إيران والانتخابات: متابعة تحليلية

يفتح مركز الجزيرة للدراسات متابعته التحليلية للانتخابات الرئاسية الإيرانية بأوراق تقرأ الخارطة السياسية الإيرانية، وتشعباتها، وترصد خيارات التيارات الرئيسية على الساحة الإيرانية وآلياتها لإدارة المنافسة الانتخابية فضلًا عن تناول الملفات موضع النقاش والجدل.
18 April 2017
cab3f395f6b8486cb74ed90696a245c9_18.jpg

يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة، 19 مايو/أيار المقبل، للتصويت في انتخابات رئاسية، وأخرى للمجالس البلدية، وتأتي هذه الانتخابات بعد سريان تطبيق الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن طهران، وفي ظل أزمة يمر بها الاتفاق مع الطرف الأميركي، الذي بدأ بعرقلة تنفيذ بنوده.

وتعد هذه الانتخابات اختبارًا للمزاج العام، بشأن تطبيق الاتفاق ونتائجه، ومؤشرًا على مدى الرضا عن سياسات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ومحاكمة لإنجازاته خاصة على الصعيد الاقتصادي.

وقد أُقفل باب الترشيح، وسيتم الإعلان عن أسماء المقبولين بصورتها النهائية، بعد حوالي أسبوعين. وتبعًا لمسار إجراء الانتخابات، فإن طلبات الترشح تمر بعدة مراحل، حيث إنها تُعرَض في  المرحلة الأولى على وزارة الداخلية، قبل أن تنتقل إلى مجلس صيانة الدستور، صاحب القرار الفصل برفض ملفات الترشيح أو قبولها، وكثيرًا ما يجري رفض طلبات ترشح حتى من مسؤولين سابقين على غرار ما حدث مع هاشمي رفسنجاني، الذي تقلَّد مناصب عدَّة لكنه لم يسْلَم من مقصلة صيانة الدستور.

ولن يُسمح للمرشحين والأحزاب الداعمة لهم بالبدء بالدعاية الانتخابية قبل موعدها، والتي تأتي لاحقة لقرار مجلس صيانة الدستور؛ إذ من المتوقع أن تنطلق الحملات الانتخابية في 28 أبريل/نيسان الحالي ولمدة عشرين يومًا، وتنتهي قبل يوم من عملية الاقتراع التي يحق لـ55 مليون ناخب إيراني ممن تجاوزوا الثامنة عشرة المشاركة فيها. وتنسب وزارة الداخلية الإيرانية إلى استطلاعات للرأي أُجريت في إيران القول أن المشاركة في هذه الانتخابات ستتجاوز 60% (1).

وبالدخول المدوي للرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، لقائمة الذين سُجِّلوا كمرشحين، وتأكيد ترشح رجل الدين الأصولي، والمدعي العام السابق، إبراهيم رئيسي (كمرشح مستقل)، فإن المنافسة الانتخابية تشير إلى أربعة أسماء رئيسية، هي: الرئيس الحالي، حسن روحاني، المحسوب على تيار الاعتدال والذي جاء بدعم من التيار الإصلاحي، والرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، وإبراهيم رئيسي، وحميد بقائي، النائب السابق لأحمدي نجاد، والذي يأتي مدعومًا من "التيار الأحمدي نجادي". 

المسار الانتخابي (1980 – 2013)

جرت في إيران 11 عملية انتخابية لرئاسة الجمهورية، واكبها ونتج عنها أحداث ومنعطفات، شكَّلت المشهد السياسي الذي نراه في إيران اليوم، جاءت الأرقام فيها وفق الجداول التالية(2):

الانتخابات الرئاسية 1980  

 

ما لبث أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية، أن بدأ مواجهة وحربًا، بعد دعوته إلى وقف هيمنة رجال الدين على السياسة الإيرانية.

وفي سنة 1981، أجبر المجلس، الذي يسيطر عليه حزب "جمهورى اسلامى"، بني صدر على الهرب، وبدأت موجة من الاعتقالات، وأُلقي القبض على آلاف من الناشطين من الجماعات القومية واليسارية، وكثير منهم حوكم وأُعدم في وقت لاحق في محاكمات ترأسها آية الله صادق خلخالي(3). 

