى أن قطاع الطاقة في الهند لا يزال تحت هيمنة الشركات الحكومية، على الرغم من أن نيودلهي قد اتخذت خطوات في السنوات الأخيرة لتحرير هذا القطاع وتشجيع مشاركة الشركات الأجنبية. كما أن استمرار العقبات في مجال التحرير الكامل لأنظمة التسعير المحلية، أعاق نمو الإنتاج وبقي رادعًا للمستثمرين الأجانب. وهنا يمكن الإشارة إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الهند بين عامي 2000-2014 بلغت حوالي 3.2 مليارات دولار فقط (15).

وعلاوة على ذلك، تبقى البيروقراطية المتجذِّرة وتفضيل شركات النفط الوطنية يعوقان استغلال الفرص الاستثمارية من قبل الشركات الأجنبية، ومنها الخليجية. كما أن ارتفاع معدلات الفساد وضعف البنية التحتية يقوِّضان الأداء الاقتصادي بشكل عام. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الهند احتلت مرتبة متأخرة "130" عالميًّا، في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في العام 2016 الذي يصدر سنويًّا عن البنك الدولي (16)، و"76" عالميًّا في تصنيف مؤشر مدركات الفساد في العام 2015، الذي تنشره منظمة الشفافية العالمية (17).

في جانب آخر، تعمل الهند جاهدة على تنويع مصادر واردات النفط الخام والغاز الطبيعي المسال؛ حيث يبدو أن نيودلهي قد بدأت تنظر على نحو متزايد إلى الدول الإفريقية، وإيران، والعراق كمصادر أخرى لتنويع محفظتها من الواردات النفطية. هنا يمكن الإشارة (انظر الشكل 3) إلى أن الواردات النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي قد تراجعت منذ عام 2013 نتيجة ارتفاع الواردات من العراق بشكل ملحوظ. علاوة على ذلك، فقد وقَّعت الشركات الهندية العديد من العقود مع الشركات الأميركية والأسترالية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وهو أمر قد يكبح استيراد كميات كبيرة من دولة قطر في الأجل المتوسط. على المدى الطويل، ربما تنجح إيران و/أو تركمانستان في مدِّ خط أنابيب لتزويد الهند بالغاز الطبيعي وهو بالمحصلة قد يؤدي إلى تقليل الطلب على الغاز القطري. 
_______________________________
د. ناصر التميمي - أكاديمي وباحث مختص بقضايا الطاقة

ABOUT THE AUTHOR

References

1- Narayan V, “India – U.A.E: Leaning in,” Newsweek, 17 February 2016. And International Gas Union, “World LNG Report – 2015 Edition,” June 2015, (accessed 19 March 2016), http://www.igu.org/sites/default/files/node-page-field_file/IGU-World%2…;
2- “India – U.A.E: Leaning in,” مرجع سابق
3- IMF, “Direction of Trade Statistics (DOTS),” (accessed 18 March 2016), http://data.imf.org/?sk=9d6028d4-f14a-464c-a2f2-59b2cd424b85&ss=1454702…;
4- IEA, “Oil Markets Report,” 9 February 2016, (accessed 20 March 2016), https://www.iea.org/media/omrreports/fullissues/2016-02-09.pdf 
5- المرجع السابق.
6- BP, “Energy Outlook 2016 edition,” 10 February 2016, (accessed 15 March 2016), 
http://www.bp.com/en/global/corporate/energy-economics/energy-outlook-2…;
7- Business Monitor International (BMI), “India Oil & Gas Report Q1 2016,” January 2016, p. 55.
8- Petroleum Economist, “The next China?”22 February 2016, (accessed 17 March 2016), 
http://www.petroleum-economist.com/IssueArticle/3531105/Archive/The-nex…;
9- IEA, “India Energy Outlook 2015,” 28 November 2015, (accessed 14 March 2016), 
http://www.worldenergyoutlook.org/media/weowebsite/2015/IndiaEnergyOutl…;
10- Sen A, and Sen A, “India’s Oil Demand: On the Verge of ‘Take-Off’?” Oxford Institute for Energy Studies, 14 March 2016, (accessed 15 March 2016), https://www.oxfordenergy.org/publications/indias-oil-demand/ 
11- HSBC, "Trade Forecast Reports," (accessed 15 March 2016), https://globalconnections.hsbc.com/uae/en/tools-data/trade-forecasts&nb…;
12- Business Standard, “Govt in talks with GCC countries on oilforfood scheme: Pradhan ,” 11 March 2016, (accessed 14 March 2016), http://www.business-standard.com/article/economy-policy/govt-in-talks-w…;
13- “India Energy Outlook 2015,” مرجع سابق
14- IMF, “India: Country Report No. 16/75,” 2 March 2016, (accessed 16 March 2016), http://www.imf.org/external/pubs/cat/longres.aspx?sk=43758 
15- Jacob, J. “Centre reads signs from UAE, eyes big money from Gulf,” Hindustan Times, 13 September 2015, (accessed 16 March 2016), http://www.hindustantimes.com/business/centre-reads-signs-from-uae-eyes…;
16- The World Bank, “Doing Business 2016,” 27 October 2015, (accessed 15 March 2016), https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/22771 
17- Transparency International, “Corruption Perceptions Index 2015,” 27 January 2016, (accessed 15 March 2016), http://www.transparency.org/cpi2015#results-table