الانتخابات الرئاسية 1981 

 

الانتخابات الرئاسية (للمرة الثانية)عام 1981

شهدت تلك الفترة بداية الخلاف الدامي بين منظمة "مجاهدي خلق" والنظام الناشئ حديثًا؛ ففي 12 يونيو/حزيران 1981، فجّرت المنظمة مقرَّ حزب الجمهورية الإسلامية متسببين بمقتل أكثر من 82 شخصًا من رجال الدين والوزراء والنواب بينهم رئيس مجلس القضاء الأعلى، آية الله بهشتي، ثم فجَّرت مقر رئاسة الجمهورية في 30 أغسطس/آب 1981، عندما كان مجلس الدفاع الأعلى يعقد اجتماعًا طارئًا لتدارس أوضاع الجبهات فقُتل الرئيس المنتخب للتوِّ، محمد علي رجائي، ورئيس وزرائه، محمد جواد باهنر. لتدخل إيران انتخابات جديدة في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام(4)، ليُنتخب مرشد الثورة الحالي آية الله علي خامنئي رئيسًا للجمهورية، ويستمر لدورتين. 

 

الانتخابات الرئاسية عام 1985 

 

كان آية الله الخميني رافضًا بصورة كبيرة لترشيح رجال الدين لمنصب رئيس الجمهورية، ولذلك لم يترشح أي منهم حتى الدورة الثالثة، عندما قدَّم حزب الجمهورية الإسلامية، اقتراحًا إلى الإمام الخميني يتضمن ترشيح واحد من رجال الدين للمنصب، فوافق على ذلك وأيَّد انتخاب آية الله خامنئي الذي تزعَّم الحزب بعد مقتل الدكتور بهشتي. وفاز خامنئي بالأغلبية، وبعد مشاورات عديدة بشأن رئاسة الحكومة، قدَّم خامنئي مير حسين موسوي لشغل المنصب، فحاز تأييد مجلس الشورى. وكما استطاع الحزب إحراز منصب رئاسة الجمهورية حاز أيضًا منصب رئاسة الحكومة(5).

في الفترة التي حكم فيها خامنئي رئيسًا، ساد الخطاب الذي سُمي بـ"خطاب الدفاع المقدس"، وهو الخطاب الذي ساد العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية وجاء مواكبًا لظروف الحرب، ويقوم على أن صدام حسين شنَّ حربًا ظالمة ضد الجمهورية الإسلامية الفتية، بتحريض ودعم من قوى الاستكبار العالمي، وجاء توقيت الحرب في مرحلة استثنائية من عمر الجمهورية الإسلامية التي كانت في طور البناء‌. وقد قدَّمت إيران في هذه الحرب 300,000 قتيل وجريح حرب، ووقعت عشر محافظات و85 مدينة وقرية ضحية لضربات هذه الحرب(6)، وأدى القصف إلى خسائر مادية قُدِّرت بـ 100,000 مليار دولار(7).

قاد هذا الوضع إلى جعل خطاب "الدفاع" هو الخطاب السائد في المجتمع الإيراني. وفي ضوء هذا الخطاب سادت ثقافة التدين، وطلب الآخرة، وتعظيم الجوانب الرُّوحية، وثقافة عاشوراء، وهجر الدنيا، وتقديم المصلحة الجماعية على المصالح الفردية، والولاء والبراء، وأصبحت هذه المفردات والمعاني بمثابة قواعد يطبِّقها الإيرانيون(8). ونجح الخطاب في توظيف الأيديولوجيا التي أوجدتها الثورة، للوصول إلى نتائج عملية مؤثِّرة من خلال إثارة مشاعر الشعب(9). 

الانتخابات الرئاسية عام 1989

يُطلَق على الفترة التي حكم فيها هاشمي رفسنجاني رئيسًا لإيران، فترة "إعادة البناء"؛ فبعد قبول الجمهورية الإسلامية قرار وقف الحرب، ورحيل الإمام الخميني، برزت، على رأس أولويات إيران، "ضرورة إعادة البناء"، ونجحت عمليات إزالة الدمار الناجم عن الحرب، وإعادة بناء البنية التحتية، والخروج بالبلد من الاعتماد الشديد على الاقتصاد المرتكز على النفط، وتوسيع مساحة الدبلوماسية في جعل "خطاب البناء" فكرًا وأيديولوجيا إنقاذ للثورة في عقدها الثاني. وفي ضوء هذا الخطاب، شهدت إيران تحسينات واسعة؛ إذ أُعيدت البِنى التحتية، وجرى تنظيم دورة الواردات، وأُعيد بناء الجزء الأكبر مما دمرته الحرب. وأخذ التكنوقراط على عاتقهم جزءًا كبيرًا من إدارة البلد، وذلك في إطار حزب "كوادر البناء". لقد أراد هاشمي رفسنجاني تغيير مسار السياسة التي حكمت إيران طوال فترة الحرب، وهي الفترة التي سيطر فيها اليسار الإيراني على مقاليد السلطة واستطاع أن يوصل النمو الاقتصادي إلى رقم من خانتين لأول مرة بعد الثورة، وسعى بصورة معلنة وواضحة لوضع سياسات مير حسين موسوي جانبًا بهدف إحداث تعديلات اقتصادية، وأصبح الملف الاقتصادي بيد الوزير نوربخش الذي كان قد تلقَّى تعليمه في أميركا، ولم يكن يقبل باقتصاد الدولة. لقد جاء خطاب هاشمي مختلفًا ??? درجة، مقارنة بخطاب موسوي؛ الأمر الذي عبَّر عن نفسه في الميادين السياسية والاقتصادية. 

 

ويرى منتقدو هذا الخطاب وخصومه أنه قدم تعريفًا غير أيديولوجي للدين، ودفع به إلى زوايا خاصة ومحدودة، مهمشًا دوره وحضوره في الحياة العامة.

ويصبُّ هذا الخطاب جُلَّ اهتمامه على التنمية الاقتصادية بشكلها الرأسمالي. وكان رفسنجاني يركز على وجه ليبرالي وتنموي للثورة، وكان يعتقد أن المسألة المهمة لإيران لا تتمثل في القضايا الثقافية، وإنما في العبور من التخلف، والانتقال إلى مرحلة جديدة، وكان هاجسه هو تحديث إيران(10). 

الانتخابات الرئاسية عام 1993 

 

تضمَّن خطاب البناء إشكالًا رئيسيًا تلخَّص بصرف الاهتمام إلى التنمية الاقتصادية، وتجاهل "العدالة والجوانب الرُّوحية"، وتقديم تصور جديد لـ "الثقافة والحرية" خارج الإطار الذي عرفته الثورة، وقام الشعار الرئيسي للتكنوقراط على أساس التعمير والتنمية من دون الاهتمام بالعوامل المؤثِّرة في ذلك. ولم يَحُلْ الاعتراض الكبير والانتقادات التي طالت هذا التوجه حتى من طرف مرشد الثورة الإسلامية، دون استمرار هذا الخطاب الذي لم يؤتِ في النتيجة ثماره التي أعلن السعي لتحقيقها، وأظهر المجتمع الإيراني موقفًا رافضًا لاستمرار هذا الخطاب، وعبَّر هذا الموقف عن نفسه في مختلف الانتخابات، لكن الأمر استغرق ثمانية أعوام ليعلن الناس رأيهم القاطع في عقم هذا الخطاب وفشله(11).

الانتخابات الرئاسية عام 1997

في الثاني من (خرداد عام 1376 ش وفق السنة الفارسية) (سنة 1997) عاد زمام تشكيل الخطاب في إيران إلى يد الحكومة من جديد، ويمكن القول: إن العقد الثالث من عمر الثورة هو عقد خطاب الإصلاح على أساس "التنمية السياسية"، كما يمكن القول: إن الحرية والمشاركة العامة، والانتخابات والانفتاح في السياسة الخارجية، والتوسع في المؤسسات الديمقراطية، هي عدد من الميزات الرئيسية لهذا الخطاب. لقد جاء الخطاب الإصلاحي خلال الفترة التي امتدت ثماني سنوات (1997-2005)، واستطاع أن يمسك بزمام السلطة التنفيذية وغيرها من مراكز القوة في البلد. وفي الواقع، جاء هذا الخطاب في إثر التجاهل الذي أبداه خطاب (إعادة البناء) لموضوعات التنمية الثقافية والاجتماعية والسياسية. 

 

لقد كانت المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، والتي وصلت إلى 30 مليون ناخب، نقطة انطلاق الخطاب الإصلاحي الذي امتد على مساحة زمنية وصلت إلى ثماني سنوات (1997-2005). وهذه المشاركة المليونية كانت في حقيقتها دليلًا على الفضاء الاجتماعي والثقافي الذي كان سائدًا في إيران في مطلع تلك الفترة، والذي حمل مطالبات شعبية بتعزيز سلطة الشعب، وجاء مصحوبًا بعدد من المتغيرات المهمة التي من الممكن ربطها بالتنمية والرغبة في التغيير، ومن أهمها(12):

  • التغيير الذي طال التركيبة السكانية وما رافقها من زيادة لقطاع الشباب.
  • حياة المدن والتحضر وانتشار النزوع نحو الهجرة إلى المدن وما تبع ذلك من نزعة تَحْمِل توقعات أكبر وتطالب برفاهية أكبر في مستوى المعيشة.
  • التطور الكمِّي والنوعي الذي طال المؤسسات التعليمية والثقافية وتطور الجامعات وزيادة عدد الطلاب بصورة غير مسبوقة، والتغييرات التي أصابت هيكلية نظام الطبقات الاجتماعية والاقتصادية وما رافق ذلك من شيوع الثقافة الاستهلاكية.
  • حدوث تغييرات جذرية في نظام القيم والمعايير الاجتماعية، وتقديم نظم قيمية جديدة.
  • ظهور تغييرات كبيرة في السياسة العالمية.
  • ثورة الاتصالات وانتهاء عصر الاحتكار الإعلامي.
  • ظهور جيل جديد من النخب السياسية وزيادة الوعي السياسي.
  • زيادة النشاط الدبلوماسي وسياسة فض النزاع في السياسة الخارجية(13). 

الانتخابات الرئاسية عام 2001 

 

عقب فوز خاتمي، سعت شخصيات إصلاحية، معظمها تولَّى مناصب مهمة، لتعريف حركتها على أنها ثورة، أو شبه ثورة، كما سعت لإعطاء حركتها صبغة خاصة واتجاهًا خاصًّا. ويُلاحَظ على أفراد كثيرين منهم أنهم توجهوا، على الرغم من تخصصاتهم الفنية، إلى دراسة العلوم الإنسانية، وانصرفوا إلى الاهتمام بموضوعات ناشئة عن تيار المثقفين الجدد، وبأُخرى متعلقة بجدل الفكر الديني، وقامت، في معظمها، على شخصيات محورية، مثل عبد الكريم سروش الذي وجد في التيار رافعة لإعادة إنتاج أفكاره على الصعيد الاجتماعي والفكري. وفي البداية، كانت الحلقة الفكرية التي سُميت حلقة "كيان"، وبعدها مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية، وغيرهما من المؤسسات التي شكَّلت بؤر التنظير الأساسية للفكر الإصلاحي(14). وقام الخطاب الإصلاحي بصورة محورية على "الشعب"، كما كان متضمِّنًا بصورة أساسية، محاور "التنمية السياسية" و"المجتمع المدني" و"تنظيم القانون"(15).

لكن، على الرغم من عدد لا يُستهان به من إنجازات هذا الخطاب الإيجابية، فإنه لاقى كثيرًا من النقد، ومنه أن "الدِّين والقيم الرُّوحية" تعرَّضا للتهميش بسبب هيمنة النظرة العلمانية. وانصرف همُّ المسؤولين إلى السعي لـ"وضع الديمقراطية على طاولة الشعب"، لكن ذلك رافقه إخفاق اقتصادي، ومعدلات تضخم مرتفعة، وإغلاق المصانع بسبب التضخم، وركود عمليات الإنتاج، وارتفاع معدلات البطالة، وتجاهل إعادة إعمار البلد وتطويره، وغيرها من النواقص التي قيل: إن هذا الخطاب مسؤول عنها(16). ومع ذلك، حاول بعض واضعي هذا الخطاب، مثلما حاول واضعو خطاب البناء، جعْل الإصلاحات مصبوغة بصبغة محلية، وتبرئتها من التبعية للغرب، لكن أزمة التعريف ظلت تلاحق الإصلاحات، فحتى اليوم لا يوجد تعريف واحد لهذا الخطاب، ويرى كثيرون أن طيفًا راديكاليًّا داخل صفوف الإصلاحيين جعل من هذا الخطاب نسخة مقلدة للنموذج الغربي؛ الأمر الذي أدى إلى إدبار الناس عنه بعد ثمانية أعوام، ليقرر الناس فشله رسميًّا في الانتخابات الرئاسية لسنة (2005). 

الانتخابات الرئاسية عام 2005 (الجولة الأولى)

أسَّست هذه الانتخابات لما يمكن أن نطلق عليه: إقصاء رفسنجاني، وتقييد دوره في الحياة السياسية الإيرانية، وأوجدت هذه الانتخابات منافسة سياسية تحولت إلى مواجهة سياسية بين محمود أحمدي نجاد الذي انتُخب على خلاف التوقعات وبين شخصية من أكثر الشخصيات السياسية الإيرانية تأثيرًا هي الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء السابق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام. فقد استطاع نجاد صاحب الخطاب الشعبي والأصولي أن يتفوق على صاحب خطاب البناء، بصورة فتحت صفحة مواجهة سياسية أخذت أوجها في عام 2009 ولم تنته إلى اليوم. ونظر العديد من الناشطين والخبراء والمحللين السياسيين إلى انتخابات 2005 باعتبارها حدثًا مهمًّا في التاريخ السياسي للثورة الإسلامية، ولإثبات وجهة النظر هذه قدموا دليلين: أولهما: نتائج الانتخابات ذاتها؛ حين تمكَّن مرشح، ومن دون دعم من أي طرف أو مجموعة أو حزب، وبلا استخدام وسائل الإعلام، من أن يضع قدمه في ساحة المنافسة، مركِّزًا على مناقشة وعرض مطالب الناس التي نسيها أو تجاهلها منافسوه، ومن التقدم على المرشحين الآخرين، على الرغم من أن كلًّا منهم دخل المنافسة بفريق إعلامي كامل وحملة انتخابية باهظة التكاليف. 

 

الانتخابات الرئاسية عام 2005 (الجولة الثانية) 

 

واعتبر هاشمي رفسنجاني عدم فوزه في الانتخابات منذ الدور الأول أنه كان "أمرًا مبرمجًا بالكامل" وجاء في إطار "مدبَّر ومنظَّم"، ولم يُرجع خسارته إلى موقف الناس من أدائه السياسي وإنما جرَّاء حملة من "التخريب والتشويه المنظَّم"(17). 

الانتخابات الرئاسية عام 2009 

 

مع هذه الانتخابات، دخلت إيران أزمة سياسية مع إعادة انتخاب أحمدي نجاد، وهي النتائج التي شكَّك بها خصومه ومنافسوه، وقادت حالت عدم الرضى هذه إلى اندلاع مظاهرات ومواجهات، رفع المتظاهرون فيها شعار: "أين صوتي؟"، فيما وصفها النظام بـ"الفتنة". وما زالت تبعات تلك المرحلة ماثلة إلى اليوم على شكل احتقان سياسي، يعبِّر عنه وضع زعماء المعارضة (مير حسن موسوي ومهدي كروبي) قيد الإقامة الجبرية.

في فترته الرئاسية الثانية، لم يحظَ أحمدي نجاد بتأييد الحرس ورجال الدِّين على غرار دورته الأولى، وحدث نوع من الصدام بشأن النشاط الاقتصادي للحرس، وواجه خلافًا مع المرشد على خلفية عدَّة قضايا. مرات ثلاث سعى الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، فيها ليخلق لنفسه مسار قرار مستقل عن المرشد الأعلى. وجاءت المرات الثلاث في قضايا حساسة، أولها: عندما عيَّن أحمدي نجاد صهره وصديقه، رحيم مشائي، نائبًا له، رغم النقد الشديد ولم يتراجع عنه إلا بعد أمره من خامنئي صراحة بتنحيته(18).

تكررت محاولة خلق المسار المستقل عندما أقال نجاد بصورة مهينة وزير خارجيته، منوشهر متكي، بعد خلافات بشأن السياسة الخارجية وبعد أن أدخل نجاد مسارًا دبلوماسيًّا موازيًا إلى جانب وزارة الخارجية، رغم معارضة خامنئي لذلك. جاءت المحاولة الثالثة لتدفع الأمور إلى المواجهة عندما أقدم أحمدي نجاد على إقالة وزير الاستخبارات الإيرانية، حُجَّة الإسلام حيدر مصلحي، رغم معارضة المرشد.

ومع طروحاته بشأن "المدرسة الإيرانية" وغيرها من القضايا، بدأ يوصف تياره من قبل رجال الدين بـ"تيار الانحراف"، ورفع مصباح يزدي دعمه عنه، وخرج أحمدي نجاد من الرئاسة بمستوى أعلى من الجدل والخلاف الذي دخل به. 

الانتخابات الرئاسية عام 2013

فاز حسن روحاني، الذي يتبنى طروحات هي الأقرب لطروحات رفسنجاني، بعد أن هُزم التيار الأصولي في هذه الانتخابات، وتلقَّى "لا" قاسية من الناس، فقد  رأى كثير منهم أن رفض التيار الأصولي أصبح أمرًا واجبًا "أكثر من قوتهم اليومي"(19). ولم يجد جليلي الدعم الذي كان متوقعًا لأن الناس كانت ترى فيه "أحمدي نجاد جديدًا"، فيما تحتاج إيران إلى التغيير للخروج من الأزمة. لم ينجح الأصوليون في الإجماع على مرشح واحد. 

 

وعد روحاني بأن حكومته "التدبير والأمل" ستجد مخارج مشرفة لقضايا حساسة، مثل: المواجهة مع الغرب بخصوص الملف النووي، وتردي علاقات إيران دوليًّا، وعزلة طهران عن المجتمع الدولي. وكرَّر روحاني توجهات رفسنجاني على صعيد العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة التي قطعت علاقاتها مع إيران في أعقاب اقتحام الطلبة للسفارة الأميركية في طهران عام 1979، ويرى أن القطيعة يجب ألا تستمر(20).

نجح روحاني في إنجاز اتفاق نووي، ونزع فتيل التوتر مع الغرب، لكن إنجازاته الاقتصادية بقيت متواضعة على الرغم من نجاحه في خفض معدل التضخم. أما على صعيد السياسة الخارجية، فما زالت العلاقة مع العالم العربي في غالبيتها مأزومة، وفي مقدمة ذلك العلاقة مع السعودية فيما تقف معضلات مثل الأزمة السورية وما وصل إليه التدخل الإيراني إضافة إلى اليمن  كعلامات بارزة على فشل روحاني في إدارة هذا الملف. 

متابعة تحليلية

يفتح مركز الجزيرة للدراسات متابعته التحليلية لهذه الانتخابات بقراءة للخارطة السياسية الإيرانية، وتشعباتها، ويتناول الباحث والأستاذ الجامعي الإيراني، عماد آبشناس، هذه القضية برصد خيارات التيارات الرئيسية على الساحة الإيرانية وآلياتها لإدارة المنافسة الانتخابية فضلًا عن تناول الملفات موضع النقاش والجدل على الساحة الانتخابية، ويسعى الباحث أيضًا إلى تتبع حظوظ قوى وتيارات أخرى تأتي خارج قطبية الإصلاحيين والأصوليين، وتلمُّس قدرتها على التأثير في سير ونتائج الانتخابات، ومن أبرز هذه القوى تيار الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي يخط لنفسه مسارًا مغايرًا في الطرح وطريقة العمل.

ويبرز الملف الاقتصادي بقوة في هذه الانتخابات، وهو ما يتناوله تامر بدوي في ورقة ترصد بالأرقام المستنِدة إلى تقارير البنك المركزي الإيراني ومؤسسات أخرى داخل وخارج إيران، وتبحث ورقة بدوي بصورة دقيقة تأثيرات ما حققه فريق روحاني على الصعيد الاقتصادي، وفي مقدمة ذلك: خفض معدل التضخم وارتفاع معدل النمو، وكذلك إخفاقاته، وفي مقدمة هذه الإخفاقات: ارتفاع معدل البطالة، إضافة لإخفاقات أخرى انتقدها مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، ولم يفلح الرئيس روحاني بتبريرها وبيان أسباب التقصير فيها.

وتقف ملفات أخرى حاضرة في هذه الانتخابات كملف السياسة الخارجية، والقضية السورية بشكل خاص، وهو ما سيتضح بصورة كبيرة في البرامج الانتخابية ومناظرات المرشحين خلال الأسابيع القادمة، وما سنرصده تباعًا؛ إذ سيتم تحديث هذه المتابعة بصورة دائمة.

______________________

فاطمة الصمادي - باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني

ABOUT THE AUTHOR

References

1- بدء تقديم طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية، الجزيرة نت، 11 نيسان/ إبريل 2017، تاريخ الدخول(11 نيسان/ إبريل 2017):

http://www.aljazeera.net/news/international/2017/4/11/%D8%A8%D8%AF%D8%A1-%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D8%B7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D8%AD-%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9 

2- مصدر الأرقام الواردة في هذه الجداول هي: وزارة الداخلية الإيرانية، بعض الصحف الإيرانية، وبعض المواقع الإخبارية

http://www.moi.irMinistry of Interior 

http://www.etemaad.ir/Released/87-12-17/313.htm 

http://www.bbc.co.uk/persian/iran/2009/05/090509_ra_ir88_candidates.shtml

3الصمادي، فاطمة، التيارات السياسية في إيران، المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات، 2012، ط 1، ص31

4- الصمادي، مرجع سبق ذكره، ص 40

5- رسول بابائي، "ظهور وافول گفتمانهاى سياسى در ايران" ("ظهور وأفول الخطاب السياسي في إيران")، صحيفة "ابتكار"، الحلقة الأولى (13 أيلول/ سبتمبر 2010) ، ويمكن إيجادها أيضا على الموقع الرسمي لداود فيرحيتاريخ الدخول(11 نيسان/ إبريل 2017):

http://www.feirahi.ir/?article=159 

6- مرکز مطالعات وتحقيقات جنگ، "سيري در جنگ ايران وعراق؛ از خونين شهر تا خرمشهر"،(" استعرض الحرب العراقية الإيرانية، من مدينة خونين حتى خرمشهر")، (تهران: سپاه پاسداران انقلاب اسلامي، چاپ دوم، 1373).

7- علي دارابي، "کارگزاران سازندگي از فراز تا فرود"،("كوادر البناء من الإرتفاع إلى الهبوط")، (تهران: نشر سياست، 1381)، ص 74.

8- صحيفه "نور"، ج20، ص 195.

9- حسين بشيريه، "انقلاب وبسيج سياسي"،("الثورة و التعبئة الإجتماعية")، (تهران: دانشگاه تهران، چاپ اول، 1372)، ص 82.

10- الصمادي، مرجع سبق ذكره، ص 54

11- الصمادي، مرجع سبق ذكره، ص 54

12-  بهرام اخوان كاظمي، "آسيب ‌شناسى گفتمان اصلاح ‌طلبي" "علم مشكلات الخطاب الإصلاحي"، دورية زمانه ، العدد 81 ، خرداد 1388 ، ص 63-72.

13- المصدر نفسه.

14- يرد هذا الجانب بصورة مفصلة في كتاب: سلمان علوي نيك،" "آسيب ‌شناسى حزب مشاركت ايران اسلامى"،("مشكلات حزب المشاركة")، (تهران: مركز اسناد انقلاب اسلامى. وقد نُشر الكتاب على حلقات في الموقع الإلكتروني لوكالة "فارس للأنباء" في 10/8/1388، تاريخ الدخول(11 نيسان/ إبريل 2017)

 www.farsnews.com/newstext.php?nn=8807270286 

15- علي ‌أصغر سلطاني، "قدرت، گفتمان وزبان"،("القوة، الخطاب و اللغة")، (تهران: نى، 1384)؛ اخوان كاظمي، مصدر سبق ذكره.

16- علي دارابي، "انتخابات هشتم: تحليلي بر هشتمين دوره ى انتخابات رياست جمهوري" ("الانتخابات الثامنة: تحليل للدورة الثامنة لانتخابات رئاسة الجمهورية")، (تهران: نشر سياست، 1381)، ص 50-57.

17- "هاشمي انتخابات را آلوده به دخالتهاي سازمان يافته دانست" ("هاشمي يصف الانتخابات بأنها ملوثة بالتدخل المنظم)، الموقع الإلكتروني "بي. بي. سي." بالفارسية،19/6/2005، تاريخ الدخول(11 نيسان/ إبريل 2017):

http://www.bbc.co.uk/persian/iran/story/2005/06/050619_mf_hashemi.shtml 

18- فاطمة الصمادي، مرجع سبق ذكره، صص 247- 334

19- تابناک: رأي‌دهندگان به جريان اصولگرايي "نه" گفتند (تابناك: الناخبون قالوا: لا للأصوليين)، 15-6-2013:

http://www.iran-emrooz.net/index.php/news2/46094/ 

20دولت تدبير واميد (حكومة التدبير والأمل)، البرنامج الانتخابي لحسن روحاني، خرداد ماه 1392، طهران ص 102-105.

عودة للصفحة الرئيسية لملف "انتخابات الرئاسة الإيرانية 2017"